المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: 601 ـ 615
(601)
الشيعة وعظمائها  ، فعن النسوي أنَّ رزين الفافقي قال : سمعت علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) يقول : يا أهل العراق! سيُقتل منكم سبعة نفر بعذراء  ، مثلهم كمثل أصحاب الأخدود  ، فقُتل حجر وأصحابه (1).
    وعن عمر بن بشير قال : قلت لأبي إسحاق : متى ذلَّ الناس ؟ قال : حين قُتل الحسين ( عليه السلام ) وادُّعي زياد وقُتل حجر بن عدي (2).
    وكان حجر من أبرِّ أصحاب أمير المؤمنين ( عليه السلام )   ، وكان ذا علم وحلم وشجاعة وكرم وفصاحة  ، وقد أخبره أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بما يجري عليه بعده من القتل  ، قال المسعودي في تأريخه مروج الذهب : وفي سنة ثلاث وخمسين قتل معاوية حجر بن عدي الكندي  ، وهو أول من قتل صبراً في الإسلام  ، حمله زياد من الكوفة  ، ومعه تسعة نفر من أصحابه من أهل الكوفة  ، وأربعة من غيرها  ، فلمَّا صارا على أميال من الكوفة يراد به دمشق أنشأت ابنته تقول ـ ولا عقب له من غيرها ـ :
ترفَّعْ أيُّها القمرُ المنيرُ يسيرُ إلى معاويةَ بنِ حَرْب وَيَصْلُبَهُ على بَابَي دِمَشْق تخيَّرَت الخَبَائِرُ بعد حُجْر ألاَ يَا حُجْرُ حُجْرَ بني عديٍّ أخافُ عليك ما أَرْدَى عديّاً أَلاَ ياليت حُجْراً مَاتَ موتاً فَإِنْ تَهْلَكْ فكلُّ عَمِيدِ قوم لعلَّكَ أَنْ ترى حُجْراً يسيرُ لِيَقْتُلَهُ كَذَا زَعَمَ الأميرُ وَتَأْكُلَ من مَحَاسنِهِ النسورُ وطاب لها الخَوَرْنَقُ والسديرُ تلقَّتْكَ السلامةُ والسرورُ وشيخاً في دِمْشَقَ له زئيرُ ولم يُنْحَرْ كما نُحِرَ البعيرُ إلى هَلَك من الدنيا يصيرُ

1 ـ بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 14/316.
2 ـ الخصال  ، المفيد : 181 ـ 182 ح 248  ، مقاتل الطالبيين  ، الإصبهاني : 50.


(602)
    ولمَّا صار إلى مرج عذراء على اثني عشر ميلا من دمشق تقدَّم البريد بأخبارهم إلى معاوية  ، فبعث برجل أعور  ، فلمَّا أشرف على حجر وأصحابه قال رجل منهم : إن صدق الزجر فإنَّه سيُقتل منّا نصف وينجو الباقون  ، فقيل له : ومن أين علمت ؟ قال : أما ترون الرجل المقبل مصاباً بإحدى عينيه  ، فلمَّا وصل إليهم قال لحجر : إن أمير المؤمنين ( يعني معاوية ) أمرني بقتلك يا رأس الضلال  ، ومعدن الكفر والطغيان  ، والمتولَّى لأبي تراب  ، وقتل أصحابك إلاَّ أن ترجعوا عن كفركم! وتلعنوا صاحبكم وتتبرَّؤون منه  ، فقال حجر وجماعة ممن كان معه : إن الصبر على حدِّ السيف لأيسر علينا مما تدعونا إليه  ، ثمَّ القدوم على الله وعلى نبيِّه وعلى وصيِّه أحبُّ الينا من دخول النار  ، وأجاب نصف من كان معه إلى البراءة من علي ( عليه السلام )   ، فلمَّا قدِّم حجر ليقتل قال : دعوني أصلِّي ركعتين  ، فجعل يطوِّل في صلاته  ، فقيل له : أجزعاً من الموت ؟ فقال : لا  ، ولكنّي ما تطهَّرت للصلاة قط إلاَّ صلَّيت  ، وما صلَّيت قط أخفَّ من هذه  ، فكيف لا أجزع وإني لأرى قبراً محفوراً  ، وسيفاً مشهوراً  ، وكفناً منشوراً ؟ ثم قدِّم فنُحر  ، وأُلحق به من وافقه على قوله من أصحابه. وقيل : إن قتلهم كان في سنة خمسين (1).
    وعن صالح بن كيسان قال : لمَّا قتل معاوية حجر بن عدي وأصحابه حجَّ ذلك العام  ، فلقي الحسين بن علي ( عليهما السلام ) فقال : يا أبا عبدالله! هل بلغك ما صنعنا بحجر وأصحابه وأشياعه وشيعة أبيك ؟ فقال : وما صنعت بهم ؟ قال : قتلناهم وكفّنّاهم وصلَّينا عليهم  ، فضحك الحسين ( عليه السلام )   ، ثمَّ قال : خصمك القوم يا معاوية  ، لكنّنّا لو قتلنا شيعتك ما كفّنّاهم  ، ولا صلّينا عليهم  ، ولا أقبرناهم  ، ولقد بلغني وقيعتك في علي ( عليه السلام )   ، وقيامك بنقصنا  ، واعتراضك بني هاشم بالعيوب  ، فإذا فعلت ذلك فارجع إلى نفسك  ، ثمَّ سلها الحق عليها ولها  ، فإن لم تجدها أعظم عيباً فما أصغر
1 ـ الأنوار العلوية  ، الشيخ جعفر النقدي : 468.

