المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: 616 ـ 630
(616)
بالله  ، هل فيكم أحد له أخ مثل أخي جعفر  ، المزيَّن بالجناحين في الجنة  ، يحلّ فيها حيث يشاء  ، غيري ؟ قالوا : اللهم لا  ، قال : نشدتكم هل فيكم أحد له عمٌّ مثل عمّي حمزة  ، أسد الله وأسد رسوله  ، وسيِّدالشهداء  ، غيري ؟ قالوا : اللهم لا.
    وعن عبد الرحمن بن بكير  ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : على قائمة العرش مكتوب : حمزة أسد الله وأسد رسوله وسيِّد الشهداء... وعن سلمان قال : قال النبيُّ ( صلى الله عليه وآله ) لفاطمة ( عليها السلام ) : شهيدنا سيِّد الشهداء  ، وهو حمزة بن عبد المطلب  ، وهو عمُّ أبيك  ، قالت : يا رسول الله! وهو سيِّد الشهداء الذين قُتلوا معك ؟ قال : لا  ، بل سيِّد شهداء الأولين والآخرين  ، ما خلا الأنبياء والأوصياء  ، وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين الطيَّار في الجنة مع الملائكة.
    وروي أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : إنه ليرى يوم القيامة إلى جانب الصراط عالم كثير من الناس  ، لا يعرف عددهم إلاَّ الله تعالى  ، هم كانوا محبّي حمزة  ، وكثير منهم أصحاب الذنوب والآثام  ، فتحول حيطان بينهم وبين سلوك الصراط والعبور إلى الجنة  ، فيقولون : يا حمزة! قد ترى ما نحن فيه  ، فيقول حمزة لرسول الله ولعلي بن أبي طالب : قد تريان أوليائي يستغيثون بي  ، فيقول محمد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعليٍّ وليِّ الله ( عليه السلام ) : يا علي! أعن عمَّك على إغاثة أوليائه  ، واستنقاذهم من النار  ، فيأتي علي ابن أبي طالب ( عليه السلام ) إلى الرمح الذي كان يقاتل به حمزة أعداء الله في الدنيا  ، فيناوله إيَّاه ويقول : يا عمَّ رسول الله  ، ويا عمَّ أخي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ذُدِ الجحيم بالرمي عن أوليائك برمحك هذا  ، كما كنت تذود به عن أولياء الله في الدنيا أعداء الله  ، فيتناول حمزة الرمح بيده فيضع زجَّه في حيطان النار الحائلة بين أوليائه وبين العبور إلى الجنة على الصراط  ، ويدفعها دفعة فينحّيها مسيرة خمسمائة عام  ، ثمَّ يقول لأوليائه والمحبّين الذين كانوا له في الدنيا : اعبروا  ، فيعبرون على الصراط آمنين سالمين قد انزاحت عنهم النيران  ، وبَعُدت عنهم الأهوال  ، ويَرِدون الجنّة غانمين ظافرين.


(617)
    وعن إسماعيل بن جابر وزرارة  ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : دفن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عمَّه حمزة في ثيابه بدمائه التي أصيب فيها  ، وردَّاه النبي ( صلى الله عليه وآله ) بردائه  ، فقصُر عن رجليه  ، فدعا له بأذخر فطرحه عليه  ، فصلَّى عليه سبعين صلاة  ، وكبَّر عليه سبعين تكبيرة (1).
    وعن الصادق  ، عن أبيه  ، عن جدّه ( عليهم السلام ) قال : قال الحسن بن علي ( عليهما السلام ) فيما احتجَّ على معاوية : وكان ممن استجاب لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عمُّه حمزة وابن عمّه جعفر  ، فقُتلا شهيدين ـ رضي الله عنهما ـ في قتلى كثيرة معهما من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، فجعل الله تعالى حمزة سيِّد الشهداء من بينهم  ، وجعل لجعفر جناحين يطير بهما مع الملائكة كيف يشاء من بينهم  ، وذلك لمكانهما من رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، ومنزلتهما وقرابتهما منه ( صلى الله عليه وآله )   ، وصلَّى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على حمزة سبعين صلاة من بين الشهداء الذين استشهدوا معه..
    وعن حبيب بن أبي ثابت  ، عن علي بن الحسين ( عليهما السلام ) قال : لم يدخل الجنة حميّة غير حميّة حمزة بن عبدالمطلب  ، وذلك حين أسلم غضباً للنبيِّ ( صلى الله عليه وآله ) في حديث السلا الذي أُلقي على النبي ( صلى الله عليه وآله ).
    وعن ابن عباس قال : قال لي النبي ( صلى الله عليه وآله ) : رأيت فيما يرى النائم عمّي حمزة بن عبد المطلب  ، وأخي جعفر بن أبي طالب  ، وبين أيديهما طبق من نبق  ، فأكلا ساعةً فتحوَّل العنب لهما رطباً  ، فأكلا ساعة  ، فدنوت منهما وقلت : بأبي أنتما  ، أيّ الأعمال وجدتما أفضل ؟ قالا : فديناك بالآباء والأمهات  ، وجدنا أفضل الأعمال الصلاة عليك  ، وسقي الماء  ، وحبّ علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) (2).
    وروي أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مرَّ على دور من دور الأنصار من بني عبد

1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 22/280.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 22/282 ـ 283.


