المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: 586 ـ 600
(586)
لاَ النَّاسُ من مُضَر حَامَوا وَلاَ غَضِبُوا يا ويحَهُمْ كيف لم يَرْعَوا لهم حُرَماً ولا ربيعةُ والأحياءُ من يَمَنِ وقد رَعَى الفيلُ حقَّ البيتِ ذي الرُّكُنِ
    وقيل : سُمع على مياه غطفان كلِّها  ، ليلة قتل الحسين صاحب فخ  ، هاتف يهتف ويقول :
أَلاَ يَا لَقَومي لِلسَّوَادِ المُصَبِّحِ ليبكِ حسيناً كلُّ كهل وأمرد وَمَقْتَلِ أولادِ النبيِّ بِبَلْدَحِ من الجنِّ إِنْ لم يَبْكِكَ الإنسُ نُوَّحِ (1)
    وكذلك أصبح محبُّ آل البيت ( عليهم السلام ) آنذاك لا يأمن على نفسه وولده من أعداء أهل البيت ( عليهم السلام ) وأعوانهم الظلمة  ، ولا يسلم أيضاً من عذل أولئك الذين ساروا في ركابهم  ، فقد اضطّر الكثير من محبّي أهل البيت ( عليهم السلام ) أن يخفي حبَّه وولاءَه حتى لا يتعرَّض للأذى والجور  ، فمن عُرف يومئذ بولائه لأهل البيت ( عليهم السلام ) لا ينجيه إلاَّ التستُّر  ، أو التنكِّر  ، أو الهرب إلى حيث لايتبعه الطلب. قال الكميت رحمه الله تعالى :
أَلَمْ تَرَني من حُبِّ آلِ محمَّد كأنّيَ جَانٌ مُحْدِثٌ وكأنّني على أيِّ جُرْم أم بأَيَّةِ سيرة أروحُ وأغدوا خائفاً أترقَّبُ بهم أُتَّقَى من خَشْيَةِ الْعَارِ أَجْرَبُ أُعَنَّفُ في تَقْرِيظِهِمْ وأُؤَنَّبُ (2)
    وقال أبو القاسم الرسي بن إبراهيم بن طباطبا  ، إسماعيل الديباج  ، عندما هرب من المنصور إلى السند :
لَمْ يُرْوِهِ ما أراق البغيُ من دَمِنَا وليس يشفي غليلا في حَشَاه سوى في كلِّ أرض فَلَمْ يَقْصُرْ من الطَّلَبِ أَنْ لا يُرَى فوقهَا ابنُ بِنْتِ نبي (3)

1 ـ مقاتل الطالبيين ، أبو الفرج الاصفهاني : 306 ـ 307.
2 ـ أدب الشيعة  ، الدكتور عبد الحسيب حميدة : 259.
3 ـ النزاع والتخاصم  ، المقريزي : 51.


(587)
    ويقول أبو حنيفة أو الطغرائي في جملة أبيات له :
ومتى تَوَلَّى آلَ أحمدَ مُسْلِمٌ قتلوه أَوْ وَصَمُوه بالإلحادِ
    وقال أبو فراس الحمداني :
مَا نَالَ منهم بنو حَرْب وإن عَظُمَتْ تلك الجرائرُ إلاَّ دُونَ نيلِكُمُ (1)
    ولله درّ شاعر أهل البيت ( عليهم السلام ) ابن حماد رحمه الله تعالى إذ يقول :
لاَ تَأمَنِ الدَّهْرَ إِنَّ الدَّهْرَ ذو غِيَر أَخْنَى على عِتْرَةِ الهادي فَشَتَّتَهُمْ كأَنَّما الدَّهرُ آلَى أَنْ يُبَدِّدَهُمْ بَعْضٌ بطيبةَ مدفونٌ وبعضُهُمُ وأرضُ طُوس وسامَّرا وقد ضَمِنَتْ يَا سَادتي أَلِمَنْ أنعى أَسَىً وَلِمَنْ أبكي على الحَسَنِ المسمومِ مُضْطَهداً أبكي عليه خَضِيبَ الشيبِ من دَمِهِ وذو لسانينِ في الدنيا وَوَجْهَينِ فَمَا ترى جَامعاً منهم بشَخْصَيْنِ كَعَاتِب ذي عِنَاد أَو كَذِي دَيْنِ بكربلاءَ وبعضٌ بالْغَرِيِّينِ بَغْدَادُ بَدْرَينِ حلاَّ وَسْطَ قبرينِ أبكي بجَفْنَينِ من عَيْنَي قريحينِ أم الحسينِ لُقَىً بين الخميسينِ مُعَفَّرَ الخَدِّ محزوزَ الوريدينِ (2)

    جاء في بعض زيارات أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) : وأنتم بين صريع في المحراب قد فلق السيف هامته  ، وشهيد فوق الجنازة قد شُكَّت بالسهام أكفانُه  ، وقتيل بالعراء
1 ـ حياة الإمام الرضا ( عليه السلام )   ، السيد جعفر مرتضى العاملي : 97 ـ 98.
2 ـ الغدير  ، الشيخ الأميني : 4/162.


