|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
(571)
أبي عبيد إلى عمر بن سعد مولاه أبا عمر فقتله ، وقتل حفص بن عمر بن سعد (1).
وعن رباح بن مسلم ، عن أبيه قال : قال ابن مطيع لعمر بن سعد بن أبي وقاص : اخترت همذان والريّ على قتل ابن عمِّك ؟ فقال عمر : كانت أمور قضيت من السماء ، وقد أعذرت إلى ابن عمي قبل الوقعة فأبى إلاَّ ما أتى ، فلمَّا خرج ابن مطيع وهرب من المختار سار المختار بأصحابه إلى منزل عمر بن سعد فقتله في داره ، وقتل ابنه أسوأ قتلة (2). وروى ابن عساكر عن عمران بن ميثم قال : كنت جالساً عند المختار عن يمينه ، والهيثم بن الأسود عن يساره ، فقال : والله لأقتلن غداً رجلا يرضي قتله أهل السماء وأهل الأرض ، قال : وقد كان أعطى عمر بن سعد أماناً على أن لا يخرج من الكوفة إلاَّ بإذنه. قال : فأتى عمر بن سعد رجل ، فقال : إن المختار حلف ليقتلن غداً رجلا ، والله ما أحسبه يعني غيرك ، قال : فخرج حتى نزل حمام عمر ، فقيل له : أترى هذا يخفى على المختار ؟ فرجع فدخل داره ، فلمَّا كان من الغد غدوت فدخلت على المختار ، وجاء الهيثم بن الأسود فقعد ، قال : فجاء حفص بن عمر ، فقال للمختار : يقول لك أبو حفص : أتفي لنا بالذي كان بيننا وبينك ؟ قال : اجلس ، قال : فجلس ، ودعا المختار أبا عمرة ، فجاء رجل قصير يتخشخش في الحديد فسارَّه ، ثمَّ دعا رجلين ، فقال : اذهبا معه ، قال : فذهب ، فوالله ما أحسبه بلغ دار عمر حتى جاء برأسه ، فقال حفص : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، فقال المختار : اضرب عنقه ، وقال : عمر بالحسين ( عليه السلام ) ، وحفص بعلي بن الحسين ( عليهما السلام ) ، ولا سواء (3). 1 ـ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : 45/54. 2 ـ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : 45/54 ـ 55 ، الطبقات الكبرى ، ابن سعد : 5/148. 3 ـ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : 45/55 ـ 56. (572)
وعن موسى بن عامر أن المختار قال ذات يوم وهو يحدِّث جلساءه : لأقتلن غداً رجلا عظيم القدمين ، غائر العينين ، مشرف الحاجبين ، يسرُّ قتله المؤمنين والملائكة المقربين.
قال : وكان الهيثم بن الأسود النخعي عند المختار حين سمع هذه المقالة ، فوقع في نفسه أن الذي يريد عمر بن سعد بن أبي وقاص ، فلمَّا رجع إلى منزله دعا ابنه العريان فقال : الق ابن سعد الليلة ، فخبِّره بكذا وكذا ، وقل له : خذ حذرك ، فإنه لا يريد غيرك ، قال : فأتاه فاستخلاه ، ثمَّ خبَّره الخبر ، فقال له ابن سعد : جز الله بالإخاء أباك خيراً ، كيف يريد هذا بي بعد الذي أعطاني من العهود والمواثيق ؟ وكان المختار أول ما ظهر أحسن شيء سيرةً وتألُّفاً للناس ، وكان عبدالله بن جعدة بن هبيرة أكرم خلق الله على المختار لقرابته بعليّ ، فكلَّم عمر بن سعد عبدالله بن جعدة وقال له : إني لا آمن هذا الرجل ـ يعني المختار ـ فخذ لي منه أماناً ، ففعل ، قال : فأنا رأيت أمانه وقرأته وهو : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا أمان من المختار بن أبي عبيد لعمر بن سعد بن أبي وقاص ، إنك آمن بأمان الله على نفسك وأهلك ومالك وأهل بيتك وولدك ، لا تؤاخذ بحدث كان منك قديماً ما سمعت وأطعت ولزمت رحلك وأهلك ومصرك ، فمن لقي عمر بن سعد من شرطة الله وشيعة آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) وغيرهم من الناس فلا يعرض له إلاَّ بخير ، شهد السائب بن مالك ، وأحمر بن شميط ، وعبدالله بن شدَّاد ، وعبدالله بن كامل وجعل المختار على نفسه عهد الله وميثاقه ليفين لعمر بن سعد بما أعطاه من الأمان إلاَّ أن يحدث حدثاً ، وأشهد الله على نفسه وكفى بالله شهيداً. قال : وكان أبو جعفر محمد بن علي ( عليهما السلام ) يقول : أمَّا أمان المختار لعمر بن سعد إلاَّ أن يحدث حدثاً فإنه كان يريد به إذا دخل الخلاء فأحدث. قال : فلمَّا جاءه العريان بهذا خرج من تحت ليلته حتى أتى حمَّامه ، ثمَّ قال في (573)