(618)
الأشهل  ، فسمع البكاء والنوائح على قتالهم  ، فذرفت عيناه وبكى  ، ثمَّ قال : لكنَّ حمزة لا بواكي له  ، فلمَّا رجع سعد بن معاذ وأسيد بن حضير إلى دور بني عبد الأشهل أمرا نساءهم أن يذهبن فيبكين على عمِّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، فلمَّا سمع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بكاءهن على حمزة خرج إليهن وهن على باب مسجده يبكين  ، فقال لهن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ارجعن يرحمكن الله  ، فقد واسيتن بأنفسكن (1) وفي رواية : ولمَّا انصرف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من وقعة أحد إلى المدينة سمع من كل دار قُتل من أهلها قتيل نوحاً وبكاء  ، ولم يسمع من دار حمزة عمِّه  ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : لكنَّ حمزة لابواكي له  ، فآلى أهل المدينة أن لا ينوحوا على ميِّت ولا يبكوه حتى يبدؤوا بحمزة فينوحوا عليه ويبكوه  ، فهم إلى اليوم على ذلك (2).
    ولله درّ الشيخ محمد سعيد المنصوري إذ يقول :
حُزْني لِمَصْرَعِ حَمْزَة وَعَنَائي حتَّى إلى يومِ الترحُّلِ لَمْ أَزَلْ سأُوَاصِلُ الأيَّامَ في وَجْدِي له هيهاتَ أَنْ أنسى مُصيبةَ حَمْزَة بَطَلٌ إذا الأبطالُ عُدَّتْ مَالَهُ للهِ قَلْبُ المصطفى مُذْ شَاهَدَتْ منه تَدَفَّقَت الدموعُ لِعَمِّهِ وأتت صفيَّةُ تلتقي بشقيقِهَا صلَّت عليه وسلَّمت وتصاعدت لكنَّ زينَب أَعْوَلَتْ لمَّا رَأَتْ وَغَدَتْ تُنَاديه عقيلةُ هَاشِم لاَ ينقضي بِتَزَفُّري وبُكَائِي في مأتمي وكآبتي وعَزَائي حتَّى يُمَزَّقَ بالشَّجَا أَحْشَائي عَمِّ النبيِّ وسيِّدِ الشهداءِ فيها من الأشباهِ والنُّظَرَاءِ عيناه مَا صَنَعَتْ بنو اللُّقَطَاءِ ذاك العظيمِ وَعُمْدَةِ العُظَمَاءِ أَلْفَتْهُ فوقَ حَرَارَةِ الرَّمْضَاءِ زَفَرَاتُها بِتَنَفُّسِ الصُّعَدَاءِ جِسْمَ الحُسَينِ مُوَزَّعَ الأَشْلاَءِ ياليتَ دُوْنَكَ قُطِّعَتْ أَعْضَائي

1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 79/92.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 79/105.


(619)
ما كانَ صَبْرُ صفيَّة وَجِلاَدُها من زينب أقوى لدى الْبَلْواءِ (1)
    قال ابن الجوزي : ولمَّا أسلم وحشي قاتل حمزة قال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : غيِّب وجهك عنّي  ، فإني لا أحبُّ أن أرى قاتل الأحبة  ، قال هذا والإسلام يجبُّ ما قبله  ، فكيف بقلبه ( صلى الله عليه وآله ) أن يرى من ذبح الحسين ( عليه السلام )   ، وأمر بقتله وحمل أهله على أقتاب الجمال (2).
    وقد روي عن عبدالله بن مسعود  ، قال : ما رأينا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) باكياً قط أشدَّ من بكائه على حمزة بن عبد المطلب لما قتل (3). فكيف به إذن لو نظر إلى سبطه الحسين ( عليه السلام ) شلواً مبضَّعاً  ، وقد وزَّعته الأسنَّة  ، لكان حاله بلا شك أشد من حاله يوم مقتل حمزة بن عبد المطلب  ، وكما قال الشاعر :
لو أنَّ رسولَ اللهِ يَبْعَثُ نَظْرَةً وَهَانَ عليه يومُ حمزةَ عَمِّهِ ونال شجىً من زينب لَمْ يَنَلْهُ من فكم بَيْنَ مَنْ للخِدْرِ عادت مصونةً لَرُدَّت إلى إنْسَانِ عَيْن مؤَرَّقِ بيومِ حسين وهو أعظمُ ما لقي صفيَّةَ إذْ جاءت بدَمْع مُرَقْرَقِ وَمَنْ سيَّروها في السبايا بجلّقِ

    قالت أسماء بنت عميس رضي الله عنها محتجَّةً على هذه الأمة التي سفكت
1 ـ نظم هذه القصيدة جاء بطلب منا أيضاً من الخطيب الشيخ المنصوري فجزاه الله خير الجزاء على مساعيه النبيلة.
2 ـ الصواعق المحرقة  ، ابن حجر : 295.
3 ـ ذخائر العقبى  ، أحمد بن عبدالله الطبري : 181  ، شرح مسند أبي حنيفة  ، القاري : 526.