(588)
قد رُفع فوق القناة رأسه  ، ومكبَّل في السجن رُضَّت بالحديد أعضاؤه  ، ومسموم قد قُطِّعت بجرع السمِّ أمعاؤه (1)   ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون  ، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العليِّ العظيم.
    روى ابن شهر آشوب عليه الرحمة في المناقب  ، عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنه قال لأهل الكوفة : أما إنه سيظهر عليكم رجل رحب البلعوم  ، مندحق البطن  ، يأكل ما يجد  ، ويطلب ما لا يجد  ، فاقتلوه  ، ولن تقتلوه  ، ألا وإنّه سيأمركم بسبيّ والبراءة مني  ، فأمَّا السبُّ فسبّوني  ، وأمَّا البراءة منّي فلا تتبرَّؤوا منّي  ، فإنّي ولدت على الفطرة  ، وسبقت إلى الإسلام والهجرة (2).
    وروي أن أبا جعفر محمد بن علي الباقر ( عليه السلام ) قال لبعض أصحابه : يا فلان! ما لقينا من ظلم قريش إيانا  ، وتظاهرهم علينا  ، وما لقي شيعتنا ومحبّونا من الناس  ، إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قُبض وقد أخبر أنّا أولى الناس بالناس  ، فتمالأت علينا قريش حتى أخرجت الأمر عن معدنه  ، واحتجَّت على الأنصار بحقّنا وحجّتنا  ، ثمَّ تداولتها قريش واحد بعد واحد حتى رجعت إلينا  ، فنُكثت بيعتُنا  ، ونُصبت الحرب لنا.
    ولم يزل صاحب الأمر في صعود كؤود حتى قُتل  ، فبويع الحسن ابنه وعُوهد  ، ثمَّ غُدر به  ، وأُسلم  ، ووثب عليه أهل العراق حتى طُعن بخنجر في جنبه  ، ونُهبت عسكره  ، وعُولجت خلاخيل أمهات أولاده  ، فوادع معاوية  ، وحقن دمه ودماء أهل بيته  ، وهم قليل حق قليل  ، ثمَّ بايع الحسين ( عليه السلام ) من أهل العراق عشرون ألفاً  ، ثمَّ غدروا به  ، وخرجوا عليه وبيعته في أعناقهم  ، وقتلوه.
    ثمَّ لم نزل ـ أهل البيت ـ نُستذلّ ونُستضام  ، ونُقصى ونُمتهن  ، ونُحرم ونُقتل  ، ونخاف ولا نأمن على دمائنا ودماء أوليائنا  ، ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم
1 ـ المزار  ، المشهدي : 298.
2 ـ مناقب آل أبي طالب  ، ابن شهر آشوب : 2/107.


(589)
وجحودهم موضعاً يتقرَّبون به إلى أوليائهم  ، وقضاة السوء  ، وعمال السوء في كل بلدة  ، فحدَّثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة  ، ورووا عنَّا ما لم نقله وما لم نفعله  ، ليُبغَّضونا إلى الناس  ، وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن ( عليه السلام )   ، فقُتلت شيعتُنا بكل بلدة  ، وقُطعت الأيدي والأرجل على الظنّة  ، وكان من يُذكر بحبِّنا والانقطاع إلينا سُجن  ، أو نُهب ماله  ، أو هُدمت داره.
    ثمَّ لم يزل البلاء يشتدُّ ويزداد إلى زمان عبيدالله بن زياد قاتل الحسين ( عليه السلام )   ، ثمَّ جاء الحجاج فقتلهم كلَّ قتلة  ، وأخذهم بكل ظنّة وتهمة  ، حتى إن الرجل ليقال له زنديق أو كافر أحبُّ إليه من أن يقال شيعة علي ( عليه السلام )   ، وحتى صار الرجل الذي يُذكر بالخير ـ ولعلّه يكون ورعاً صدوقاً ـ يحدِّث بأحاديث عظيمة عجيبة  ، من تفضيل بعض من قد سلف من الولاة  ، ولم يخلق الله تعالى شيئاً منها  ، ولا كانت ولا وقعت  ، وهو يحسب أنها حقٌّ لكثرة من قد رواها ممن لم يعرف بكذب  ، ولا بقلّة ورع (1).
    وروى أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدايني في كتاب ( الأحداث )   ، قال : كتب معاوية نسخة واحدة إلى عُمّاله بعد عام الجماعة : أن برئت الذمّة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته  ، فقامت الخطباء في كلّ كورة وعلى كل منبر  ، يلعنون علياً  ، ويبرؤون منه  ، ويقعون فيه وفي أهل بيته  ، وكان أشدّ الناس بلاءً حينئذ أهل الكوفة; لكثرة من بها من شيعة علي ( عليه السلام )   ، فاستعمل عليهم زياد ابن سمية  ، وضمَّ إليه البصرة  ، فكان يتتبَّع الشيعة وهو بهم عارف; لأنه كان منهم أيام علي ( عليه السلام )   ، فقتلهم تحت كل حجر ومدر  ، وأخافهم  ، وقطع الأيدي والأرجل  ، وسمل العيون  ، وصلبهم على جذوع النخل  ، وطردهم وشرَّدهم عن العراق  ، فلم يبق بها معروف منهم.
1 ـ شرح نهج البلاغة  ، ابن أبي الحديد : 11/43  ، كتاب سليم بن قيس :  186 ـ 189.

