المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: 646 ـ 660
(646)
وَهُمْ أيقظوا من رَقْدَةِ الجَهلِ أُمَّةً فَمَنْ ذَا يُسَاوِيهِمْ وَهُمْ سَادَةُ الْوَرَى بهم قَرَّت الدنيا وهم فَوْقَ أَرْضِها إذا فُوخِرُوا يوماً بمَجْد وسُؤْدَد رَبَتْ في حُجُورِ المَكْرُمَاتِ وإنَّما يَنَابِيعُ وَحْي بالعُلُومِ تَفَجَّرَتْ وَتَاللهِ مَا حَادَتْ عن الرُّشْدِ والْهُدَى مَنَاقِبُ في جِيْدِ اللَّيَالي كأنَّها سَمَتْ حيثُ لو أنَّ الكَوَاكِبَ حَاوَلَتْ إلى الحَشْرِ لولاهم لَدامَ رُقُودُها وَهَلْ يستوي سَاداتُهَا وعبيدُها وَطَابَ بهم بَعْدَ المَمَاتِ صعيدُها غدا طَارِفُ الْعَلْيَا لهم وتليدُها ظُهُورُ الجِيَادِ الصافِنَاتِ مُهُودُها صُدُورُ الْوَرَى عنهم ومنهم وُرُودُها سوى فِئَة قَدْ كان عَنْهُمْ مَحِيْدُها عُقُودٌ يُبَاهِي الشُّهْبَ فيهنَّ جِيْدُها صُعُوداً لأَدْنَاها لَعَزَّ صُعُودُها (1)

1 ـ الشيخ اليعقوبي دراسة نقدية في شعره  ، الدكتور عبد الصاحب الموسوي : 341 ـ 342.

(647)
    روى الشيخ الصدوق عليه الرحمة  ، بسنده عن إسحاق بن راهويه قال : لمَّا وافى أبو الحسن الرضا ( عليه السلام ) نيسابور  ، وأراد أن يخرج منها إلى المأمون اجتمع عليه أصحاب الحديث  ، فقالوا له : يا ابن رسول الله! ترحل عنّا ولا تحدِّثنا بحديث فنستفيده منك ـ وكان قد قعد في العمارية ـ فأطلع رأسه وقال : سمعت أبي موسى ابنَ جعفر يقول : سمعت أبي جَعْفَرَ بن محمد يقول : سمعت أبي محمَّدَ بنَ علي يقول : سمعت أبي عليَّ بنَ الحسين يقول : سمعت أبي الحسينَ بنَ علي بن أبي طالب يقول : سمعت أبي أميرَ المؤمنين عليَّ بن أبي طالب ( عليهم السلام ) يقول : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : سمعت جبرئيل يقول : سمعت الله جلَّ جلاله يقول : لا إله إلاَّ الله حصني  ، فمن دخل حصني أمن من عذابي  ، قال : فلمَّا مرَّت الراحلة نادانا : بشروطها  ، وأنا من شروطها.
    قال الشيخ الصدوق رحمة الله عليه : من شروطها الإقرار للرضا ( عليه السلام ) بأنه إمام من قبل الله عزَّ وجلَّ على العباد  ، مفترض الطاعة عليهم.
    وروى الصفار بسنده عن محمد بن الفضيل  ، عن أبي الحسن ( عليه السلام ) قال : ولاية علي مكتوبة في جميع صحف الأنبياء  ، ولن يبعث الله نبيّاً إلاَّ بنبوة محمد ووصيِّه علي صلوات الله عليهما.
    وعن أبي بصير  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : ما من نبي نُبِّىء  ، ولا من رسول أُرسل إلاَّ بولايتنا وتفضيلنا على مَنْ سوانا. وعن جابر قال : قال أبو جعفر ( عليه السلام ) :


(648)
ولايتنا ولاية الله التي لم يبعث نبياً قط إلاَّ بها (1).
    وروى الشيخ الصدوق ( رحمه الله ) ، عن جابر الجعفي  ، عن الباقر صلوات الله عليه قال : سألته عن تعبير الرؤيا عن دانيال أهو صحيح ؟ قال : نعم  ، كان يوحى إليه وكان نبيّاً  ، وكان مما علَّمه الله تأويل الأحاديث  ، وكان صدّيقاً حكيماً  ، وكان ـ والله ـ يدين بمحبّتنا أهل البيت  ، قال جابر : بمحبَّتكم أهل البيت ؟ قال : إي والله  ، وما من نبيٍّ ولا مَلَك إلاَّ وكان يدين بمحبّتنا (2) ولله در من قال :
ولايتي لأمير النحل تكفيني وطينتي عُجنت من قبل تكويني عند الممات وتغسيلي وتكفيني بحب حيدر كيف النار تكويني

