المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: 571 ـ 585
(571)
أبي عبيد إلى عمر بن سعد مولاه أبا عمر فقتله  ، وقتل حفص بن عمر بن سعد (1).
    وعن رباح بن مسلم  ، عن أبيه قال : قال ابن مطيع لعمر بن سعد بن أبي وقاص : اخترت همذان والريّ على قتل ابن عمِّك ؟ فقال عمر : كانت أمور قضيت من السماء  ، وقد أعذرت إلى ابن عمي قبل الوقعة فأبى إلاَّ ما أتى  ، فلمَّا خرج ابن مطيع وهرب من المختار سار المختار بأصحابه إلى منزل عمر بن سعد فقتله في داره  ، وقتل ابنه أسوأ قتلة (2).
    وروى ابن عساكر عن عمران بن ميثم قال : كنت جالساً عند المختار عن يمينه  ، والهيثم بن الأسود عن يساره  ، فقال : والله لأقتلن غداً رجلا يرضي قتله أهل السماء وأهل الأرض  ، قال : وقد كان أعطى عمر بن سعد أماناً على أن لا يخرج من الكوفة إلاَّ بإذنه.
    قال : فأتى عمر بن سعد رجل  ، فقال : إن المختار حلف ليقتلن غداً رجلا  ، والله ما أحسبه يعني غيرك  ، قال : فخرج حتى نزل حمام عمر  ، فقيل له : أترى هذا يخفى على المختار ؟ فرجع فدخل داره  ، فلمَّا كان من الغد غدوت فدخلت على المختار  ، وجاء الهيثم بن الأسود فقعد  ، قال : فجاء حفص بن عمر  ، فقال للمختار : يقول لك أبو حفص : أتفي لنا بالذي كان بيننا وبينك ؟ قال : اجلس  ، قال : فجلس  ، ودعا المختار أبا عمرة  ، فجاء رجل قصير يتخشخش في الحديد فسارَّه  ، ثمَّ دعا رجلين  ، فقال : اذهبا معه  ، قال : فذهب  ، فوالله ما أحسبه بلغ دار عمر حتى جاء برأسه  ، فقال حفص : إنّا لله وإنّا إليه راجعون  ، فقال المختار : اضرب عنقه  ، وقال : عمر بالحسين ( عليه السلام )   ، وحفص بعلي بن الحسين ( عليهما السلام )   ، ولا سواء (3).
1 ـ تاريخ مدينة دمشق  ، ابن عساكر : 45/54.
2 ـ تاريخ مدينة دمشق  ، ابن عساكر : 45/54 ـ 55  ، الطبقات الكبرى  ، ابن سعد : 5/148.
3 ـ تاريخ مدينة دمشق  ، ابن عساكر : 45/55 ـ 56.


(572)
    وعن موسى بن عامر أن المختار قال ذات يوم وهو يحدِّث جلساءه : لأقتلن غداً رجلا عظيم القدمين  ، غائر العينين  ، مشرف الحاجبين  ، يسرُّ قتله المؤمنين والملائكة المقربين.
    قال : وكان الهيثم بن الأسود النخعي عند المختار حين سمع هذه المقالة  ، فوقع في نفسه أن الذي يريد عمر بن سعد بن أبي وقاص  ، فلمَّا رجع إلى منزله دعا ابنه العريان فقال : الق ابن سعد الليلة  ، فخبِّره بكذا وكذا  ، وقل له : خذ حذرك  ، فإنه لا يريد غيرك  ، قال : فأتاه فاستخلاه  ، ثمَّ خبَّره الخبر  ، فقال له ابن سعد : جز الله بالإخاء أباك خيراً  ، كيف يريد هذا بي بعد الذي أعطاني من العهود والمواثيق ؟
    وكان المختار أول ما ظهر أحسن شيء سيرةً وتألُّفاً للناس  ، وكان عبدالله بن جعدة بن هبيرة أكرم خلق الله على المختار لقرابته بعليّ  ، فكلَّم عمر بن سعد عبدالله بن جعدة وقال له : إني لا آمن هذا الرجل ـ يعني المختار ـ فخذ لي منه أماناً  ، ففعل  ، قال : فأنا رأيت أمانه وقرأته وهو :
    بسم الله الرحمن الرحيم  ، هذا أمان من المختار بن أبي عبيد لعمر بن سعد بن أبي وقاص  ، إنك آمن بأمان الله على نفسك وأهلك ومالك وأهل بيتك وولدك  ، لا تؤاخذ بحدث كان منك قديماً ما سمعت وأطعت ولزمت رحلك وأهلك ومصرك  ، فمن لقي عمر بن سعد من شرطة الله وشيعة آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) وغيرهم من الناس فلا يعرض له إلاَّ بخير  ، شهد السائب بن مالك  ، وأحمر بن شميط  ، وعبدالله بن شدَّاد  ، وعبدالله بن كامل وجعل المختار على نفسه عهد الله وميثاقه ليفين لعمر بن سعد بما أعطاه من الأمان إلاَّ أن يحدث حدثاً  ، وأشهد الله على نفسه وكفى بالله شهيداً.
    قال : وكان أبو جعفر محمد بن علي ( عليهما السلام ) يقول : أمَّا أمان المختار لعمر بن سعد إلاَّ أن يحدث حدثاً فإنه كان يريد به إذا دخل الخلاء فأحدث.
    قال : فلمَّا جاءه العريان بهذا خرج من تحت ليلته حتى أتى حمَّامه  ، ثمَّ قال في


