|
||||||||||||||||||
(631)
ومن جملة شؤونها أن الله جعل بطنها وعاء للإمامة ، عن ابن شهر آشوب دخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على فاطمة ( عليها السلام ) فرآها منزعجة فقال لها : مالك ؟ أراك منزعجة ، فقالت : أبتاه! إن الحميراء افتخرت على أمي بأنها لم تعرف رجلا قبلك ، وأمي عرفتك وهي مسنّة ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : لا تنزعجي ، فإن بطن أمِّك كانت وعاء للإمامة (1).
وروي أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) دخل يوماً منزل عائشة ، فإذا هي مقبلة على فاطمة ( عليها السلام ) تصايحها وتقول : يا بنت خديجة! ما ترين إلاَّ أن لأمِّك فضلا علينا ، وأيُّ فضل كان لها علينا ؟ ما هي إلاَّ كبعضنا. فسمع النبي ( صلى الله عليه وآله ) مقالتها لفاطمة ، فلمَّا رأت فاطمة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بكت ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ما يبكيك يا بنتاه ؟ قالت : إن الحميراء ذكرت أمي فتنقَّصتها فبكيت ، فغضب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقال : يا حميراء! إن الله تبارك وتعالى بارك في الودود الولود ، وإن خديجة ولدت منّي طاهراً وقاسماً وفاطمة ورقية وأم كلثوم وزينب ، وأنت ممن أعقم الله رحمها فلم تلدي شيئاً (2). وروي أنه دخلت أخت خديجة على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ولمَّا استأذنت وسمع النبيُّ باسم خديجة سُرَّ سروراً عظيماً ، فقالت عائشة : مالك تُكثر ذكر خديجة وتسرُّ باسمها ، وهي عجوز حمراء الشدقين قد هلكت ، وإن الله قد أعطاك ورزقك أحسن منها ؟ وكأنّها أرادت بذلك نفسها ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : لا والله ، ما رُزقت أحسن منها ، ولقد آمنت حين كذَّبوني ، وأنفقت مالها حين بخلوا عني. وكان ( صلى الله عليه وآله ) في زمان حياتها إذا غلب عليه الحزن نظر إلى وجه خديجة ، ويُسرُّ بذلك كما أنه يُسرُّ إذا سع اسمها ، وكان أيضاً إذا اشتدَّ حزنه نظر إلى 1 ـ مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : 3/114. 2 ـ الخصال ، الصدوق : 405 ح 116. (632)
فاطمة ( عليها السلام ) ويُسرُّ سروراً عظيماً ، ولمَّا توفِّيت خديجة اغتمَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وجلس في البيت ، ثمَّ هاجر إلى الطائف.
ولمَّا مرضت خديجة المرضة التي توفِّيت فيها حضرتها أسماء بنت عميس ، قالت أسماء : حضرت وفاة خديجة فبكت ، فقلت : أتبكين وأنت سيِّدة نساء العالمين ، وأنت زوجة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، مبشَّرة على لسانه بالجنَّة ؟ فقالت : ما لهذا بكيت ، ولكنَّ المرأة ليلة زفافها لابدَّ لها من امرأة تفضي إليها بسرِّها ، وتستعين بها على حوائجها ، وفاطمة حديثة عهد بصبا ، وأخاف أن لا يكون لها من يتولَّى أمرها ، فقلت : يا سيدتي! لك عهد الله إن بقيت إلى ذلك الوقت أن أقوم مقامك في هذا الأمر ، فلمَّا كانت ليلة زفاف فاطمة ( عليها السلام ) جاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأمر النساء فخرجن ، فقالت أسماء : فبقيت أنا ، فلمَّا رأى رسول الله سوادي قال : من أنت ؟ فقلت : أسماء بنت عميس ، فقال : ألم آمرك أن تخرجي ؟ فقلت : بلى يا رسول الله ، فداك أبي وأمي ، وما قصدت خلافك ، ولكنّي أعطيت خديجة عهداً هكذا ، فبكى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقال : بالله لهذا وقفت ؟ فقلت : نعم والله ، فدعا لي. أيها المؤمنون ، يعزّ على خديجة لو كانت حاضرة وتسمع أنين قرَّة عينها فاطمة بين الحائط والباب ، حين عصروها ، وكسروا ضلعها ، وأسقطوا جنينها ، وسوَّدوا متنها ، ولطموا خدَّها ، فإنا الله وإنا إليه راجعون. قال الراوي : ولما اشتدَّ مرضها قالت : يا رسول الله! اسمع وصاياي أولا; فإني قاصرة في حقِّك ، فأعفني يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، قال رسول الله : حاشا وكلا ، ما رأيت منك تقصيراً ، فقد بلغت جهدك ، وتعبت في داري غاية التعب ، ولقد بذلت أموالك وصرفت في سبيل الله جميع مالك ، قالت : يا رسول الله! الوصية الثانية : أوصيك بهذه ـ وأشارت إلى فاطمة ـ فإنها غريبة من بعدي ، فلا يؤذيها أحد من نساء قريش ، ولا يلطمن خدَّها ، ولا يصحن في وجهها ، ولا يرينها مكروهاً. (633)
أقول : يعزّ على خديجة لو كانت حاضرة حين لطمها فلان حتى أثَّرت اللطمة في خدِّها ، وتناثر قرطاها. ولله درّ الشيخ صالح الكواز عليه الرحمة إذ يقول :
وروي أنَّه لما توفِّيت خديجة ( عليها السلام ) أخذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في تجهيزها ، وغسَّلها وحنَّطها ، فلمَّا أراد أن يكفِّنها هبط الأمين جبرئيل وقال : يا رسول الله! إن الله 1 ـ رياض المدح والرثاء ، الشيخ حسين القديحي : 154 ـ 155. (634)
يقرؤك السلام ، ويخصُّك بالتحية والإكرام ، ويقول لك : يا محمد! إن كفن خديجة وهو من أكفان الجنة أهدى الله إليها ، فكفَّنها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بردائه الشريف أولا ، وبما جاء به جبرئيل ثانياً ، فكان لها كفنان ، كفن من الله ، وكفن من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) (1).
وليت جبرئيل ( عليه السلام ) نزل يوم الطفِّ بكفن من الجنّة لسيِّد الشهداء ( عليه السلام ) الذي بقي على بوغاء كربلاء ثلاثة أيام بلا كفن ولا مواراة. ولله درّ الشيخ عبد الحسين الحياوي إذ يقول :
1 ـ شجرة طوبى ، الشيخ محمد مهدي الحائري : 2/232 ـ 235. 2 ـ مثير الأحزان ، الجواهري : 146. 3 ـ مثير الأحزان ، الجواهري : 158. (635)
روي عن رافع مولى أبي ذر قال : صعد أبو ذر رضي الله عنه على درجة الكعبة حتى أخذ بحلقة الباب ، ثمَّ أسند ظهره إليه ، ثمَّ قال : أيها الناس! من عرفني قد عرفني ، ومن أنكرني فأنا أبو ذر ، سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : إنما مثل أهل بيتي في هذه الأمّة كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تركها هلك ، وسمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : اجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد ، ومكان العينين من الرأس ، فإن الجسد لا يهتدي إلاَّ بالرأس ، ولا يهتدي الرأس إلاَّ بالعينين (1).