    روي عن ابن سنان  ، يرفعه إلى أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : إن حديثنا صعب مستصعب  ، لا يحتمله إلاَّ صدور منيرة  ، أو قلوب سليمة وأخلاق حسنة  ، إن الله أخذ من شيعتنا الميثاق كما أخذ على بني آدم  ، حيث يقول عزَّ وجلَّ : « وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى » (3) فمن وفى لنا وفى الله له بالجنّة  ، ومن أبغضنا ولم يؤدِّ إلينا حقَّنا ففي النار خالداً مخلَّداً (4).
    وعن أبي الجارود  ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : حبُّنا إيمان  ، وبغضنا كفر  ، ثمَّ قرأ
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 26/280 ـ 281.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 26/284.
3 ـ سورة الأعراف  ، الآية : 172.
4 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 2/190.


(649)
هذه الآية : « وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الاِْيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ » (1) (2).
    وعن أبي الجارود  ، عن أبي عبدالله الجدلي قال : قال لي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ألا أخبرك بالحسنة التي من جاء بها أمن من فزع يوم القيامة  ، والسيئة التي من جاء بها كُبَّ على وجهه في نار جهنم ؟ قلت : بلى يا أمير المؤمنين  ، قال : الحسنة حبُّنا أهل البيت  ، والسيئة بغضنا أهل البيت (3).
    وعن عمار الساباطي قال : قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) : إن أبا أمية يوسف بن ثابت حدَّث عنك قلت : لا يضرُّ مع الإيمان عمل  ، ولا ينفع مع الكفر عمل  ، فقال : إنه لم يسألني أبو أمية عن تفسيرها  ، إنما عنيت بهذا أنه من عرف الإمام من آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) وتولاَّه  ، ثمَّ عمل لنفسه ما شاء من عمل الخير قبل منه ذلك  ، وضوعف له أضعافاً كثيرة  ، وانتفع بأعمال الخير مع المعرفة  ، فهذا ما عنيت بذلك  ، وكذلك لا يقبل الله من العباد الأعمال الصالحة التي يعملونها إذا تولَّوا الإمام الجائر الذي ليس من الله تعالى  ، فقال له عبدالله بن أبي يعفور : أليس الله تعالى قال : « مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَع يَوْمَئِذ آمِنُونَ » (4) ؟ فكيف لا ينفع العمل الصالح ممن يوالي أئمة الجور ؟ فقال له أبو عبدالله ( عليه السلام ) : هل تدري ما الحسنة التي عناها الله تعالى في هذه الآية ؟ هي معرفة الإمام وطاعته  ، وقد قال الله تعالى : « وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ » (5)   ، وإنما أراد بالسيئة إنكار الإمام الذي هو من الله تعالى  ، ثم قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : من جاء يوم القيامة بولاية إمام جائر ليس من الله  ، وجاء منكراً لحقِّنا  ، جاحداً لولايتنا أكَّبه الله
1 ـ سورة الحجرات  ، الآية : 7.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 22/368.
3 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 24/42 ح 3.
4 ـ سورة النمل  ، الآية : 89.
5 ـ سورة النمل  ، الآية : 90.


