المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: 631 ـ 645
(631)
    ومن جملة شؤونها أن الله جعل بطنها وعاء للإمامة  ، عن ابن شهر آشوب دخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على فاطمة ( عليها السلام ) فرآها منزعجة فقال لها : مالك ؟ أراك منزعجة  ، فقالت : أبتاه! إن الحميراء افتخرت على أمي بأنها لم تعرف رجلا قبلك  ، وأمي عرفتك وهي مسنّة  ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : لا تنزعجي  ، فإن بطن أمِّك كانت وعاء للإمامة (1).
    وروي أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) دخل يوماً منزل عائشة  ، فإذا هي مقبلة على فاطمة ( عليها السلام ) تصايحها وتقول : يا بنت خديجة! ما ترين إلاَّ أن لأمِّك فضلا علينا  ، وأيُّ فضل كان لها علينا ؟ ما هي إلاَّ كبعضنا.
    فسمع النبي ( صلى الله عليه وآله ) مقالتها لفاطمة  ، فلمَّا رأت فاطمة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بكت  ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ما يبكيك يا بنتاه ؟ قالت : إن الحميراء ذكرت أمي فتنقَّصتها فبكيت  ، فغضب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقال : يا حميراء! إن الله تبارك وتعالى بارك في الودود الولود  ، وإن خديجة ولدت منّي طاهراً وقاسماً وفاطمة ورقية وأم كلثوم وزينب  ، وأنت ممن أعقم الله رحمها فلم تلدي شيئاً (2).
    وروي أنه دخلت أخت خديجة على رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، ولمَّا استأذنت وسمع النبيُّ باسم خديجة سُرَّ سروراً عظيماً  ، فقالت عائشة : مالك تُكثر ذكر خديجة وتسرُّ باسمها  ، وهي عجوز حمراء الشدقين قد هلكت  ، وإن الله قد أعطاك ورزقك أحسن منها ؟ وكأنّها أرادت بذلك نفسها  ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : لا والله  ، ما رُزقت أحسن منها  ، ولقد آمنت حين كذَّبوني  ، وأنفقت مالها حين بخلوا عني.
    وكان ( صلى الله عليه وآله ) في زمان حياتها إذا غلب عليه الحزن نظر إلى وجه خديجة  ، ويُسرُّ بذلك كما أنه يُسرُّ إذا سع اسمها  ، وكان أيضاً إذا اشتدَّ حزنه نظر إلى
1 ـ مناقب آل أبي طالب  ، ابن شهر آشوب : 3/114.
2 ـ الخصال  ، الصدوق : 405 ح 116.


(632)
فاطمة ( عليها السلام ) ويُسرُّ سروراً عظيماً  ، ولمَّا توفِّيت خديجة اغتمَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، وجلس في البيت  ، ثمَّ هاجر إلى الطائف.
    ولمَّا مرضت خديجة المرضة التي توفِّيت فيها حضرتها أسماء بنت عميس  ، قالت أسماء : حضرت وفاة خديجة فبكت  ، فقلت : أتبكين وأنت سيِّدة نساء العالمين  ، وأنت زوجة النبي ( صلى الله عليه وآله )   ، مبشَّرة على لسانه بالجنَّة ؟ فقالت : ما لهذا بكيت  ، ولكنَّ المرأة ليلة زفافها لابدَّ لها من امرأة تفضي إليها بسرِّها  ، وتستعين بها على حوائجها  ، وفاطمة حديثة عهد بصبا  ، وأخاف أن لا يكون لها من يتولَّى أمرها  ، فقلت : يا سيدتي! لك عهد الله إن بقيت إلى ذلك الوقت أن أقوم مقامك في هذا الأمر  ، فلمَّا كانت ليلة زفاف فاطمة ( عليها السلام ) جاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأمر النساء فخرجن  ، فقالت أسماء : فبقيت أنا  ، فلمَّا رأى رسول الله سوادي قال : من أنت ؟ فقلت : أسماء بنت عميس  ، فقال : ألم آمرك أن تخرجي ؟ فقلت : بلى يا رسول الله  ، فداك أبي وأمي  ، وما قصدت خلافك  ، ولكنّي أعطيت خديجة عهداً هكذا  ، فبكى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقال : بالله لهذا وقفت ؟ فقلت : نعم والله  ، فدعا لي.
    أيها المؤمنون  ، يعزّ على خديجة لو كانت حاضرة وتسمع أنين قرَّة عينها فاطمة بين الحائط والباب  ، حين عصروها  ، وكسروا ضلعها  ، وأسقطوا جنينها  ، وسوَّدوا متنها  ، ولطموا خدَّها  ، فإنا الله وإنا إليه راجعون.
    قال الراوي : ولما اشتدَّ مرضها قالت : يا رسول الله! اسمع وصاياي أولا; فإني قاصرة في حقِّك  ، فأعفني يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، قال رسول الله : حاشا وكلا  ، ما رأيت منك تقصيراً  ، فقد بلغت جهدك  ، وتعبت في داري غاية التعب  ، ولقد بذلت أموالك وصرفت في سبيل الله جميع مالك  ، قالت : يا رسول الله! الوصية الثانية : أوصيك بهذه ـ وأشارت إلى فاطمة ـ فإنها غريبة من بعدي  ، فلا يؤذيها أحد من نساء قريش  ، ولا يلطمن خدَّها  ، ولا يصحن في وجهها  ، ولا يرينها مكروهاً.