(603)
عيبك فيك  ، فقد ظلمناك يا معاوية  ، ولا توترن غير قوسك  ، ولا ترمين غير غرضك  ، ولا ترمِنا بالعداوة من مكان قريب  ، فإنك والله قد أطعت فينا رجلا ما قدم إسلامه  ، ولا حدث نفاقه  ، ولا نظر لك  ، فانظر لنفسك أودع أيضاً يعني عمرو بن العاص (1).
    ومنهم أيضاً كميل بن زياد رضوان الله عليه  ، وقد كان من خواص أصحاب أمير المؤمنين ( عليه السلام )   ، وكان من الزهد والتقوى بمكان  ، ودعاء كميل الذي ورد استحباب قراءته في ليلة النصف من شهر شعبان وفي ليالي الجمعة منسوب إليه  ، علَّمه إياه أمير المؤمنين ( عليه السلام )   ، قال الشيخ المفيد عليه الرحمة : روى جرير  ، عن المغيرة قال : لمَّا ولي الحجاج طلب كميل بن زياد فهرب منه  ، فحرم قومه عطاءَهم  ، فلمَّا رأى كميل ذلك قال : أنا شيخ كبير  ، وقد نفد عمري  ، لا ينبغي أن أحرِمَ عطياتهم  ، فخرج فدفع بيده إلى الحجاج  ، فلما رآه قال له : لقد كنت أحبُّ أن أجد عليك سبيلا  ، فقال له كميل : لا تصرف عليَّ أنيابك  ، ولا تهدم عليَّ  ، فوالله ما بقي من عمري إلاّ مثل كواسل الغبار  ، فاقض ما أنت قاض  ، فإن الموعد الله  ، وبعد القتل الحساب  ، ولقد خبَّرني أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنك قاتلي  ، فقال له الحجاج : الحجة عليك إذن  ، فقال له كميل : ذاك إذا كان القضاء إليك  ، قال : بلى  ، قد كنت فيمن قتل عثمان بن عفان  ، اضربوا عنقه  ، فضربت عنقه رضوان الله عليه (2).
    وفي شرح النهج لابن أبي الحديد قال : كميل بن زياد بن بهيل بن هيثم بن سعد بن مالك بن حرب  ، كان من صحابة علي ( عليه السلام ) وشيعته وخاصّته  ، وقتله الحجاج على المذهب فيمن قتل من الشيعة (3).
1 ـ الاحتجاج  ، الطبرسي : 2/19 ـ 20  ، بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 44/129 ح 19.
2 ـ الإرشاد  ، المفيد : 1/327  ، الأنوار العلوية  ، الشيخ جعفر النقدي : 468 ـ 469.
3 ـ شرح نهج البلاغة  ، ابن أبي الحديد : 17/149.