نفسه : أنزل داري ، فرجع فعبر الروحاء ، ثمَّ أتى داره غدوة ، وقد أتى حمَّامه ، فأخبر مولى له بما كان من أمانه وبما أريد منه ، فقال له مولاه : وأيُّ حدث أعظم مما صنعت ، إنك تركت رحلك وأهلك ، وأقبلت إلى ها هنا ، ارجع إلى رحلك ولا تجعل للرجل عليك سبيلا ، فرجع إلى منزله فأُتي المختار بانطلاقه ، فقال : كلا ، إن في عنقه سلسلة ستردّه ، لو جهد أن ينطلق ما استطاع.
قال : وأصبح المختار فبعث إليه أبا عمرة ، وأمره أن يأتيه به ، فجاءه حتى دخل عليه ، فقال : أجب ، فقام عمر فعثر في جبّة له ، ويضربه أبو عمرة بسيفه ، فقتله ، وجاء برأسه في أسفل قبائه حتى وضعه بين يدي المختار ، فقال المختار لابنه حفص بن عمر بن سعد ـ وهو جالس عنده ـ أتعرف هذا الرأس ؟ فاسترجع ، وقال : نعم ، ولا خير في العيش بعده ، قال له المختار : صدقت فإنك لا تعيش بعده ، فأمر به فقُتل فإذا رأسه مع رأس أبيه. ثمَّ إن المختار قال : هذا بحسين ، وهذا بعلي بن حسين رحمهما الله ، ولا سواء ، والله لو قتلت ثلاثة أرباع قريش ما وفوا بأنملة من أنامله ، فلمَّا قتل المختار عمر بن سعد وابنه بعث برأسيهما مع مسافر بن سعيد بن نمران الناعطي ، وظبيان بن عمارة التميمي حتى قدما به على محمد بن الحنفية ، وكتب إلى ابن الحنفية في ذلك كتاباً (1). وأمَّا حرملة بن كاهل فقد انتقم الله تعالى منه شرَّ انتقام ، فهو قاتل عبدالله الرضيع ، وهو الذي رمى العباس بن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بسهم فأصاب عينه ، وهو الذي حمل رأس الحسين ( عليه السلام ) ، وقد انتقم الله منه على يد المختار الثقفي ، روى الشيخ الطوسي عليه الرحمة ، عن المنهال بن عمرو قال : دخلت على علي بن الحسين ( عليهما السلام ) منصرفي من مكة ، فقال لي : يا منهال ، ما صنع حرملة بن كاهلة الأسدي ؟ فقلت : تركته حيّاً بالكوفة ، قال : فرفع يديه جميعاً ، فقال : اللهمَّ أذقه حرَّ الحديد ، اللهمَّ 1 ـ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : 45/56 ـ 58 ، تاريخ الطبري : 4/531 ـ 532. (574)
أذقه حرَّ الحديد ، اللهمَّ أذقه حرَّ النار. قال المنهال : فقدمت الكوفة ، وقد ظهر المختار بن أبي عبيد ، وكان لي صديقاً ، قال : فكنت في منزلي أياماً حتى انقطع الناس عنّي ، وركبت إليه فلقيته خارجاً من داره ، فقال : يا منهال ، لم تأتنا في ولايتنا هذه ، ولم تهنِّنا بها ، ولم تُشركنا فيها ؟ فأعلمته أني كنت بمكة ، وأني قد جئتك الآن ، وسايرته ونحن نتحدَّث حتى أتى الكناس ، فوقف وقوفاً كأنه ينتظر شيئاً ، وقد كان أُخبر بمكان حرملة ابن كاهلة ، فوجَّه في طلبه ، فلم نلبث أن جاء قوم يركضون ، وقوم يشتدّون حتى قالوا : أيُّها الأمير ، البشارة ، قد أُخذ حرملة بن كاهلة ، فما لبثنا أن جيء به ، فلما نظر إليه المختار قال لحرملة : الحمد لله الذي مكَّنني منك ، ثمَّ قال الجزّار الجزّار ، فأتي بجزّار ، فقال له : اقطع يديه ، فقُطعتا ، ثمَّ قال له : اقطع رجليه ، فقُطعتا ، ثم قال : النار النار ، فأتي بنار وقصب فأُلقي عليه واشتعلت فيه النار.