(633)
    أقول : يعزّ على خديجة لو كانت حاضرة حين لطمها فلان حتى أثَّرت اللطمة في خدِّها  ، وتناثر قرطاها. ولله درّ الشيخ صالح الكواز عليه الرحمة إذ يقول :
الواثبينَ لِظُلْمِ آلِ محمَّد والقائلينَ لِفَاطِم آذَيْتِنَا والقاطعين أَرَاكَةً كيما تُقِيْلُ ومُجَمِّعي حَطَب على البيتِ الذي والداخلينَ على البتولةِ بَيْتَها والقائدينَ إمَامَهُمْ بِنِجَادِهِ خَلُّوا ابنَ عَمِّي أَوْ لأَكْشُفُ للدُّعَا ما كان نَاقَةُ صَالح وَفَصِيلُهَا وَرَنَتْ إِلَى القبرِ الشريفِ بمُقْلَة أَبَتَاهُ هذا السامريُّ وَعِجْلُهُ ومحمَّدٌ مُلْقَىً بلا تكفينِ في طُولِ نَوْح دَائم وَحنينِ بِظِلِّ أوراق لها وَغُصُونِ لم يَجْتَمِعْ لولاه شَمْلُ الدينِ والمُسْقِطِينَ لها أَعَزَّ جَنِينِ والطُّهْرُ تدعو خَلْفَهُمْ برنينِ رأسي وأشكوا للإلَهِ شُجُوني بالفَضْلِ عندَ اللهِ إلاَّ دُونِي عَبْرَى وقَلْب مُكْمَد محزونِ تُبِعَا وَمَالَ النَّاسُ عن هَارونِ (1)
    قالت خديجة ( عليها السلام ) : وأمَّا الوصية الثالثة فإني أقولها لابنتي فاطمة وهي تقول لك  ، فإني مستحية منك يا رسول الله  ، فقام النبي ( صلى الله عليه وآله ) وخرج من الحجرة  ، فدعت بفاطمة وقالت : يا حبيبتي وقرَّة عيني! قولي لأبيك : إن أمّي تقول : أنا خائفة من القبر  ، أريد منك رداءك الذي تلبسه حين نزول الوحي تكفّنني فيه  ، فخرجت فاطمة ( عليها السلام ) وقالت لأبيها ما قالت أمُّها خديجة  ، فقام النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأعطى الرداء إلى فاطمة ( عليها السلام )   ، وجاءت به إلى أمِّها  ، فسُرَّت به سروراً عظيماً.
    وروي أنَّه لما توفِّيت خديجة ( عليها السلام ) أخذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في تجهيزها  ، وغسَّلها وحنَّطها  ، فلمَّا أراد أن يكفِّنها هبط الأمين جبرئيل وقال : يا رسول الله! إن الله
1 ـ رياض المدح والرثاء  ، الشيخ حسين القديحي : 154 ـ 155.

(634)
يقرؤك السلام  ، ويخصُّك بالتحية والإكرام  ، ويقول لك : يا محمد! إن كفن خديجة وهو من أكفان الجنة أهدى الله إليها  ، فكفَّنها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بردائه الشريف أولا  ، وبما جاء به جبرئيل ثانياً  ، فكان لها كفنان  ، كفن من الله  ، وكفن من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) (1).
    وليت جبرئيل ( عليه السلام ) نزل يوم الطفِّ بكفن من الجنّة لسيِّد الشهداء ( عليه السلام ) الذي بقي على بوغاء كربلاء ثلاثة أيام بلا كفن ولا مواراة. ولله درّ الشيخ عبد الحسين الحياوي إذ يقول :
يَعُزُّ على الطُّهْرِ الْبَتُولِ بأَنْ تَرَى يَعُزُّ عليها أَنْ تَرَاه مَحَرَّماً يَعُزُّ على المختارِ أنَّ سليلَهُ فَلاَ صَبْرَ محمودٌ بِقَتْلِ ابنِ فَاطِم عزيزاً لها مُلْقىً وأكفانُهُ الْعَفْرُ عليه فُرَاتُ الْمَاءِ وهو لها مَهْرُ يُرَضُّ بعَتْبِ العادياتِ له صَدْرُ وليس لِمَنْ لَمْ يَجْرِ مَدْمَعُهُ عُذْرُ (2)
    وقال الشيخ صالح الكواز عليه الرحمة :
فَلْتَلْطِمِ الخيلُ خَدَّ الأرضِ عاديةً وَلُْتمْلأ الأرضُ نَعْياً من صَوَارِمِكُمْ وَلْتَذْهَلِ اليومَ فيكم كُلُّ مُرْضِعَة نَسِيتُمُ أم تَنَاسَيْتُمْ كَرَائِمَكُمْ فَخَدُّ عَلْيَا نزَار للثَّرَى ضَرَعَا فإنَّ ناعي حُسَين في السَّمَاءِ نَعَى فَطِفْلُهُ من دِمَا أَوْدَاجِهِ رَضَعَا بَعْدَ الكِرَامِ عليها الذُّلُّ قد وَقَعَا (3)