وروي عن جعفر بن محمد ( عليه السلام ) قال : مكث جبرئيل أربعين يوماً لم ينزل عل النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا ربّ قد اشتدَّ شوقي إلى نبيِّك ( صلى الله عليه وآله ) فائذن لي ، فأوحى الله تعالى إليه وقال : يا جبرئيل! اهبط إلى حبيبي ونبيّي فأقرأه منّي السلام ، وأخبره أني خصصته بالنبوّة ، وفضَّلته على جميع الأوصياء وأقرأ وصيَّة منّي السلام ، وأخبره أني خصصته بالوصيَّة ، وفضَّلته على جميع الأوصياء ، قال : فهبط جبرئيل على النبي ( صلى الله عليه وآله ) فكان إذا هبط وضعت له وسادة من أدم حشوها ليف ، فجلس بين يدي النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا محمد! إن الله تعالى يقرؤك السلام ، ويخبرك أنه خصَّك بالنبوة ، وفضَّلك على جميع الأنبياء ، ويقرأ وصيَّك السلام ، ويخبرك أنه خصَّه بالوصيَّة ، وفضَّله على جميع الأوصياء ، قال : فبعث النبي ( صلى الله عليه وآله ) فدعاه فأخبره بما قال جبرئيل ، قال : فبكى علي ( عليه السلام ) بكاء شديداً ، ثمَّ قال : أسأل الله أن لا يسلبني ديني ولا ينزع منّي كرامته ، وأن يعطيني ما وعدني. 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 23/119 عن أمالي المفيد عليه الرحمة. (636)
فقال جبرئيل : يا محمّد! حقيق على الله أن لا يعذِّب علياً ولا أحداً تولاَّه ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : يا جبرئيل! على ما كان منهم ، أو كلُّهم ناج ؟ فقال جبرئيل : يا محمد! نجا من تولَّى شيثاً بشيث ، ونجا شيث بآدم ، ونجا آدم بالله ، ونجا من تولَّى ساماً بسام ، ونجا سام بنوح ، ونجا نوح بالله ، ونجا من تولّى آصف بآصف ، ونجا آصف بسليمان ، ونجا سليمان بالله ، ونجا من تولَّى يوشع بيوشع ، ونجا يوشع بموسى ، ونجا موسى بالله ، ونجا من تولَّى شمعون بشمعون ، ونجا شمعون بعيسى ، ونجا عيسى بالله ، ونجا من تولَّى علياً بعليٍّ ، ونجا عليٌّ بك ، ونجوت أنت بالله ، وإنما كل شيء بالله ، وإن الملائكة والحفظة ليفخرون على جميع الملائكة لصحبتها إيَّاه ، قال : فجلس عليٌّ ( عليه السلام ) ويسمع كلام جبرئيل ولا يرى شخصه ، قال : قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) : جُعلت فداك ، ما الذي كان من حديثهم إذا اجتمعوا ؟ قال : ذكر الله تعالى فلم تبلغ عظمته ، ثمَّ ذكروا فضل محمد ( صلى الله عليه وآله ) وما أعطاه الله من علمه وقلَّده من رسالته ، ثمَّ ذكروا أمر شيعتنا والدعاء لهم ، وختمهم بالحمد والثناء على الله ، قال : قلت : جُعلت فداك يا أبا عبدالله ، وإن الملائكة لتعرفنا ؟ قال : سبحان الله! وكيف لا يعرفونكم وقد وكِّلوا بالدعاء لكم ، و « الْمَلاَئِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ » « وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا » ما استغفارهم إلاَّ لكم دون هذا العالم (1).