(573)
نفسه : أنزل داري  ، فرجع فعبر الروحاء  ، ثمَّ أتى داره غدوة  ، وقد أتى حمَّامه  ، فأخبر مولى له بما كان من أمانه وبما أريد منه  ، فقال له مولاه : وأيُّ حدث أعظم مما صنعت  ، إنك تركت رحلك وأهلك  ، وأقبلت إلى ها هنا  ، ارجع إلى رحلك ولا تجعل للرجل عليك سبيلا  ، فرجع إلى منزله فأُتي المختار بانطلاقه  ، فقال : كلا  ، إن في عنقه سلسلة ستردّه  ، لو جهد أن ينطلق ما استطاع.
    قال : وأصبح المختار فبعث إليه أبا عمرة  ، وأمره أن يأتيه به  ، فجاءه حتى دخل عليه  ، فقال : أجب  ، فقام عمر فعثر في جبّة له  ، ويضربه أبو عمرة بسيفه  ، فقتله  ، وجاء برأسه في أسفل قبائه حتى وضعه بين يدي المختار  ، فقال المختار لابنه حفص بن عمر بن سعد ـ وهو جالس عنده ـ أتعرف هذا الرأس ؟ فاسترجع  ، وقال : نعم  ، ولا خير في العيش بعده  ، قال له المختار : صدقت فإنك لا تعيش بعده  ، فأمر به فقُتل فإذا رأسه مع رأس أبيه.
    ثمَّ إن المختار قال : هذا بحسين  ، وهذا بعلي بن حسين رحمهما الله  ، ولا سواء  ، والله لو قتلت ثلاثة أرباع قريش ما وفوا بأنملة من أنامله  ، فلمَّا قتل المختار عمر بن سعد وابنه بعث برأسيهما مع مسافر بن سعيد بن نمران الناعطي  ، وظبيان بن عمارة التميمي حتى قدما به على محمد بن الحنفية  ، وكتب إلى ابن الحنفية في ذلك كتاباً (1).
    وأمَّا حرملة بن كاهل فقد انتقم الله تعالى منه شرَّ انتقام  ، فهو قاتل عبدالله الرضيع  ، وهو الذي رمى العباس بن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بسهم فأصاب عينه  ، وهو الذي حمل رأس الحسين ( عليه السلام )   ، وقد انتقم الله منه على يد المختار الثقفي  ، روى الشيخ الطوسي عليه الرحمة  ، عن المنهال بن عمرو قال : دخلت على علي بن الحسين ( عليهما السلام ) منصرفي من مكة  ، فقال لي : يا منهال  ، ما صنع حرملة بن كاهلة الأسدي ؟ فقلت : تركته حيّاً بالكوفة  ، قال : فرفع يديه جميعاً  ، فقال : اللهمَّ أذقه حرَّ الحديد  ، اللهمَّ

1 ـ تاريخ مدينة دمشق  ، ابن عساكر : 45/56 ـ 58  ، تاريخ الطبري : 4/531 ـ 532.

(574)
أذقه حرَّ الحديد  ، اللهمَّ أذقه حرَّ النار. قال المنهال : فقدمت الكوفة  ، وقد ظهر المختار بن أبي عبيد  ، وكان لي صديقاً  ، قال : فكنت في منزلي أياماً حتى انقطع الناس عنّي  ، وركبت إليه فلقيته خارجاً من داره  ، فقال : يا منهال  ، لم تأتنا في ولايتنا هذه  ، ولم تهنِّنا بها  ، ولم تُشركنا فيها ؟ فأعلمته أني كنت بمكة  ، وأني قد جئتك الآن  ، وسايرته ونحن نتحدَّث حتى أتى الكناس  ، فوقف وقوفاً كأنه ينتظر شيئاً  ، وقد كان أُخبر بمكان حرملة ابن كاهلة  ، فوجَّه في طلبه  ، فلم نلبث أن جاء قوم يركضون  ، وقوم يشتدّون حتى قالوا : أيُّها الأمير  ، البشارة  ، قد أُخذ حرملة بن كاهلة  ، فما لبثنا أن جيء به  ، فلما نظر إليه المختار قال لحرملة : الحمد لله الذي مكَّنني منك  ، ثمَّ قال الجزّار الجزّار  ، فأتي بجزّار  ، فقال له : اقطع يديه  ، فقُطعتا  ، ثمَّ قال له : اقطع رجليه  ، فقُطعتا  ، ثم قال : النار النار  ، فأتي بنار وقصب فأُلقي عليه واشتعلت فيه النار.
    فقلت : سبحان الله! فقال لي : يا منهال  ، إن التسبيح لحَسن  ، ففيم سبَّحت ؟ فقلت : أيُّها الأمير  ، دخلت في سفرتي هذه منصرفي من مكة على علي بن الحسين ( عليهما السلام ) فقال لي : يا منهال  ، ما فعل حرملة بن كاهلة الأسدي ؟ فقلت : تركته حيَّاً بالكوفة  ، فرفع يديه جميعاً فقال : اللهم أذقه حرَّ الحديد  ، اللهم أذقه حرَّ الحديد  ، اللهم أذقه حرَّ النار.
    فقال لي المختار : أسمعت علي بن الحسين ( عليهما السلام ) يقول هذا ؟ فقلت : والله لقد سمعته  ، قال : فنزل عن دابته  ، وصلَّى ركعتين فأطال السجود  ، ثمَّ قام فركب  ، وقد احترق حرملة  ، وركبت معه وسرنا  ، فحاذيت داري  ، فقلت : أيُّها الأمير  ، إن رأيت أن تُشرِّفني وتُكرمني وتنزل عندي وتحرم بطعامي  ، فقال : يا منهال  ، تعلمني أن علي بن الحسين ( عليه السلام ) دعا بأربع دعوات فأجابه الله على يدي  ، ثمَّ تأمرني أن آكل! هذا يومُ صوم شكراً لله عزَّ وجلَّ على ما فعلته بتوفيقه (1)
1 ـ الآمالي  ، الطوسي : 238 ـ 239 ح 15.