1 ـ شجرة طوبى  ، الشيخ محمد مهدي الحائري : 2/232 ـ 235.
2 ـ مثير الأحزان  ، الجواهري : 146.
3 ـ مثير الأحزان  ، الجواهري : 158.


(635)
    روي عن رافع مولى أبي ذر قال : صعد أبو ذر رضي الله عنه على درجة الكعبة حتى أخذ بحلقة الباب  ، ثمَّ أسند ظهره إليه  ، ثمَّ قال : أيها الناس! من عرفني قد عرفني  ، ومن أنكرني فأنا أبو ذر  ، سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : إنما مثل أهل بيتي في هذه الأمّة كمثل سفينة نوح  ، من ركبها نجا  ، ومن تركها هلك  ، وسمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : اجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد  ، ومكان العينين من الرأس  ، فإن الجسد لا يهتدي إلاَّ بالرأس  ، ولا يهتدي الرأس إلاَّ بالعينين (1).
    وروي عن جعفر بن محمد ( عليه السلام ) قال : مكث جبرئيل أربعين يوماً لم ينزل عل النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا ربّ قد اشتدَّ شوقي إلى نبيِّك ( صلى الله عليه وآله ) فائذن لي  ، فأوحى الله تعالى إليه وقال : يا جبرئيل! اهبط إلى حبيبي ونبيّي فأقرأه منّي السلام  ، وأخبره أني خصصته بالنبوّة  ، وفضَّلته على جميع الأوصياء وأقرأ وصيَّة منّي السلام  ، وأخبره أني خصصته بالوصيَّة  ، وفضَّلته على جميع الأوصياء  ، قال : فهبط جبرئيل على النبي ( صلى الله عليه وآله ) فكان إذا هبط وضعت له وسادة من أدم حشوها ليف  ، فجلس بين يدي النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا محمد! إن الله تعالى يقرؤك السلام  ، ويخبرك أنه خصَّك بالنبوة  ، وفضَّلك على جميع الأنبياء  ، ويقرأ وصيَّك السلام  ، ويخبرك أنه خصَّه بالوصيَّة  ، وفضَّله على جميع الأوصياء  ، قال : فبعث النبي ( صلى الله عليه وآله ) فدعاه فأخبره بما قال جبرئيل  ، قال : فبكى علي ( عليه السلام ) بكاء شديداً  ، ثمَّ قال : أسأل الله أن لا يسلبني ديني ولا ينزع منّي كرامته  ، وأن يعطيني ما وعدني.
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 23/119 عن أمالي المفيد عليه الرحمة.

(636)
    فقال جبرئيل : يا محمّد! حقيق على الله أن لا يعذِّب علياً ولا أحداً تولاَّه  ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : يا جبرئيل! على ما كان منهم  ، أو كلُّهم ناج ؟ فقال جبرئيل : يا محمد! نجا من تولَّى شيثاً بشيث  ، ونجا شيث بآدم  ، ونجا آدم بالله  ، ونجا من تولَّى ساماً بسام  ، ونجا سام بنوح  ، ونجا نوح بالله  ، ونجا من تولّى آصف بآصف  ، ونجا آصف بسليمان  ، ونجا سليمان بالله  ، ونجا من تولَّى يوشع بيوشع  ، ونجا يوشع بموسى  ، ونجا موسى بالله  ، ونجا من تولَّى شمعون بشمعون  ، ونجا شمعون بعيسى  ، ونجا عيسى بالله  ، ونجا من تولَّى علياً بعليٍّ  ، ونجا عليٌّ بك  ، ونجوت أنت بالله  ، وإنما كل شيء بالله  ، وإن الملائكة والحفظة ليفخرون على جميع الملائكة لصحبتها إيَّاه  ، قال : فجلس عليٌّ ( عليه السلام ) ويسمع كلام جبرئيل ولا يرى شخصه  ، قال : قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) : جُعلت فداك  ، ما الذي كان من حديثهم إذا اجتمعوا ؟ قال : ذكر الله تعالى فلم تبلغ عظمته  ، ثمَّ ذكروا فضل محمد ( صلى الله عليه وآله ) وما أعطاه الله من علمه وقلَّده من رسالته  ، ثمَّ ذكروا أمر شيعتنا والدعاء لهم  ، وختمهم بالحمد والثناء على الله  ، قال : قلت : جُعلت فداك يا أبا عبدالله  ، وإن الملائكة لتعرفنا ؟ قال : سبحان الله! وكيف لا يعرفونكم وقد وكِّلوا بالدعاء لكم  ، و « الْمَلاَئِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ » « وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا » ما استغفارهم إلاَّ لكم دون هذا العالم (1).
    وروي عن أبي جعفر الثاني  ، عن آبائه  ، عن الحسين بن علي ( عليهم السلام ) قال : دخلت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعنده أبيُّ بن كعب  ، فقال لي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : مرحباً بك يا أبا عبدالله  ، يا زين السماوات والأرضين  ، قال له أبيٌّ : وكيف يكون ـ يا رسول الله ـ زين السماوات والأرض أحد غيرك ؟ فقال : يا أبيُّ! والذي بعثني بالحق نبياً  ، إن الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض  ، وإنه لمكتوب عن يمين عرش الله : مصباح هدى  ، وسفينة نجاة  ، وإمام خير ويمن وعزّ وفخر وعلم وذخر. وإن الله عزَّ