(604)
    ومنهم قنبر ـ رحمه الله تعالى ـ مولى أمير المؤمنين ( عليه السلام )   ، روي عن أبي الحسن علي بن محمد : أن قنبر مولى أمير المؤمنين أُدخل على الحجاج بن يوسف  ، فقال له : ما الذي كنت تلي من أمر علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ؟ قال : كنت أوضّيه  ، فقال له : ما كان يقول إذا فرغ من وضوئه ؟ قال : كان يتلو هذه الآية « فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْء حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ للهِِ رَبِّ الْعَالَمِينَ » فقال الحجاج : كان يتأوَّلها علينا ؟ فقال : نعم  ، فقال : ما أنت صانع إذا ضربت علاوتك ؟ قال : إذاً أسعد وتشقى  ، فأمر به فقتله رحمه تعالى (1).
    وعن إبراهيم بن الحسين الحسيني العقيقي رفعه قال : سأل ( الحجاج ) قنبر مولى علي ( عليه السلام ) : من أنت ؟ فقال : أنا مولى من ضرب بسيفين  ، وطعن برمحين وصلَّى القبلتين  ، وبايع البيعتين  ، وهاجر الهجرتين  ، ولم يكفر بالله طرفة عين  ، أنا مولى صالح المؤمنين  ، ووارث النبيين  ، وخير الوصيين  ، وأكبر المسلمين  ، ويعسوب المؤمنين  ، ونور المجاهدين  ، ورئيس البكائين  ، وزين العابدين  ، وسراج الماضين  ، وضوء القائمين  ، وأفضل القانتين  ، ولسان رسول الله ربِّ العالمين  ، وأول المؤمنين من آل ياسين  ، والمويَّد بجبرئيل الأمين  ، والمنصور بميكائيل المتين  ، والمحمود عند أهل السماوات أجميعن  ، سيِّد المسلمين والسابقين  ، وقاتل الناكثين والمارقين والقاسطين  ، والمحامي عن حُرم المسلمين  ، وجاهد أعدائه الناصبين  ، إلى أن قال : البطل الهمام  ، والليث المقدام  ، والبدر التمام  ، محكّ المؤمنين  ، ووارث المشعرين  ، وأبو السبطين الحسن والحسين  ، واللهِ أمير المؤمنين حقاً علي بن أبي طالب  ، عليه من الله الصلوات الزكيَّة  ، والبركات السنية  ، فلمّا سمع الحجاج أمر بقطع رأسه (2)
1 ـ تفسير العياشي : 1/359 ح 22.
2 ـ الإختصاص  ، المفيد : 73  ، معجم رجال الحديث  ، السيد الخوئي : 15/89.


(605)
    ومنهم سعيد بن جبير رحمه الله تعالى  ، وهو من شيعة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وقد قُتل مظلوماً شهيداً في سبيل الله تعالى  ، ومن كتاب روضة الواعظين للفتال النيسابوري قال : قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : إن سعيد بن جبير كان يأتمُّ بعلي بن الحسين ( عليه السلام )   ، فكان عليٌّ يُثني عليه  ، وما كان سبب قتل الحجاج له إلاَّ على هذا الأمر  ، وكان مستقيماً  ، وذكر أنه لمَّا دخل على الحجاج بن يوسف قال : أنت شقيُّ بن كسير ؟ قال : أمي كانت أعرف بي  ، سمَّتني سعيد بن جبير  ، قال : ما تقول في أبي بكر وعمر  ، هما في الجنة أو في النار ؟ قال : لو دخلت الجنة فنظرت إلى أهلها لعلمت من فيها  ، ولو دخلت النار ورأيت أهلها لعلمت من فيها  ، قال : فما قولك في الخلفاء ؟ قال : لست عليهم بوكيل  ، قال : أيُّهم أحبُّ إليك ؟ قال : أرضاهم لخالقي  ، قال : فأيُّهم أرضى للخالق ؟ قال : عِلمُ ذلك عند الذي يعلم سرَّهم ونجواهم  ، قال : أبيت أن تصدقني  ، قال : بل لم أحبَّ أن أكذبك (1).
    وفي رواية الثعالبي أنَّ الحجاج قال : اختر ـ يا سعيد ـ أيَّ قتلة أقتلك  ، قال : اختر لنفسك يا حجاج  ، فوالله  ، لا تقتلني قتلة إلاَّ قتلك الله مثلها في الآخرة  ، قال : أفتريد أن أعفو عنك ؟ قال : إن كان العفو  ، فمن الله  ، وأمَّا أنت فلا براءة لك ولا عذر  ، قال الحجاج : اذهبوا به فاقتلوه  ، فلما خرج من الباب ضحك  ، فأُخبر الحجاج بذلك فردَّه  ، وقال : ما أضحكك ؟ قال : عجبت من جرأتك على الله  ، وحلم الله عليك  ، فأمر بالنطع فبُسط  ، وقال : اقتلوه! فقال سعيد : وجَّهت وجهي للذي فطر السموات والأرض  ، حنيفاً وما أنا من المشركين. قال : وجِّهوا به لغير القبلة  ، قال سعيد : « فَأَيْنََما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ » (2) قال : كبّوه لوجهه  ، قال سعيد : « مِنْهَا
1 ـ روضة الواعظين  ، الفتال النيسابوري : 290  ، الاختصاص المفيد : 205  ، بحار الأنوار  ، المجلسي :  46/136 ح 26.
2 ـ سورة البقرة  ، الآية : 115.