وروي عن أبي جعفر الثاني ، عن آبائه ، عن الحسين بن علي ( عليهم السلام ) قال : دخلت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعنده أبيُّ بن كعب ، فقال لي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : مرحباً بك يا أبا عبدالله ، يا زين السماوات والأرضين ، قال له أبيٌّ : وكيف يكون ـ يا رسول الله ـ زين السماوات والأرض أحد غيرك ؟ فقال : يا أبيُّ! والذي بعثني بالحق نبياً ، إن الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض ، وإنه لمكتوب عن يمين عرش الله : مصباح هدى ، وسفينة نجاة ، وإمام خير ويمن وعزّ وفخر وعلم وذخر. وإن الله عزَّ 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 38/141 عن تفسير فرات الكوفي عليه الرحمة : 377 ـ 378. (637)
وجلَّ ركَّب في صلبه نطفة طيِّبة مباركة زكيَّة (1) ولله درّ دعبل الخزاعي إذ يقول في أهل بيت العصمة ( عليهم السلام ) :
جاء في كتاب المزار للمشهدي عليه الرحمة في بعض الزيارات الشريفة : 1 ـ عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) ، الصدوق : 2/62 ح 29 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 91/184. 2 ـ الغدير ، الأميني : 2/357. (638)
فأنا أشهد الله خالقي ، وأشهد ملائكته وأنبياءه ، وأشهدكم يا موالي بأني مؤمن بولايتكم ، معتقد لإمامتكم ، مقرٌّ بخلافتكم ، عارف بمنزلتكم ، مؤمن بعصمتكم ، خاضع لولايتكم ، متقرِّبٌ إلى الله بحبِّكم ، وبالبراءة من أعدائكم ، عالم بأن الله قد طهَّركم من الفواحش ، ما ظهر منها وما بطن ، ومن كل ريبة ونجاسة ، ودنيَّة ورجاسة ، ومنحكم راية الحقِّ الذي من تقدَّمها ذلَّ ، ومن تأخَّر عنها زلَّ ، وفرض طاعتكم على كل أسود وأبيض (1).
ومما يروى عن زين العابدين ( عليه السلام ) قوله :
وعن الحسين بن زيد ، عن الصادق ، عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من أحبَّنا أهل البيت فليحمد الله على أوَّل النعم ، قيل : وما أول النعم ؟ قال : طبيب الولادة ، ولا يحبُّنا إلاَّ من طابت ولادته. 1 ـ المزار ، محمد بن المشهدي : 294. (639)
وعن زيد بن علي ، عن أبيه ، عن جدِّه ، عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا عليُّ! من أحبَّني وأحبَّك وأحبَّ الأئمة من ولدك فليحمد الله على طيب مولده ، فإنَّه لا يحبُّنا إلاَّ من طابت ولادته ، ولا يبغضنا إلاَّ من خبثت ولادته.
وعن المفضل قال : سمعت الصادق ( عليه السلام ) يقول لأصحابه : من وجد برد حبِّنا على قلبه فليكثر الدعاء لأمِّه ، فإنها لم تخن أباه. وعن أبي رافع ، عن علي ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من لم يحبَّ عترتي فهو لإحدى ثلاث : إمّا منافق ، وإمَّا لزنية ، وإمَّا امرؤ حملت به أمه في غير طهر (1). وعن جابر ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : ألا أبشِّرك ؟ ألا أمنحك ؟ قال : بلى يا رسول الله ، قال : فإني خلقت أنا وأنت من طينة واحدة ، ففضلت منها فضلة ، فخلق منها شيعتنا ، فإذا كان يوم القيامة دعي الناس بأمهاتهم إلاَّ شيعتك ، فإنهم يُدعون بأسماء آبائهم لطيب مولدهم. وعن جابر بن عبدالله الأنصاري قال : كنّا بمنى مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذ بَصُرنا برجل ساجد وراكع ومتضرِّع ، فقلنا : يا رسول الله ، ما أحسن صلاته! فقال ( صلى الله عليه وآله ) : هو الذي أخرج أباكم من الجنة ، فمضى إليه علي ( عليه السلام ) غير مكترث ، فهزّه هزَّة أدخل أضلاعه اليمنى في اليسرى ، واليسرى في اليمنى ، ثمَّ قال : لأقتلنَّك إن شاء الله ، فقال : لن تقدر على ذلك إلى أجل معلوم من عند ربّي ، مالك تريد قتلي ؟ فوالله ما أبغضك أحد إلاَّ سبقت نطفتي إلى رحم أمِّه قبل نطفة أبيه ، ولقد شاركت مبغضيك في الأموال والأولاد ، وهو قول الله عزَّ وجلَّ في محكم كتابه : « وَشَارِكْهُمْ فِي الاَْمْوَالِ وَالاَْولاَدِ » (2) 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 27/145 ـ 147. 2 ـ سورة الإسراء ، الآية : 64. (640)
قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : صدق يا علي ، لا يبغضك من قريش إلاَّ سفاحيٌّ ، ولا من الأنصار إلاَّ يهوديٌّ ، ولا من العرب إلاّ دعيٌّ ، ولا من سائر الناس إلاّ شقيٌّ ، ولا من النساء إلاَّ سلقلقيَّة ، وهي التي تحيض من دبرها ، ثمَّ أطرق مليّاً ، ثمَّ رفع رأسه فقال : معاشر الأنصار ، اعرضوا أولادكم على محبَّة عليٍّ ، قال جابر بن عبدالله : فكنّا نعرض حبَّ عليٍّ ( عليه السلام ) على أولادنا ، فمن أحبَّ علياً علمنا أنه من أولادنا ، ومن أبغض علياً انتفينا منه (1).
وعن عبدالله بن جبلة ، عن أبيه قال : سمعت جابر بن عبدالله بن حزام الأنصاري يقول : كنّا عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ذات يوم جماعة من الأنصار ، فقال لنا : يا معشر الأنصار! بوروا أولادكم بحبِّ علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، فمن أحبَّه فاعلموا أنه لرشدة ، ومن أبغضه فاعلموا أنه لغية. وعن الحارث الهمداني قال : دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، فقال : ما جاء بك ؟ فقلت : حبّي لك يا أمير المؤمنين ، فقال : يا حارث! أتحبُّني! فقلت : نعم والله يا أمير المؤمنين ، قال : أما لو بلغت نفسُك الحلقوم رأيتني حيث تحبُّ ، ولو رأيتني وأنا أذود الرجال عن الحوض ذود غريبة الإبل لرأيتني حيث تحبُّ ، ولو رأيتني وأنا مارٌّ على الصراط بلواء الحمد بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لرأيتني حيث تحبُّ. وروي عن علي بن الحسين ، عن أبيه ( عليهم السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حبّي وحبُّ أهل بيتي نافع في سبعة مواطن أهوالهن عظيمة : عند الوفاة ، وفي القبر ، وعند النشور ، وعند الكتاب ، وعند الحساب ، وعند الميزان ، وعند الصراط. وروى السكوني ، عن الصادق ، عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 27/150 ـ 151 ، وقريب منه ما رواه ابن عباس في تاريخ دمشق ، ابن عساكر : 42/289. (641)
أثبتكم قَدماً على الصراط أشدُّكم حبّاً لأهل بيتي.