(620)
دم ابن بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
ماذا تقولون إِذْ قَالَ النبيُّ لكم بعترتي وبأهلي بَعْدَ مُفْتَقَدي مَاذَا فَعَلْتُم وأنتم آخِرُ الأُمَمِ منهم أُسَارى ومنهم ضُرِّجوا بِدَمِ
    وقال آخر :
تاللهِ مَا فَعَلَتْ أُميَّةُ فيهِمُ مِعْشَارَ مَا فَعَلَتْ بنو العبَّاسِ (1)
    وقال أبو عطاء أفلح بن يسار السندي :
يا ليت جَوْرَ بني مروانَ دَامَ لنا وليتَ عَدْلَ بني العبَّاسِ في النَّارِ (2)
    قال يحيى بن أكثم : إن المأمون أقدم دعبل رحمه الله  ، وآمنه على نفسه  ، فلمَّا مَثُل بين يديه ـ وكنت جالساً بين يدي المأمون ـ فقال له : أنشدني قصيدتك الرائية  ، فجحدها دعبل  ، وأنكر معرفتها  ، فقال له : لك الأمان عليها كما أمنتك على نفسك  ، فأنشده قصيدته  ، ومنها قوله في ظلامة أهل البيت ( عليهم السلام ) :
كم من ذراع لهم بالطفِّ بائنة أمسى الحسينُ وَمَسْرَاهُمْ لِمَقْتَلِهِ يا أُمَّةَ السُّوْءِ مَا جَازَيْتِ أَحْمَدَ في خَلَفْتُموه على الأبناءِ حينَ مَضَى لم يَبْقَ حيٌّ من الأحياءِ نَعْلَمُهُ إلاَّ وَهُمْ شُرَكَاءٌ في دِمَائِهِمُ قتلا وأسراً وتخويفاً وَمَنْهَبَةً أرى أُميَّةَ معذورين إن قَتَلُوا قومٌ قتلتم على الإسلام أوَّلَهُمْ وَعَارِض بصعيدِ التُّرْبِ مُنْعَفِرِ وَهُمْ يقولونَ : هذا سيِّدُ الْبَشَرِ حُسْنِ الْبَلاَءِ على التنزيلِ والسُّوَرِ خِلاَفَةَ الذِّئْبِ في إِنْفَادِ ذي بَقَرِ من ذي يَمَان وَلاَ بَكْر وَلاَ مُضَرِ كَمَا تَشَارَكَ أيسارٌ على جُزُرِ فِعْلَ الغُزَاةِ بأَرْضِ الرومِ والخَزَرِ ولا أرى لبني العبَّاسِ من عُذُرِ حتَّى إذا استمكنوا جَازوا على الكُفُرِ

1 ـ شرح ميمية أبي فراس : 119.
2 ـ المحاسن والمساوىء  ، البيهقي : 246.


(621)
أَبناءُ حَرْب ومروان وأُسْرَتُهُمْ إرْبعْ بطُوس على قَبْرِ الزكيِّ بِهَا قبرانِ في طُوْسَ خيرُ الناسِ كُلِّهِمُ مَا يَنْفَعُ الرِّجْسَ من قُرْبِ الزكيِّ وَلاَ هيهات كلُّ امرىء رَهْنٌ بما كسبت بنو معيطَ وُلاَةُ الحِقْدِ والزّعَرِ إنْ كُنْتَ تربعُ من دين على وَطَرِ وَقَبْرُ شَرِّهِمُ هذا من العِبَرِ عَلَى الزكيِّ بقُرْبِ الرِّجْسِ من ضَرَرِ لَهُ يَدَاهُ فَخُذْ مَا شِئْتَ أَوْ فَذَرِ
    قال : فضرب المأمون بعمامته الأرض وقال : صدقت والله يا دعبل (1).
    وقال أبو فراس الحمداني :
مَا نَالَ مِنْهُمْ بنو حَرْب وإنْ عَظُمَتْ تلك الجَرَائِرُ إلاَّ دُوْنَ نَيْلِكُمُ
    قال المنصور يوماً لجلسائه بعد قتل محمد بن عبدالله بن الحسن ( النفس الزكية ) وأخيه إبراهيم : تالله ما رأيت رجلا أنصح من الحجاج لبني مروان  ، فقام المسيَّب بن زهير الضبي فقال : يا أمير المؤمنين! ما سبقنا الحجاج بأمر تخلَّفنا عنه  ، والله  ، ما خلق الله على جديد الأرض خلقاً أعزَّ علينا من نبيِّنا ( صلى الله عليه وآله )   ، وقد أمرتنا بقتل أولاده  ، فأطعناك  ، وفعلنا ذلك  ، فهل نصحناك أم لا ؟! فقال المنصور : اجلس لاجلست (2).
    وقد كان عهد المنصور عهداً حافلا بالظلم  ، متّسماً بالرعب والاستبداد  ، فما كان ليجرأ أحد آنذاك على مخالطة أحد من العلويين  ، ومن يفعل ذلك يعرِّض نفسه لخطر السجن إن لم يكن القتل  ، وقد كان ذلك سببا كافياً للعقوبة عند المنصور في حكمه الظالم  ، ولمَّا دخل إبراهيم بن هرثمة  ، المعاصر للمنصور المدينة  ، أتاه رجل من العلويين فسلَّم عليه  ، فقال له إبراهيم : تنحَّ عني  ، لا تشط بدمي (3).
1 ـ الغدير  ، الشيخ الأميني : 2/375 ـ 376.
2 ـ مروج الذهب  ، المسعودي : 3/298  ، تاريخ بغداد  ، البغدادي : 6/129.
3 ـ تأريخ بغداد  ، البغدادي : 6/127  ، تاريخ دمشق  ، ابن عساكر : 72.