فقلت : سبحان الله! فقال لي : يا منهال ، إن التسبيح لحَسن ، ففيم سبَّحت ؟ فقلت : أيُّها الأمير ، دخلت في سفرتي هذه منصرفي من مكة على علي بن الحسين ( عليهما السلام ) فقال لي : يا منهال ، ما فعل حرملة بن كاهلة الأسدي ؟ فقلت : تركته حيَّاً بالكوفة ، فرفع يديه جميعاً فقال : اللهم أذقه حرَّ الحديد ، اللهم أذقه حرَّ الحديد ، اللهم أذقه حرَّ النار. فقال لي المختار : أسمعت علي بن الحسين ( عليهما السلام ) يقول هذا ؟ فقلت : والله لقد سمعته ، قال : فنزل عن دابته ، وصلَّى ركعتين فأطال السجود ، ثمَّ قام فركب ، وقد احترق حرملة ، وركبت معه وسرنا ، فحاذيت داري ، فقلت : أيُّها الأمير ، إن رأيت أن تُشرِّفني وتُكرمني وتنزل عندي وتحرم بطعامي ، فقال : يا منهال ، تعلمني أن علي بن الحسين ( عليه السلام ) دعا بأربع دعوات فأجابه الله على يدي ، ثمَّ تأمرني أن آكل! هذا يومُ صوم شكراً لله عزَّ وجلَّ على ما فعلته بتوفيقه (1) 1 ـ الآمالي ، الطوسي : 238 ـ 239 ح 15. (575)
فلعنة الله على حرملة بن كاهل الذي فجع أهل البيت ( عليهم السلام ) بقتله عبدالله الرضيع ، فلم تكن في قلبه شفقة ولا رحمة على رضيع الحسين ( عليه السلام ) فبأي ذنب قتله ، ولله درّ السيد حيدر الحلي عليه الرحمة إذ يقول في مقتل عبدالله الرضيع ومصيبة الفاطميات في السبا :
جاء في بعض زيارات أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) : وأنتم بين صريع في المحراب قد فلق السيف هامته ، وشهيد فوق الجنازة قد شُكَّت بالسهام أكفانه ، وقتيل بالعراء قد رُفع فوق القناة رأسه ، ومكبَّل في السجن رُضَّت بالحديد أعضاؤه ، ومسموم قد قُطِّعت بجرع السمِّ أمعاؤه ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العليِّ 1 ـ رياض المدح والرثاء ، الشيخ حسين القديحي : 63. (576)
العظيم ، ولله درّ السيد حيدر الحلي عليه الرحمة إذ يقول :
فقال ( صلى الله عليه وآله ) : إنّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ، وإنه سيلقى أهل بيتي من بعدي تطريداً ، وتشريداً في البلاد ، حتى ترتفع رايات سود من المشرق فيسألون الحق فلا يُعطونه ، ثمَّ يسألونه فلا يُعطونه ، ثمَّ يسألونه فلا يُعطونه ، فيقاتلون فيُنصرون ، فمن أدركه منكم أو من أعقابكم فليأت إمام أهل بيتي ولو حبواً على الثلج ، فإنها رايات هدى ، يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي.. فيملك الأرض ، فيملأها قسطاً وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً (1). وروي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : إن أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمتي قتلا وتشريداً ، وإن أشدَّ قومنا لنا بغضاً بنو أمية ، وبنو المغيرة ، 1 ـ المستدرك على الصحيحين ، الحاكم : 4/511 ، المعجم الكبير ، الطبراني : 10/85. (577)
وبنو مخزوم (1).
