|
||||||||||||||||||||||||||||||
(646)
1 ـ الشيخ اليعقوبي دراسة نقدية في شعره ، الدكتور عبد الصاحب الموسوي : 341 ـ 342. (647)
روى الشيخ الصدوق عليه الرحمة ، بسنده عن إسحاق بن راهويه قال : لمَّا وافى أبو الحسن الرضا ( عليه السلام ) نيسابور ، وأراد أن يخرج منها إلى المأمون اجتمع عليه أصحاب الحديث ، فقالوا له : يا ابن رسول الله! ترحل عنّا ولا تحدِّثنا بحديث فنستفيده منك ـ وكان قد قعد في العمارية ـ فأطلع رأسه وقال : سمعت أبي موسى ابنَ جعفر يقول : سمعت أبي جَعْفَرَ بن محمد يقول : سمعت أبي محمَّدَ بنَ علي يقول : سمعت أبي عليَّ بنَ الحسين يقول : سمعت أبي الحسينَ بنَ علي بن أبي طالب يقول : سمعت أبي أميرَ المؤمنين عليَّ بن أبي طالب ( عليهم السلام ) يقول : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : سمعت جبرئيل يقول : سمعت الله جلَّ جلاله يقول : لا إله إلاَّ الله حصني ، فمن دخل حصني أمن من عذابي ، قال : فلمَّا مرَّت الراحلة نادانا : بشروطها ، وأنا من شروطها.
قال الشيخ الصدوق رحمة الله عليه : من شروطها الإقرار للرضا ( عليه السلام ) بأنه إمام من قبل الله عزَّ وجلَّ على العباد ، مفترض الطاعة عليهم. وروى الصفار بسنده عن محمد بن الفضيل ، عن أبي الحسن ( عليه السلام ) قال : ولاية علي مكتوبة في جميع صحف الأنبياء ، ولن يبعث الله نبيّاً إلاَّ بنبوة محمد ووصيِّه علي صلوات الله عليهما. وعن أبي بصير ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : ما من نبي نُبِّىء ، ولا من رسول أُرسل إلاَّ بولايتنا وتفضيلنا على مَنْ سوانا. وعن جابر قال : قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : (648)
ولايتنا ولاية الله التي لم يبعث نبياً قط إلاَّ بها (1).
وروى الشيخ الصدوق ( رحمه الله ) ، عن جابر الجعفي ، عن الباقر صلوات الله عليه قال : سألته عن تعبير الرؤيا عن دانيال أهو صحيح ؟ قال : نعم ، كان يوحى إليه وكان نبيّاً ، وكان مما علَّمه الله تأويل الأحاديث ، وكان صدّيقاً حكيماً ، وكان ـ والله ـ يدين بمحبّتنا أهل البيت ، قال جابر : بمحبَّتكم أهل البيت ؟ قال : إي والله ، وما من نبيٍّ ولا مَلَك إلاَّ وكان يدين بمحبّتنا (2) ولله در من قال :
روي عن ابن سنان ، يرفعه إلى أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : إن حديثنا صعب مستصعب ، لا يحتمله إلاَّ صدور منيرة ، أو قلوب سليمة وأخلاق حسنة ، إن الله أخذ من شيعتنا الميثاق كما أخذ على بني آدم ، حيث يقول عزَّ وجلَّ : « وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى » (3) فمن وفى لنا وفى الله له بالجنّة ، ومن أبغضنا ولم يؤدِّ إلينا حقَّنا ففي النار خالداً مخلَّداً (4). وعن أبي الجارود ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : حبُّنا إيمان ، وبغضنا كفر ، ثمَّ قرأ 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 26/280 ـ 281. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 26/284. 3 ـ سورة الأعراف ، الآية : 172. 4 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 2/190. (649)
هذه الآية : « وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الاِْيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ » (1) (2).