(650)
تعالى يوم القيامة في النار (1).
    وعن أبي الجارود  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) في قوله عزَّ وجلَّ : « مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُل مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ » (2) قال : قال علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : ليس عبد من عبيد الله ممن امتحن قلبه للإيمان إلاَّ وهو يجد مودّتنا على قلبه فهو يودّنا  ، وما من عبد من عبيد الله ممن سخط الله عليه إلاَّ وهو يجد بغضنا على قلبه فهو يبغضنا  ، فأصبحنا نفرح بحبِّ المحبِّ  ، ونعرف بغض المبغض  ، وأصبح محبُّنا ينتظر رحمة الله عزَّ وجلَّ  ، فكأنَّ أبواب الرحمة قد فُتحت له  ، وأصبح مبغضنا على شفا جرف من النار  ، فكان ذلك الشفا قد انهار به في نار جهنم  ، فهنيئاً لأهل الرحمة رحمتهم  ، وتعساً لأهل النار مثواهم  ، إن الله عزَّ وجلَّ يقول : « فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ » (3) وإنه ليس عبد من عبيد الله يقصِّر في حبِّنا لخير جعله الله عنده; إذ لا يستوي من يحبُّنا ومن يبغضنا  ، ولا يجتمعان في قلب رجل أبداً  ، إن الله لم يجعل لرجل من قلبين في جوفه يحبُّ بهذا ويبغض بهذا  ، أمَّا محبُّنا فيخلص الحبَّ لنا كما يخلص الذهب بالنار لا كدر فيه  ، ومبغضنا على تلك المنزلة  ، نحن النجباء  ، وأفراطنا أفراط الأنبياء  ، وأنا وصيُّ الأوصياء  ، والفئة الباغية من حزب الشيطان  ، والشيطان منهم  ، فمن أراد أن يعلم حبَّنا فليمتحن قلبه  ، فإن شارك في حبِّنا عدوَّنا فليس منا  ، ولسنا منه  ، والله عدوُّه وجبرئيل وميكائيل  ، والله عدوٌّ للكافرين.
    ومن كتاب فضائل الشيعة للصدوق رحمه الله  ، بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال : كنّا جلوساً مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذ أقبل إليه رجل فقال : يا رسول الله! أخبرني عن قول الله عزَّ وجلَّ لإبليس : « أَاسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْعَالِينَ » (4) فمن
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 24/43 ح 7.
2 ـ سورة الأحزاب  ، الآية : 4.
3 ـ سورة النحل  ، الآية : 29.
4 ـ سورة ص  ، الآية : 75.


(651)
هم ـ يا رسول الله ـ الذين هم أعلى من الملائكة ؟ فقال رسول الله : أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين  ، كنّا في سرادق العرش نسبِّح الله  ، وتسبِّح الملائكة بتسبيحنا  ، قبل أن يخلق الله عزَّ وجلَّ آدم بألفي عام  ، فلمَّا خلق الله عزَّ وجلَّ آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له  ، ولم يأمرنا بالسجود  ، فسجدت الملائكة كلُّهم إلاَّ إبليس  ، فإنه أبى أن يسجد  ، فقال الله تبارك وتعالى : « أَاسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْعَالِينَ » أي من هؤلاء الخمس  ، المكتوب أسماؤهم في سرادق العرش  ، فنحن باب الله الذي يؤتى منه  ، بنا يهتدي المهتدون  ، فمن أحبَّنا أحبَّه الله وأسكنه جنَّته  ، ومن أبغضنا أبغضه الله وأسكنه ناره  ، ولا يحبُّنا إلاَّ من طاب مولده (1).
    وعن سيف بن عميرة  ، عن الصادق ( عليه السلام ) قال : إن لولد الزنا علامات : أحدها : بغضنا أهل البيت  ، وثانيها : أن يحنَّ إلى الحرام الذي خُلق منه  ، وثالثها : الاستخفاف بالدين  ، ورابعها : سوء المحضر للناس  ، ولا يسيء محضر إخوانه إلاَّ من ولد على غير فراش أبيه  ، أو من حملت به أمه في حيضها (2).
    وروي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهودياً  ، ولو أن عبداً عبد الله بين الركن والمقام ألف سنة  ، ثمَّ لقي الله بغير ولايتنا أكبَّه الله على منخريه في النار  ، ومن مات لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية  ، والله ما ترك الله الأرض منذ قبض آدم إلاَّ وفيها إمام يهتدى به  ، حجّة على العباد  ، من تركه هلك  ، ومن لزمه نجا.. (3).
    وعن ابن عباس قال : قلت للنبيِّ ( صلى الله عليه وآله ) : أوصني  ، قال : عليك بمودَّة عليِّ بن أبي طالب ( عليه السلام )   ، والذي بعثني بالحق نبيّاً  ، لا يقبل الله من عبد حسنة حتى يسأله

1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 25/2.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 27/152 عن معاني الأخبار.
3 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 27/201.