(606)
خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى » (1) قال الحجاج : اذبحوه! قال سعيد : أما إني أشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له  ، وأن محمداً عبده ورسوله  ، خذها منّي حتى تلقاني بها يوم القيامة  ، ثمَّ دعا سعيد فقال : اللهم لا تسلِّطه على أحد يقتله بعدي  ، فذُبح على النطع رحمة الله عليه  ، وكان الحجاج إذا نام يراه في المنام يأخذ بمجامع ثوبه  ، يقول : يا عدوَّ الله فيم قتلتني ؟ فيقول الحجاج : ما لي ولسعيد بن جبير ؟! ما لي ولسعيد بن جبير ؟ (2).
    وفي تهذيب الكمال قال : وبلغنا أن الحجاج عاش بعده خمس عشرة ليلة  ، ووقعت الآكلة في بطنه  ، فدعا بالطبيب لينظر إليه  ، فنظر إليه  ، ثمَّ دعا بلحم منتن  ، فعلَّقه في خيط  ، ثمَّ أرسله في حلقه فتركه ساعة  ، ثمَّ استخرجه وقد لزق به من الدم  ، فعلم أنه ليس بناج  ، وبلغنا أنه كان ينادي بقيَّة حياته : مالي ولسعيد ابن جبير  ، كلَّما أردت النوم أخذ برجلي (3).
    وقد روى المؤرِّخون أن يحيى بن يعمر كاد أن يقتله الحجاج لا لشيء سوى أنه كان يقول : إن الحسن والحسين ( عليهما السلام ) ابنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، قال حرب بن أبي الأسود : أرسل الحجاج إلى يحيى بن يعمر  ، فقال : بلغني أنك تزعم أن الحسن والحسين من ذرّيّة النبي ( صلى الله عليه وآله )   ، تجده في كتاب الله  ، وقد قرأته من أوله إلى آخره فلم أجده  ، قال : ألست تقرأ سورة الأنعام : « وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيَْمانَ » حتى بلغ « وَيَحْيَى وَعِيسَى » (4) ؟ قال : بلى  ، قال : أليس عيسى من ذرية إبراهيم وليس له أب ؟ قال : صدقت (5).
1 ـ سورة طه  ، الآية : 55.
2 ـ تفسيرالثعالبي  ، الثعالبي : 1/64.
3 ـ تهذيب الكمال  ، المزي : 10/373  ، البداية والنهاية  ، ابن كثير : 9/115.
4 ـ سورة الأنعام  ، الآية : 84 ـ 85.
5 ـ الدر المنثور  ، السيوطي : 3/28  ، العقد الفريد  ، الأندلسي : 2/48 ـ 49.


(607)
    وفي رواية الشيباني قال : إنَّ الحجاج أمر بيحيى بن يعمر ذات يوم فأدخل عليه  ، وهمَّ بقتله  ، فقال له : لتقرأن عليَّ آية من كتاب الله تعالى نصاً على أن العلوية ذرّيّة من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أو لأقتلنّك  ، ولا أريد قوله تعالى : « نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ » (1) فتلا قوله تعالى : « وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيَْمانَ » إلى أن قال : « وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى » ثمَّ قال : فعيسى من ذرّيّة نوح من قبل الأب أو من قبل الأم ؟ فبهت الحجاج  ، وردَّه بجميل  ، وقال : كأني سمعت هذه الآية الآن (2).
    ورحم الله نصر بن علي  ، وهو الآخر أيضاً قد تعرَّض للعقوبة  ، إذ أمر المتوكِّل بضربه ألف سوط لا لذنب ارتكبه ولا لشيء يزري به إلاَّ أنه روى منقبةً من مناقبِ الحسن والحسين ( عليهما السلام )   ، فقد روى هذا الحديث الشريف  ، قال : أخبرني علي بن جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن علي  ، حدَّثني أخي موسى بن جعفر  ، عن أبيه جعفر بن محمد  ، عن أبيه علي بن الحسين  ، عن أبيه  ، عن جده ( عليهم السلام ) أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أخذ بيد حسن وحسين وقال : من أحبَّني وأحبَّ هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة.
    قال أبو عبد الرحمن عبدالله : لمَّا حدَّث بهذا الحديث نصر بن علي أمر المتوكِّل بضربه ألف سوط  ، وكلَّمه جعفر بن عبد الواحد وجعل يقول له : هذا الرجل من أهل السنة  ، ولم يزل به حتى تركه (3).
    وممن قُتل في محبَّة أهل البيت ( عليهم السلام ) ابن السكيت رحمه الله تعالى (4)   ، وقد كان
1 ـ سورة آل عمران  ، الآية : 61.
2 ـ السير الكبير  ، الشيباني : 1/328.
3 ـ تاريخ بغداد  ، للخطيب البغدادي : 13 ـ 289.
4 ـ هو : يعقوب بن إسحاق  ، الشهير بابن السكيت ( ت 244 هـ )   ، إمام في اللغة والأدب  ، أصله من خوزستان ( بين البصرة وفارس ) تعلَّم ببغداد  ، قال ثعلب : أجمعوا أنه لم يكن أحد بعد ابن الأعرابي أعلم باللغة من ابن السكيت. راجع : الأعلام  ، خير الدين الزركلي : 8/195.


