|
||||||||||||||||||||||||||||||
(556)
بيدها ، تكبِّر وتسبِّح ، حتى قتل حمزة بن عبد المطلب ، فاستعملت تربته ، وعملت التسابيح ، فاستعملها الناس ، فلمَّا قتل الحسين صلوات الله عليه عدل بالأمر إليه ، فاستعملوا تربته لما فيها من الفضل والمزية.
وقال أيضاً في المزار الكبير : وروي أن الحور العين إذا أبصرن بواحد من الأملاك يهبط إلى الأرض لأمر ما يستهدين منه السُبح والتربة من طين قبر الحسين ( عليه السلام ). وروى معاوية بن عمار ، قال : كان لأبي عبدالله ( عليه السلام ) خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبدالله ( عليه السلام ) ، فكان إذا حضرت الصلاة صبَّه على سجّادته ، وسجد عليه ، ثمَّ قال ( عليه السلام ) : السجود على تربة الحسين ( عليه السلام ) يخرق الحجب السبع. وروى جعفر بن عيسى أنه سمع أبا الحسن ( عليه السلام ) يقول : ما على أحدكم إذا دفن الميت وسدَّه بالتراب أن يضع مقابل وجهه لبنة من طين الحسين ( عليه السلام ) ، ولا يضعها تحت رأسه (1). ولله درّ ابن العرندس عليه الرحمة إذ يقول :
1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي 98/133 ـ 136. 2 ـ الغدير ، الأميني : 7/15. (557)
جاء في زيارة جابر بن عبدالله الأنصاري ( رضي الله عنه ) يوم زار الحسين ( عليه السلام ) أنه قال في زيارته : فأشهد أنَّك ابن خاتم النبيين ، وابن سيِّد المؤمنين ، وابن حليف التقوى ، وسليل الهدى ، وخامس أصحاب الكساء ، وابن سيِّد النقباء ، وابن فاطمة سيِّدة النسا ، ومالك لا تكون هكذا وقد غذَّتك كفّ سيِّد المرسلين ، وربيت في حجر المتقين ، ورضعت من ثدي الإيمان ، وفطمت بالإسلام ، فطبت حياً وطبت ميتاً ، غير أن قلوب المؤمنين غير طيِّبة لفراقك ، ولا شاكّة في الخيرة لك ، فعليك سلام الله ورضوانه ، وأشهد أنك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريا (1). روي عن داود بن فرقد ، قال : احمرَّت السماء حين قُتل الحسين بن علي ( عليه السلام ) سنة ، ثمَّ قال : بكت السماء والأرض على الحسين بن علي ويحيى ابن زكريا ( عليهما السلام ) ، وحمرتها بكاؤها (2). وعن عبد الخالق بن عبد ربه قال : سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول في قول الله عزَّ وجلَّ : « لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً » (3) قال : ذلك يحيى بن زكريا لم يكن من قبل له سمياً ، وكذلك الحسين ( عليه السلام ) لم يكن له من قبل سمياً ، ولم تبك السماء إلاَّ عليهما أربعين صباحاً ، قلت : فما بكاؤها ؟ قال : تطلع الشمس حمراء ( وتغرب حمراء ) (4). 1 ـ بشارة المصطفى ، محمد بن علي الطبري : 125. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي 14/184 عن كامل الزيارات. 3 ـ سورة مريم ، الآية : 7. 4 ـ كامل الزيارات ، ابن قولويه : 182 ح 10. (558)
وعن جابر ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن في النار منزلة لم يكن يستحقّها أحد من الناس إلاَّ بقتل الحسين بن علي ويحيى بن زكريا ( عليهما السلام ) (1).