(652)
عن حبِّ علي بن أبي طالب ( عليه السلام )   ، وهو تعالى أعلم  ، فإن جاءه بولايته قبل عمله على ما كان منه  ، وإن لم يأت بولايته لم يسأله عن شيء  ، ثمَّ أمر به إلى النار  ، يابن عباس! والذي بعثني بالحق نبيّاً  ، إن النار لأشدُّ غضباً على مبغض علي ( عليه السلام ) منها على من زعم أن لله ولداً  ، يابن عباس! لو أن الملائكة المقرَّبين  ، والأنبياء المرسلين اجتمعوا على بغضه ـ ولن يفعلوا ـ لعذَّبهم الله بالنار  ، قلت : يا رسول الله! وهل يبغضه أحد ؟ قال : يا بن عباس! نعم  ، يبغضه قوم يذكرون أنهم من أمتي  ، لم يجعل الله لهم في الإسلام نصيباً  ، يابن عباس! إن من علامة بغضهم له تفضيلهم من هو دونه عليه  ، والذي بعثني بالحق  ، ما بعث نبياً أكرم عليه منّي  ، ولا أوصياء أكرم عليه من وصيّي علي  ، قال ابن عباس : فلم أزل له كما أمرني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأوصاني بمودّته  ، وإنه لأكبر عملي عندي.. (1).
    وعن أبي نعيم : قال عمر : وما آية حبِّكم يا رسول الله ؟ قال : حبُّ هذا  ، ووضع يده على كتف علي ( عليه السلام ) وقال : من أحبَّه فقد أحبَّنا  ، ومن أبغضه فقد أبغضنا (2).
    وقال الفرزدق رحمه الله تعالى في حبِّ أهل البيت ( عليهم السلام ) والتمسُّك بهم :
مِنْ مَعْشَر حُبُّهم دينٌ وبغضُهُمُ يُسْتَدْفَعُ السُّوءُ والبلوى بِحُبِّهِمُ مُقَدَّمٌ بَعْدَ ذِكْرِ اللهِ ذِكْرُهُمُ إنْ عُدَّ أَهْلُ التُّقَى كانوا أَئِمَّتَهُمْ لا يستطيعُ جَوَادٌ بُعْدَ غَايَتِهِمْ هُمُ الْغُيُوثُ إذا ما أَزْمَةٌ أَزِمَتْ يأبى لهم أن يَحُلَّ الذَّمُّ سَاحَتَهُمْ كفرٌ وقُرْبُهُمُ مَنْجىً ومُعْتَصَمُ ويُستَزَادُ به الإحسانُ والنِّعَمُ في كُلِّ بَدْء ومختومٌ به الكَلِمُ أو قيل مَنْ خَيْرُ أَهْلِ الأَرْضِ قيل هُمُ وَلاَ يُدَانِيهِمُ قومٌ وَإِنْ كَرُمُوا وَالأُسْدُ أُسْدُ الشَّرَى وبالبأسُ مُحْتَدِمُ خيرٌ كريمٌ وأيد بالنَّدَى هُضُمُ

1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 27/219 عن أمالي المفيد.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 27/311.


(653)
لا يقبضُ الْعُسْرُ بَسْطاً من أَكُفِّهِمُ أيُّ الخلائِقِ ليست في رِقَابِهِمُ مَنْ يَعْرِفِ اللهَ يَعْرِفْ أَوَّلِيَّةَ ذَا سَيَّانَ ذلك إِنْ أَثْرَوا وإِنْ عَدِمُوا لأَوْلَوِيَّةِ هذا أَوْلَهُ نِعَمُ فالدينُ من بيت هذا نَالَهُ الأُمَمُ (1)

    جاء في بعض زيارات أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) : يا مواليَّ  ، فلو عاينكم المصطفى  ، وسهام الأمّة معرقة في أكبادكم  ، ورماحهم مشرعة في نحوركم  ، وسيوفها مولغة في دمائكم  ، يشفي أبناء العواهر غليل الفسق من ورعكم  ، وغيظ الكفر من إيمانكم  ، وأنتم بين صريع في المحراب قد فلق السيف هامته  ، وشهيد فوق الجنازة قد شُكَّت بالسهام أكفانه  ، وقتيل بالعراء قد رُفع فوق القناة رأسه  ، ومكبَّل في السجن رُضَّت بالحديد أعضاؤه  ، ومسموم قد قُطِّعت بجرع السمِّ أمعاؤه (2)   ، فإنَّا لله وإنّا إليه راجعون  ، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العلي العظيم.
    روي عن الشعبي  ، قال : لمَّا دخل عثمان رحله ـ بعد ما بويع له بالخلافة ـ دخل إليه بنو أميَّة حتى امتلأت بهم الدار  ، ثمَّ أغلقوها عليهم  ، فقال أبو سفيان بن حرب : أعندكم أحد من غيركم ؟ قالوا : لا  ، قال : يا بني أمية! تلقَّفوها تلقُّف الكرة  ، فوالذي يحلف به أبو سفيان  ، ما من عذاب ولا حساب  ، ولا جنَّة ولا نار  ، ولا بعث ولا قيامة  ، قال : فانتهره عثمان  ، وساءه بما قال  ، وأمر بإخراجه (3).
1 ـ روضة الواعظين  ، الفتال النيسابوري : 200 ـ 201  ، الاختصاص  ، المفيد : 193.
2 ـ المزار  ، المشهدي : 298.
3 ـ السقيفة وفدك  ، الجوهري : 87  ، الاستيعاب  ، ابن عبد البر : 4/1679  ، الأغاني  ، الإصفهاني : 6/356  ، مروج الذهب  ، المسعودي : 2/343  ، شرح نهج البلاغة  ، ابن أبي الحديد : 9/53 ـ 54.