(608)
مؤدِّباً لأولاد المتوكِّل العباسي  ، قتله المتوكل بعد أن سأله : يا يعقوب! من أحبُّ إليك  ، ابناي هذان أم الحسن والحسين ؟ قال : والله إن قنبر خادم علي ( عليه السلام ) خير منك ومن ابنيك  ، فأمر الأتراك فسلّوا لسانه من قفاه  ، فمات يوم الإثنين لخمس خلون من رجب  ، سنة أربع وأربعين ومائتين (1)   ، وفي رواية فأمر المتوكل الأتراك فداسوا بطنه  ، فحُمل إلى داره فمات بعد غد ذلك (2).
    ولله درّ الحافظ البرسي الحلي رحمه الله إذ يقول في مدح أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وشيعته :
هو الشمسُ أم نورُ الضريحِ يلوحُ وبحرُ ندىً أم رَوْضَةٌ حَوَت الهدى وداودُ هذا أم سليمانُ بَعْدَهُ وأحمدُ هذا المصطفى أَمْ وصيُّهُ مُحِيطُ سَمَاءِ الَمجْدِ بَدْرُ دُجُنَّة حبيبُ حبيبِ اللهِ بَلْ سِرُّ سِرِّهِ له النصُّ في ( يومِ الغديرِ ) ومَدْحُهُ إمامٌ إذَا مَا المرءُ جَاءَ بِحُبِّهِ له شيعةٌ مثلُ النجومِ زَوَاهِرٌ إذَا قَاوَلَتْ فالحقُّ فيما تَقُولُهُ وَإِنْ جَاوَلَتْ أَوْ جَادَلَتْ عن مَرَامِها عليكَ سَلاَمُ اللهِ يَا رَايَةَ الهُدَى هو المِسْكُ أم طِيْبُ الوصيِّ يفوحُ وآدمُ أَمْ سِرُّ المهيمنِ نوحُ وهارونُ أم موسى الْعَصَا ومسيحُ عليٌّ نَمَاهُ هَاشِمٌ وذبيحُ وَفُلْكُ جَمَال لِلأَنَامِ وَيُوحُ (3) وَجُثَْمانُ أَمْر للخلائقِ رُوْحُ مِنَ اللهِ في الذِّكْرِ المبينِ صريحُ فميزانُهُ يومَ المَعَادِ رجيحُ لها بينَ كُلِّ العالمينَ وُضُوحُ به النورُ بَاد واللِّسَانُ فصيحُ تَوَلَّى العدوُّ الجَلْدُ وهو طريحُ سَلاَمٌ سليمٌ يغتدي ويروحُ (4)

1 ـ انظر : بغية الوعاة : 418 ـ 419  ، وفيات الأعيان : 6/397 ـ 398  ، النجوم الزاهرة : 2/318.
2 ـ بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 50/164  ، سير أعلام النبلاء  ، الذهبي : 12/18.
3 ـ يوح : الشمس.
4 ـ الغدير  ، الشيخ الأميني : 7/33.


(609)
    روي عن جابر بين يزيد الجعفي  ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : أوحى الله
عزَّ وجلَّ إلى رسوله : إني شكرت لجعفر بن أبي طالب أربع خصال  ، فدعاه النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأخبره  ، فقال : لولا أن الله تبارك وتعالى أخبرك ما أخبرتك  ، ما شربت خمراً قط; لأنّي علمت أني إن شربتها زال عقلي  ، وما كذبت قط; لأن الكذب ينقص المروَّة  ، وما زنيت قط; لأني خفت أني إذا عملت عُمل بي  ، وما عبدت صنماً قط; لأني علمت أنه لا يضرُّ ولا ينفع  ، قال : فضرب النبي ( صلى الله عليه وآله ) يده على عاتقه وقال : حق لله عزَّ وجلَّ أن يجعل لك جناحين تطير بهما مع الملائكة في الجنة (1).
    وعن الشيخ الطوسي عليه الرحمة  ، عن أبي أيوب الأنصاري  ، عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال لفاطمة ( عليها السلام ) : شهيدنا أفضل الشهداء وهو عمُّكِ  ، ومنّا من جعل الله له جناحين يطير بهما مع الملائكة وهو ابن عمِّك (2).
    وعن أبي الحزور  ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : خُلق الناس من شجر شتّى  ، وخُلقت أنا وابن أبي طالب من شجرة واحدة  ، أصلي علي  ، وفرعي جعفر (3).
    وعن الأصبغ بن نباتة الحنظلي قال : رأيت أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يوم افتتح البصرة  ، وركب بغلة رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، ثمَّ قال : يا أيُّها الناس  ، ألا أخبركم بخير
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 22/272 ح 15.
2 ـ الأمالي  ، الطوسي : 155 ح 8.
3 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 22/278.