(590)
    وكتب معاوية إلى عمَّاله في جميع الآفاق : ألا يجيزوا لأحد من شعية علي وأهل بيته ( عليهم السلام ) شهادة  ، وكتب إليهم : أن انظروا مَنْ قبلَكم من شيعة عثمان ومحبّيه وأهل ولايته والذين يروون فضائله ومناقبه  ، فأدنوا مجالسهم  ، وقرِّبوهم  ، وأكرموهم  ، واكتبوا لي بكل ما يروي كل رجل منهم  ، واسمه واسم ابيه وعشيرته.
    ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه; لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلاة والكساء والحباء والقطائع  ، ويفيضه في العرب منهم والموالي  ، فكثُر ذلك في كل مصر  ، وتنافسوا في المنازل والدنيا  ، فليس يجيء أحد مردود من الناس عاملا من عمَّال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلاَّ كتب اسمه  ، وقرَّبه وشفَّعه  ، فلبثوا بذلك حيناً.
    ثمَّ كتب إلى عماله إن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر  ، وفي كل وجه وناحية  ، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين  ، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلاَّ وتأتوني بمناقض له في الصحابة  ، فإن هذا أحبُّ إليَّ  ، وأقرُّ لعيني  ، وأدحض لحجّة أبي تراب وشيعته  ، وأشدُّ عليهم من مناقب عثمان وفضله.
    فقرئت كتبه على الناس  ، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها  ، وجدَّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر  ، وأُلقي إلى معلِّمي الكتاتيب فعلَّموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع  ، حتى رووه وتعلَّموه كما يتعلَّمون القرآن  ، وحتى علَّموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم  ، فلبثوا بذلك ما شاء الله.
    ثم كتب إلى عُمَّاله نسخة واحدة إلى جميع البلدان : انظروا من قامت عليه البيِّنة أنه يحبُّ علياً وأهل بيته ( عليهم السلام ) فامحوه من الديوان  ، وأسقطوا عطاءه ورزقه  ، وشفَّع ذلك بنسخة أخرى : من اتّهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكِّلوا به  ، واهدموا


(591)
داره  ، فلم يكن البلاء أشدّ ولا أكثر منه بالعراق ولا سيِّما بالكوفة  ، حتى إن الرجل من شيعة علي ( عليه السلام ) ليأتيه من يثق به فيدخل بيته  ، فيُلقي إليه سرَّه  ، ويخاف من خادمه ومملوكه  ، ولا يحدِّثه حتى يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليكتمنَّ عليه  ، فظهر حديث كثير موضوع  ، وبهتان منتشر  ، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة  ، وكان أعظم الناس في ذلك بليَّة القرَّاء المراؤون  ، والمستضعفون الذين يُظهرون الخشوع والنسك  ، فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم  ، ويقرِّبوا مجالسهم  ، ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل  ، حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديَّانين الذين لا يستحلّون الكذب والبهتان  ، فقبلوها ورووها وهم يظنون أنَّها حقّ  ، ولو علموا أنها باطلة لما رووها ولا تدينَّوا بها.
    فلم يزل الأمر كذلك حتى مات الحسن بن علي ( عليه السلام )   ، فازداد البلاء والفتنة  ، فلم يبق أحد من هذا القبيل إلاَّ وهو خائف على دمه  ، أو طريد في الأرض.
    ثمَّ تفاقم الأمر بعد قتل الحسين ( عليه السلام )   ، وولي عبدالملك بن مروان  ، فاشتدَّ على الشيعة  ، وولَّى عليهم الحجاج بن يوسف  ، فتقرَّب إليه أهل النسك والصلاح والدين ببغض علي وموالاة أعدائه  ، وموالاة من يدعي قوم من الناس أنهم أيضاً أعداؤه  ، فأكثروا في الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم  ، وأكثروا من الغضّ من علي ( عليه السلام ) وعيبه والطعن فيه والشنآن له  ، حتى إن إنساناً وقف للحجاج ـ ويقال إنه جدُّ الأصمعي عبد الملك بن قريب ـ فصاح به : أيُّها الأمير! إن أهلي عقّوني فسمَّوني علياً  ، وإني فقير بائس  ، وأنا إلى صلة الأمير محتاج  ، فتضاحك له الحجاج وقال : للطف ما توسَّلت به  ، وقد ولَّيتك موضع كذا.
    وقد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه ـ وهو من أكابر المحدِّثين وأعلامهم ـ في تأريخه ما يناسب هذا الخبر  ، وقال : إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتُعلت في أيام بني أميّة  ، تقرباً إليهم بما يظنّون أنهم يُرغمون به أنوف بني