(575)
    فلعنة الله على حرملة بن كاهل الذي فجع أهل البيت ( عليهم السلام ) بقتله عبدالله الرضيع  ، فلم تكن في قلبه شفقة ولا رحمة على رضيع الحسين ( عليه السلام ) فبأي ذنب قتله  ، ولله درّ السيد حيدر الحلي عليه الرحمة إذ يقول في مقتل عبدالله الرضيع ومصيبة الفاطميات في السبا :
وَمُنْعَطِف أهوى لتقبيلِ طِفْلِهِ لقد وُلِدَا في سَاعَة هو والرَّدَى وفي السَّبْيِ مما يصطفي الخِدْرُ نِسْوَةٌ حَمَتْ خِدْرَها يَقْظَى وودَّت بنومِهَا فَأَضْحَتْ ولا من قَوْمِها ذو حفيظة مشى الدَّهْرُ يومَ الطفِّ أعمى فلم يَدَعْ وَجَشَّمَها الْمَسْرَى بِبَيْدَاءَ قَفْرَة وَلَمْ تَرَ حتَّى عينُها ظِلَّ شَخْصِها فَقَبَّلَ منه قَبْلَه السَّهْمُ مَنْحَرا وَمِنْ قَبْلِهِ في نَحْرِه السَّهْمُ كبَّرا يعزُّ على فتيانِها أن تُسَيَّرا تَرُدُّ عليها جَفْنَها لا على الكَرَى يقومُ وَرَاءَ الخِدْرِ عنها مُشَمِّرا عِمَاداً لها إلاَّ وفيه تَعَثَّرا وَلَمْ تَدْرِ قَبْلَ الطفِّ ما البيدُ والسُّرَى إِلَى أَنْ بَدَت في الغاضريَّةِ حُسَّرَا (1)

    جاء في بعض زيارات أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) : وأنتم بين صريع في المحراب قد فلق السيف هامته  ، وشهيد فوق الجنازة قد شُكَّت بالسهام أكفانه  ، وقتيل بالعراء قد رُفع فوق القناة رأسه  ، ومكبَّل في السجن رُضَّت بالحديد أعضاؤه  ، ومسموم قد قُطِّعت بجرع السمِّ أمعاؤه  ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون  ، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العليِّ
1 ـ رياض المدح والرثاء  ، الشيخ حسين القديحي : 63.

(576)
العظيم  ، ولله درّ السيد حيدر الحلي عليه الرحمة إذ يقول :
مَا ذَنْبُ أَهْلِ البيتِ حتَّـ تركوهُمُ شتَّى مصائبُهُمْ فَمُغَيَّبٌ كالبدرِ ترتقبُ الـ ومُكََابِدٌ للسمِّ قَدْ وَمُضَرَّجٌ بالسيفِ آ ـى مِنْهُمُ أَخْلَوا رُبُوعَهْ وأجمعُهَا فظيعَهْ وَرَى شَوْقاً طُلُوعَه سُقِيَتْ حُشَاشَتُهُ نَقِيعَه ثَرَ عِزَّهُ وأبى خُضُوعَه
    وقد أخبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) هذه الأمّة بما يجري على أهل بيته ( عليهم السلام ) من القتل والتشريد والإضطهاد  ، وما يقع عليهم من الظلم والعدوان. روي عن عبدالله بن مسعود قال : أتينا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فخرج إلينا مستبشراً  ، يُعرف السرور في وجهه  ، فما سألناه عن شيء إلاَّ أخبرنا به  ، ولا سكتنا إلاّ ابتدأنا  ، حتى مرَّت فتية من بني هاشم فيهم الحسن والحسين ( عليهما السلام )   ، فلمَّا رآهم التزمهم وانهملت عيناه  ، فقلنا : يا رسول الله! ما نزال نرى في وجهك شيئاً نكرهه ؟
    فقال ( صلى الله عليه وآله ) : إنّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا  ، وإنه سيلقى أهل بيتي من بعدي تطريداً  ، وتشريداً في البلاد  ، حتى ترتفع رايات سود من المشرق فيسألون الحق فلا يُعطونه  ، ثمَّ يسألونه فلا يُعطونه  ، ثمَّ يسألونه فلا يُعطونه  ، فيقاتلون فيُنصرون  ، فمن أدركه منكم أو من أعقابكم فليأت إمام أهل بيتي ولو حبواً على الثلج  ، فإنها رايات هدى  ، يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي.. فيملك الأرض  ، فيملأها قسطاً وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً (1).
    وروي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : إن أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمتي قتلا وتشريداً  ، وإن أشدَّ قومنا لنا بغضاً بنو أمية  ، وبنو المغيرة  ،
1 ـ المستدرك على الصحيحين  ، الحاكم : 4/511  ، المعجم الكبير  ، الطبراني : 10/85.