وعن أبي الجارود ، عن أبي عبدالله الجدلي قال : قال لي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ألا أخبرك بالحسنة التي من جاء بها أمن من فزع يوم القيامة ، والسيئة التي من جاء بها كُبَّ على وجهه في نار جهنم ؟ قلت : بلى يا أمير المؤمنين ، قال : الحسنة حبُّنا أهل البيت ، والسيئة بغضنا أهل البيت (3). وعن عمار الساباطي قال : قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) : إن أبا أمية يوسف بن ثابت حدَّث عنك قلت : لا يضرُّ مع الإيمان عمل ، ولا ينفع مع الكفر عمل ، فقال : إنه لم يسألني أبو أمية عن تفسيرها ، إنما عنيت بهذا أنه من عرف الإمام من آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) وتولاَّه ، ثمَّ عمل لنفسه ما شاء من عمل الخير قبل منه ذلك ، وضوعف له أضعافاً كثيرة ، وانتفع بأعمال الخير مع المعرفة ، فهذا ما عنيت بذلك ، وكذلك لا يقبل الله من العباد الأعمال الصالحة التي يعملونها إذا تولَّوا الإمام الجائر الذي ليس من الله تعالى ، فقال له عبدالله بن أبي يعفور : أليس الله تعالى قال : « مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَع يَوْمَئِذ آمِنُونَ » (4) ؟ فكيف لا ينفع العمل الصالح ممن يوالي أئمة الجور ؟ فقال له أبو عبدالله ( عليه السلام ) : هل تدري ما الحسنة التي عناها الله تعالى في هذه الآية ؟ هي معرفة الإمام وطاعته ، وقد قال الله تعالى : « وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ » (5) ، وإنما أراد بالسيئة إنكار الإمام الذي هو من الله تعالى ، ثم قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : من جاء يوم القيامة بولاية إمام جائر ليس من الله ، وجاء منكراً لحقِّنا ، جاحداً لولايتنا أكَّبه الله 1 ـ سورة الحجرات ، الآية : 7. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 22/368. 3 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 24/42 ح 3. 4 ـ سورة النمل ، الآية : 89. 5 ـ سورة النمل ، الآية : 90. (650)
تعالى يوم القيامة في النار (1).
وعن أبي الجارود ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) في قوله عزَّ وجلَّ : « مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُل مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ » (2) قال : قال علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : ليس عبد من عبيد الله ممن امتحن قلبه للإيمان إلاَّ وهو يجد مودّتنا على قلبه فهو يودّنا ، وما من عبد من عبيد الله ممن سخط الله عليه إلاَّ وهو يجد بغضنا على قلبه فهو يبغضنا ، فأصبحنا نفرح بحبِّ المحبِّ ، ونعرف بغض المبغض ، وأصبح محبُّنا ينتظر رحمة الله عزَّ وجلَّ ، فكأنَّ أبواب الرحمة قد فُتحت له ، وأصبح مبغضنا على شفا جرف من النار ، فكان ذلك الشفا قد انهار به في نار جهنم ، فهنيئاً لأهل الرحمة رحمتهم ، وتعساً لأهل النار مثواهم ، إن الله عزَّ وجلَّ يقول : « فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ » (3) وإنه ليس عبد من عبيد الله يقصِّر في حبِّنا لخير جعله الله عنده; إذ لا يستوي من يحبُّنا ومن يبغضنا ، ولا يجتمعان في قلب رجل أبداً ، إن الله لم يجعل لرجل من قلبين في جوفه يحبُّ بهذا ويبغض بهذا ، أمَّا محبُّنا فيخلص الحبَّ لنا كما يخلص الذهب بالنار لا كدر فيه ، ومبغضنا على تلك المنزلة ، نحن النجباء ، وأفراطنا أفراط الأنبياء ، وأنا وصيُّ الأوصياء ، والفئة الباغية من حزب الشيطان ، والشيطان منهم ، فمن أراد أن يعلم حبَّنا فليمتحن قلبه ، فإن شارك في حبِّنا عدوَّنا فليس منا ، ولسنا منه ، والله عدوُّه وجبرئيل وميكائيل ، والله عدوٌّ للكافرين. ومن كتاب فضائل الشيعة للصدوق رحمه الله ، بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال : كنّا جلوساً مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذ أقبل إليه رجل فقال : يا رسول الله! أخبرني عن قول الله عزَّ وجلَّ لإبليس : « أَاسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْعَالِينَ » (4) فمن 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 24/43 ح 7. 2 ـ سورة الأحزاب ، الآية : 4. 3 ـ سورة النحل ، الآية : 29. 4 ـ سورة ص ، الآية : 75. (651)
هم ـ يا رسول الله ـ الذين هم أعلى من الملائكة ؟ فقال رسول الله : أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، كنّا في سرادق العرش نسبِّح الله ، وتسبِّح الملائكة بتسبيحنا ، قبل أن يخلق الله عزَّ وجلَّ آدم بألفي عام ، فلمَّا خلق الله عزَّ وجلَّ آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له ، ولم يأمرنا بالسجود ، فسجدت الملائكة كلُّهم إلاَّ إبليس ، فإنه أبى أن يسجد ، فقال الله تبارك وتعالى : « أَاسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْعَالِينَ » أي من هؤلاء الخمس ، المكتوب أسماؤهم في سرادق العرش ، فنحن باب الله الذي يؤتى منه ، بنا يهتدي المهتدون ، فمن أحبَّنا أحبَّه الله وأسكنه جنَّته ، ومن أبغضنا أبغضه الله وأسكنه ناره ، ولا يحبُّنا إلاَّ من طاب مولده (1).