(622)
    وجاء في كتاب المأمون العباسي الذي أرسله إلى العباسيين ـ بعد ما ذكر حسن سياسة أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) مع ولد العباس ـ قال : حتى قضى الله بالأمر إلينا  ، فأخفناهم  ، وضيَّقنا عليهم  ، وقتلناهم أكثر من قتل بني أمية إياهم  ، وَيْحَكُمْ  ، إن بني أميَّة قتلوا من سلَّ سيفاً  ، وإنّا معشر بني العباس قتلناهم جُملا...
    وقال الجلودي الذي أمره الرشيد بالإغارة على دور آل أبي طالب عندما جعل المأمون ولاية العهد للرضا صلوات الله عليه : أُعيذك بالله ـ يا أمير المؤمنين ـ أن تُخرج هذا الأمر الذي جعله الله لكم  ، وخصَّكم به  ، وتجعله في أيدي أعدائكم  ، ومن كان آباؤك يقتلونهم  ، ويشرِّدونهم في البلاد (1)   ، وأمر الرشيد عامله على المدينة بأن يضمن العلويين بعضهم بعضاً (2).
    وروى الشيخ الصدوق عليه الرحمة  ، قال : قال أبو منصور المطرز : سمعت الحاكم أبا أحمد محمد بن محمد بن إسحاق الأنماطي النيسابوري يقول بإسناد متّصل ذكره محمد  ، إنه لمَّا بنى المنصور الأبنية ببغداد جعل يطلب العلويّة طلباً شديداً  ، ويجعل من ظفر به منهم في الإسطوانات المجوَّفة المبنيَّة من الجصّ والآجر  ، فظفر ذات يوم بغلام منهم حسن الوجه  ، عليه شعر أسود  ، من ولد الحسن بن علي ابن أبي طالب ( عليه السلام )   ، فسلَّمه إلى البنَّاء الذي كان يبني له  ، وأمره أن يجعله في جوف إسطوانة ويبني عليه  ، ووكلَّ به من ثقاته من يُراعي ذلك  ، حتى يجعله في جوف إسطوانة بمشهده  ، فجعله البنَّاء في جوف إسطوانة  ، فدخلته رقّة عليه ورحمة له  ، فترك في الإسطوانة فرجة يدخل منها الروح (3)   ، وقال للغلام : لا بأس عليك  ، فاصبر  ، فإني سأخرجك من جوف هذه الإسطوانة إذا جنَّ الليل.
1 ـ عيون أخبار الرضا ( عليه السلام )   ، الصدوق : 1/171.
2 ـ حياة الإمام الرضا ( عليه السلام )   ، السيد جعفر مرتضى العاملي : 100  ، تاريخ ابن خلدون : 3/215.
3 ـ الروح : نسيم الريح.