قال المناوي : وروي في الحديث : من آل بيتي مسموم ، ومقتول ، ومحروق ، قال : وفُسِّر الأول بالحسن ( عليه السلام ) ، والثاني بالحسين ( عليه السلام ) ، والثالث بزيد بن علي ( عليه السلام ) (2). وقد أوصى المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) هذه الأمَّة بحفظ عترته وأهل بيته ( عليهم السلام ) ، ولكن هذه الأمة لم ترع حقَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في عترته ، فانظر أُيها الموالي ماذا فعلوا بهم ، وما جرى عليهم من قتلهم ، وسفك دمائهم ، وتشريدهم عن أوطانهم ، وحبسهم في المطامير ، وغير ذلك من ألوان العذاب والتنكيل ، من ولاة الجور والظلمة ، فتناسوا كلَّ وصايا النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكأنهم لم يسمعوا شيئاً من وصاياه في حقّ عترته وأبنائه الطاهرين ( عليهم السلام ). قال الباري تعالى عن اليتيمين في القرآن الكريم : « وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً » (3). وجاء في تفسير هذه الآية عن ابن عباس وجابر وأبي عبدالله الصادق ( عليه السلام ) : إن الله يصلح بصلاح الرجل ولده وولد ولده ، ويحفظه في ذرّيّته ، وكان السابع (4) من آبائهما (5). وقال المقريزي : فإذا صحَّ أن الله سبحانه قد حفظ غلامين لصلاح أبيهما فيكون قد حفظ الأعقاب برعاية الأسلاف ، وإن طالت الأحقاب ، ومن ذلك ما جاء في الأثر أن حمام الحرم من حمامتين عشَّشتا على فم الغار الذي اختفى فيه 1 ـ المستدرك على الصحيحين : 4/534 ح 8500 ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، الفتن ، نعيم بن حماد : 1/131 ح 319. 2 ـ الكواكب الدرية ، المناوي : 4/303. 3 ـ سورة الكهف ، الآية : 82. 4 ـ وقيل التاسع ، وقيل العاشر ، راجع فتح القدير ، الشوكاني 3/304 مورد الآية. 5 ـ راجع : الدر المنثور ، السيوطي : 4/235 ، فتح القدير ، الشوكاني : 3/306 وص 304 مورد الآية. (578)
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) (1) فلذلك حَرُمَ حَمامُ الحرم ، وإذا كان كذلك فمحمد ( صلى الله عليه وآله ) أحرى وأولى وأحقّ وأجدر أن يحفظ الله تعالى ذرّيّته ، فإنه إمام الصلحاء ، وما أصلح الله فسادَ خَلقِه إلاَّ به (2).
وروي عن الإمام الحسن ( عليه السلام ) أنه قال لبعض الخوراج : بمَ حفظ الله مال الغلامين ؟ قال : بصلاح أبيهما ، قال : فأبي وجدّي خيرٌ منه!! (3). وروي عن الإمام علي بن الحسين ( عليهما السلام ) قال : ألا إن الله ذكر أقواماً بآبائهم فحفظ الأبناء للآباء ، قال تعالى : « وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً » ولقد حدَّثني أبي عن آبائه أنه التاسع من ولده ، ونحن عترة رسول الله احفظوها لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) (4). وروي عن الإمام الصادق جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) قال : احفظوا فينا ما حفظ العبد الصالح في اليتيمين (5). وجاء عن ابن عباس ( رضي الله عنه ) ، في قوله تعالى : « وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً » قال : حُفظا لصلاح أبيهما ، وما ذكر عنهما صلاحاً (6). وقال الكاتب عبد الحليم الجندي : فليس في تأريخ البشرية كلِّها أسرةٌ شُرِّدت وجُرِّدت ، وذاقت العذاب والاسترهاب ، مثل أهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، بدأ بهم تأريخ الإسلام مجده ، واستمر فيهم بعبرته وعظمتهم ، قدَّم أبوهم للبشريَّة أسباب خلاصها بكتاب الله وسنة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، وقدَّم أهل بيته أرواحهم في سبيل القيم التي نزل بها القرآن ، وجاءت بها السنَّة ، كانت مصابيحُهم تتحطَّم ، لكنَّ 1 ـ راجع الصواعق المحرقة : 242 ط. مصر ، و 361 ط. بيروت ـ خاتمة في ذكر أمور مهمة. 2 ـ فضل آل البيت ، المقريزي : 110. 3 ـ تفسير الرازي : 21/162 مورد الآية. 4 ـ رشفة الصادي ، ابن شهاب الشافعي : 91 باب 9. 5 ـ الصواعق المحرقة ، ابن حجر : 175 ط. مصر ، 266 ط. بيروت ، المقصد الثالث من الآية الرابعة ، فضائل آل البيت ، المقريزي : 109. 6 ـ المستدرك ، الحاكم : 2/369 ، فضل آل البيت ، المقريزي : 109. (579)
شعلتهم لا تنطفىء ، لتخلِّد الجهاد والاستشهاد والإرشاد ، بالمثل العالي الذي كانوه ، والضوء الذي لم تمنع الموانع من انتشاره ، وعلَّم فيه أبناءُ النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمتَه بعض علومه : أن الاستشهاد حياة للمستشهدين وللأحياء جيمعاً (1).