(592)
هاشم (1).
    وعن كتاب المنتظم : إن زياداً لمَّا حصبه أهل الكوفة وهو يخطب على المنبر قطع أيدي ثمانين منهم  ، وهمَّ أن يخرب دورهم  ، ويجمِّر نخلهم  ، فجمعهم حتى ملأ بهم المسجد والرحبة ليعرضهم على البراءة من علي ( عليه السلام )   ، وعلم أنهم سيمتنعون  ، فيحتجّ بذلك على استئصالهم وإخراب بلدهم.
    وفي رواية عن عبدالله بن السائب وكثير بن الصلت قالا : جمع زياد بن أبيه أشراف الكوفة في مسجد الرحبة ليحملهم على سبِّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) والبراءة منه  ، فمن أبى ذلك عرضه على السيف (2) والناس من ذلك في كرب عظيم  ، فأغفيت فإذا أنا بشخص طويل العنق  ، أهدل أهدب  ، قد سدَّ ما بين السماء والأرض  ، فقلت له : من أنت ؟ قال : أنا النقاد ذو الرقبة  ، طاعون  ، بُعثت إلى زياد  ، فانتبهت فزعاً  ، فسمعنا الواعية عليه  ، وإذا غلام لزياد قد خرج إلى الناس فقال : انصرفوا  ، فإن الأمير عنكم مشغول  ، وسمعنا الصياح من داخل القصر  ، فما برحنا أن خرج الإذن فقال : انصرفوا فإن الأمير قد شُغل  ، وإذا الفالج قد ضربه  ، فقلت في ذلك وأنشأت :
قَدْ جَشَّم الناسَ أمراً ضاق ذَرْعُهُمُ يدعو على نَاصِرِ الإسلامِ حين يرى ما كان منتهياً عمَّا أَرَادَ بِهِ فَأَسْقَطَ الشِّقَّ منه ضَرْبةٌعجباً (3) بحَمْلِهِ حين ناداهُم إلى الرحبه لَهُ عَلَى المشركين الطولَ والغَلَبه حتَّى تَنَاوَلَهُ النقَّادُ ذو الرَّقَبَه كَمَا تَنَاوَلَ ظُلْمَاً صَاحِبَ الرحبه (4)

1 ـ شرح نهج البلاغة  ، ابن أبي الحديد : 11/44 ـ 46.
2 ـ مروج الذهب  ، المسعودي : 2/69.
3 ـ في كنز الفوائد : فأسقط الشق منه حربة ثبتت.
4 ـ راجع : مناقب آل أبي طالب  ، ابن شهر آشوب : 2/169  ، الأمالي  ، الشيخ الطوسي : 233 ح 5  ، المحاسن والمساوي  ، البيهقي : 1/39  ، الفائق في غريب الحديث  ، جار الله الزمخشري : 3/414  ، شرح نهج البلاغة  ، ابن أبي الحديد : 3/199  ، البداية والنهاية  ، ابن كثير : 8/68.


(593)
    مما روي عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) من كلام له ( عليه السلام ) لأصحابه ـ كما في نهج البلاغة ـ قال ( عليه السلام ) : أما إنّه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم  ، مندحق البطن  ، يأكل ما يجد  ، ويطلب ما لا يجد  ، فاقتلوه  ، ولن تقتلوه  ، ألا وإنّه سيأمركم بسبّي والبراءة منّي  ، فأمّا السبُّ فسبّوني  ، فإنه لي زكاة ولكم نجاة  ، وأمَّا البراءة فلا تتبرَّأوا منّي  ، فإنّي ولدت على الفطرة  ، وسبقت إلى الإيمان والهجرة (1).
    فممن قُتل في محبّة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وفي سبيله ميثم التمَّار عليه الرحمة  ، روي أنَّه قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لميثم التمّار ( رضي الله عنه ) ذات يوم : إنَّك تؤخذ بعدي فتُصلب  ، وتُطعن بحربة  ، فإذا كان اليوم الثالث ابتدر منخراك وفمك دماً  ، فتُخضب لحيتُك  ، فانتظر ذلك الخضاب  ، وتُصلب على باب عمرو بن حريث عاشر عشرة  ، أنت أقصرهم خشبة  ، وأقربهم من المطهرة  ، وامضِ حتى أريك النخلة التي تُصلب على جذعها  ، فأراه إيّاها  ، وكان ميثم يأتيها فيصلّي عندها ويقول : بوركتِ من نخلة  ، لكِ خلقتُ ولي غُذِّيتِ  ، ولم يزل يتعاهدها حتى قطعت  ، وحتى عرف الموضع الذي يُصلب عليه بالكوفة.
    قال : وكان يلقى عمرو بن حريث فيقول : إني مجاورك فأحسن جواري  ، فيقول له عمرو : أتريد أن تشتري دار ابن مسعود أو دار ابن حكيم ؟ وهو لا يعلم ما يريد.
    وروي عن أبي الحسن الرضا ( عليه السلام )   ، عن أبيه  ، عن آبائه صلوات الله عليهم  ،
1 ـ نهج البلاغة  ، خطب الإمام علي ( عليه السلام ) : 1/105 ح 57.