وعن سيف بن عميرة ، عن الصادق ( عليه السلام ) قال : إن لولد الزنا علامات : أحدها : بغضنا أهل البيت ، وثانيها : أن يحنَّ إلى الحرام الذي خُلق منه ، وثالثها : الاستخفاف بالدين ، ورابعها : سوء المحضر للناس ، ولا يسيء محضر إخوانه إلاَّ من ولد على غير فراش أبيه ، أو من حملت به أمه في حيضها (2). وروي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهودياً ، ولو أن عبداً عبد الله بين الركن والمقام ألف سنة ، ثمَّ لقي الله بغير ولايتنا أكبَّه الله على منخريه في النار ، ومن مات لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ، والله ما ترك الله الأرض منذ قبض آدم إلاَّ وفيها إمام يهتدى به ، حجّة على العباد ، من تركه هلك ، ومن لزمه نجا.. (3). وعن ابن عباس قال : قلت للنبيِّ ( صلى الله عليه وآله ) : أوصني ، قال : عليك بمودَّة عليِّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، والذي بعثني بالحق نبيّاً ، لا يقبل الله من عبد حسنة حتى يسأله 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 25/2. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 27/152 عن معاني الأخبار. 3 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 27/201. (652)
عن حبِّ علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وهو تعالى أعلم ، فإن جاءه بولايته قبل عمله على ما كان منه ، وإن لم يأت بولايته لم يسأله عن شيء ، ثمَّ أمر به إلى النار ، يابن عباس! والذي بعثني بالحق نبيّاً ، إن النار لأشدُّ غضباً على مبغض علي ( عليه السلام ) منها على من زعم أن لله ولداً ، يابن عباس! لو أن الملائكة المقرَّبين ، والأنبياء المرسلين اجتمعوا على بغضه ـ ولن يفعلوا ـ لعذَّبهم الله بالنار ، قلت : يا رسول الله! وهل يبغضه أحد ؟ قال : يا بن عباس! نعم ، يبغضه قوم يذكرون أنهم من أمتي ، لم يجعل الله لهم في الإسلام نصيباً ، يابن عباس! إن من علامة بغضهم له تفضيلهم من هو دونه عليه ، والذي بعثني بالحق ، ما بعث نبياً أكرم عليه منّي ، ولا أوصياء أكرم عليه من وصيّي علي ، قال ابن عباس : فلم أزل له كما أمرني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأوصاني بمودّته ، وإنه لأكبر عملي عندي.. (1).
وعن أبي نعيم : قال عمر : وما آية حبِّكم يا رسول الله ؟ قال : حبُّ هذا ، ووضع يده على كتف علي ( عليه السلام ) وقال : من أحبَّه فقد أحبَّنا ، ومن أبغضه فقد أبغضنا (2). وقال الفرزدق رحمه الله تعالى في حبِّ أهل البيت ( عليهم السلام ) والتمسُّك بهم :
1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 27/219 عن أمالي المفيد. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 27/311. (653)
جاء في بعض زيارات أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) : يا مواليَّ ، فلو عاينكم المصطفى ، وسهام الأمّة معرقة في أكبادكم ، ورماحهم مشرعة في نحوركم ، وسيوفها مولغة في دمائكم ، يشفي أبناء العواهر غليل الفسق من ورعكم ، وغيظ الكفر من إيمانكم ، وأنتم بين صريع في المحراب قد فلق السيف هامته ، وشهيد فوق الجنازة قد شُكَّت بالسهام أكفانه ، وقتيل بالعراء قد رُفع فوق القناة رأسه ، ومكبَّل في السجن رُضَّت بالحديد أعضاؤه ، ومسموم قد قُطِّعت بجرع السمِّ أمعاؤه (2) ، فإنَّا لله وإنّا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العلي العظيم. روي عن الشعبي ، قال : لمَّا دخل عثمان رحله ـ بعد ما بويع له بالخلافة ـ دخل إليه بنو أميَّة حتى امتلأت بهم الدار ، ثمَّ أغلقوها عليهم ، فقال أبو سفيان بن حرب : أعندكم أحد من غيركم ؟ قالوا : لا ، قال : يا بني أمية! تلقَّفوها تلقُّف الكرة ، فوالذي يحلف به أبو سفيان ، ما من عذاب ولا حساب ، ولا جنَّة ولا نار ، ولا بعث ولا قيامة ، قال : فانتهره عثمان ، وساءه بما قال ، وأمر بإخراجه (3). 1 ـ روضة الواعظين ، الفتال النيسابوري : 200 ـ 201 ، الاختصاص ، المفيد : 193. 2 ـ المزار ، المشهدي : 298. 3 ـ السقيفة وفدك ، الجوهري : 87 ، الاستيعاب ، ابن عبد البر : 4/1679 ، الأغاني ، الإصفهاني : 6/356 ، مروج الذهب ، المسعودي : 2/343 ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 9/53 ـ 54. (654)
وأخرج ابن عساكر عن أنس : أن أبا سفيان دخل على عثمان بعدما عُمي ، فقال : هل هنا أحد ، فقالوا : لا ، فقال : اللهم اجعل الأمر أمر جاهليَّة ، والمُلك مُلك غاصبيَّة ، واجعل أوتاد الأرض لبني أميَّة ، فقال له علي ( عليه السلام ) : ما زلت عدوّاً للإسلام وأهله (1).