وروي عن علي بن الحسين ( عليه السلام ) ، قال : خرجنا مع الحسين ( عليه السلام ) ، فما نزل منزلا ولا ارتحل عنه إلاَّ وذكر يحيى بن زكريا ، وقال يوماً : من هوان الدنيا على الله أن رأس يحيى أهدي إلى بغيٍّ من بغايا بني اسرائيل (2). وعن أبي بصير ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : إن الحسين صلوات الله عليه بكى لقتله السماء والأرض واحمرَّتا ، ولم تبكيا على أحد قط إلاَّ على يحيى بن زكريا والحسين بن علي صلوات الله عليهم. وعن عبدالله بن هلال قال : سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول : إن السماء بكت على الحسين بن علي ( عليه السلام ) ويحيى بن زكريا ، ولم تبك على أحد غيرهما ، قلت : وما بكاؤها ؟ قال : مكثوا أربعين يوماً تطلع الشمس بحمرة ، وتغرب بحمرة ، قلت : فذاك بكاؤها ؟ قال : نعم. وعن محمّد الحلبي ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) في قوله تعالى : « فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاءُ وَالاَْرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ » قال : لم تبك السماء أحداً منذ قتل يحيى بن زكريا حتى قتل الحسين ( عليه السلام ) ، فبكت عليه. وعن داود بن فرقد ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : احمرَّت السماء حين قتل الحسين بن علي سنة ، ثمَّ قال : بكت السماء والأرض على الحسين بن علي سنة ، وعلى يحيى بن زكريا ، وحمرتها بكاؤها. وعن جابر ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : ما بكت السماء على أحد بعد يحيى بن زكريا إلاَّ على الحسين بن علي صلوات الله عليهما ، فإنها بكت عليه أربعين يوماً. 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/301 ح 9 عن ثواب الأعمال. 2 ـ مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : 3/237 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 45/89 ح 28. (559)
وعن عمرو بن ثبيت ، عن أبيه ، عن علي بن الحسين ( عليه السلام ) قال : إن السماء لم تبك منذ وضعت إلاَّ على يحيى بن زكريا والحسين بن علي ( عليهما السلام ) ، قلت : أيُّ شيء بكاؤها ؟ قال : كانت إذا استقبلت بالثوب وقع على الثوب شبه أثر البراغيث من الدم.
وعن حنّان عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) في حديث له عن زيارة الحسين ( عليه السلام ) قال : ولكن زُرْهُ ولا تجفُه ، فإنّه سيِّد شباب الشهداء ، وسيِّد شباب أهل الجنَّة ، وشبيه يحيى بن زكريا ، وعليهما بكت السماء والأرض. وعن الحسن بن زياد ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : كان قاتل يحيى بن زكريا ولد زنا ، وقاتل الحسين ولد زنا ، ولم تبك السماء على أحد إلاَّ عليهما ، قال : قلت : وكيف تبكي ؟ قال : تطلع الشمس في حمرة ، وتغيب في حمرة. وعن كثير بن شهاب الحارثي قال : بينا نحن جلوس عند أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في الرحبة ، إذ طلع الحسين عليه فضحك عليٌّ حتى بدت نواجده ، ثمَّ قال : إن الله ذكر قوماً فقال : « فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاءُ وَالاَْرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ » والذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة ليقتلن هذا ، ولتبكين عليه السماء والأرض (1). ولله درّ الشيخ كاظم الأزري عليه الرحمة إذ يقول :
1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 45/209 ـ 212. (560)
المجلس الرابع عشر
جاء في دعاء الندبة : أينَ محيي معالَم الدينِ وأهله ، أينَ قاصمُ شوكةِ المعتدين ، أينَ هادمُ أبنيةِ الشركِ والنفاق ، أينَ مبيدُ أَهلِ الفسقِ والعصيانِ ، أينَ حاصدَ فروعِ الغيِّ والشقاقِ ، أينَ طامسُ آثارِ الزيغِ والأهواء ، أينَ قاطعُ حبائلَ الكذبِ والافتراء ، أينَ مبيدُ أهلِ العنادِ والمردة ، أينَ معزُّ الأولياء ومذلُّ الأعداء ، أينَ جامعُ الكلمةِ على التقوى ، أينَ بابُ اللهِ الذي منه يؤتى ، أينَ وجهُ اللهِ الذي إليه تتوجَّه الأولياء ، أينَ السببُ المتّصلُ بين الأرضِ والسماء ، أينَ صاحبُ يوم الفتحِ وناشرُ رايةِ الهدى ، أين مؤلِّفُ شملِ الصلاح والرضا ، أينَ الطالبُ بذحولِ الأنبياء وأبناءِ الأنبياء ، أينَ الطالبُ بدمِ المقتولِ بكربلاء (2).