(577)
وبنو مخزوم (1).
    قال المناوي : وروي في الحديث : من آل بيتي مسموم  ، ومقتول  ، ومحروق  ، قال : وفُسِّر الأول بالحسن ( عليه السلام )   ، والثاني بالحسين ( عليه السلام )   ، والثالث بزيد بن علي ( عليه السلام ) (2).
    وقد أوصى المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) هذه الأمَّة بحفظ عترته وأهل بيته ( عليهم السلام ) ، ولكن هذه الأمة لم ترع حقَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في عترته  ، فانظر أُيها الموالي ماذا فعلوا بهم  ، وما جرى عليهم من قتلهم  ، وسفك دمائهم  ، وتشريدهم عن أوطانهم  ، وحبسهم في المطامير  ، وغير ذلك من ألوان العذاب والتنكيل  ، من ولاة الجور والظلمة  ، فتناسوا كلَّ وصايا النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكأنهم لم يسمعوا شيئاً من وصاياه في حقّ عترته وأبنائه الطاهرين ( عليهم السلام ).
    قال الباري تعالى عن اليتيمين في القرآن الكريم : « وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً » (3). وجاء في تفسير هذه الآية عن ابن عباس وجابر وأبي عبدالله الصادق ( عليه السلام ) : إن الله يصلح بصلاح الرجل ولده وولد ولده  ، ويحفظه في ذرّيّته  ، وكان السابع (4) من آبائهما (5).
    وقال المقريزي : فإذا صحَّ أن الله سبحانه قد حفظ غلامين لصلاح أبيهما فيكون قد حفظ الأعقاب برعاية الأسلاف  ، وإن طالت الأحقاب  ، ومن ذلك ما جاء في الأثر أن حمام الحرم من حمامتين عشَّشتا على فم الغار الذي اختفى فيه
1 ـ المستدرك على الصحيحين : 4/534 ح 8500  ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه  ، الفتن  ، نعيم بن حماد : 1/131 ح 319.
2 ـ الكواكب الدرية  ، المناوي : 4/303.
3 ـ سورة الكهف  ، الآية : 82.
4 ـ وقيل التاسع  ، وقيل العاشر  ، راجع فتح القدير  ، الشوكاني 3/304 مورد الآية.
5 ـ راجع : الدر المنثور  ، السيوطي : 4/235  ، فتح القدير  ، الشوكاني : 3/306 وص 304 مورد الآية.


(578)
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) (1) فلذلك حَرُمَ حَمامُ الحرم  ، وإذا كان كذلك فمحمد ( صلى الله عليه وآله ) أحرى وأولى وأحقّ وأجدر أن يحفظ الله تعالى ذرّيّته  ، فإنه إمام الصلحاء  ، وما أصلح الله فسادَ خَلقِه إلاَّ به (2).
    وروي عن الإمام الحسن ( عليه السلام ) أنه قال لبعض الخوراج : بمَ حفظ الله مال الغلامين ؟ قال : بصلاح أبيهما  ، قال : فأبي وجدّي خيرٌ منه!! (3).
    وروي عن الإمام علي بن الحسين ( عليهما السلام ) قال : ألا إن الله ذكر أقواماً بآبائهم فحفظ الأبناء للآباء  ، قال تعالى : « وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً » ولقد حدَّثني أبي عن آبائه أنه التاسع من ولده  ، ونحن عترة رسول الله احفظوها لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) (4).
    وروي عن الإمام الصادق جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) قال : احفظوا فينا ما حفظ العبد الصالح في اليتيمين (5). وجاء عن ابن عباس ( رضي الله عنه ) ، في قوله تعالى : « وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً » قال : حُفظا لصلاح أبيهما  ، وما ذكر عنهما صلاحاً (6).
    وقال الكاتب عبد الحليم الجندي : فليس في تأريخ البشرية كلِّها أسرةٌ شُرِّدت وجُرِّدت  ، وذاقت العذاب والاسترهاب  ، مثل أهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله )   ، بدأ بهم تأريخ الإسلام مجده  ، واستمر فيهم بعبرته وعظمتهم  ، قدَّم أبوهم للبشريَّة أسباب خلاصها بكتاب الله وسنة الرسول ( صلى الله عليه وآله )   ، وقدَّم أهل بيته أرواحهم في سبيل القيم التي نزل بها القرآن  ، وجاءت بها السنَّة  ، كانت مصابيحُهم تتحطَّم  ، لكنَّ
1 ـ راجع الصواعق المحرقة : 242 ط. مصر  ، و 361 ط. بيروت ـ خاتمة في ذكر أمور مهمة.
2 ـ فضل آل البيت  ، المقريزي : 110.
3 ـ تفسير الرازي : 21/162 مورد الآية.
4 ـ رشفة الصادي  ، ابن شهاب الشافعي : 91 باب 9.
5 ـ الصواعق المحرقة  ، ابن حجر : 175 ط. مصر  ، 266 ط. بيروت  ، المقصد الثالث من الآية الرابعة  ، فضائل آل البيت  ، المقريزي : 109.
6 ـ المستدرك  ، الحاكم : 2/369  ، فضل آل البيت  ، المقريزي : 109.