(623)
    ولمَّا جنَّ الليل جاء البنَّاء في ظلمته  ، وأخرج ذلك العلويَّ من جوف تلك الإسطوانة  ، وقال له : اتقِ الله في دمي ودم الفعلة الذين معي  ، وغيِّب شخصك  ، فإني إنما أخرجتك في ظلمة هذه الليلة من جوف هذه الإسطوانة لأني خفت إن تركتك في جوفها أن يكون جدّك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم القيامة خصمي بين يدي الله عزَّ وجلَّ  ، ثمَّ أخذ شعره بآلات الجصَّاصين كما أمكن  ، وقال له : غيِّب شخصك بنفسك  ، ولا ترجع إلى أمك  ، قال الغلام : فإن كان هذا هكذا فعرِّف أمي أنّي قد نجوت وهربت  ، لتطيب نفسها  ، ويقلَّ جزعها وبكاؤها  ، إن لم يكن لعودي إليها وجه  ، فهرب الغلام  ، ولا يُدرى أين قصد من أرض الله  ، ولا إلى أيِّ بلد وقع ؟ قال ذلك البنَّاء : وقد كان الغلام عرَّفني مكان أمه  ، وأعطاني العلامة شعره  ، فانتهيت إليها في الموضع الذي كان دلَّني عليه  ، فسمعت دويّاً كدويِّ النحل من البكاء  ، فعلمت أنها أمه  ، فدنوت منها وعرَّفتُها خبرَ ابنها  ، وأعطيتُها شَعرَه  ، وانصرفت (1).
    ويروى فيما جرى على العلويين من آل الحسن ( عليه السلام ) أيَّام المنصور أنهم أُخذوا فصفِّدوا في الحديد  ، ثمَّ حُملوا في محامل أعراء لا وطاء فيها  ، ووقفوا بالمصلى لكي يشتمهم الناس  ، فكفَّ الناس عنهم  ، ورقّوا لهم للحال التي هم فيها  ، ثمَّ انطلقوا بهم حتى وقفوا عند باب مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، وهو الباب الذي يقال له باب جبرئيل ( عليه السلام )   ، فاطّلع عليهم أبو عبدالله ( عليه السلام )   ، وعامّة ردائه مطروح بالأرض  ، ثمَّ اطّلع من باب المسجد  ، فقال : لعنكم الله يا معشر الأنصار ـ ثلاثاً ـ ما على هذا عاهدتم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ولا بايعتموه  ، ثمَّ قام وأخذ إحدى نعليه فأدخلها رجله  ، والأخرى في يده  ، وعامة ردائه يجرُّه في الأرض  ، ثمَّ دخل في بيته فحمَّ عشرين ليلة  ، لم يزل يبكي فيها الليل والنهار حتى خيف عليه.
    وروي أنه لمَّا طلع بالقوم في المحامل قام أبو عبدالله ( عليه السلام ) من المسجد  ، ثمَّ
1 ـ عيون أخبار الرضا ( عليه السلام )   ، الصدوق : 2/102 ح 2  ، بحار الأنوار  ، المجلسي : 47/306.

(624)
أهوى إلى المحمل الذي فيه عبد الله بن الحسن يريد كلامه  ، فمنع أشدَّ المنع وأهوى إليه الحرسيُّ فدفعه  ، وقال : تنحَّ عن هذا  ، فإن الله سيكفيك ويكفي غيرك  ، ثمَّ دخل بهم الزقاق  ، ورجع أبو عبدالله إلى منزله  ، فلم يبلغ بهم البقيع حتى ابتُلي الحرسي بلاء شديداً  ، رمحت ناقته فدقَّت وركه فمات (1).
    وروى الطبري في تأريخه  ، قال : وذكر أبو يعقوب بن سليمان  ، قال : حدَّثتني جمرة العطارة عطارة أبي جعفر  ، قالت : لما عزم المنصور على الحجّ دعا ريطة بنت أبي العباس امرأة المهدي  ، وكان المهدي بالريّ قبل شخوص أبي جعفر  ، فأوصاها بما أراد  ، وعهد إليها  ، ودفع إليها مفاتيح الخزائن  ، وتقدَّم إليها  ، وأحلفها ووكَّد الأيمان  ، لا تفتح بعض تلك الخزائن وتُطْلِع عليها أحداً إلاَّ المهدي  ، ولا هي إلاَّ أن يصحَّ عندها موته  ، فإذا صحَّ ذلك اجتمعت هي والمهدي وليس معهما ثالث  ، حتى يفتحا الخزانة  ، فلمَّا قدم المهدي من الريِّ إلى مدينة السلام دفعت إليه المفاتيح  ، وأخبرته عن المنصور أنه تقدَّم إليها فيه ألا يفتحه  ، ولا يطلع عليه أحداً حتى يصحَّ عندها موته  ، فلمَّا انتهى إلى المهدي موت المنصور وولي الخلافة فتح الباب ومعه ريطة  ، فإذا أزجّ كبير فيه جماعة من قتلاء الطالبيين  ، وفي آذانهم رقاع فيها أنسابهم  ، وإذا فيهم أطفال  ، ورجال شباب  ، ومشايخ عدّة كثيرة  ، فلمَّا رأى ذلك المهدي ارتاع لما رأى  ، وأمر فحُفرت لهم حفيرة  ، فدفنوا فيها  ، وعُمل عليهم دكّان (2).
    وروى الشيخ الصدوق عليه الرحمة  ، عن عبيد الله البزاز النيسابوري ـ وكان مُسناً ـ قال : كان بيني وبين حميد بن قحطبة الطائي الطوسي معاملة  ، فرحلت إليه في بعض الأيام  ، فبلغه خبر قدومي  ، فاستحضرني للوقت وعليَّ ثياب السفر لم
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 96/239.
2 ـ تاريخ الطبري : 6/343.