انتقام الله من قتلة الإمام الحسين ( عليه السلام ) وأتباعهم على يد الإمام الحجة عجَّل الله فرجه الشريف وجاء في الزيارة الناحية المرويَّة عن الإمام الحجَّة عجَّل الله تعالى فرجه الشريف قال ( عليه السلام ) : فلئن أخَّرتني الدهور ، وعاقني عن نصرك المقدور ، ولم أكن لمن حاربك محارباً ، ولمن نصب لك العداوة مناصباً ، فلأندبنَّك صباحاً ومساءً ، ولأبكينَّ عليك بدل الدموع دماً ، حسرةً عليك ، وتأسُّفاً على ما دهاك وتلهُّفاً ، 1 ـ رياض المدح والرثاء ، الشيخ حسين القديحي : 267. 2 ـ المزار ، محمد بن المشهدي : 578. (561)
حتى أموت بلوعةِ المُصاب وغصةِ الاكتئاب (1).
وروى الشيخ الصدوق عليه الرحمة ، عن أبي حمزة ثابت بن دينار الثمالي قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي الباقر ( عليه السلام ) : يا بن رسول الله! لم سمِّي علي ( عليه السلام ) أمير المؤمنين ، وهو اسم ما سُمِّي به أحد قبله ، ولا يحلُّ لأحد بعده ؟ قال : لأنه ميرة العلم ، يُمْتَارُ منه ولا يَمْتَارُ من أحد غيره ، قال : فقلت : يا بن رسول الله! فلم سمِّي سيفه ذوالفَقَار ؟ فقال ( عليه السلام ) ، لأنه ما ضرب به أحداً من خلق الله إلاَّ أفقره في هذه الدنيا من أهله وولده ، وأفقره في الآخرة من الجنّة. قال : فقلت : يا بن رسول الله! فلستم كلكم قائمين بالحقّ ؟ قال : بلى ، قلت : 1 ـ المزار ، المشهدي : 501. 2 ـ دلائل الإمامة ، محمد بن جرير الطبري : 189. (562)
فلم سُمِّي القائم قائماً ؟ قال : لما قُتل جدّي الحسين ( عليه السلام ) ضجَّت عليه الملائكة إلى الله تعالى بالبكاء والنحيب ، وقالوا : إلهنا وسيِّدنا! أتغفل عمَّن قتل صفوتك وابن صفوتك ، وخيرتك من خلقك ؟! فأوحى الله عزَّ وجلَّ إليهم : قرَّوا ملائكتي ، فوعزّتي وجلالي لأنتقمنَّ منهم ولو بعد حين ، ثمَّ كشف الله عزَّ وجلَّ عن الأئمة من ولد الحسين ( عليه السلام ) للملائكة ، فسرَّت الملائكة بذلك ، فإذا أحدهم قائم يصلّي ، فقال الله عزَّ وجلَّ : بذلك القائم انتقم منهم (1).