1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 38/141 عن تفسير فرات الكوفي عليه الرحمة : 377 ـ 378.

(637)
وجلَّ ركَّب في صلبه نطفة طيِّبة مباركة زكيَّة (1) ولله درّ دعبل الخزاعي إذ يقول في أهل بيت العصمة ( عليهم السلام ) :
فَأَيْنَ الأُولى شَطَّتْ بِهِمْ غُرْبَةُ النَّوَى هُمُ آلُ مِيرَاثِ النبيِّ إذَا انْتَمُوا مَطَاعِيمُ في الإِعْسَارِ في كُلِّ مَشْهَد إذَا لَمْ نُنَاجِ اللهَ في صَلَوَاتِنا أَئِمَّةُ عَدْل يُقْتَدَى بِفِعَالِهِمْ فَيَا رَبِّ زِدْ قلبي هُدَىً وبصيرةً دَيَارُ رَسُولِ اللهِ أصبحنَ بَلْقَعاً وآلُ رسولِ اللهِ غُلَّت رِقَابُهُمْ وآلُ رسولِ اللهِ تُدمى نُحُورُهم والُ رسولِ اللهِ تُسبى حريمُهُمْ وآلُ زياد في القصورِ مصونةٌ فَيَا وَارِثِي عِلْمِ النبيِّ وآلَهُ لقد آمنت نفسي بكم في حَيَاتِها أَفَانينَ في الأَقْطَارِ مُفْتَرِقَاتِ وَهُمْ خَيْرُ سَادَات وَخَيْرُ حُمَاتِ لقد شُرِّفوا بالفَضْلِ والبَرَكاتِ بِذِكْرِهِمُ لَمْ يَقْبَلِ الصَّلَوَاتِ وَتُؤْمَنُ منهم زَلَّةُ الْعَثَرَاتِ وَزِدْ حُبَّهُمْ يَا رَبِّ في حَسَنَاتي وَدُورُ زياد أصبحت عَمِرَاتِ وآلُ زياد غُلِّظُ القصراتِ وآلُ زياد زَيَّنُوا الحجلاتِ وآلُ زياد آمِنُوا السَّرَباتِ وآلُ رسولِ اللهِ في الفَلَوَاتِ عليكم سَلاَمٌ دائمُ النَّفَحَاتِ وإني لأرجو الأَمْنَ بَعْدَ مَمَاتي (2)

    جاء في كتاب المزار للمشهدي عليه الرحمة في بعض الزيارات الشريفة :
1 ـ عيون أخبار الرضا ( عليه السلام )   ، الصدوق : 2/62 ح 29  ، بحار الأنوار  ، المجلسي : 91/184.
2 ـ الغدير  ، الأميني : 2/357.


(638)
فأنا أشهد الله خالقي  ، وأشهد ملائكته وأنبياءه  ، وأشهدكم يا موالي بأني مؤمن بولايتكم  ، معتقد لإمامتكم  ، مقرٌّ بخلافتكم  ، عارف بمنزلتكم  ، مؤمن بعصمتكم  ، خاضع لولايتكم  ، متقرِّبٌ إلى الله بحبِّكم  ، وبالبراءة من أعدائكم  ، عالم بأن الله قد طهَّركم من الفواحش  ، ما ظهر منها وما بطن  ، ومن كل ريبة ونجاسة  ، ودنيَّة ورجاسة  ، ومنحكم راية الحقِّ الذي من تقدَّمها ذلَّ  ، ومن تأخَّر عنها زلَّ  ، وفرض طاعتكم على كل أسود وأبيض (1).
    ومما يروى عن زين العابدين ( عليه السلام ) قوله :
لَنَحْنُ على الْحَوْضِ ذوَّادُهُ وَمَا فَازَ مَنْ فاز إلاَّ بنا وَمَنْ سَرَّنا نال منا السُّرُورَ نَذودُ وَتَسْعَدُ وُرَّادُه ومَا خَابَ مَنْ حُبُّنا زَادُه وَمَنْ سَاءَنا سَاءَ مِيْلاَدُهُ
    روي عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال لعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : يا علي! لا يحبُّك إلاَّ من طابت ولادته  ، ولا يبغضك إلاَّ من خبث ولادته  ، ولا يواليك إلاَّ مؤمن  ، ولا يعاديك إلاَّ كافر  ، وروي فيما وعظ به أمير المؤمنين ( عليه السلام ) نوفاً البكالي أنه قال : يا نوف! كذب من زعم أنه ولد من حلال وهو يبغضني ويبغض الأئمة من ولدي  ، وروي عن ابن عباس وغيره أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : لا يحبُّك إلاَّ طاهر الولادة  ، ولا يبغضك إلاّ خبيث الولادة  ، وعن إبراهيم بن زياد الكرخي  ، عن الصادق جعفر بن محمد ( عليه السلام ) قال : علامات ولد الزنا ثلاث : سوء المحضر  ، والحنين إلى الزنا  ، ومبغضنا أهل البيت.
    وعن الحسين بن زيد  ، عن الصادق  ، عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من أحبَّنا أهل البيت فليحمد الله على أوَّل النعم  ، قيل : وما أول النعم ؟ قال : طبيب الولادة  ، ولا يحبُّنا إلاَّ من طابت ولادته.
1 ـ المزار  ، محمد بن المشهدي : 294.