(610)
الخلق يوم يجمعهم الله ؟ فقام إليه أبو أيوب الأنصاري  ، فقال : بلى يا أمير المؤمنين  ، حدِّثنا  ، فإنك كنت تشهد ونغيب  ، فقال : إن خير الخلق يوم يجمعهم الله سبعة من ولد عبد المطلب  ، لا ينكر فضلهم إلاَّ كافر  ، ولا يجحد به إلاَّ جاحد  ، فقام عمار بن ياسر رحمه الله فقال : يا أمير المؤمنين  ، سمِّهم لنا لنعرفهم  ، فقال : إن خير الخلق يوم يجمعهم الله الرسل  ، وإن أفضل الرسل محمَّد  ، وإن أفضل كل أمة بعد نبيِّها وصيُّ نبيِّها حتى يدركه نبيٌّ  ، ألا وإن أفضل الأوصياء وصيُّ محمد ( صلى الله عليه وآله )   ، ألا وإن أفضل الخلق بعد الأوصياء الشهداء  ، ألا وإن أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب  ، وجعفر بن أبي طالب  ، له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنة  ، لم يُنحل أحدٌ من هذه الأمة جناحان غيره  ، شيء كرَّم الله به محمَّداً ( صلى الله عليه وآله ) وشرَّفه  ، والسبطان : الحسن والحسين  ، والمهدي ( عليه السلام ) يجعله الله من يشاء منّا أهل البيت  ، ثمَّ تلا هذه الآية : « وَمَنْ يُطِعْ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنْ اللهِ وَكَفَى بِاللهِ عَلِيماً » (1).
    قال الراوي : وكان جعفر بن أبي طالب أشبه الناس خلقاً وخلقاً برسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، وكان جعفر أكبر من عليٍّ بعشر سنين  ، وكان عقيل أكبر من جعفر بعشر سنين  ، وكان طالب أكبر من عقيل بعشر سنين  ، وكان جعفر من المهاجرين الأولين  ، هاجر إلى أرض الحبشة  ، وقدم منها على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حين فتح خيبر  ، فتلقَّاه النبيُّ ( صلى الله عليه وآله ) واعتنقه  ، وقال : ما أدري بأيِّهما أنا أشدُّ فرحاً  ، بقدوم جعفر أم بفتح خيبر ؟ وكان قدومه وأصحابه من أرض الحبشة في السنة السابعة من الهجرة  ، واختطَّ له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى جنب المسجد  ، ثمَّ غزا غزوة مؤتة في سنة ثمان من الهجرة  ، وقاتل فيها حتى قُطعت يداه جميعاً  ، ثمَّ قُتل  ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن الله أبدله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء  ، فمن هنالك قيل له : جعفر ذو
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 22/282.

(611)
الجناحين.
    وعن سالم بن أبي الجعد قال : أُري رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في النوم جعفر بن أبي طالب ذا جناحين مضرَّجاً بالدم.
    وعن ابن عمر قال : وجدنا ما بين صدر جعفر ومنكبيه وما أقبل منه تسعين جراحة  ، ما بين ضربة بالسيف  ، وطعنة بالرمح  ، ولمَّا أتى النبيَّ ( صلى الله عليه وآله ) نعي جعفر أتى امرأته أسماء بنت عميس  ، فعزَّاها في زوجها جعفر  ، ودخلت فاطمة ( عليها السلام ) وهي تبكي : وتقول : واعمَّاه  ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : على مثل جعفر فلتبك البواكي (1).
    وروي عن الإمام جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) قال : وإن لجعفر شأناً عند الله  ، يطير مع الملائكة في الجنة (2)   ، وعن هشام بن سالم  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : لمَّا مات جعفر بن أبي طالب ( عليه السلام ) أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فاطمة ( عليها السلام ) أن تتخذ طعاماً لأسماء بنت عميس  ، وتأتيها ونساؤها  ، فجرت بذلك السنة من أن يُصنع لأهل الميت طعام ثلاثة أيام.
    وعن العباس بن موسى بن جعفر قال : سألت أبي ( عليه السلام ) عن المأتم  ، فقال : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لمَّا انتهى إليه قتل جعفر بن أبي طالب ( عليه السلام ) دخل على أسماء بنت عميس امرأة جعفر  ، فقال : أين بَنِيَّ ؟ فدعت بهم  ، وهم ثلاثة : عبدالله  ، وعون  ، ومحمد  ، فمسح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) رؤوسهم  ، فقالت : إنك تمسح رؤوسهم كأنهم أيتام ؟ فعجب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من عقلها  ، فقال : يا أسماء! ألم تعلمي أن جعفراً رضوان الله عليه استُشهد ؟ فبكت  ، فقال لها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لا تبكي فإن جبرئيل أخبرني أن له جناحين في الجنة من ياقوت أحمر  ، فقالت : يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، لو جمعت الناس وأخبرتهم بفضل جعفر لا ينسى فضله  ، فعجب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من عقلها  ، ثمَّ قال :
1 ـ بحار الأنوار : المجلسي : 22/273 ـ 275.
2 ـ بحار الأنوار : المجلسي : 22/349.