(654)
    وأخرج ابن عساكر عن أنس : أن أبا سفيان دخل على عثمان بعدما عُمي  ، فقال : هل هنا أحد  ، فقالوا : لا  ، فقال : اللهم اجعل الأمر أمر جاهليَّة  ، والمُلك مُلك غاصبيَّة  ، واجعل أوتاد الأرض لبني أميَّة  ، فقال له علي ( عليه السلام ) : ما زلت عدوّاً للإسلام وأهله (1).
    ومن طريق ابن المبارك  ، عن الحسن : إن أبا سفيان دخل على عثمان حين صارت الخلافة إليه فقال : صارت إليك بعد تيم وعديٍّ  ، فأدرها كالكرة  ، واجعل أوتادها بني أمية  ، فإنما هو المُلك  ، ولا أدري ما جنَّة ولا نار  ، فصاح به عثمان : قم عني  ، فعل الله بك وفعل (2).
    وفي رواية المسعودي قال أبو سفيان : يا بني أمية! تلقَّفوها تلقُّف الكرة  ، فوالذي يحلف به أبو سفيان  ، ما زلت أرجوها لكم  ، ولتصيرن إلى صبيانكم وراثة (3).
    وقال الطبري في تأريخه : ومنه ما يرويه الرواة من قوله : يا بني عبد مناف! تلقَّفوها تلقُّف الكرة  ، فما هناك جنة ولا نار  ، وهذا كفر صراح  ، يلحقه به اللعنة من الله  ، كما لحقت الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم (4).
    قال ابن أبي الحديد : ومنه ما يروى من وقوفه على ثنيَّة أحد من بعد ذهاب بصره  ، وقوله لقائده : هاهنا رمينا محمَّداً وقتلنا أصحابه.
    و من ذلك أيضاً قوله للعباس بن عبد المطلب قبل الفتح ـ وقد عُرِضت عليه الجنود ـ : لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً  ، فقال له العباس : ويحك! إنه ليس بملك  ، إنّها النبوّة.
1 ـ تاريخ دمشق  ، ابن عساكر : 6/407 و409  ، الأغاني  ، الإصفهاني : 6/355.
2 ـ الاستيعاب  ، ابن عبد البر : 2/690.
3 ـ مروج الذهب  ، المسعودي : 1/440.
4 ـ تايخ الطبري : 8/185.


(655)
    ومنه قوله يوم الفتح ـ وقد رأى بلالا على ظهر الكعبة يؤذِّن  ، ويقول : أشهد أن محمَّداً رسول الله : لقد أسعد الله عتبة بن ربيعة إذ لم يشهد هذا المشهد (1).
    وأبو سفيان هو الذي رفس قبر الحمزة ( عليه السلام ) وضربه برجله  ، وقال : يا أبا عمارة! إن الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف صار في يد غلماننا  ، يتلعبون به (2).
    وقال ابن حجر : كان أبو سفيان رأس المشركين يوم أحد ويوم الأحزاب  ، وقال ابن سعد : لمَّا رأى الناس يطؤون عقب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حسده  ، فقال في نفسه : لو عاودت الجمع لهذا الرجل  ، فضرب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في صدره  ، ثمَّ قال : إذا يخزيك الله  ، وفي رواية : قال في نفسه : ما أدري لم يغلبنا محمَّد ؟ فضرب في ظهره وقال : بالله يغلبك (3).
    وروي أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال في حديث له عن أبي سفيان ومعاوية : معاوية طليق ابن طليق  ، حزب من هذه الأحزاب  ، لم يزل لله عزَّ وجلَّ ولرسوله ( صلى الله عليه وآله ) وللمسلمين عدوّاً هو وأبوه حتى دخلا في الإسلام كارهين (4).
    وأمَّا معاوية ابنه : فقد ذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج من كتاب للإمام علي ( عليه السلام ) كتبه إلى معاوية قوله ( عليه السلام ) له : فلقد سلكت طرائق أبي سفيان أبيك  ، وعتبة جدِّك  ، وأمثالهما من أهلك ذوي الكفر والشقاق والأباطيل (5).
    هذا وقد أظهر معاوية للمغيرة بن شعبة ما كان يخفيه في نفسه من الحقد والكراهية والضغينة على رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، فقد روى ابن بكار في الموفقيات  ، عن مطرف بن المغيرة بن شعبة الثقفي  ، قال ابن بكار : سمعت المدائني يقول : قال مطرف
1 ـ شرح نهج البلاغة  ، ابن أبي الحديد : 15/175  ، تأريخ الطبري : 8/185 بتفاوت.
2 ـ شرح نهج البلاغة  ، ابن أبي الحديد : 16/136  ، وراجع : 4/51.
3 ـ الإصابة  ، ابن حجر : 2/179.
4 ـ تاريخ الطبري : 4/4  ، الإمامة والسياسة  ، ابن قتيبة : 1/113.
5 ـ شرح نهج البلاغة  ، ابن أبي الحديد : 4/220.