(639)
    وعن زيد بن علي  ، عن أبيه  ، عن جدِّه  ، عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا عليُّ! من أحبَّني وأحبَّك وأحبَّ الأئمة من ولدك فليحمد الله على طيب مولده  ، فإنَّه لا يحبُّنا إلاَّ من طابت ولادته  ، ولا يبغضنا إلاَّ من خبثت ولادته.
    وعن المفضل قال : سمعت الصادق ( عليه السلام ) يقول لأصحابه : من وجد برد حبِّنا على قلبه فليكثر الدعاء لأمِّه  ، فإنها لم تخن أباه. وعن أبي رافع  ، عن علي ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من لم يحبَّ عترتي فهو لإحدى ثلاث : إمّا منافق  ، وإمَّا لزنية  ، وإمَّا امرؤ حملت به أمه في غير طهر (1).
    وعن جابر  ، عن أبي جعفر ( عليه السلام )   ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : ألا أبشِّرك ؟ ألا أمنحك ؟ قال : بلى يا رسول الله  ، قال : فإني خلقت أنا وأنت من طينة واحدة  ، ففضلت منها فضلة  ، فخلق منها شيعتنا  ، فإذا كان يوم القيامة دعي الناس بأمهاتهم إلاَّ شيعتك  ، فإنهم يُدعون بأسماء آبائهم لطيب مولدهم.
    وعن جابر بن عبدالله الأنصاري قال : كنّا بمنى مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذ بَصُرنا برجل ساجد وراكع ومتضرِّع  ، فقلنا : يا رسول الله  ، ما أحسن صلاته! فقال ( صلى الله عليه وآله ) : هو الذي أخرج أباكم من الجنة  ، فمضى إليه علي ( عليه السلام ) غير مكترث  ، فهزّه هزَّة أدخل أضلاعه اليمنى في اليسرى  ، واليسرى في اليمنى  ، ثمَّ قال : لأقتلنَّك إن شاء الله  ، فقال : لن تقدر على ذلك إلى أجل معلوم من عند ربّي  ، مالك تريد قتلي ؟ فوالله ما أبغضك أحد إلاَّ سبقت نطفتي إلى رحم أمِّه قبل نطفة أبيه  ، ولقد شاركت مبغضيك في الأموال والأولاد  ، وهو قول الله عزَّ وجلَّ في محكم كتابه : « وَشَارِكْهُمْ فِي الاَْمْوَالِ وَالاَْولاَدِ » (2)
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 27/145 ـ 147.
2 ـ سورة الإسراء  ، الآية : 64.