(594)
قال : أتى ميثم التمّار دار أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقيل له : إنه نائم  ، فنادى بأعلى صوته : انتبه أيُّها النائم! فوالله لتخضبن لحيتك من رأسك  ، فانتبه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقال : أدخلوا ميثماً  ، فقال له : أيُّها النائم! والله لتخضبن لحيتك من رأسك  ، فقال : صدقت  ، وأنت والله لتقطعن يداك ورجلاك ولسانك  ، ولتقطعن النخلة التي بالكناسة فتُشقّ أربع قطع  ، فتُصلب أنت على ربعها  ، وحجر بن عدي على ربعها  ، ومحمد بن أكثم على ربعها  ، وخالد بن مسعود على ربعها.
    قال ميثم : فشككت في نفسي وقلت : إن علياً ليخبرنا بالغيب  ، فقلت له : أو كائن ذاك يا أمير المؤمنين ؟ فقال : إي وربِّ الكعبة  ، كذا عهده إليَّ النبي ( صلى الله عليه وآله ).
    قال : فقلت : لم يُفعل ذلك بي يا أمير المؤمنين ؟ فقال : ليأخذنك العتلُّ الزنيم  ، ابن الأمة الفاجرة  ، عبيدالله بن زياد.
    قال : وكان ( عليه السلام ) يخرج إلى الجبّانة وأنا معه  ، فيمرّ بالنخلة فيقول لي : يا ميثم! إن لك ولها شأناً من الشأن.
    قال : فلمَّا ولي عبيدالله بن زياد الكوفة ودخلها تعلَّق عَلَمُه بالنخلة التي بالكناسة فتخرَّق  ، فتطيَّر من ذلك  ، فأمر بقطعها  ، فاشتراها رجل من النَّجارين فشقَّها أربع قطع.
    قال ميثم : فقلت لصالح ابني : فخذ مسماراً من حديد فانقش عليه اسمي واسم أبي  ، ودقَّه في بعض تلك الأجذاع  ، قال : فلمَّا مضى بعد ذلك أيام أتاني قوم من أهل السوق فقالوا : يا ميثم! انهض معنا إلى الأمير نشكو إليه عامل السوق  ، ونسأله أن يعزله عنّا ويولي علينا غيره.
    قال : وكنت خطيب القوم  ، فنصت لي وأعجبه منطقي  ، فقال له عمرو بن حريث : أصلح الله الأمير! تعرف هذا المتكلِّم ؟ قال : من هو ؟ قال : ميثم التمار  ، الكذَّاب.. قال : فاستوى جالساً  ، فقال لي : ما تقول ؟ فقلت : كذب أصلح الله