وعن الثمالي ، عن أبي جعفر ، عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعلي ( عليه السلام ) : ما ثبَّت الله حبَّك في قلب امرىء مسلم ، فزلَّت به قدم على الصراط إلاَّ ثبت له قدم حتى أدخله الله بحبِّك الجنّة. وروي عن ابن نباتة ، قال : دخل الحارث الهمداني على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في نفر من الشيعة ، وكنت معه فيمن دخل ، فجعل الحارث يتأوَّد في مشيته ، ويخبط الأرض بمحجنه ، وكان مريضاً ، فأقبل عليه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وكانت له منه منزلة ، وقال : كيف تجدك يا حارث ؟ قال : نال الدهر منّي ، وزادني أوداً وغليلا اختصام أصحابك ببابك ، قال : فيم ؟ قال : في شأنك والبليَّة من قبلك ، فمن مفرط غال ، ومبغض قال ، ومن متردِّد مرتاب فلا يدري أيقدم أم يحجم ، قال : فحسبك يا أخا همدان ، ألا إن خير شيعتي النمط الأوسط ، إليهم يرجع الغالي ، وبهم يلحق التالي ، قال : لو كشفت فداك أبي وأمي الريب عن قلوبنا ، وجعلتنا في ذلك على بصيرة من أمرنا. قال : قدك ، فإنك امرؤ ملبوس عليك ، إن دين الله لا يُعرف بالرجال ، بل بآية الحقّ ، والآية العلامة ، فاعرف الحقَّ تعرف أهله. يا حارث! إن الحقّ أحسن الحديث ، والصادع به مجاهد ، وبالحقِّ أخبرك ، فأرعني سمعك ، ثم خبِّر به من كانت له خصاصة من أصحابك ، ألا إني عبدالله ، وأخو رسوله ، وصدّيقه الأول ، صدَّقته وآدم بين الروح والجسد ، ثم إني صدّيقه الأول في أمَّتكم حقّاً ، فنحن الأولون ، ونحن الآخرون ، ألا وأنا خاصّته ـ يا حار ـ وخالصته ، وصفوته ووصيُّه ووليُّه ، وصاحب نجواه وسرِّه ، أوتيت فهم الكتاب ، وفصل الخطاب ، وعلم القرآن والأسباب ، واستودعت ألف مفتاح ، يفتح كل مفتاح ألف باب ، يفضي كل باب إلى ألف ألف عهد ، وأُيِّدت ـ أو قال : أمددت ـ بليلة القدر نفلا ، وإن ذلك ليجري لي (642)
ولمن استحفظ من ذرّيّتي ما جرى الليل والنهار ، حتى يرث الله الأض ومن عليها ، أبشِّرك ـ يا حار ـ ليعرفني ـ والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ـ وليّي وعدوّي في مواطن شتى : عند الممات ، وعند الصراط ، وعند المقاسمة ، قال : وما المقاسمة ؟ قال : مقاسمة النار ، أقاسمها قسمة صحاحا ، أقول : هذا وليّي ، وهذا عدوّي.
ثمَّ أخذ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بيد الحارث وقال : يا حارث! أخذت بيدك كما أخذ بيدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال لي ـ وقد اشتكيت إليه حسدة قريش والمنافقين ـ : إذا كان يوم القيامة أخذت بحجزة من ذي العرش تعالى ، وأخذت ـ يا عليُّ ـ بحجزتي ، وأخذت ذرّيّتك بحجزتك ، وأخذ شيعتكم بحجزتكم ، فماذا يصنع الله بنبيِّه ؟ وماذا يصنع نبيُّه بوصيِّه ؟ وماذا يصنع وصيُّه بأهل بيته وشيعتهم ؟ خذها إليك ـ يا حار ـ قصيرة من طويلة ، أنت مع من أحببت ، ولك ما اكتسبت ، قالها ثلاثاً ، فقال الحارث ـ وقام يجرُّ رداءه جذلا ـ : ما أبالي وربي بعد هذا ، ألقيت الموت أو لقيني (1). ومن كتاب مشارق الأنوار : عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : حبُّ أهل بيتي ينفع من أحبَّهم في سبعة مواطن مهولة : عند الموت ، وفي القبر ، وعند القيام من الأجداث ، وعند تطاير الصحف ، وعند الحساب ، وعند الميزان ، وعند الصراط ، فمن أحبَّ أن يكون آمناً في هذه المواطن فليتوال علياً بعدي ، وليتمسَّك بالحبل المتين ، وهو عليُّ ابن أبي طالب وعترته من بعده ، فإنهم خلفائي وأوليائي ، علمهم علمي ، وحلمهم حلمي ، وأدبهم أدبي ، وحسبهم حسبي ، سادة الأولياء ، وقادة الأتقياء ، وبقيَّة الأنبياء ، حربهم حربي ، وعدوُّهم عدوّي. ومن كتاب أعلام الدين للديلمي ، من كتاب الحسين بن سعيد ، بإسناده عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : إذا بلغت نفس أحدكم هذه ـ وأومأ إلى حلقه ـ قيل له : أمَّا ما 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 27/156 ـ 161. (643)
كنت تحذر من همِّ الدنيا فقد أمنته ، ثمَّ يعطى بشارته.