(640)
    قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : صدق يا علي  ، لا يبغضك من قريش إلاَّ سفاحيٌّ  ، ولا من الأنصار إلاَّ يهوديٌّ  ، ولا من العرب إلاّ دعيٌّ  ، ولا من سائر الناس إلاّ شقيٌّ  ، ولا من النساء إلاَّ سلقلقيَّة  ، وهي التي تحيض من دبرها  ، ثمَّ أطرق مليّاً  ، ثمَّ رفع رأسه فقال : معاشر الأنصار  ، اعرضوا أولادكم على محبَّة عليٍّ  ، قال جابر بن عبدالله : فكنّا نعرض حبَّ عليٍّ ( عليه السلام ) على أولادنا  ، فمن أحبَّ علياً علمنا أنه من أولادنا  ، ومن أبغض علياً انتفينا منه (1).
    وعن عبدالله بن جبلة  ، عن أبيه قال : سمعت جابر بن عبدالله بن حزام الأنصاري يقول : كنّا عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ذات يوم جماعة من الأنصار  ، فقال لنا : يا معشر الأنصار! بوروا أولادكم بحبِّ علي بن أبي طالب ( عليه السلام )   ، فمن أحبَّه فاعلموا أنه لرشدة  ، ومن أبغضه فاعلموا أنه لغية.
    وعن الحارث الهمداني قال : دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام )   ، فقال : ما جاء بك ؟ فقلت : حبّي لك يا أمير المؤمنين  ، فقال : يا حارث! أتحبُّني! فقلت : نعم والله يا أمير المؤمنين  ، قال : أما لو بلغت نفسُك الحلقوم رأيتني حيث تحبُّ  ، ولو رأيتني وأنا أذود الرجال عن الحوض ذود غريبة الإبل لرأيتني حيث تحبُّ  ، ولو رأيتني وأنا مارٌّ على الصراط بلواء الحمد بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لرأيتني حيث تحبُّ.
    وروي عن علي بن الحسين  ، عن أبيه ( عليهم السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حبّي وحبُّ أهل بيتي نافع في سبعة مواطن أهوالهن عظيمة : عند الوفاة  ، وفي القبر  ، وعند النشور  ، وعند الكتاب  ، وعند الحساب  ، وعند الميزان  ، وعند الصراط.
    وروى السكوني  ، عن الصادق  ، عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 27/150 ـ 151  ، وقريب منه ما رواه ابن عباس في تاريخ دمشق  ، ابن عساكر : 42/289.

(641)
أثبتكم قَدماً على الصراط أشدُّكم حبّاً لأهل بيتي.
    وعن الثمالي  ، عن أبي جعفر  ، عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعلي ( عليه السلام ) : ما ثبَّت الله حبَّك في قلب امرىء مسلم  ، فزلَّت به قدم على الصراط إلاَّ ثبت له قدم حتى أدخله الله بحبِّك الجنّة.
    وروي عن ابن نباتة  ، قال : دخل الحارث الهمداني على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في نفر من الشيعة  ، وكنت معه فيمن دخل  ، فجعل الحارث يتأوَّد في مشيته  ، ويخبط الأرض بمحجنه  ، وكان مريضاً  ، فأقبل عليه أمير المؤمنين ( عليه السلام )   ، وكانت له منه منزلة  ، وقال : كيف تجدك يا حارث ؟ قال : نال الدهر منّي  ، وزادني أوداً وغليلا اختصام أصحابك ببابك  ، قال : فيم ؟ قال : في شأنك والبليَّة من قبلك  ، فمن مفرط غال  ، ومبغض قال  ، ومن متردِّد مرتاب فلا يدري أيقدم أم يحجم  ، قال : فحسبك يا أخا همدان  ، ألا إن خير شيعتي النمط الأوسط  ، إليهم يرجع الغالي  ، وبهم يلحق التالي  ، قال : لو كشفت فداك أبي وأمي الريب عن قلوبنا  ، وجعلتنا في ذلك على بصيرة من أمرنا.
    قال : قدك  ، فإنك امرؤ ملبوس عليك  ، إن دين الله لا يُعرف بالرجال  ، بل بآية الحقّ  ، والآية العلامة  ، فاعرف الحقَّ تعرف أهله. يا حارث! إن الحقّ أحسن الحديث  ، والصادع به مجاهد  ، وبالحقِّ أخبرك  ، فأرعني سمعك  ، ثم خبِّر به من كانت له خصاصة من أصحابك  ، ألا إني عبدالله  ، وأخو رسوله  ، وصدّيقه الأول  ، صدَّقته وآدم بين الروح والجسد  ، ثم إني صدّيقه الأول في أمَّتكم حقّاً  ، فنحن الأولون  ، ونحن الآخرون  ، ألا وأنا خاصّته ـ يا حار ـ وخالصته  ، وصفوته ووصيُّه ووليُّه  ، وصاحب نجواه وسرِّه  ، أوتيت فهم الكتاب  ، وفصل الخطاب  ، وعلم القرآن والأسباب  ، واستودعت ألف مفتاح  ، يفتح كل مفتاح ألف باب  ، يفضي كل باب إلى ألف ألف عهد  ، وأُيِّدت ـ أو قال : أمددت ـ بليلة القدر نفلا  ، وإن ذلك ليجري لي