وروي عن الهروي قال : قلت لأبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) : يا بن رسول الله! ما تقول في حديث روي عن الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين ( عليه السلام ) بفعال آبائها ؟ فقال ( عليه السلام ) : هو كذلك ، فقلت : وقول الله عزَّ وجلَّ : « وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى » (2) ما معناه ؟ قال : صدق الله في جميع أقواله ، ولكن ذراري قتلة الحسين يرضون بفعال آبائهم ، ويفتخرون بها ، ومن رضي شيئاً كان كمن أتاه ، ولو أن رجلا قُتل بالمشرق فرضي بقتله رجل بالمغرب لكان الراضي عند الله عزَّ وجلَّ شريك القاتل ، وإنما يقتلهم القائم ( عليه السلام ) إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم ، قال : قلت له : بأيِّ شيء يبدأُ القائم منكم إذا قام ؟ قال : يبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهم; لأنهم سرَّاق بيت الله عزَّ وجلَّ (3). وروي عن سماعة بن مهران ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) في قوله تبارك وتعالى : « فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ » (4) قال : أولاد قتلة الحسين ( عليه السلام ) (5). ولله درّ ابن العرندس عليه الرحمة إذ يقول : 1 ـ علل الشرائع ، الصدوق : 1/160 ح 1. 2 ـ سورة الأنعام ، الآية : 164. 3 ـ علل الشرائع ، الصدوق : 1/229 ح 1. 4 ـ سورة البقرة ، الآية : 193. 5 ـ كامل الزيارات ، ابن قولويه : 136 ح 6. (563)
1 ـ الغدير ، الأميني : 7/17. (564)
وشعارهم : يا لثارات الحسين ( عليه السلام ).. (1).
وجاء في كتاب المزار لمحمد بن المشهدي طيَّب الله ثراه ، في زيارة الإمام الحجة ( عليه السلام ) : السلام على الإمام العالم الغائب عن الأبصار ، والحاضر في الأمصار ، والغائب عن العيون الحاضر في الأفكار ، بقيَّة الأخيار ، الوارث ذا الفقار ، الذي يظهر في بيت الله ذي الأستار ، وينادي بشعار يا لثارات الحسين أنا الطالب بالأوتار ، أنا قاصم كلِّ جبَّار ، أنا حجَّة الله على كل كفور ختَّار ، القائم المنتظر ابن الحسن عليه وآله أفضل السلام ، اللهم عجِّل فرجه ، وسهِّل مخرجه ، وأوسع منهجه ، واجعلنا من أنصاره وأعوانه الذابّين عنه ، والمجاهدين في سبيله ، والمستشهدين بين يديه (2). ولله درّ السيد جعفر الحلي عليه الرحمة إذ يقول :
1 ـ عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) ، الصدوق : 2/268 ح 58. 2 ـ المزار ، محمد بن المشهدي : 107. 3 ـ رياض المدح والرثاء ، الشيخ حسين القديحي : 226. (565)
حملوا على الجبال لأزالوها ، لا يقصدون براياتهم بلدة إلاَّ خرَّبوها ، كأن على خيولهم العقبان ، يتمسَّحون بسرج الإمام ( عليه السلام ) يطلبون بذلك البركة ، ويحفّون به يقونه بأنفسهم في الحروب ، ويكفونه ما يريد فيهم ، رجال لا ينامون الليل ، لهم دويٌّ في صلاتهم كدويِّ النحل ، يبيتون قياماً على أطرافهم ، ويصبحون على خيولهم ، رهبان بالليل ، ليوث بالنهار ، هم أطوع له من الأمَة لسيِّدها ، كالمصابيح ، كأن قلوبهم القناديل ، وهم من خشية الله مشفقون ، يدعون بالشهادة ، ويتمنَّون أن يُقتلوا في سبيل الله ، شعارهم : يا لثارات الحسين ، إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر ، يمشون إلى المولى إرسالا ، بهم ينصر الله إمام الحق ( عليه السلام ) (1).
ولله درّ السيد صالح الحلي عليه الرحمة إذ يقول أيضا :
1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 52/307 ـ 308 ح 82. 2 ـ رياض المدح والرثاء ، الشيخ حسين القديحي : 308. (566)
روي عن عطاء بن مسلم ، قال : قال السدّي : أتيت كربلاء أبيع البرَّ بها ، فعمل لنا شيخ من طيّء طعاماً ، فتعشَّينا عنده ، فذكرنا قتل الحسين ( عليه السلام ) ، قلت : ما شرك في قتله أحد إلاَّ مات بأسوأ ميتة ، فقال : ما أكذبكم يا أهل العراق! فأنا ممن شرك في ذلك ، فلم نبرح حتى دنا من المصباح ليصلحه وهو يتّقد ، فذهب يخرج الفتيلة بإصبعه ، فأخذت النار فيها ، فأخذ يُطفئُها بريقه ، فأخذت النار لحيته ، فعدا فألقى نفسه في الماء ، فرأيته كأنه فحمة (1).