(595)
الأمير  ، بل أنا الصادق  ، مولى الصادق علي بن أبي طالب أمير المؤمنين حقاً  ، فقال لي : لتبرأنَّ من عليٍّ  ، ولتذكرنَّ مساويه  ، وتتولّى عثمان  ، وتذكر محاسنه  ، أو لأقطعنَّ يديك ورجليك ولأصلبنَّك  ، فبكيت  ، فقال لي : بكيت من القول دون الفعل  ، فقلت : والله ما بكيت من القول ولا من الفعل  ، ولكن بكيت من شكٍّ كان دخلني يوم خبَّرني سيدي ومولاي  ، فقال لي : وما قال لك ؟ قال : فقلت : أتيت الباب فقيل لي : إنه نائم  ، فناديت : انتبه أيها النائم  ، فوالله لتخضبن لحيتك من رأسك  ، فقال : صدقت  ، وأنت والله لتقطعن يداك ورجلاك ولسانك ولتصلبن  ، فقلت : ومن يفعل ذلك بي يا أمير المؤمنين ؟ فقال : يأخذك العتلّ الزنيم  ، ابن الأمة الفاجرة  ، عبيدالله بن زياد.
    قال : فامتلأ غيظاً  ، ثمَّ قال لي : والله لأُقطعنَّ يديك ورجليك  ، ولأدعنَّ لسانك حتى أكذبك وأكذب مولاك  ، فأمر به فقطعت يداه ورجلاه  ، ثمَّ أُخرج فأمر به أن يُصلب  ، فنادى بأعلى صوته : أيُّها الناس! من أراد أن يسمع الحديث المكنون عن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ).. قال : فاجتمع الناس وأقبل يحدِّثهم بالعجائب.
    قال : وخرج عمرو بن حريث وهو يريد منزله فقال : ما هذه الجماعة ؟ قالوا : ميثم التمّار يحدِّث الناس عن علي بن أي طالب  ، قال : فانصرف مسرعاً فقال : أصلح الله الأمير! بادر فابعث إلى هذا من يقطع لسانه  ، فإني لست آمن أن يغير قلوب أهل الكوفة فيخرجوا عليك  ، قال : فالتفت إلى حرسيٍّ فوق رأسه فقال : اذهب فاقطع لسانه  ، قال  ، فأتاه الحرسي فقال له : يا ميثم! قال : ما تشاء ؟ قال : أخرج لسانك فقد أمرني الأمير بقطعه  ، قال ميثم : ألا زعم ابن الأمة الفاجرة أنه يكذبني ويكذب مولاي  ، هاك لساني  ، قال : فقطع لسانه  ، وتشحَّط ساعة في دمه ثمَّ مات  ، وأمر به فصُلب  ، قال صالح : فمضيت بعد ذلك بأيام  ، فإذا هو قد صُلب


(596)
على الربع الذي كنت دققت فيه المسمار (1).
    ومنهم رشيد الهجري رضوان الله تعالى عليه  ، روي بالإسناد عن فضيل بن الزبير  ، قال : خرج أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى بستان البرني ومعه أصحابه  ، فجلس تحت نخلة  ، ثمَّ أمر بنخلة فلقطت فأنزل منها رطب  ، فوضع بين أيديهم  ، قالوا : فقال رشيد الهجري : يا أمير المؤمنين  ، ما أطيب هذا الرطب! فقال : يا رشيد  ، أما إنك ستُصلب على جذعها  ، قال رشيد : فكنت اختلف إليها طرفي النهار أسقيها  ، ومضى أمير المؤمنين ( عليه السلام )   ، قال : فجئتها يوماً وقد قُطع سعفُها  ، قلت : اقترب أجلي  ، ثمَّ جئت يوماً فجاء العريف فقال : أجب الأمير  ، فأتيته  ، فلمَّا دخلت القصر إذا الخشب ملقى  ، فإذا فيه الزرنوق  ، فجئت حتى ضربت الزرنوق برجلي  ، ثمَّ قلت : لك غذِّيتُ ولي أنبتَّ  ، ثمَّ أُدخلت على عبيد الله بن زياد فقال : هات من كذب صاحبك  ، فقلت : والله ما أنا بكذَّاب ولا هو  ، ولقد أخبرني أنك تقطع يدي ورجلي ولساني..
    وعن قنوا بنت رشيد الهجري  ، قالت : سمعت من أبي يقول : حدَّثني أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقال : يا رشيد! كيف صبرك إذا أرسل إليك دعيُّ بني أمية فقطع يديك ورجليك ولسانك ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين! آخر ذلك الجنة ؟ قال : بلى يا رشيد  ، أنت معي في الدنيا والآخرة  ، قالت : فوالله ما ذهبت الأيام حتى أرسل إليه الدعيُّ عبيدالله بن زياد  ، فدعاه إلى البراءة من أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فأبى أن يتبرَّأ منه  ، فقال له الدعيُّ : فبأيِّ ميتة قال لك تموت ؟ قال : أخبرني خليلي أنك تدعوني إلى البراءة منه فلا أتبرَّأ منه  ، فتقدِّمني فتقطع يدي ورجلي ولساني  ، فقال : والله لأُكذبن قوله فيك  ، قدِّموه فاقطعوا يديه ورجليه  ، واتركوا لسانه  ، فحملت طوائفه لمَّا قطعت يداه ورجلاه  ، فقلت له : يا أبه! كيف تجد ألماً لما أصابك ؟ فقال : لا يا بنية  ،
1 ـ اختيار معرفة الرجال  ، الشيخ الطوسي : 1/296 ـ 299 ح 140.