(656)
بن المغيرة : وفدت مع أبي المغيرة إلى معاوية  ، فكان أبي يأتيه فيتحدَّث معه ثمَّ ينصرف إليَّ فيذكر معاوية  ، ويذكر عقله  ، ويعجب مما يرى منه  ، إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء  ، فرأيته مغتمّاً  ، فانتطرته ساعة  ، وظننت أنه لشيء حدث فينا  ، أو في عملنا  ، فقلت له : مالي أراك مغتمّاً منذ الليلة ؟
    قال : يا بني! إني جئت من عند أخبث الناس  ، قلت له : وما ذاك ؟ قال : قلت له وقد خلوت به : إنك قد بلغت سنّاً يا أمير المؤمنين ! فلو أظهرت عدلا  ، وبسطت خيراً  ، فإنك قد كَبُرت  ، ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم  ، فوالله ما عندهم اليوم شيء تخافه ؟
    فقال لي : هيهات هيهات  ، ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل  ، فوالله ما عدا أن هلك فهلك ذكره إلاَّ أن يقول قائل : أبو بكر  ، ثمَّ ملك أخو عديٍّ فاجتهد وشمَّر عشر سنين  ، فوالله ما عدا أن هلك فهلك ذكره إلاَّ أن يقول قائل : عمر  ، ثمَّ ملك أخونا عثمان  ، فملك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه  ، فعَمِل ما عَمِل وعُمل به ما عُمل  ، فوالله ما عدا أن هلك فهلك ذكره  ، وذكر ما فُعل به  ، وإن أخا هاشم يُصرخ به في كل يوم خمس مرات : أشهد أن محمّداً رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، فأيُّ عمل يبقى مع هذا لا أم لك ؟ والله إلاَّ دفناً دفناً (1).
    وقال معاوية لمَّا سمع المؤذِّن يقول : أشهد أن محمّداً رسول الله : لله أبوك يا ابن عبدالله! لقد كنت عالي الهمّة  ، ما رضيت لنفسك الاَّ أن تقرن اسمك باسم ربِّ العالمين (2).
    ومن حقد معاوية  ، أنَّه مكث في أيام خلافته أربعين جمعة لا يصلّي على
1 ـ مروج الذهب  ، المسعودي : 3/454  ، الأخبار الموفقيات  ، الزبير بن بكار : 576 ـ 577  ، النصائح الكافية  ، محمد بن عقيل : 116  ، شرح نهج البلاغة  ، ابن أبي الحديد : 9/238.
2 ـ شرح نهج البلاغة  ، ابن أبي الحديد : 10/101.


(657)
النبي ( صلى الله عليه وآله )   ، وسأله بعض أصحابه عن ذلك فقال : لا يمنعني عن ذكره إلاَّ أن تشمخ رجال بآنافها (1)   ، وهو القائل لمَّا دخل الكوفة : إني والله ما قاتلتكم لتصلّوا  ، ولا لتصوموا  ، ولا لتحجّوا  ، ولا لتزكّوا  ، إنكم لتفعلون ذلك  ، وإنما قاتلتكم لأتمرَّ عليكم  ، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون (2).
    وقال الحسن البصري : أربع خصال كنَّ في معاوية لو لم يكن فيه منهنَّ إلاَّ واحدة لكانت موبقة : انتزاؤه على هذه الأمّة بالسفهاء حتَّى ابتزَّها أمرها بغير مشورة منهم  ، وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة  ، واستخلافه ابنه بعده سكيراً خميراً يلبس الحرير ويضرب بالطنابير  ، وادّعاؤه زياداً  ، وقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : الولد للفراش وللعاهر الحجر  ، وقتله حجراً ـ ويلا له من حجر ـ وأصحاب حجر مرَّتين.
    وقالت الكندية ترثي حجراً ـ ويقال : بل قائلها هذه الأنصارية ـ :
دُمُوعُ عيني دِيْمَةً تَقْطُرُ لو كانت القوسُ على أَسْرِه تبكي على حُجْر وَمَا تَفْتُرُ مَا حَمَلَ السيفَ له الأعورُ (3)