وروى المدائني عن القاسم بن الأصبغ بن نباتة ، قال : رأيت رجلا من بني أبان ابن دارم أسود الوجه ، وكنت أعرفه جميلا شديد البياض ، فقلت له : ما كدت أعرفك ، قال : إني قتلت شاباً أمرد مع الحسين ، بين عينيه أثر السجود ، فما نمت ليلة منذ قتلته إلاَّ أتاني ، فيأخذ بتلابيبي حتى يأتي جهنَّم فيدفعني فيها ، فأصيح ، فما يبقى أحد في الحيّ إلاَّ سمع صياحي ، قال : والمقتول العباس بن علي ( عليه السلام ) (2). وقال موسى بن عامر : وبعث ( أي المختار ) معاذ بن هانىء بن عدي الكندي ابن أخي حجر ، وبعث أبا عمرة صاحب حرسه ، فساروا حتى أحاطوا بدار خولي بن يزيد الأصبحي ، وهو صاحب رأس الحسين ( عليه السلام ) الذي جاء به ، فاختبأ في مخرجه ، فأمر معاذ أبا عمرة أن يطلبه في الدار ، فخرجت امرأته إليهم ، فقالوا لها : أين زوجك ؟ فقالت : لا أدري أين هو ؟ وأشارت بيدها إلى المخرج ، فدخلوا 1 ـ تذكرة الحفاظ ، الذهبي : 3/909 ، ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) من كتاب بغية الطلب في تأريخ حلب ، ابن العديم : 180 ـ 181 ح 163. 2 ـ مقاتل الطالبيين ، أبو الفرج الإصفهاني : 78 ـ 79. (567)
فوجدوه قد وضع على رأسه قوصرة ، فأخرجوه ، وكان المختار يسير بالكوفة ، ثمَّ إنَّه أقبل في أثر أصحابه ، وقد بعث أبو عمرة إليه رسولا ، فاستقبل المختار الرسول ، عند دار أبي بلال ومعه ابن كامل ، فأخبره الخبر.
فأقبل المختار نحوهم ، فاستقبل به فردَّده حتى قتله إلى جانب أهله ، ثمَّ دعا بنار فحرقه بها ، ثُمَ لم يبرح حتى عاد رماداً ، ثمَّ انصرف عنه ، وكانت امرأته من حضرموت ، يقال لها : العيوف بنت مالك بن نهار بن عقرب ، وكانت نصبت له العداوة حين جاء برأس الحسين ( عليه السلام ) (1). ومما جاء في سوء عاقبة بحر بن كعب لعنه الله تعالى ـ وهو الذي سلب ثوب الحسين ( عليه السلام ) ـ قال بعض الرواة في ذلك : ولمَّا بقي الحسين ( عليه السلام ) في ثلاثة رهط أو أربعة دعا بسراويل محقّقة ، يلمع فيها البصر ، يمانيّ محقّق ، ففزره ونكثه لكيلا يسلبه ، فقال له بعض أصحابه : لو لبست تحته تبَّاناً ، قال ( عليه السلام ) : ذلك ثوب مذلّة ولا ينبغي لي أن ألبسه ، قال : فلمَّا قُتل أقبل بحر بن كعب فسلبه إياه فتركه مجرَّداً ، قال محمد بن عبد الرحمن : إن يدي بحر بن كعب كانتا في الشتاء ينضحان الماء ، وفي الصيف كأنهما عود (2). وقال عمارة بن عمير : لما جيء برأس عبيد الله بن زياد وأصحابه ، فنصبت في المسجد في الرحبة ، فانتهيت إليهم وهم يقولون : قد جاءت ، فإذا حيَّة قد جاءت تتخلَّل الرؤوس حتى دخلت في منخري عبيد الله بن زياد ، فمكثت هنيهة ثمَّ خرجت ، فذهبت حتى تغيب ، ثمَّ قالوا : قد جاءت ، قد جاءت ، ففعلت ذلك مرَّتين أو ثلاثاً (3). 1 ـ تاريخ الطبري : 4/531. 2 ـ تاريخ الطبري : 4/345. 3 ـ سنن الترمذي : 5/325 ـ 326 ح 3869 ، البداية والنهاية ، ابن كثير : 8/208 ، المعجم الكبير ، الطبراني : 3/112 ح 2832 ، سير أعلام النبلاء : 3/548 ـ 549 ، تأريخ دمشق : 37/461. (568)
وروي عن زرارة ، قال : قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) ـ في حديث له ـ : يا زرارة! وما اختضبت منّا امرأة ، ولا ادّهنت ، ولا اكتحلت ولا رجَّلت حتى أتانا رأس عبيد الله بن زياد لعنه الله ، وما زلنا في عبرة بعده ، وكان جدّي إذا ذكره بكى حتى تملأ عيناه لحيته ، وحتى يبكي لبكائه رحمةً له مَنْ رآه (1).