(625)
أغيِّرها  ، وذلك في شهر رمضان وقت صلاة الظهر  ، فلمَّا دخلت إليه رأيته في بيت يجري فيه الماء  ، فسلَّمت عليه وجلست  ، فأُتي بطست وإبريق فغسل يديه  ، ثمَّ أمرني فغسلت يدي  ، وأُحضرت المائدة  ، وذهب عنّي أني صائم  ، وأني في شهر رمضان  ، ثمَّ ذكرت فأمسكت يدي  ، فقال لي حميد : مالك لا تأكل ؟ فقلت : أيُّها الأمير! هذا شهر رمضان  ، ولست بمريض  ، ولا بي علّة توجب الإفطار  ، ولعل الأمير له عذر في ذلك  ، أو علّة توجب الإفطار  ، فقال : ما بي علّة توجب الإفطار  ، وإني لصحيح البدن.
    ثمَّ دمعت عيناه وبكى  ، فقلت له بعد ما فرغ من طعامه : ما يُبكيك أيها الأمير ؟ فقال : أنفذ إليَّ هارون الرشيد وقت كونه بطوس في بعض الليل أن أجب  ، فلمَّا دخلت عليه رأيت بين يديه شمعة تتّقد  ، وسيفاً أخضر مسلولا  ، وبين يديه خادم واقف  ، فلمَّا قمت بين يديه رفع رأسه إليَّ فقال : كيف طاعتك لأمير المؤمنين ؟ فقلت : بالنفس والمال  ، فأطرق  ، ثمَّ أذن لي في الانصراف  ، فلم ألبث في منزلي حتى عاد الرسول إليَّ وقال : أجب أمير المؤمنين  ، فقلت في نفسي : إنّا لله  ، أخاف أن يكون قد عزم على قتلي  ، وأنه لمَّا رآني استحيى مني  ، فعدت إلى بين يديه  ، فرفع رأسه إليَّ فقال : كيف طاعتك لأمير المؤمنين ؟ فقلت : بالنفس والمال والأهل والولد  ، فتبسَّم ضاحكاً  ، ثمَّ أذن لي في الانصراف  ، فلمَّا دخلت منزلي لم ألبث أن عاد الرسول إليَّ فقال : أجب أمير المؤمنين  ، فحضرت بين يديه وهو على حاله  ، فرفع رأسه إليَّ فقال : كيف طاعتك لأمير المؤمنين ؟ فقلت : بالنفس والمال والأهل والولد والدين  ، فضحك  ، ثمَّ قال لي : خذ هذا السيف وامتثل ما يأمرك به هذا الخادم.
    قال : فتناول الخادم السيف وناولنيه  ، وجاء بي إلى بيت بابه مغلق  ، ففتحه فإذا فيه بئر في وسطه  ، وثلاث بيوت أبوابها مغلقة  ، ففتح باب بيت منها فإذا فيه


(626)
عشرون نفساً  ، عليهم الشعور والذوائب  ، شيوخ وكهول وشبّان مُقيَّدون  ، فقال لي : إن أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء  ، وكانوا كلّهم علويّة من ولد علي وفاطمة ( عليهما السلام ) فجعل يُخرج إليَّ واحداً بعد واحد فأضرب عنقه حتى أتيت على آخرهم  ، ثمَّ رمى بأجسادهم ورؤوسهم في تلك البئر.
    ثمَّ فتح باب بيت آخر فإذا فيه أيضاً عشرون نفساً من العلويّة  ، من ولد علي وفاطمة ( عليهما السلام )   ، مُقيَّدون  ، فقال لي : إن أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء  ، فجعل يُخرج إليَّ واحداً بعد واحد فأضرب عنقه ويرمي به في تلك البئر  ، حتى أتيت على آخرهم  ، ثمَّ فتح باب البيت الثالث فإذا فيه مثلهم عشرون نفساً  ، من ولد علي وفاطمة ( عليهما السلام )   ، مُقيَّدون  ، عليهم الشعور والذوائب  ، فقال لي : إن أمير المؤمنين يأمرك أن تقتل هؤلاء أيضاً  ، فجعل يُخرج إليَّ واحداً بعد واحد فأضرب عنقه فيرمي به في تلك البئر  ، حتى أتيت على تسعة عشر نفساً منهم  ، وبقي شيخ منهم عليه شعر  ، فقال لي : تبّاً لك يا مشوم  ، أيُّ عذر لك يوم القيامة إذا قدمت على جدّنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، وقد قتلت من أولاده ستين نفساً  ، قد ولدهم علي وفاطمة ( عليهما السلام ) ؟ فارتعشت يدي  ، وارتعدت فرائصي  ، فنظر إليَّ الخادم مغضباً وزبرني  ، فأتيت على ذلك الشيخ أيضاً فقتلته  ، ورمى به في تلك البئر  ، فإذا كان فعلي هذا  ، وقد قتلت ستين نفساً من ولد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فما ينفعني صومي وصلاتي ؟ وأنا لا أشكّ أنّي مخلَّد في النار (1).
    وهكذا كان أيضاً حال العلويين في زمن المتوكل العباسي  ، فقد عُرف هو الآخر بنصبه وعداوته لأهل البيت ( عليهم السلام ) ، قال أبو الفرج : واستعمل ( المتوكل ) على المدينة ومكة عمر بن الفرج الرخجي  ، فمنع الناس من البرِّ بآل أبي طالب  ، وكان لا يبلغه أن أحداً أبرَّ أحداً منهم بشيء وإن قلَّ إلاَّ أنهكه عقوبة  ، وأثقله غرماً  ، حتى
1 ـ عيون أخبار الرضا ( عليه السلام )   ، الصدوق : 2/100 ـ 102 ح 2  ، بحار الأنوار  ، المجلسي : 48/176 ح 20.