(579)
شعلتهم لا تنطفىء  ، لتخلِّد الجهاد والاستشهاد والإرشاد  ، بالمثل العالي الذي كانوه  ، والضوء الذي لم تمنع الموانع من انتشاره  ، وعلَّم فيه أبناءُ النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمتَه بعض علومه : أن الاستشهاد حياة للمستشهدين وللأحياء جيمعاً (1).
    وناهيك ـ أيُّها الموالي ـ لو سمعت كلمات أهل البيت ( عليهم السلام ) فيما جرى عليهم من الظلمة من الجور والعدوان والظلم والاستبداد  ، فاستمع إلى كلماتهم التي خرجت من صدور مكلومة بالألم  ، طفح بها الكيل حتى أصبحت مما عانته من ولاة الجور وملؤها حسرةٌ وألم  ، فأصبحوا في الأُمة التي خلَّفهم فيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون  ، يذبِّحون أنباءهم ويستحيون نساءهم.
    روي عن زيد بن علي بن الحسين  ، عن أبيه  ، عن جده ( عليهم السلام ) ، قال : قال علي ( عليه السلام ) : كنت مع الأنصار لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على السمع والطاعة له في المحبوب والمكروه  ، فلمَّا عزَّ الإسلام  ، وكثُر أهله  ، قال ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي  ، زد فيها : على أن تمنعوا رسول الله وأهل بيته مما تمنعون منه أنفسكم وذراريكم  ، قال : فحملها على ظهور القوم  ، فوفى بها من وفى  ، وهلك من هلك (2).
    وروي أنه قيل لعلي بن الحسين ( عليه السلام ) : كيف أصبحت ؟ فقال ( عليه السلام ) : أصبحنا خائفين برسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، وأصبح جميع أهل الإسلام آمنين به (3).
    وروي عن الإمام علي بن الحسين ( عليه السلام ) هذه الأبيات الشريفة :
نحن بنو المصطفى ذوو غُصَص عظيمةٌ في الأنامِ مِحْنَتُنا يَفْرَحُ هذا الوَرَى بعيدِهِمُ يَجْرَعُها في الأنامِ كَاظِمُنا أوَّلُنا مُبْتَلىً وآخِرُنا ونحن أعيادُنا مآتِمُنا

1 ـ الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام )   ، عبد الحليم الجندي : 111.
2 ـ شرح نهج البلاغة  ، ابن أبي الحديد : 6/44 ـ 45.
3 ـ التذكرة الحمدونية  ، ابن حمدون : 9/224 رقم : 443.


(580)
والناسُ في الأَمْنِ والسُّرُورِ ولا يَأْمَنُ طُوْلَ الحَيَاةِ خَائِفُنا (1)
    وروى القندوزي الحنفي من مقتل أبي مخنف أن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) لمَّا وصل من الأسر إلى المدينة خطب في أهل المدينة  ، وقال ( عليه السلام ) في خطبته :..  أيها الناس  ، أصبحنا مشرَّدين مطرودين مذودين شاسعين عن الأوطان  ، من غير جرم اجترمناه  ، ولا مكروه ارتكبناه  ، ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها  ، ولا فاحشة فعلناها  ، فوالله لو أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أوصى إليهم في قتالنا لما زادوا على ما فعلوا بنا  ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون (2).
    وقال الناشي الصغير في قصيدة له وهي بضعة عشر بيتاً  ، ذكر منها الحموي قوله :
عجب لكم تُفنون قتلا بِسَيْفِكُمُ فما بقعةٌ في الأرض شرقاً ومغرباً ظُلِمْتُم وَقُتِّلْتُم وَقُسِّمَ فَيْئُكُمْ كأنَّ رسولَ اللهِ أوصى بقتِلكم ويسطو عليكم مَنْ لكم كان يَخْضَعُ وليس لكم فيها قتيلٌ ومَصْرَعُ وَضَاقَتْ بكم أرضٌ فلم يَحْمِ مَوْضِعُ وأجسامُكُمْ في كُلِّ أرض تُوَزَّعُ (3)
    وقال السيِّد صالح النجفي القزويني عليه الرحمة المتوفى سنة 1306 هـ :
فطوسٌ لكم والكَرْخُ شَجْواً وكربلا وكم قد تعطَّفتم عليهم ترحُّماً فَلاَ رَبِحَتْ آلُ الطليقِ تِجَارةً فَمَا مِنْكُمُ قَدْ حرَّم اللهُ حَلَّلُوا وَجَدُّهُمُ لو كان أوصى بقتلِهِمْ وكوفانُ تبكي والبقيعُ وزمزمُ فلم يعطفوا يوماً عليكم ويرحموا ولا بَرِحَتْ هوناً تُسامُ وَتُرْغَمُ وما لَكُمُ قد حلَّل اللهُ حَرَّمُوا إليكم لَمَا زِدْتُم على ما فَعَلْتُمُ