(612)
ابعثوا إلى أهل جعفر طعاماً  ، فجرت السنة (1).
    وعن مُسكِّن الفؤاد : لمَّا أصيب جعفر بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) أتى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أسماء  ، فقال لها : أخرجي لي ولد جعفر  ، فأُخرجوا إليه فضمَّهم إليه وشمَّهم  ، ودمعت عيناه  ، فقالت : يا رسول الله! أصيب جعفر ؟ فقال ( صلى الله عليه وآله ) : نعم  ، أصيب اليوم. قال عبدالله بن جعفر : أحفظ حين دخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على أمي فنعى لها أبي  ، ونظرت إليه وهو يمسح على رأسي ورأس أخي  ، وعيناه تهرقان الدموع  ، حتى تقطر لحيته  ، ثمَّ قال : اللهم إن جعفراً قد قدم إلى أحسن الثواب  ، فاخلفه في ذرّيّته بأحسن ما خلفت أحداً من عبادك في ذرّيّته  ، ثمَّ قال : يا أسماء! ألا أبشِّركِ ؟ قالت : بلى  ، بأبي أنت وأمي  ، فقال : إن الله عزَّ وجلَّ جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة (2).
    وعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لمَّا جاءته وفاة جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة كان إذا دخل بيته كثر بكاؤه عليهما جدّاً  ، ويقول : كانا يحدِّثاني ويؤنساني  ، فذهبا جميعاً (3).
    ولله درّ الشيخ محمد سعيد المنصوري إذ يقول :
أَخْبَرَ المصطفى بقَطْعِ يمين ثُمَّ راحت آهاتُهُ تَتَوَالى فغدا يَذْكُرُ المُصَابَ ويبكي فإذا كان أَعْظَمُ الناسِ شأناً هكذا تَنْتَهِي به في الرَّزَايا وَشِمَال لجعفر فَتَحَسَّرْ وَجَرَى دَمْعُهُ من العينِ أَحْمَرْ جَعْفَرَ الخيرِ فوقَ ما يُتَصَوَّرْ وَأَشَدُّ العبادِ عَزْماً وأَصْبَرْ حَالَةُ الحُزْنِ لِلْمُصَابِ وأكثرْ

1 ـ بحار الأنوار : المجلسي : 79/82 ـ 83.
2 ـ بحار الأنوار : المجلسي : 79/92.
3 ـ بحار الأنوار : المجلسي : 79/104.


(613)
كيف حَالُ الحسينِ سَاعَةَ وَافَى هَلْ يُلاَمُ الحسينُ حينَ رَآهُ إنْ دعا يا أَخِي وَيَا نُورَ عيني صَاحِبَ الرَّايَةِ الشُّجَاعَ المظفَّرْ وَعَمُودُ الحديدِ في الرَّأْسِ أثَّرْ فَقْدُكَ اليومَ كَسْرُهُ ليس يُجْبَرْ (1)

    جاء في كتاب كتبه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى معاوية : إن قوماً استشهدوا في سبيل الله من المهاجرين  ، ولكلٍّ فضلٌ  ، حتى إذا استشهد شهيدنا قيل : سيِّد الشهداء  ، وخصَّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه  ، أولا ترى أن قوماً قُطعت أيديهم في سبيل الله  ، ولكلٍّ فضلٌ  ، حتى إذا فعل بواحدنا كما فُعل بواحدهم  ، قيل : الطيار في الجنة  ، وذو الجناحين. وساق ( عليه السلام ) الكلام إلى أن قال : منَّا أسد الله  ، ومنكم أسد الأحلاف.
    وعن أبي أيوب الأنصاري  ، عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال لفاطمة ( عليها السلام ) : شهيدنا أفضل الشهداء وهو عمُّك  ، ومنّا من جعل الله له جناحين يطير بهما مع الملائكة وهو ابن عمِّك.. وروي عن النبيِّ ( صلى الله عليه وآله )   ، قال : من الركبان يوم القيامة عمّي حمزة  ، أسد الله وأسد رسوله  ، على ناقتي العضباء.
    وروي عن الإمام الرضا عن آبائه ( عليهم السلام ) عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : خير إخواني علي  ، وخير أعمامي حمزة  ، والعباس صنو أبي.
    وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : نحن بنو عبد المطلب سادة أهل الجنة : رسول الله  ، وحمزة سيِّد الشهداء  ، وجعفر ذو الجناحين  ، وعلي
1 ـ هذه القصيدة جاءت بطلب منا من الشيخ المنصوري فجزاه الله خير الجزاء.