(627)
كان القميص يكون بين جماعة من العلويَّات يُصلّين فيه واحدة بعد واحدة  ، ثمَّ يرقّعنه  ، ويجلسن على مغازلهن عواري حواسر  ، إلى أن قُتل المتوكل  ، فعطف المنتصر عليهم وأحسن إليهم  ، ووجَّه بمال فرَّقه فيهم  ، وكان يؤثر مخالفة أبيه في جميع أحواله  ، ومضادّة مذهبه  ، طعناً عليه ونصرة لفعله (1).
    ولله درّ السيد حيدر الحلي عليه الرحمة إذ يقول :
اللهُ يَا حامي الشريعه بك تَسْتغيثُ وَقَلْبُهَا مات التصبُّرُ في انتظارِكَ فَانْهَضْ فَمَا أبقى التَّحَمُّلُ قد مَزَّقَتْ ثَوْبَ الأَسَى فالسيفَ إنَّ به شِفَاءَ فَسِوَاهُ مِنْهُمْ لَيْسَ يُنْعِشُ كم ذَا القُعُودُ وَدِينُكُمْ تنعى الفُرُوعُ أُصُولَهُ فيه تَحَكَّمَ مَنْ أَبَاحَ ماذا يُهِيْجُكَ إِنْ صَبَرْتَ أَتَرى تَجيءُ فجيعةٌ حيثُ الحسينُ على الثَّرَى قَتَلَتْهُ آلُ أُميَّة وَرَضِيعُهُ بِدَمِ الْوَرِيدِ أتقرُّ وهي كذا مَرُوعَه لَكَ عن جَوَىً يشكو صُدُوعَه أيُّها الُمحْيي الشريعه غيرَ أَحْشَاء جَزُوعَه وَشَكَتْ لِوَاصِلِها القطيعه قُلُوبِ شيعتِكَ الوجيعه هذه النَّفْسِ الصريعه هُدِمَتْ قَوَاعِدُه الرفيعه وأصولُهُ تنعى فُرُوعَه اليومَ حُرْمَتَهُ المنيعه لِوَقْعَةِ الطفِّ الفظيعَه بأَمَضَّ مِنْ تلك الفَجِيعه خَيْلُ العِدَى طَحَنَتْ ضُلُوعه ظَام إلى جَنْبِ الشَّرِيعه مُخَضَّبٌ فَاطْلُبْ رَضِيعَه

1 ـ مقاتل الطالبيين  ، أبو الفرج الإصفهاني : 395 ـ 396.

(628)
    روى الشيخ الكليني عليه الرحمة  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : لمَّا أراد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يتزوَّج خديجة بنت خويلد أقبل أبو طالب في أهل بيته  ، ومعه نفر من قريش حتى دخل على ورقة بن نوفل عمِّ خديجة  ، فابتدأ أبو طالب بالكلام  ، فقال : الحمد لربِّ هذا البيت  ، الذي جعلنا من زرع إبراهيم  ، وذرية إسماعيل  ، وأنزلنا حرماً آمناً  ، وجعلنا الحكَّام على الناس  ، وبارك لنا في بلدنا الذي نحن فيه  ، ثمَّ إن ابن أخي هذا ـ يعني رسول الله ( صلى الله عليه وآله )  ـ ممن لا يوزن برجل من قريش إلاَّ رجح به  ، ولا يقاس به رجل إلاَّ عظم عنه  ، ولا عدل له في الخلق وإن كان مقلاًّ في المال  ، فإن المال رفدٌ جار وظلٌّ زائل  ، وله في خديجة رغبة ولها فيه رغبة  ، وقد جئناك لنخطبها إليك برضاها وأمرها  ، والمهر عليَّ في مالي الذي سألتموه  ، عاجله وآجله  ، وله ـ وربِّ هذا البيت ـ حظٌّ عظيم  ، ودين شائع  ، ورأي كامل.
    ثمَّ سكت أبو طالب  ، وتكلَّم عمُّها  ، وتلجلج وقصر عن جواب أبي طالب ( عليه السلام )   ، وأدركه القطع والبهر  ، وكان رجلا من القسيسين  ، فقالت خديجة مبتدئة : يا عمَّاه! إنك وإن كنت أولى بنفسي منّي في الشهود  ، فلست أولى بي من نفسي  ، قد زوَّجتك ـ يا محمد ـ نفسي  ، والمهر عليَّ في مالي  ، فأمر عمَّك فلينحر ناقة فليولم بها  ، وادخل على أهلك  ، قال أبو طالب : اشهدوا عليها بقبولها محمداً  ، وضمانها المهر في مالها  ، فقال بعض قريش : يا عجباه! المهر على النساء للرجال  ، فغضب أبو طالب غضباً شديداً  ، وقام على قدميه ـ وكان ممن يهابه الرجال ويُكره