1 ـ شجرة طوبى  ، الحائري : 1/6  ، وأوردها الذهبي في سير أعلام النبلاء : 15/167 ونسبها لغير الإمام ( عليه السلام ).
2 ـ ينابيع المودة لذوي القربى  ، القندوزي : 3/93.
3 ـ معجم الأدباء  ، الحموي : 13/292 ـ 293  ، لسان الميزان  ، ابن حجر 4/239 ـ 240.


(581)
فصمتُمْ من الدينِ الحنيفيِّ حَبْلَهُ وعُرْوَتَهُ الوثقى التي ليس تُفْصَمُ (1)
    وعن المنهال بن عمرو قال : دخلت على علي بن الحسين ( عليه السلام ) فقلت : كيف أصبحت أصلحك الله ؟ فقال ( عليه السلام ) : ما كنت أرى شيخاً من أهل المصر مثلك لا يدري كيف أصبحنا  ، فأمَّا إذ لم تدر أو تعلم فسأخبرك : أصبحنا في قومنا بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون  ، إذ كانوا يذبِّحون أبناءهم  ، ويستحيون نساءهم  ، وأصبح شيخنا وسيِّدنا يُتَقَرَّبُ إلى عدوِّنا بشتمه أو سبِّه على المنابر  ، وأصبحت قريش تعدُّ أن لها الفضل على العرب لأن محمداً ( صلى الله عليه وآله ) منها  ، لا يعدُّ لها فضل إلاَّ به وأصبحت العربُ مقرَّةً لهم بذلك  ، وأصبحت العرب تعدُّ أن لها الفضل على العجم لأن محمداً ( صلى الله عليه وآله ) منها  ، لا يُعدُّ لها فضل إلاَّ به  ، وأصبحت العجمُ مقرَّةً لهم بذلك  ، فلئن كانت العرب صدَّقت أن لها الفضل على العجم  ، وصدَّقت قريش أن لها الفضل على العرب  ، لأن محمد ( صلى الله عليه وآله ) ( منها ) إن لنا أهل البيت الفضل على قريش لأن محمداً ( صلى الله عليه وآله ) منا  ، فأصبحوا يأخذون بحقّنا  ، ولا يعرفون لنا حقاً  ، فهكذا أصبحنا إذ لم تعلم كيف أصبحنا قال : فظننت أنه أراد أن يُسمع من في البيت (2).
    وروي عن الإمام محمد الباقر ( عليه السلام ) أنه قال : لا رعى الله ( حقَّ ) هذه الأمة  ، فإنها لم ترع حقَّ نبيِّها ( صلى الله عليه وآله ) في أهله  ، أما والله لو تركوا الحقَّ لأهله لما اختلف في الله تعالى اثنان  ، وأنشد ( عليه السلام ) يقول :
إنَّ اليهودَ لِحُبِّهم لنبيِّهم وذوو الصليبِ بحبِّهم لصليبِهِمْ والمؤمنون بحُبِّ آلِ محمَّد أَمِنُوا بَوَائِقَ حَادِثِ الأَزْمَانِ يمشون زهواً في قُرَى نَجْرَانِ يُرْمَونَ في الآفاق بالنيرانِ (3)

1 ـ الإمام محمد الجواد ( عليه السلام )   ، الحاج حسين الشاكري : 489.
2 ـ الطبقات الكبرى  ، ابن سعد : 5/219  ، تاريخ مدينة دمشق  ، ابن عساكر : 396  ، تهذيب الكمال  ، المزي : 20/399  ، المنتخب من ذيل المذيل  ، الطبري : 119.
3 ـ كتاب الإلمام  ، الإسكندراني : 5/301  ، ينابيع المودة  ، القندوزي : 3/42 و 249.