وعنه ، عن آبائه ( عليهم السلام ) ، عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) : بشِّر شيعتك ومحبّيك بخصال عشر : أوَّلها : طيب مولدهم ، وثانيها : حسن إيمانهم ، وثالثها : حبُّ الله لهم ، والرابعة : الفسحة في قبورهم ، والخامسة : نورهم يسعى بين أيديهم ، والسادسة : نزع الفقر من بين أعينهم وغنى قلوبهم ، والسابعة : المقت من الله لأعدائهم ، والثامنة : الأمن من البرص والجذام ، والتاسعة : انحطاط الذنوب والسيئات عنهم ، والعاشرة : هم معي في الجنة وأنا معهم ، فطوبى لهم وحسن مآب. وروى جابر بن عبدالله ، قال : بينا نحن عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذ التفت إلى علي ( عليه السلام ) فقال : يا أبا الحسن! هذا جبرئيل ( عليه السلام ) يقول : إن الله تعالى أعطى شيعتك ومحبّيك سبع خصال : الرفق عند الموت ، والأنس عند الوحشة ، والنور عند الظلمة ، والأمن عند الفزع ، والقسط عند الميزان ، والجواز على الصراط ، ودخول الجنّة قبل الناس ، يسعى نورهم بين أيديهم. وروى جابر أيضاً عنه ( صلى الله عليه وآله ) قال : من أحبَّ الأئمة من أهل بيتي فقد أصاب خير الدنيا والآخرة ، فلا يشكَّن أحد أنه في الجنة ، فإن في حبِّ أهل بيتي عشرين خصلة : عشر في الدنيا ، وعشر في الآخرة ، أمَّا في الدنيا فالزهد ، والحرص على العمل ، والورع في الدين ، والرغبة في العبادة ، والتوبة قبل الموت ، والنشاط في قيام الليل ، واليأس مما في أيدي الناس ، والحفظ لأمر الله عزَّ وجلَّ ونهيه ، والتاسعة بغض الدنيا ، والعاشرة السخاء. وأمَّا في الآخرة فلا ينشر له ديوان ، ولا ينصب له ميزان ، ويعطى كتابه بيمينه ويكتب له براءة من النار ، ويبيضُّ وجهه ، ويكسى من حلل الجنة ، ويشفَّع في مائة من أهل بيته ، وينظر الله إليه بالرحمة ، ويتوَّج من تيجان الجنة ، والعاشرة (644)
دخول الجنة بغير حساب ، فطوبى لمحبِّ أهل بيتي.