(642)
ولمن استحفظ من ذرّيّتي ما جرى الليل والنهار  ، حتى يرث الله الأض ومن عليها  ، أبشِّرك ـ يا حار ـ ليعرفني ـ والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ـ وليّي وعدوّي في مواطن شتى : عند الممات  ، وعند الصراط  ، وعند المقاسمة  ، قال : وما المقاسمة ؟ قال : مقاسمة النار  ، أقاسمها قسمة صحاحا  ، أقول : هذا وليّي  ، وهذا عدوّي.
    ثمَّ أخذ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بيد الحارث وقال : يا حارث! أخذت بيدك كما أخذ بيدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، فقال لي ـ وقد اشتكيت إليه حسدة قريش والمنافقين ـ : إذا كان يوم القيامة أخذت بحجزة من ذي العرش تعالى  ، وأخذت ـ يا عليُّ ـ بحجزتي  ، وأخذت ذرّيّتك بحجزتك  ، وأخذ شيعتكم بحجزتكم  ، فماذا يصنع الله بنبيِّه ؟ وماذا يصنع نبيُّه بوصيِّه ؟ وماذا يصنع وصيُّه بأهل بيته وشيعتهم ؟ خذها إليك ـ يا حار ـ قصيرة من طويلة  ، أنت مع من أحببت  ، ولك ما اكتسبت  ، قالها ثلاثاً  ، فقال الحارث ـ وقام يجرُّ رداءه جذلا ـ : ما أبالي وربي بعد هذا  ، ألقيت الموت أو لقيني (1).
    ومن كتاب مشارق الأنوار : عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : حبُّ أهل بيتي ينفع من أحبَّهم في سبعة مواطن مهولة : عند الموت  ، وفي القبر  ، وعند القيام من الأجداث  ، وعند تطاير الصحف  ، وعند الحساب  ، وعند الميزان  ، وعند الصراط  ، فمن أحبَّ أن يكون آمناً في هذه المواطن فليتوال علياً بعدي  ، وليتمسَّك بالحبل المتين  ، وهو عليُّ ابن أبي طالب وعترته من بعده  ، فإنهم خلفائي وأوليائي  ، علمهم علمي  ، وحلمهم حلمي  ، وأدبهم أدبي  ، وحسبهم حسبي  ، سادة الأولياء  ، وقادة الأتقياء  ، وبقيَّة الأنبياء  ، حربهم حربي  ، وعدوُّهم عدوّي.
    ومن كتاب أعلام الدين للديلمي  ، من كتاب الحسين بن سعيد  ، بإسناده عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : إذا بلغت نفس أحدكم هذه ـ وأومأ إلى حلقه ـ قيل له : أمَّا ما
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 27/156 ـ 161.

(643)
كنت تحذر من همِّ الدنيا فقد أمنته  ، ثمَّ يعطى بشارته.
    وعنه  ، عن آبائه ( عليهم السلام ) ، عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) : بشِّر شيعتك ومحبّيك بخصال عشر : أوَّلها : طيب مولدهم  ، وثانيها : حسن إيمانهم  ، وثالثها : حبُّ الله لهم  ، والرابعة : الفسحة في قبورهم  ، والخامسة : نورهم يسعى بين أيديهم  ، والسادسة : نزع الفقر من بين أعينهم وغنى قلوبهم  ، والسابعة : المقت من الله لأعدائهم  ، والثامنة : الأمن من البرص والجذام  ، والتاسعة : انحطاط الذنوب والسيئات عنهم  ، والعاشرة : هم معي في الجنة وأنا معهم  ، فطوبى لهم وحسن مآب.
    وروى جابر بن عبدالله  ، قال : بينا نحن عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذ التفت إلى علي ( عليه السلام ) فقال : يا أبا الحسن! هذا جبرئيل ( عليه السلام ) يقول : إن الله تعالى أعطى شيعتك ومحبّيك سبع خصال : الرفق عند الموت  ، والأنس عند الوحشة  ، والنور عند الظلمة  ، والأمن عند الفزع  ، والقسط عند الميزان  ، والجواز على الصراط  ، ودخول الجنّة قبل الناس  ، يسعى نورهم بين أيديهم.
    وروى جابر أيضاً عنه ( صلى الله عليه وآله ) قال : من أحبَّ الأئمة من أهل بيتي فقد أصاب خير الدنيا والآخرة  ، فلا يشكَّن أحد أنه في الجنة  ، فإن في حبِّ أهل بيتي عشرين خصلة : عشر في الدنيا  ، وعشر في الآخرة  ، أمَّا في الدنيا فالزهد  ، والحرص على العمل  ، والورع في الدين  ، والرغبة في العبادة  ، والتوبة قبل الموت  ، والنشاط في قيام الليل  ، واليأس مما في أيدي الناس  ، والحفظ لأمر الله عزَّ وجلَّ ونهيه  ، والتاسعة بغض الدنيا  ، والعاشرة السخاء.
    وأمَّا في الآخرة فلا ينشر له ديوان  ، ولا ينصب له ميزان  ، ويعطى كتابه بيمينه ويكتب له براءة من النار  ، ويبيضُّ وجهه  ، ويكسى من حلل الجنة  ، ويشفَّع في مائة من أهل بيته  ، وينظر الله إليه بالرحمة  ، ويتوَّج من تيجان الجنة  ، والعاشرة