(582)
    وروي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : احفظوا فينا ما حفظ العبد الصالح في اليتيمين لأبيهما الصالح  ، وكان الجدَّ السابع  ، وقد ضيَّعت هذه الأمَّة حقَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بقتل أولاده (1).
    قال الفخر الرازي في تفسير سورة « إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ » : فانظركم قتل من أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ثم العَالَم ممتلئ منهم  ، ولم يبق من بني أمية أحدٌ يُعبأبه (2)
    أقول : فهذه قبور آل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مشتتة في البلدان  ، نائية عن الأوطان  ، ورحم الله شاعر أهل البيت ( عليهم السلام ) دعبل الخزاعي إذ يقول في ذلك :
قبور بكوفان  ، وأخرى بطيبة وأخرى بأرض الجوزجان محلُّها وقبر ببغداد لنفس زكية وقبر بطوس يا لها من مصيبة قبور ببطن النهر من جنب كربلا توفوا عطاشا بالفرات فليتني وأخرى بفخّ نالها صلواتِ وقبر بباخمرى لدى الغرباتِ تضمنها الرحمن في الغرفاتِ ألحت على الأحشاء بالزفراتِ معرسهم فيها بشط فراتِ توفيت فيهم قبل حين وفاتي

    روي أنه وقف الإمام الصادق صلوات الله عليه مستتراً في خفية  ، يشاهد
المحامل التي حمل عليها عبدالله بن الحسن وأهله في القيود والحديد من المدينة إلى العراق بأمر المنصور الدوانيقي  ، فلمَّا مرّوا به بكى  ، وقال ( عليه السلام ) : ما وفت الأنصار ولا
1 ـ مقتل الحسين ( عليه السلام )   ، الخوارزمي : 2/115 ح 47.
2 ـ تفسير الفخر الرازي : 32/124.


(583)
أبناء الأنصار لرسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، بايعهم على أن يمنعوا محمداً وأبناءه وأهله وذرّيّته مما يمنعون منه أنفسهم وأبناءهم وأهلهم وذراريهم فلم يفوا  ، اللهم اشدد وطأتك على الأنصار (1).
    وقال منصور النمري رحمه الله تعالى في ظلامة أهل البيت ( عليهم السلام ) :
آلُ النبيِّ وَمَنْ يُحِبُّهُمُ أَمِنَ النصارى واليهودُ وَهُمْ يتطامنون مَخَافَةَ الْقَتْلِ من أُمَّةِ التوحيدِ في أَزْلِ (2)
    وقد أُنْشِدَ الرشيد هذين البيتين بعد موت منصور النمري رحمه الله تعالى  ، فقال الرشيد ـ بعد أن أرسل إليه من يقتله  ، فوجده قد مات ـ : لقد هممت أن أنبش عظامه فأحرقها.. (3).
    وقال في طبقات الشعراء : إن الرشيد بعد سماعه لمدائح النمري في أهل البيت ( عليهم السلام ) ، أمر أبا عصمة بأن يخرج من ساعته إلى الرقّة  ، ليسلَّ لسان منصور من قفاه  ، ويقطع يده ورجله  ، ثمَّ يضرب عنقه  ، ويحمل إليه رأسه  ، بعد أن يصلب بدنه  ، فخرج أبو عصمة لذلك  ، فلمَّا صار بباب الرقّة استقبلته جنازة النمري  ، فرجع إلى الرشيد فأعلمه  ، فقال له الرشيد : ويلي عليك يا بن الفاعلة  ، فأَلاَّ إذ صادفته ميِّتاً فأحرقته بالنار! (4).
    وروى ابن أبي الحديد المعتزلي أيضاً  ، قال : لما ولي خالد بن عبدالله القسري مكة ـ وكان إذا خطب بها لعن علياً والحسن والحسين ( عليهم السلام ) ـ فقال عبيدالله بن كثير السهمي وقد أخذ بأستار الكعبة :
لعن اللهُ مَنْ يسبُّ عليّاً وحسيناً من سُوقَة وَإِمَامِ

1 ـ شرح نهج البلاغة  ، ابن أبي الحديد : 6/44 ـ 45  ، مقاتل الطالبيين  ، الإصبهاني : 149.
2 ـ زهر الآداب وثمر الألباب  ، القيرواني : 2/650  ، طبقات الشعراء  ، ابن المعتز العباسي : 225.
3 ـ زهر الآداب  ، هامش المستطرف : 1/254  ، الشعر والشعراء : 547.
4 ـ طبقات الشعراء  ، ابن المعتز العباسي : 223.