(629)
غضبُه ـ فقال : إذا كانوا مثل ابن أخي هذا طُلبت الرجال بأغلى الأثمان وأعظم المهر  ، وإذا كانوا أمثالكم لم يُزوَّجوا إلاَّ بالمهر الغالي  ، ونحر أبو طالب ناقة  ، ودخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بأهله  ، وقال رجل من قريش يقال له : عبدالله بن غنم :
هنيئاً مريئاً يا خديجةُ قد جَرَتْ تَزَوَّجْتِهِ خَيْرَ البريَّةِ كلِّها وبشر به البرّانِ عيسى بنُ مريم أَقَرَّتْ به الكُتَّابُ قِدْماً بأنَّهُ لك الطيرُ فيما كان مِنْكِ بأَسْعَدِ وَمَنْ ذا الذي في الناس مِثْلُ محمَّدِ وموسى بنُ عمران فَيَا قُرْبَ مَوْعِدِ رَسُولٌ من البطحاءِ هاد ومُهْتَدِ (1)
    وجاء في كتاب شجرة طوبى : أن خديجة ( عليها السلام ) كانت من أحسن النساء جمالا  ، وأكملهن عقلا  ، وأتمهِّن رأياً  ، وأكثرهن عفّةً وديناً وحياءً ومروّةً ومالا  ، وروي أنه ( صلى الله عليه وآله ) قال : إن الله اختار من النساء أربعاً : مريم  ، وآسية  ، وخديجة  ، وفاطمة. وروي أيضاً أنه ( صلى الله عليه وآله ) قال : اشتاقت الجنة إلى أربع من النساء : مريم  ، وآسية  ، وخديجة  ، وفاطمة بنت محمد ( صلى الله عليه وآله ).
    وروي عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : كمل من الرجال كثير  ، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران  ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون  ، وخديجة بنت خويلد  ، وفاطمة بنت محمد ( صلى الله عليه وآله ).
    وخديجة هي بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب فصلوات الله وسلامه على هذه المرأة الجليلة  ، النبيلة الأصيلة  ، العقيلة الكاملة  ، العاقلة الباذلة  ، العالمة الفاضلة  ، العابدة الزاهدة  ، المجاهدة الحازمة  ، والحبيبة لله ولرسوله ولوليِّه  ، المختارة من النساء  ، والصفيَّة البيضاء  ، حليلة الرسول  ، وأمّ البتول  ، صفوة النسوة الطاهرات  ، وسيِّدة العفائف المطهَّرات  ، أفضل أمَّهات المؤمنين  ، وأشرف زوجات رسول الله الأمين  ، وأول من آمنت من النساء  ،
1 ـ الكافي  ، الشيخ الكليني : 5/374 ح 9.

(630)
وأسبقهنَّ بعبادة ربِّ الأرض والسماء  ، سيِّدة النسوان  ، وخاصَّة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وخلاصة الإيمان  ، أصل العزَّ والمجد  ، وشجرة الفخر والنجد  ، السابقة إلى الإسلام والدين في العاجلة والأخرى  ، مولاتنا وسيِّدتنا أم المؤمنين  ، خديجة الكبرى  ، وهي أميرة عشيرتها  ، وسيِّدة قومها  ، ووزيرة صدق لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ).
    ولدت ( عليها السلام ) قبل عام الفيل بخمس عشرة سنة  ، وتوفِّيت في شهر رمضان سنة عشر من البعثة  ، في اليوم العاشر  ، بعد وفاة أبي طالب بثلاثة أيام.
    ومن جملة شؤونها أنها ( عليها السلام ) كانت أوَّل امرأة آمنت برسول الله  ، وقد شيَّد الله دينه بمال خديجة كما قال ( صلى الله عليه وآله )   ، فيما روي عنه : ما قام ولا استقام ديني إلاَّ بشيئين : مال خديجة وسيف علي بن أبي طالب.
    وروي عن ابن عباس في تفسير هذه الآية : « وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى » (1) يعني وجدك فقيراً فأغناك بمال خديجة.
    وكان لخديجة ( عليها السلام ) مال كثير  ، وحسنٌ وجمال  ، ومن جملة مالها : من أواني الذهب مئة طشت  ، ومن الفضة مثلها  ، ومئة إبريق من ذهب  ، ومن العبيد والجواري مئة وستون  ، ومن البقر والغنم والإبل والحلي والحلل وغيرها ما شاء الله  ، قيل : كان لها ثمانون ألف من الإبل  ، بل كانت تؤجر وتكري من بلد إلى بلد  ، فبذلت تلك الأموال والجواري والعبيد لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى بقيت تنام هي ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في كساء واحد لم يكن لها غيره.
    ومن جملة شؤونها أن الله وجبرئيل بلَّغاها السلام  ، كما قال ( صلى الله عليه وآله ) فيما روي عنه : لمَّا رجعت من السماء قلت : يا جبرئيل  ، هل لك من حاجة ؟ قال : حاجتي أن تقرأ من الله ومنّي على خديجة السلام  ، وبلَّغ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقالت : إن الله هو السلام  ، ومنه السلام  ، وإليه يعود السلام  ، وعلى جبرئيل السلام.
1 ـ سورة الضحى ، الآية : 8.
المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: فهرس