وروى اليعقوبي ، قال : وجَّه المختار برأس عبيد الله بن زياد إلى علي بن الحسين ( عليهما السلام ) في المدينة مع رجل من قومه ، وقال له : قف بباب علي بن الحسين ، فإذا رأيت أبوابه قد فُتحت ودخل الناس فذلك الذي فيه طعامه ، فادخل إليه ، فجاء الرسول إلى باب علي بن الحسين ( عليهما السلام ) ، فلمَّا فُتحت أبوابه ، ودخل الناس للطعام ، دخل ونادى بأعلى صوته : يا أهل بيت النبوّة ، ومعدن الرسالة ، ومهبط الملائكة ، ومنزل الوحي ، أنا رسول المختار بن أبي عبيد ، معي رأس عبيد الله بن زياد ، فلم تبق في شيء من دور بني هاشم امرأة إلاَّ صرخت ، ودخل الرسول فأخرج الرأس ، فلمَّا رآه علي بن الحسين ( عليه السلام ) قال : أبعده الله إلى النار. وروى بعضهم قال : إن عليَّ بن الحسين ( عليه السلام ) لم ير ضاحكاً قطّ منذ قُتل أبوه إلاّ في ذلك اليوم ، وإنَّه كان له إبل تحمل الفاكهة من الشام ، فلمَّا أُتي برأس عبيد الله بن زياد أمر بتلك الفاكهة فَفُرِّقت بين أهل المدينة ، وامتشطت نساء آل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، واختضبن ، وما امتشطت امرأة ولا اختضبت مُنذ قُتل الحسين بن علي ( عليهما السلام ) (2). وممَّا جاء في انتقام الله تعالى من شمر بن ذي الجوشن لعنه الله : قال أبو مخنف : فحدَّثني مسلم بن عبدالله ، قال : وأنا والله مع شمر تلك الليلة ، فقلنا : لو أنك ارتحلت بنا من هذا المكان فإنّا نتخوَّف به ، فقال : أو كل ذا فَرَقاً من هذا الكذّاب ، 1 ـ بحار الأنوار ، العلامة المجلسي : 45/206 ح 13. 2 ـ تاريخ اليعقوبي : 2/259. (569)
والله لا أتحوَّل منه ثلاثة أيام ، ملأ الله قلوبكم رعباً ، قال : وكان بذلك المكان الذي كنَّا فيه دبا كثير ، فوالله إني لبين اليقظان والنائم إذ سمعت وقع حوافر الخيل ، فقلت في نفسي : هذا صوت الدبا ، ثم إني سمعته أشد ذلك ، فانتبهت ومسحت عيني وقلت : لا والله ما هذا بالدبا ، قال : وذهبت لأقوم فإذا أنا بهم قد أشرفوا علينا من التل فكبَّروا ، ثم أحاطوا بأبياتنا ، وخرجنا نشتدّ على أرجلنا ، وتركنا خيلنا.