(614)
وفاطمة  ، والحسن والحسين  ، والمهدي.
    وعن السكوني  ، عن الصادق  ، عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أحبُّ إخواني إليَّ علي بن أبي طالب  ، وأحبُّ أعمامي إليَّ حمزة.
    وعن القدّاح  ، عن جعفر  ، عن أبيه ( عليهما السلام ) قال : قال علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : منّا سبعة خلقهم الله عزَّ وجلَّ  ، لم يخلق في الأرض مثلهم  ، منَّا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سيِّد الأولين والآخرين  ، وخاتم النبيين  ، ووصيُّه خير الوصيين  ، وسبطاه خير الأسباط : حسناً وحسيناً  ، وسيِّد الشهداء حمزة عمُّه  ، ومن طار مع الملائكة جعفر  ، والقائم ( عليه السلام ).
    وروي عن النبيِّ ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : حمزة سيِّد الشهداء  ، وروي : خير الشهداء ولولا أن تجده صفيَّة لتركت دفنه حتى يحشر من بطون الطير والسباع  ، وكان قد مثِّل به وبأصحابه يومئذ (1).
    ومن كتاب الطُرَف للسيِّد ابن طاووس قدَّس الله روحه  ، نقلا من كتاب الوصية لعيسى بن المستفاد  ، عن موسى بن جعفر  ، عن أبيه ( عليهما السلام ) قال : لمَّا هاجر النبيُّ ( صلى الله عليه وآله ) إلى المدينة  ، وحضر خروجه إلى بدر دعا الناس إلى البيعة  ، فبايع كلهم على السمع والطاعة  ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذا خلا دعا عليّاً فأخبره من يفي منهم ومن لا يفي  ، ويسأله كتمان ذلك  ، ثمَّ دعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) علياً وحمزة وفاطمة ( عليهم السلام ) ، فقال لهم : بايعوني بيعة الرضا  ، فقال حمزة : بأبي أنت وأمي علامَ نبايع ؟ أليس قد بايعنا ؟
    فقال : يا أسد الله وأسد رسوله  ، تبايع لله ولرسوله بالوفاء والاستقامة لابن أخيك  ، إذن تستكمل الإيمان  ، قال : نعم  ، سمعاً وطاعة  ، وبسط يده  ، فقال لهم : يد الله فوق أيديكم  ، عليٌّ أمير المؤمنين ( عليه السلام )   ، وحمزة سيِّد الشهداء  ، وجعفر الطيار في
1 ـ بحار الأنوار : المجلسي : 22/275 ـ 277.

(615)
الجنّة  ، وفاطمة سيِّدة نساء العالمين  ، والسبطان : الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة  ، هذا شرط من الله على جميع المسلمين من الجنّ والإنس أجمعين  ، « فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً » ثمَّ قرأ : « إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله » (1) قال : ولمَّا كانت الليلة التي أصيب حمزة في يومها دعا به رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، فقال : يا حمزة! يا عمَّ رسول الله! يوشك أن تغيب غيبة بعيدة  ، فما تقول لو وردت على الله تبارك وتعالى  ، وسألك عن شرائع الإسلام وشروط الإيمان ؟ فبكى حمزة  ، وقال : بأبي أنت وأمي  ، أرشدني وفهِّمني.
    فقال : يا حمزة! تشهد أن لا إله إلاَّ الله مخلصاً  ، وأني رسول الله تعالى بالحقّ  ، قال حمزة : شهدت  ، قال : وأن الجنّة حقّ  ، وأنّ النار حقّ  ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها  ، وأنّ الصراط حقّ  ، والميزان حقّ  ، ومن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره  ، ومن يعمل مثقال ذرّة شراً يره  ، وفريق في الجنّة  ، وفريق في السعير  ، وأن علياً أمير المؤمنين  ، قال حمزة : شهدت وأقررت وآمنت وصدَّقت  ، وقال : الأئمة من ذرّيّته الحسن والحسين  ، وفي ذرّيّته  ، قال حمزة : آمنت وصدَّقت  ، وقال : فاطمة سيِّدة نساء العالمين  ، قال : نعم  ، صدَّقت  ، قال  ، : حمزة سيِّد الشهداء  ، وأسد الله وأسد رسوله  ، وعمُّ نبيِّه  ، فبكى حتى سقط على وجهه  ، وجعل يقبِّل عيني رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، وقال : جعفر بن أخيك طيَّار في الجنة مع الملائكة  ، وأن محمداً وآله خير البريّة  ، تؤمن ـ يا حمزة ـ بسرِّهم وعلانيتهم  ، وظاهرهم وباطنهم  ، وتحيى على ذلك وتموت  ، توالي من والاهم  ، وتعادي من عاداهم قال : نعم يا رسول الله  ، أشهد الله وأشهدك  ، وكفى بالله شهيداً  ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : سدَّدك الله ووفَّقك (2).
    وروي في احتجاج أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على أهل الشورى قال : نشدتكم
1 ـ سورة الفتح  ، الآية : 10.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 22/278.
المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: فهرس