ومن طريق ابن المبارك ، عن الحسن : إن أبا سفيان دخل على عثمان حين صارت الخلافة إليه فقال : صارت إليك بعد تيم وعديٍّ ، فأدرها كالكرة ، واجعل أوتادها بني أمية ، فإنما هو المُلك ، ولا أدري ما جنَّة ولا نار ، فصاح به عثمان : قم عني ، فعل الله بك وفعل (2). وفي رواية المسعودي قال أبو سفيان : يا بني أمية! تلقَّفوها تلقُّف الكرة ، فوالذي يحلف به أبو سفيان ، ما زلت أرجوها لكم ، ولتصيرن إلى صبيانكم وراثة (3). وقال الطبري في تأريخه : ومنه ما يرويه الرواة من قوله : يا بني عبد مناف! تلقَّفوها تلقُّف الكرة ، فما هناك جنة ولا نار ، وهذا كفر صراح ، يلحقه به اللعنة من الله ، كما لحقت الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم (4). قال ابن أبي الحديد : ومنه ما يروى من وقوفه على ثنيَّة أحد من بعد ذهاب بصره ، وقوله لقائده : هاهنا رمينا محمَّداً وقتلنا أصحابه. و من ذلك أيضاً قوله للعباس بن عبد المطلب قبل الفتح ـ وقد عُرِضت عليه الجنود ـ : لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً ، فقال له العباس : ويحك! إنه ليس بملك ، إنّها النبوّة. 1 ـ تاريخ دمشق ، ابن عساكر : 6/407 و409 ، الأغاني ، الإصفهاني : 6/355. 2 ـ الاستيعاب ، ابن عبد البر : 2/690. 3 ـ مروج الذهب ، المسعودي : 1/440. 4 ـ تايخ الطبري : 8/185. (655)
ومنه قوله يوم الفتح ـ وقد رأى بلالا على ظهر الكعبة يؤذِّن ، ويقول : أشهد أن محمَّداً رسول الله : لقد أسعد الله عتبة بن ربيعة إذ لم يشهد هذا المشهد (1).
وأبو سفيان هو الذي رفس قبر الحمزة ( عليه السلام ) وضربه برجله ، وقال : يا أبا عمارة! إن الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف صار في يد غلماننا ، يتلعبون به (2). وقال ابن حجر : كان أبو سفيان رأس المشركين يوم أحد ويوم الأحزاب ، وقال ابن سعد : لمَّا رأى الناس يطؤون عقب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حسده ، فقال في نفسه : لو عاودت الجمع لهذا الرجل ، فضرب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في صدره ، ثمَّ قال : إذا يخزيك الله ، وفي رواية : قال في نفسه : ما أدري لم يغلبنا محمَّد ؟ فضرب في ظهره وقال : بالله يغلبك (3). وروي أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال في حديث له عن أبي سفيان ومعاوية : معاوية طليق ابن طليق ، حزب من هذه الأحزاب ، لم يزل لله عزَّ وجلَّ ولرسوله ( صلى الله عليه وآله ) وللمسلمين عدوّاً هو وأبوه حتى دخلا في الإسلام كارهين (4). وأمَّا معاوية ابنه : فقد ذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج من كتاب للإمام علي ( عليه السلام ) كتبه إلى معاوية قوله ( عليه السلام ) له : فلقد سلكت طرائق أبي سفيان أبيك ، وعتبة جدِّك ، وأمثالهما من أهلك ذوي الكفر والشقاق والأباطيل (5). هذا وقد أظهر معاوية للمغيرة بن شعبة ما كان يخفيه في نفسه من الحقد والكراهية والضغينة على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقد روى ابن بكار في الموفقيات ، عن مطرف بن المغيرة بن شعبة الثقفي ، قال ابن بكار : سمعت المدائني يقول : قال مطرف 1 ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 15/175 ، تأريخ الطبري : 8/185 بتفاوت. 2 ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 16/136 ، وراجع : 4/51. 3 ـ الإصابة ، ابن حجر : 2/179. 4 ـ تاريخ الطبري : 4/4 ، الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة : 1/113. 5 ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 4/220. (656)