قال : فأمرُّ على شمر وإنه لمتّزرٌ ببرد محقّق ، وكان أبرص فكأني أنظر إلى بياض كشحيه من فوق البرد ، فإنه ليطاعنهم بالرمح قد أعجلوه أن يلبس سلاحه وثيابه فمضينا وتركناه ، قال : فما هو إلاَّ أن أمعنت ساعة إذ سمعت : الله أكبر قُتل الخبيث (1). وقال القندوزي الحنفي في قصة المختار وانتقامه من قتلة الحسين ( عليه السلام ) : فتبعوا المختار ، فملكوا الكوفة ، وقتلوا الستة آلاف الذين قاتلوا الحسين ( عليه السلام ) ، وقُتل رئيسهم عمر بن سعد ، وخصَّ شمر بمزيد نكال ، وأوطأ الخيل صدره وظهره لأنه فعل ذلك بالحسين ( عليه السلام ) (2). وعن ابن عياش ، عن الكلبي قال : رأيت سنان بن أنس الذي قتل الحسين ( عليه السلام ) يَحدِث في المسجد ، شيخ كبير قد ذهب عقله (3) ، وفي سنان لعنه الله يقول الشاعر :
1 ـ تاريخ الطبري : 4/525 ـ 526 ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 23/191 ـ 192. 2 ـ ينابيع المودة ، القندوزي : 3/28. 3 ـ ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) من كتاب بغية الطلب في تأريخ حلب ، ابن العديم : 182 ح 166. 4 ـ الجوهرة في نسب الإمام علي وآله ( عليهم السلام ) ، البري : 45 ، الاستيعاب ، ابن عبد البر : 1/395. (570)
وأصاب السيف رأسه ، فأدمى رأسه ، فامتلأ البرنس دماً ، فقال له الحسين ( عليه السلام ) : لا أكلت بها ولا شربت ، وحشرك الله مع الظالمين ، قال : فألقى ذلك البرنس ، ثمَّ دعا بقلنسوة فلبسها ، واعتمَّ وقد أعيى وبلد ، وجاء الكندي حتى أخذ البرنس ، وكان من خز ، فلمَّا قدم به بعد ذلك على امرأته أمِّ عبدالله ـ ابنة الحر أخت حسين بن الحرّ البدي ـ أقبل يغسل البرنس من الدم ، فقالت له امرأته : أسلب ابن بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تُدخل بيتي ؟ أخرجه عنّي ، فذكر أصحابه أنه لم يزل فقيراً بشرٍّ حتى مات (1).
قال أبو مخنف : لمَّا أخذ الكندي عمامة الحسين ( عليه السلام ) قالت زوجة الكندي : ويلك ، قتلت الحسين وسلبت ثيابه ، فوالله لا جمعت معك في بيت واحد ، فأراد أن يلطمها فأصاب مسمارٌ يدَه ، فقُطعت يده من المرفق ولم يزل كان فقيراً (2). وروى أحمد بن حنبل في العلل ، عن عثمان بن أبي سليمان قال : لما بعث المختار برأس عمر بن سعد بن أبي وقاص إلى المدينة ألقي بين يدي علي بن الحسين ( عليهما السلام ) ، فخرَّ ساجداً (3). وروى ابن عساكر ، عن سليمان بن مسلم صاحب السقط ، عن أبيه قال : كان أول من طعن في سرادق الحسين ( عليه السلام ) عمر بن سعد ، قال : فرأيته هو وابنيه ضربت أعناقهم ، ثمَّ عُلِّقوا على الخشب ، وألهب فيهم النيران. وعن أبي المُعلى العجلي قال : سمعت أبي أن الحسين ( عليه السلام ) لمَّا نزل كربلاء فأوَّل من طعن في سرادقه عمر بن سعد ، فرأيت عمر بن سعد وابنيه قد ضربت أعناقهم ، ثمَّ علِّقوا على الخشب ، ثمَّ ألهب فيهم النار ، وقال غيره : بعث المختار بن 1 ـ تاريخ الطبري : 4/342. 2 ـ ينابيع المودة ، القندوزي : 3/82. 3 ـ العلل ، أحمد بن حنبل : 1/133 ح 11. |
||||||||||||||||||||||||||||||
|