(644)
دخول الجنة بغير حساب  ، فطوبى لمحبِّ أهل بيتي.
    وعن أبن أبي يعفور قال : قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : قد استحييت مما أكرِّر هذا الكلام عليكم : إنّما بين أحدكم وبين أن يغتبط أن تبلغ نفسه ههنا ـ وأهوى بيده إلى حنجرته ـ يأتيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعليٌّ ( عليه السلام ) فيقولان له : أمَّا ما كنت تخاف فقد آمنك الله منه  ، وأمَّا ما كنت ترجو فأمامك  ، فأبشروا  ، أنتم الطيِّبون  ، ونساؤكم الطيِّبات  ، كلُّ مؤمنة حوراء عيناء  ، كلُّ مؤمن صدّيق شهيد.
    قال : وقال أبو عبدالله ( عليه السلام ) لأصحابه ابتداء منه : أحببتمونا وأبغضنا الناس  ، وصدَّقتمونا وكذَّبنا الناس  ، ووصلتمونا وجفانا الناس  ، فجعل الله محياكم محيانا  ، ومماتكم مماتنا  ، أما والله ما بين الرجل منكم وبين أن يقرَّ الله عينه إلاَّ أن تبلغ نفسه هذا المكان ـ وأومأ إلى حلقه فمدَّ الجلدة ـ ثمَّ أعاد ذلك  ، فوالله ما رضي حتى حلف  ، فقال : والله الذي لا إليه إلاَّ هو  ، لحدَّثني أبي محمد بن علي بذلك  ، إن الناس أخذوا ههنا وههنا  ، وإنكم أخذتم حيث أخذ الله  ، إن الله اختار من عباده محمّداً ( صلى الله عليه وآله )   ، واخترتم خيرة الله  ، فاتقوا الله  ، وأدُّوا الأمانات إلى الأسود والأبيض وإن كان حرورياً  ، وإن كان شامياً.
    وعن عبد الرحيم قال : قال لي أبو جعفر ( عليه السلام ) : إنما يغتبط أحدكم حين تبلغ نفسه ههنا  ، فينزل عليه الملك فيقول : أمَّا ما كنت ترجو فقد أعطيته  ، وأمّا ما كنت تخافه فقد أمنت منه  ، فيفتح له باب إلى منزله من الجنة  ، فيقال له : انظر إلى مسكنك من الجنة  ، وانظر : هذا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وفلان وفلان وفلان  ، هم رفقاؤك وهو قوله تعالى : « الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الاْخِرَةِ » (1).
    وعن صفوان  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : والله إنّكم لعلى دين الله ودين ملائكته  ، وإنكم ـ والله ـ لعلى الحقّ  ، فاتقوا الله  ، وكفُّوا ألسنتكم  ، وصلُّوا في
1 ـ سورة يونس  ، الآية : 64.

(645)
مساجدكم  ، وعودوا مرضاكم  ، فإذا تميَّز الناس فتميَّزوا  ، فإن ثوابكم لعلى الله  ، وإن أغبط ما تكونون إذا بلغت نفس أحدكم إلى هذه ـ وأومأ إلى حلقه ـ قرَّت عينه.
    وعن جابر الجعفي  ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) للحارث الأعور : لينفعنَّك حبُّنا عند ثلاث : عند نزول ملك الموت  ، وعند مسائلتك في قبرك  ، وعند موقفك بين يدي الله.
    وعن أبي عمرو الكشي  ، عن محمد بن مسعود  ، رفعه إلى سعيد بن يسار أنه حضر أحد ابني سابور  ، وكان لهما ورع وإخبات  ، فمرض أحدهما  ، ولا أحسبه إلاَّ زكريا بن سابور  ، قال : فحضرته عند موته  ، قال : فبسط يده ثمَّ قال : بسطت يدي يا علي  ، قال : قصصت ذلك على أبي عبدالله ( عليه السلام ) ثمَّ قمت عنه  ، فاتّبعني رسوله فرجعت إليه  ، فقال : أخبرني خبر الرجل الذي حضرته عند موته أيَّ شيء سمعته يقول ؟ قلت : بسط يده ثمَّ قال : بسطت يدي يا علي  ، فقال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : رآه والله  ، راه والله.
    ومن وصايا جابر الأنصاري رضوان الله تعالى عليه لعطيَّة العوفي ما قاله له بعد منصرفه معه من زيارة الإمام الحسين ( عليه السلام ) قال عطيَّة : فلمَّا صرنا في بعض الطريق قال لي : يا عطية! هل أوصيك ؟ وما أظن أنني بعد هذه السفرة ملاقيك  ، أَحِبَّ محبَّ آل محمد ما أحبَّهم  ، وابغض مبغض آل محمد ما أبغضهم  ، وإن كان صوّاماً قوّاماً  ، وارفق بمحبِّ آل محمد  ، فإنه إن تزلَّ لهم قدم بكثرة ذنوبهم  ، ثبتت لهم أخرى بمحبَّتهم  ، فإن محبَّهم يعود إلى الجنَّة  ، ومبغضهم يعود إلى النار (1).
    ولله درّ الشيخ محمد علي اليعقوبي عليه الرحمة إذ يقول :
فلولاهُمُ ماذَرَّ في الأُفْقِ شَارِقٌ ولا اخْضَلَّ رَوْضُ الأرضِ واخضرَّ عُودُها

1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 65/131.
المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: فهرس