آل حرب أوقدتموا نارَ حرب عبد شمس قد أضرمت لبني ها ليس يخبو لها الزمان وقودُ شمَ ناراً يشيبُ منها الوليدُ

1 ـ النصائح الكافية  ، محمد بن عقيل : 97.
2 ـ مقاتل الطالبيين  ، الإصفهاني : 70  ، البداية والنهاية  ، ابن كثير : 8/134  ، شرح نهج البلاغة  ، ابن أبي الحديد : 16/46.
3 ـ تاريخ الطبري : 4/209.


(658)
فابن حرب للمصطفى وابنُ هند لعلي وللحسينِ يزيدُ
    وأمَّا يزيد بن معاوية فقد ورث الكراهية والبغضاء لأهل البيت ( عليهم السلام ) من أبيه وجده  ، ويزيد عادى الحسين ( عليه السلام ) حتى سفك دمه الشريف  ، وأبوه معاوية عادى علياً ( عليه السلام ) وحاربه وألبّ الناس عليه وحملهم على بغضه وكراهيته  ، وشتمه على المنابر  ، وجده أبو سفيان حارب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وألبّ الناس على قتاله  ، ويزيد واحد من هؤلاء الذين عناهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بقوله كما روي : هلاك أمتي على يدي أغيلمة سفهاء قريش (1).
    ومما ورد فيه : الرؤيا التي رآها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فوجم لها وقالوا : فما رُئى بعدها ضاحكاً  ، حيث رأى نفراً من بني أمية ينزون على منبره نزوة القرد (2)   ، ويزيد واحد منهم بلا شك. وقد أظهر كفره بقوله :
لَعِبَتْ هاشمُ بالملكِ فَلاَ خبرٌ جَاءَ وَلاَ وَحْيٌ نَزَلْ (3)
    وهل ينسى أحد فعلة يزيد مع الحسين ( عليه السلام )   ، وسبيه لنسائه وأهل بيته ( عليهم السلام ).. وهدمه للكعبة.. وإباحته للمدينة ثلاثة أيام  ، وتسميتها بالخبيثة بدل الطيِّبة مراغمة للنبي ( صلى الله عليه وآله ) وأهل بيته ( عليهم السلام ) ؟! (4)
    وقال المسعودي : جلس ـ يزيد ـ ذات يوم على شرابه  ، وعن يمينه ابن زياد وذلك بعد قتل الحسين ( عليه السلام )   ، فأقبل على ساقيه  ، فقال :
اسقني شَرْبةً تُرَوِّي عِظَامي صَاحِبَ السرِّ والأَمَانَةِ عندي ثُمَّ مِلْ فَاسْقِ مِثْلَها ابنَ زيادِ وَلِتَسْدِيدِ مَغْنَمِي وَجِهَادِي

1 ـ المعجم الصغير  ، الطبراني : 200.
2 ـ شرح نهج البلاغة  ، ابن أبي الحديد : 15/175.
3 ـ تأريخ الطبري : 8/188.
4 ـ انظر : شرح نهج البلاغة  ، ابن أبي الحديد : 9/238.