(597)
إلاَّ كالزحام بين الناس  ، فلمَّا حملناه وأخرجناه من القصر اجتمع الناس حوله  ، فقال : ائتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم ما يكون إلى أن تقوم الساعة  ، فإن للقوم بقيَّة لم يأخذوها منّي بعد  ، فأتوه بصحيفة فكتب الكتاب : بسم الله الرحمن الرحيم  ، وذهب لعين فأخبره أنه يكتب للناس ما يكون إلى أن تقوم الساعة  ، فأرسل إليه الحجَّام حتى قطع لسانه  ، فمات في ليلته تلك.
    وكان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يسمّيه رشيد البلايا  ، وكان قد ألقى إليه علم البلايا والمنايا  ، فكان في حياته إذا لقي الرجل قال له : يا فلان! تموت بميتة كذا وكذا  ، وتقتل أنت ـ يا فلان ـ بقتلة كذا وكذا  ، فيكون كما يقول الرشيد  ، وكان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يقول له : أنت رشيد البلايا  ، إنك تُقتل بهذه القتلة  ، فكان كما قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه (1).
    ومنهم عمرو بن الحمق الخزاعي رضوان الله تعالى عليه  ، جاء في البحار أن عمرو بن الحمق كان صاحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، ثمَّ صاحب أمير المؤمنين ( عليه السلام )   ، وفي كلمات الأئمة أنه كان عبداً صالحاً  ، أبلته العبادة فأنحلت جسمه وصفَّرت لونه  ، ولمَّا قُتل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) طلبه معاوية ليقتله  ، فكان لا يأوي الكوفة  ، فبعث له معاوية الأمان والمواثيق والعهود أن لا يتعرَّض له بسوء  ، فدخلها فقبض عليه وقتله.
    وعن شمير بن سدير الأزدي قال : قال علي ( عليه السلام ) لعمرو بن الحمق الخزاعي : يا عمرو! إنك لمقتول بعدي  ، وإن رأسك لمنقول  ، وهو أول رأس يُنقل في الإسلام  ، وويل لقاتلك  ، أما إنك لا تنزل بقوم إلاَّ أسلموك برمَّتك إلاَّ هذا الحيّ من بني عمرو بن عامر من الأزد  ، فإنهم لن يسلموك  ، ولن يخذلوك  ، قال : فوالله ما مضت الأيام حتى تنقَّل عمرو بن الحمق في خلافة معاوية في الأحياء خائفاً مذعوراً  ، حتى نزل
1 ـ الاختصاص  ، الشيخ المفيد : 77 ـ 78.

(598)
في قومه من بني خزاعة فأسلموه  ، فقُتل وحُمل رأسه من العراق إلى معاوية (1).
    وقال ابن كثير : وورد في حديث أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) دعا له أن يمتِّعه الله بشبابه  ، فبقي ثمانين سنة لا يُرى في لحيته شعرة بيضاء  ، وهو أحد الأربعة الذين دخلوا على عثمان  ، ثمَّ صار بعد ذلك من شيعة علي ( عليه السلام )   ، فشهد معه الجمل وصفين  ، وكان من جملة من أعان حجر بن عدي  ، فتطلَّبه زياد فهرب إلى الموصل (2).
    وروى اليعقوبي في تأريخه أن الصحابي الجليل عمرو بن الحمق الخزاعي كان من أصحاب حجر بن عدي الذين لا يسكتون على سبِّ الإمام علي ( عليه السلام ) على منبر الكوفة  ، فأمر معاوية عامله زياد بن أبيه أن يقبض عليهم  ، ويشخصهم إليه في دمشق  ، فهرب عمرو بن الحمق وعدّةٌ معه إلى الموصل  ، وبلغ عبد الرحمن بن أم الحكم ـ وكان عامل معاوية على الموصل ـ مكان عمرو بن الحمق الخزاعي  ، ورفاعة بن شدّاد  ، فوجَّه في طلبهما  ، فخرجا هاربين  ، وعمرو بن الحمق شديد العلّة  ، فلمَّا كان في بعض الطريق لدغت عمراً حيَّةٌ  ، فقال : الله أكبر! قال لي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا عمرو! ليشترك في قتلك الجنّ والإنس  ، ثمَّ قال لرفاعة : امض لشأنك  ، فإني مأخوذ ومقتول  ، ولحقته رسل عبد الرحمن بن أم الحكم فأخذوه  ، وضُربت عنقه  ، ونُصب رأسه على رمح  ، وطيف به  ، فكان أول رأس طيف به الإسلام  ، وقد كان معاوية حبس امرأته بدمشق  ، فلمَّا أتى رأسه بعث به  ، فوضع في حجرها  ، فقالت للرسول : أبلغ معاوية ما أقول : طالبه الله بدمه  ، وعجَّل له الويل من نقمه  ، فقد أتى أمراً فريّاً  ، وقتل برّاً نقياً  ، وكان أول من حبس النساء بجرائر الرجال (3).
    وقال ابن عساكر : كان تحت عمرو بن الحمق آمنة بنت الشريد  ، فحبسها
1 ـ الأنوار العلوية  ، الشيخ جعفر النقدي : 467.
2 ـ البداية والنهاية  ، ابن كثير : 8/52.
3 ـ تأريخ اليعقوبي : 2/230 ـ 232.