وناهيك ـ أيُّها الموالي ـ لو سمعت كلمات أهل البيت ( عليهم السلام ) فيما جرى عليهم من الظلمة من الجور والعدوان والظلم والاستبداد ، فاستمع إلى كلماتهم التي خرجت من صدور مكلومة بالألم ، طفح بها الكيل حتى أصبحت مما عانته من ولاة الجور وملؤها حسرةٌ وألم ، فأصبحوا في الأُمة التي خلَّفهم فيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون ، يذبِّحون أنباءهم ويستحيون نساءهم. روي عن زيد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن جده ( عليهم السلام ) ، قال : قال علي ( عليه السلام ) : كنت مع الأنصار لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على السمع والطاعة له في المحبوب والمكروه ، فلمَّا عزَّ الإسلام ، وكثُر أهله ، قال ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي ، زد فيها : على أن تمنعوا رسول الله وأهل بيته مما تمنعون منه أنفسكم وذراريكم ، قال : فحملها على ظهور القوم ، فوفى بها من وفى ، وهلك من هلك (2). وروي أنه قيل لعلي بن الحسين ( عليه السلام ) : كيف أصبحت ؟ فقال ( عليه السلام ) : أصبحنا خائفين برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأصبح جميع أهل الإسلام آمنين به (3). وروي عن الإمام علي بن الحسين ( عليه السلام ) هذه الأبيات الشريفة :
1 ـ الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) ، عبد الحليم الجندي : 111. 2 ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 6/44 ـ 45. 3 ـ التذكرة الحمدونية ، ابن حمدون : 9/224 رقم : 443. (580)
وقال الناشي الصغير في قصيدة له وهي بضعة عشر بيتاً ، ذكر منها الحموي قوله :
1 ـ شجرة طوبى ، الحائري : 1/6 ، وأوردها الذهبي في سير أعلام النبلاء : 15/167 ونسبها لغير الإمام ( عليه السلام ). 2 ـ ينابيع المودة لذوي القربى ، القندوزي : 3/93. 3 ـ معجم الأدباء ، الحموي : 13/292 ـ 293 ، لسان الميزان ، ابن حجر 4/239 ـ 240. (581)
وروي عن الإمام محمد الباقر ( عليه السلام ) أنه قال : لا رعى الله ( حقَّ ) هذه الأمة ، فإنها لم ترع حقَّ نبيِّها ( صلى الله عليه وآله ) في أهله ، أما والله لو تركوا الحقَّ لأهله لما اختلف في الله تعالى اثنان ، وأنشد ( عليه السلام ) يقول :
1 ـ الإمام محمد الجواد ( عليه السلام ) ، الحاج حسين الشاكري : 489. 2 ـ الطبقات الكبرى ، ابن سعد : 5/219 ، تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : 396 ، تهذيب الكمال ، المزي : 20/399 ، المنتخب من ذيل المذيل ، الطبري : 119. 3 ـ كتاب الإلمام ، الإسكندراني : 5/301 ، ينابيع المودة ، القندوزي : 3/42 و 249. (582)
وروي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : احفظوا فينا ما حفظ العبد الصالح في اليتيمين لأبيهما الصالح ، وكان الجدَّ السابع ، وقد ضيَّعت هذه الأمَّة حقَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بقتل أولاده (1).