(584)
أيُسَبُّ المطهَّرون جُدُوداً يَأْمَنُ الطيرُ والحمامُ وَلاَ يَأْ طِبْتَ بيتاً وطاب أهلُكَ أَهْلا رحمةُ اللهِ و السلامُ عليهم والكِرَامُ الآبَاءِ والأعمامِ مَنُ آلُ الرسولِ عندَ المَقَامِ أهلُ بيتِ النبيِّ والإسلام كلَّما قام قائمٌ بسَلاَمِ (1)
    وقال حين عابوه على محبَّته لأهل البيت صلوات الله عليهم :
إنَّ امرءاً أمستَ مَعَايِبُهُ وبني أبي حسن وَوَالِدِهِمْ أَيُعَدُّ ذنباً أَنْ أُحِبَّهُمُ حُبَّ النبيِّ لَغَيْرُ ذي ذَنْبِ مَنْ طَابَ في الأَرْحَامِ والصُّلْبِ بل حُبُّهم كَفَّارَةُ الذنبِ (2)
    وروى الآبي في نثر الدر بإسناده عن عبدالرحمن بن المثنى  ، قال : خطب عبد الملك بن مروان  ، فلمَّا انتهى إلى العظة قام إليه رجل من آل صوحان  ، فقال : مهلا مهلا  ، تأمرون فلا تأتمرون  ، وتنهون فلا تنتهون  ، وتعظون ولا تتعظون  ، أفنقتدي بسيرتكم في أنفسكم ؟ أم نطيع أمركم بألسنتكم ؟ فإن قلتم : اقتدوا بسيرتنا فأنَّى ؟ وكيف ؟ وما الحجَّة ؟ وما النصير من الله باقتداء سيرة الظلمة الفسقة  ، الجورة الخونة  ، الذين اتّخذوا مال الله دولا  ، وعبيده خولا  ، وإن قلتم : اقبلوا نصيحتنا  ، وأطيعوا أمرنا  ، فكيف ينصح لغيره من يغشُّ نفسه ؟ أم كيف تجب الطاعة لمن لم تثبت له عند الله عدالته ؟ وإن قلتم : خذوا الحكمة من حيث وجدتموها  ، واقبلوا العظة ممن سمعتموها  ، فعلامَ ولَّيناكم أمرنا  ، وحكَّمناكم في دمائنا وأموالنا ؟
    أمَا علمتم أن فينا مَنْ هو أنطق منكم باللغات  ، وأفصح بالعظات  ، فتحلحلوا عنها أولا  ، فأطلقوا عقالها  ، وخلّوا سبيلها  ، يبتدر (3) إليها آل الرسول ( صلى الله عليه وآله )   ، الذين
1 ـ شرح نهج البلاغة  ، ابن أبي الحديد : 15/256  ، العتب الجميل  ، ابن عقيل : 147  ، كتاب الحيوان  ، الجاحظ : 3/194.
2 ـ البيان والتبيين  ، الجاحظ 3/359.
3 ـ في نهاية الإرب : ينتدب إليها.


(585)
شرَّدتموهم في البلاد  ، وفرَّقتموهم في كل واد  ، بل تثبت في أيديكم لانقضاء المدّة  ، وبلوغ المهلة  ، وعظم المحنة  ، إن لكل قائم قدراً لا يعدوه  ، ويوماً لايخطوه  ، وكتاباً بعده يتلوه « لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا » (1) « وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَىَّ مُنقَلَب يَنقَلِبُونَ » (2) قال : ثم أُجلس الرجل فطُلب فلم يوجد (3).
    قال ابن الرومي :
أَلاَ أيُّها النَّاسُ طَالَ ضريرُكُمْ أكُلَّ أوان للنبيِّ محمَّد تبيعون فيه الدينَ شَرَّ أئِمَّة بآلِ رَسُولِ اللهِ فَاخْشَوا أو ارْتَجُوا قتيلٌ زَكِيٌّ بالدِّمَاءِ مُضَرَّجُ فللهِ دينُ اللهِ قَدْ كَادَ يمرجُ
    إلى أن قال :
بني المصطفى كم يأكلُ الناسُ شِلْوَكم أمَا فِيهِمُ راع لحقِّ نبيِّه لِبَلْوَاكُمُ عمَّا قليل مفرجُ وَلاَ خَائفٌ من رَبِّهِ يتحرَّجُ (4)
    وأنشد موسى بن داود السلمي لأبيه يرثي الحسين صاحب فخ ومَن قُتل معه :
يَا عَينُ ابكي بِدَمْع منكِ مُنْهَمِرِ صَرْعَى بِفَخ تجرُّ الريحُ فوقَهُمُ حتَّى عَفَتْ أَعْظُمٌ لو كان شَاهَدَها مَاذا يقولونَ والماضونَ قَبْلَهُمُ مَاذا يقولون إِنْ قال النبيُّ لَهُمْ فَقَدْ رأيتِ الذي لاقى بنو حَسَنِ أذيالَها وغوادي الدُّلَّجِ المُزُنِ مُحَمَّدٌ ذَبَّ عنها ثمَّ لم تَهُن عَلَى الْعَدَاوَةِ والبغضاءِ والإِحَنِ مَاذَا صنعتم بنا في سَالِفِ الزَّمَنِ

1 ـ سورة الكهف  ، الآية : 49.
2 ـ سورة الشعراء  ، الآية : 227.
3 ـ نثر الدرّ الآبي : 5/203 ـ 204  ، نهاية الإرب  ، النويري : 7/249  ، ورواها أيضاً الشيخ المفيد عليه الرحمة في كتابه الأمالي : 280.
4 ـ مقاتل الطالبيين  ، الإصفهاني : 646.
المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: فهرس