(599)
معاوية في سجن دمشق زماناً  ، حتى وجّه إليها برأس عمرو بن الحمق  ، فألقي في حجرها  ، فارتاعت لذلك  ، ثمَّ وضعته في حجرها ووضعت كفّها على جبينه  ، ثمَّ لثمت فاه  ، ثمّ قالت : غيَّبتموه عني طويلا  ، ثمَّ أهديتموه إليَّ قتيلا  ، فأهلا بها من هدية  ، غير قالية ومقليَّة.
    وذكر أبو الحسن علي بن محمد الكاتب المعروف بالشابشتي أن عمرو بن الحمق لمَّا قُتل حُمل رأسه إلى معاوية  ، وهو أول رأس حُمل في الإسلام من بلد إلى بلد  ، وكانت آمنة بنت الشريد زوجته بدمشق  ، فلمَّا حُمل رأس عمرو إليه أمر أن يُلقى في حجرها  ، وأن يُسمع منها ما تقول  ، فلمَّا رأته ارتاعت له  ، وأكبَّت عليه تقبِّله  ، وقالت : واضعيتاه في دار هوان  ، بَقّيتموه طويلا  ، وأهديتموه إليَّ قتيلا  ، فأهلا وسهلا  ، كنت له غير قالية  ، وأنا له غير ناسية  ، قل لمعاوية : أيتم الله ولدك  ، وأوحش منك أهلك  ، ولا غفر لك ذنبك (1).
    وقال النسَّابة أبو جعفر محمد بن حبيب في كتاب المحبر : ونصب معاوية رأس عمرو بن الحمق الخزاعي ـ وكان شيعياً ـ ودير به في السوق (2).
    وقال ابن كثير : فطيف به في الشام وغيرها  ، فكان أول رأس طيف به (3)
    ولكن ـ أيها المؤمنون ـ لا مصيبةَ كمصيبةِ ريحانةِ الرسول ( صلى الله عليه وآله ) الحسين ( عليه السلام ) الذي طيف برأسه البلدان  ، على رمح طويل  ، ينظر إليه نساؤه وبناته  ، وشيبته مخضَّبة بدمه  ، وبقي جسمه على بوغاء كربلاء بلا دفن ثلاثة أيام  ، ولله درّ ابن حماد عليه الرحمة إذ يقول :
يا غريباً لأجلِهِ صرتُ أبكي أَسَفاً بَعْدَه على الغُرَبَاءِ

1 ـ تاريخ مدينة دمشق  ، ابن عساكر : 69/40  ، أسد الغابة  ، ابن الأثير : 4/101.
2 ـ الغدير  ، الشيخ الأميني : 11/44.
3 ـ البداية والنهاية  ، ابن كثير : 8/52.


(600)
يا خضيبَ المَشِيبِ خَضَّبتُ خَدّي ليتني بالطفوفِ كنتُ فِدَاءً بأبي جِسْمَكَ الذي وَطَأَتْهُ الـ بأبي رَأْسَك المُسَيَّرَ في الرُّمْحِ بأبي أُخْتَكَ التي هُتِكَتْ بَعْدَ تَسْتُرُ الْوَجْهَ وهي تَعْثُرُ في فا بدموع ممزوجة بدِمَاءِ لَكَ مولاي قلَّ منّي فِدَائِي خيلُ مِنْ بَعْدِ لِيْنِ الوِطَاءِ كبدر يَلُوحُ في الظَّلْمَاءِ كَ من بعد سِتْرِها وَالخِبَاءِ ضِلِ أَذْيَالِهَا لِفَرْطِ الحَيَاءِ (1)

    يا سادتي يا آل رسول الله  ، إني بكم أتقرَّب إلى الله جلَّ وعلا  ، بالخلاف على الذين غدروا بكم  ، ونكثوا بيعتَكم  ، وجحدوا ولايتَكم  ، وأنكروا منزلتَكم  ، وخلعوا ربقةَ طاعتِكم  ، وهجروا أسبابَ مودّتِكم  ، وتقرَّبوا إلى فراعنتِهم بالبراءة منكم  ، والإعراض عنكم  ، ومنعوكم من إقامةِ الحدود  ، واستئصالِ الجحود  ، وشعبِ الصدع  ، ولمِّ الشعث  ، وسدِّ الخلل  ، وتثقيفِ الأود  ، وإمضاءِ الأحكام  ، وتهذيبِ الإسلام  ، وقمع الآثام  ، وأرهجوا عليكم نقعَ الحروبِ والفتن  ، وأنحوا عليكم سيوفَ الأحقاد  ، هتكوا منكم الستورَ  ، وابتاعوا بخمسكم الخمورَ  ، وصرفوا صدقاتِ المساكين إلى المضحكين والساخرين (2).
    وممن قُتل في محبَّة أهل البيت ( عليهم السلام ) حجر بن عدي  ، الذي هو أحد أعلام
1 ـ المنتخب الطريحي : 192.
2 ـ المزار  ، محمد بن المشهدي : 295 ـ 296.
المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: فهرس