وعن أبن أبي يعفور قال : قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : قد استحييت مما أكرِّر هذا الكلام عليكم : إنّما بين أحدكم وبين أن يغتبط أن تبلغ نفسه ههنا ـ وأهوى بيده إلى حنجرته ـ يأتيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعليٌّ ( عليه السلام ) فيقولان له : أمَّا ما كنت تخاف فقد آمنك الله منه ، وأمَّا ما كنت ترجو فأمامك ، فأبشروا ، أنتم الطيِّبون ، ونساؤكم الطيِّبات ، كلُّ مؤمنة حوراء عيناء ، كلُّ مؤمن صدّيق شهيد. قال : وقال أبو عبدالله ( عليه السلام ) لأصحابه ابتداء منه : أحببتمونا وأبغضنا الناس ، وصدَّقتمونا وكذَّبنا الناس ، ووصلتمونا وجفانا الناس ، فجعل الله محياكم محيانا ، ومماتكم مماتنا ، أما والله ما بين الرجل منكم وبين أن يقرَّ الله عينه إلاَّ أن تبلغ نفسه هذا المكان ـ وأومأ إلى حلقه فمدَّ الجلدة ـ ثمَّ أعاد ذلك ، فوالله ما رضي حتى حلف ، فقال : والله الذي لا إليه إلاَّ هو ، لحدَّثني أبي محمد بن علي بذلك ، إن الناس أخذوا ههنا وههنا ، وإنكم أخذتم حيث أخذ الله ، إن الله اختار من عباده محمّداً ( صلى الله عليه وآله ) ، واخترتم خيرة الله ، فاتقوا الله ، وأدُّوا الأمانات إلى الأسود والأبيض وإن كان حرورياً ، وإن كان شامياً. وعن عبد الرحيم قال : قال لي أبو جعفر ( عليه السلام ) : إنما يغتبط أحدكم حين تبلغ نفسه ههنا ، فينزل عليه الملك فيقول : أمَّا ما كنت ترجو فقد أعطيته ، وأمّا ما كنت تخافه فقد أمنت منه ، فيفتح له باب إلى منزله من الجنة ، فيقال له : انظر إلى مسكنك من الجنة ، وانظر : هذا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وفلان وفلان وفلان ، هم رفقاؤك وهو قوله تعالى : « الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الاْخِرَةِ » (1). وعن صفوان ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : والله إنّكم لعلى دين الله ودين ملائكته ، وإنكم ـ والله ـ لعلى الحقّ ، فاتقوا الله ، وكفُّوا ألسنتكم ، وصلُّوا في 1 ـ سورة يونس ، الآية : 64. (645)
مساجدكم ، وعودوا مرضاكم ، فإذا تميَّز الناس فتميَّزوا ، فإن ثوابكم لعلى الله ، وإن أغبط ما تكونون إذا بلغت نفس أحدكم إلى هذه ـ وأومأ إلى حلقه ـ قرَّت عينه.
وعن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) للحارث الأعور : لينفعنَّك حبُّنا عند ثلاث : عند نزول ملك الموت ، وعند مسائلتك في قبرك ، وعند موقفك بين يدي الله. وعن أبي عمرو الكشي ، عن محمد بن مسعود ، رفعه إلى سعيد بن يسار أنه حضر أحد ابني سابور ، وكان لهما ورع وإخبات ، فمرض أحدهما ، ولا أحسبه إلاَّ زكريا بن سابور ، قال : فحضرته عند موته ، قال : فبسط يده ثمَّ قال : بسطت يدي يا علي ، قال : قصصت ذلك على أبي عبدالله ( عليه السلام ) ثمَّ قمت عنه ، فاتّبعني رسوله فرجعت إليه ، فقال : أخبرني خبر الرجل الذي حضرته عند موته أيَّ شيء سمعته يقول ؟ قلت : بسط يده ثمَّ قال : بسطت يدي يا علي ، فقال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : رآه والله ، راه والله. ومن وصايا جابر الأنصاري رضوان الله تعالى عليه لعطيَّة العوفي ما قاله له بعد منصرفه معه من زيارة الإمام الحسين ( عليه السلام ) قال عطيَّة : فلمَّا صرنا في بعض الطريق قال لي : يا عطية! هل أوصيك ؟ وما أظن أنني بعد هذه السفرة ملاقيك ، أَحِبَّ محبَّ آل محمد ما أحبَّهم ، وابغض مبغض آل محمد ما أبغضهم ، وإن كان صوّاماً قوّاماً ، وارفق بمحبِّ آل محمد ، فإنه إن تزلَّ لهم قدم بكثرة ذنوبهم ، ثبتت لهم أخرى بمحبَّتهم ، فإن محبَّهم يعود إلى الجنَّة ، ومبغضهم يعود إلى النار (1). ولله درّ الشيخ محمد علي اليعقوبي عليه الرحمة إذ يقول :
1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 65/131. |
||||||||||||||||||
|