قال الفخر الرازي في تفسير سورة « إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ » : فانظركم قتل من أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ثم العَالَم ممتلئ منهم ، ولم يبق من بني أمية أحدٌ يُعبأبه (2) أقول : فهذه قبور آل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مشتتة في البلدان ، نائية عن الأوطان ، ورحم الله شاعر أهل البيت ( عليهم السلام ) دعبل الخزاعي إذ يقول في ذلك :
روي أنه وقف الإمام الصادق صلوات الله عليه مستتراً في خفية ، يشاهد المحامل التي حمل عليها عبدالله بن الحسن وأهله في القيود والحديد من المدينة إلى العراق بأمر المنصور الدوانيقي ، فلمَّا مرّوا به بكى ، وقال ( عليه السلام ) : ما وفت الأنصار ولا 1 ـ مقتل الحسين ( عليه السلام ) ، الخوارزمي : 2/115 ح 47. 2 ـ تفسير الفخر الرازي : 32/124. (583)
أبناء الأنصار لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، بايعهم على أن يمنعوا محمداً وأبناءه وأهله وذرّيّته مما يمنعون منه أنفسهم وأبناءهم وأهلهم وذراريهم فلم يفوا ، اللهم اشدد وطأتك على الأنصار (1).
وقال منصور النمري رحمه الله تعالى في ظلامة أهل البيت ( عليهم السلام ) :
وقال في طبقات الشعراء : إن الرشيد بعد سماعه لمدائح النمري في أهل البيت ( عليهم السلام ) ، أمر أبا عصمة بأن يخرج من ساعته إلى الرقّة ، ليسلَّ لسان منصور من قفاه ، ويقطع يده ورجله ، ثمَّ يضرب عنقه ، ويحمل إليه رأسه ، بعد أن يصلب بدنه ، فخرج أبو عصمة لذلك ، فلمَّا صار بباب الرقّة استقبلته جنازة النمري ، فرجع إلى الرشيد فأعلمه ، فقال له الرشيد : ويلي عليك يا بن الفاعلة ، فأَلاَّ إذ صادفته ميِّتاً فأحرقته بالنار! (4). وروى ابن أبي الحديد المعتزلي أيضاً ، قال : لما ولي خالد بن عبدالله القسري مكة ـ وكان إذا خطب بها لعن علياً والحسن والحسين ( عليهم السلام ) ـ فقال عبيدالله بن كثير السهمي وقد أخذ بأستار الكعبة :
1 ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 6/44 ـ 45 ، مقاتل الطالبيين ، الإصبهاني : 149. 2 ـ زهر الآداب وثمر الألباب ، القيرواني : 2/650 ، طبقات الشعراء ، ابن المعتز العباسي : 225. 3 ـ زهر الآداب ، هامش المستطرف : 1/254 ، الشعر والشعراء : 547. 4 ـ طبقات الشعراء ، ابن المعتز العباسي : 223. (584)
أمَا علمتم أن فينا مَنْ هو أنطق منكم باللغات ، وأفصح بالعظات ، فتحلحلوا عنها أولا ، فأطلقوا عقالها ، وخلّوا سبيلها ، يبتدر (3) إليها آل الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، الذين 1 ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 15/256 ، العتب الجميل ، ابن عقيل : 147 ، كتاب الحيوان ، الجاحظ : 3/194. 2 ـ البيان والتبيين ، الجاحظ 3/359. 3 ـ في نهاية الإرب : ينتدب إليها. (585)
شرَّدتموهم في البلاد ، وفرَّقتموهم في كل واد ، بل تثبت في أيديكم لانقضاء المدّة ، وبلوغ المهلة ، وعظم المحنة ، إن لكل قائم قدراً لا يعدوه ، ويوماً لايخطوه ، وكتاباً بعده يتلوه « لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا » (1) « وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَىَّ مُنقَلَب يَنقَلِبُونَ » (2) قال : ثم أُجلس الرجل فطُلب فلم يوجد (3).
قال ابن الرومي :
1 ـ سورة الكهف ، الآية : 49. 2 ـ سورة الشعراء ، الآية : 227. 3 ـ نثر الدرّ الآبي : 5/203 ـ 204 ، نهاية الإرب ، النويري : 7/249 ، ورواها أيضاً الشيخ المفيد عليه الرحمة في كتابه الأمالي : 280. 4 ـ مقاتل الطالبيين ، الإصفهاني : 646. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|