(659)
    ثمَّ أمر المغنّين فغنّوا به (1).
    وهذه كلّها أحقاد بدريّة وحنينيّة  ، فاستأصلوا ذرّيّة النبي ( صلى الله عليه وآله )   ، جاء في دعاء الندبة في حقّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ولا تأخذه في الله لومة لائم  ، قد وتر فيه صناديد العرب  ، وقتل أبطالهم  ، وناوش ذؤبانهم  ، فأودع قلوبهم أحقاداً بدريّة  ، وخيبريّة وحنينيّة وغيرهنَّ  ، فأضبَّت على عداوته  ، وأكبَّت على منابذته  ، حتى قتل الناكثين والقاسطين والمارقين  ، ولمَّا قضى نحبه  ، وقتله أشقى الآخرين  ، يتبع أشقى الأولين لم يُمتثل أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في الهادين بعد الهادين  ، والأمَّة مصرَّة على مقته  ، مجتمعة على قطيعة رحمه  ، وإقصاء ولده إلاَّ القليل ممن وفى لرعاية الحقّ فيهم  ، فقُتل من قُتل  ، وسُبي من سُبي  ، وأُقصي من أُقصي.
    وقد أشار إلى ذلك أيضاً أمير المؤمنين صلوات الله عليه  ، في كلامه في أسباب حقد قريش عليه  ، فقد روي أنه قال ( عليه السلام ) : اللهمَّ إني أستعديك على قريش  ، فإنّهم أضمروا لرسولك ( صلى الله عليه وآله ) ضروباً من الشرِّ والغدر  ، فعجزوا عنها  ، وحلت بينهم وبينها  ، فكانت الوجبة بي  ، والدائرة عليَّ  ، اللهمَّ احفظ حسناً وحسيناً  ، ولا تُمكِّن فجرة قريش منهما ما دمت حيّاً  ، فإذا توفَّيتني فأنت الرقيب عليهم  ، وأنت على كل شيء شهيد (2).
    وروي أنه قال ( عليه السلام ) أيضاً : كل حقد حقدته قريش على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أظهرته فيَّ  ، وستُظهره في ولدي من بعدي  ، مالي ولقريش ؟! إنما وترتهم بأمر الله وأمر رسوله ( صلى الله عليه وآله ) أفهذا جزاء من أطاع الله ورسوله إن كانوا مسلمين ؟ (3).
    وكذلك حرب صفين هي الأخرى كانت لأحقاد بدريّة  ، كما قالت أمّ الخير
1 ـ مروج الذهب  ، المسعودي : 3/67.
2 ـ شرح نهج البلاغة  ، ابن أبي الحديد : 20/298  ، من حكمه المنسوبة إليه ( عليه السلام ) رقم : 413.
3 ـ شرح نهج البلاغة  ، ابن أبي الحديد : 2/328  ، من حكمه المنسوبة إليه ( عليه السلام ) رقم : 764.


(660)
بنت الحريش : كانت لإحن بدريّة  ، وأحقاد جاهليّة  ، وضغائن أحديّة  ، وثب بها معاوية حين الغفلة  ، ليُدرك بها ثارات بني عبد شمس (1).
    قال القاضي النعمان المغربي : وهذه العداوة المحضة الأصيلة  ، وطلب القديم من ثأر الجاهليّة  ، لم يستطع مروان اللعين أن يخفيه  ، وبعثه السرور بقتل الحسين صلوات الله عليه  ، على أن أخذه بيده  ، وقال ما قاله.
    وقد كان علي ( عليه السلام ) أسره يوم الجمل  ، فمنَّ عليه وأطلقه  ، فما راعى ذلك ولا حفظه  ، بل قد شاور مروان معاوية اللعين في نبش قبر علي صلوات الله عليه لمَّا غلب على الأمر  ، فتمثَّل بقول الأول :
أَجْنَوا أَخَاهم في الحَفِيرِ وَوَسَّدُوا أخاهم وألقوا عامراً لم يُوسدِ
    يُحرِّضه بذلك على نبش قبر علي ( عليه السلام )   ، ويُذكِّره قتلى بدر من بني عبد الشمس  ، ومن قتل منهم على الكفر غير موسَّد ولا مدفون.
    ثمَّ استشار معاوية ـ في نبش قبر علي ( عليه السلام ) ـ عبدالله بن عامر بن كريز  ، فقال : ما أحبُّ أن تعلم مكان قبره  ، ولا أن تسأل عنه  ، ولا أحبُّ أن تكون هذه العقوبة بيننا وبين قومنا.
    فقبل معاوية من عبدالله ما أشار به عليه  ، وأعرض عن رأي مروان اللعين فيما أشار به من نبش قبر علي ( عليه السلام ) الذي استحباه ومنَّ عليه  ، وأطلقه من الأسر  ، ولكن غلب على اللعين الحقد على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ; لما قتل من أهل بيته على الكفر بالله والشرك به ولعنه إياه  ، ولأن علياً ( عليه السلام ) أتى به إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لمَّا أراد نفيه يقوده بإذنه (2).
    وقال محمد بن حميد الرازي : لمَّا جيء برأس الحسين ( عليه السلام ) فوضع بين يدي
1 ـ بلاغات النساء  ، ابن طيفور : 38  ، تاريخ دمشق  ، ابن عساكر : 70/235.
2 ـ شرح الأخبار  ، القاضي النعمان المغربي : 3/161 ـ 162.
المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: فهرس