بن المغيرة : وفدت مع أبي المغيرة إلى معاوية ، فكان أبي يأتيه فيتحدَّث معه ثمَّ ينصرف إليَّ فيذكر معاوية ، ويذكر عقله ، ويعجب مما يرى منه ، إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء ، فرأيته مغتمّاً ، فانتطرته ساعة ، وظننت أنه لشيء حدث فينا ، أو في عملنا ، فقلت له : مالي أراك مغتمّاً منذ الليلة ؟
قال : يا بني! إني جئت من عند أخبث الناس ، قلت له : وما ذاك ؟ قال : قلت له وقد خلوت به : إنك قد بلغت سنّاً يا أمير المؤمنين ! فلو أظهرت عدلا ، وبسطت خيراً ، فإنك قد كَبُرت ، ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم ، فوالله ما عندهم اليوم شيء تخافه ؟ فقال لي : هيهات هيهات ، ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل ، فوالله ما عدا أن هلك فهلك ذكره إلاَّ أن يقول قائل : أبو بكر ، ثمَّ ملك أخو عديٍّ فاجتهد وشمَّر عشر سنين ، فوالله ما عدا أن هلك فهلك ذكره إلاَّ أن يقول قائل : عمر ، ثمَّ ملك أخونا عثمان ، فملك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه ، فعَمِل ما عَمِل وعُمل به ما عُمل ، فوالله ما عدا أن هلك فهلك ذكره ، وذكر ما فُعل به ، وإن أخا هاشم يُصرخ به في كل يوم خمس مرات : أشهد أن محمّداً رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فأيُّ عمل يبقى مع هذا لا أم لك ؟ والله إلاَّ دفناً دفناً (1). وقال معاوية لمَّا سمع المؤذِّن يقول : أشهد أن محمّداً رسول الله : لله أبوك يا ابن عبدالله! لقد كنت عالي الهمّة ، ما رضيت لنفسك الاَّ أن تقرن اسمك باسم ربِّ العالمين (2). ومن حقد معاوية ، أنَّه مكث في أيام خلافته أربعين جمعة لا يصلّي على 1 ـ مروج الذهب ، المسعودي : 3/454 ، الأخبار الموفقيات ، الزبير بن بكار : 576 ـ 577 ، النصائح الكافية ، محمد بن عقيل : 116 ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 9/238. 2 ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 10/101. (657)
النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وسأله بعض أصحابه عن ذلك فقال : لا يمنعني عن ذكره إلاَّ أن تشمخ رجال بآنافها (1) ، وهو القائل لمَّا دخل الكوفة : إني والله ما قاتلتكم لتصلّوا ، ولا لتصوموا ، ولا لتحجّوا ، ولا لتزكّوا ، إنكم لتفعلون ذلك ، وإنما قاتلتكم لأتمرَّ عليكم ، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون (2).
وقال الحسن البصري : أربع خصال كنَّ في معاوية لو لم يكن فيه منهنَّ إلاَّ واحدة لكانت موبقة : انتزاؤه على هذه الأمّة بالسفهاء حتَّى ابتزَّها أمرها بغير مشورة منهم ، وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة ، واستخلافه ابنه بعده سكيراً خميراً يلبس الحرير ويضرب بالطنابير ، وادّعاؤه زياداً ، وقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : الولد للفراش وللعاهر الحجر ، وقتله حجراً ـ ويلا له من حجر ـ وأصحاب حجر مرَّتين. وقالت الكندية ترثي حجراً ـ ويقال : بل قائلها هذه الأنصارية ـ :
1 ـ النصائح الكافية ، محمد بن عقيل : 97. 2 ـ مقاتل الطالبيين ، الإصفهاني : 70 ، البداية والنهاية ، ابن كثير : 8/134 ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 16/46. 3 ـ تاريخ الطبري : 4/209. (658)
ومما ورد فيه : الرؤيا التي رآها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فوجم لها وقالوا : فما رُئى بعدها ضاحكاً ، حيث رأى نفراً من بني أمية ينزون على منبره نزوة القرد (2) ، ويزيد واحد منهم بلا شك. وقد أظهر كفره بقوله :
وقال المسعودي : جلس ـ يزيد ـ ذات يوم على شرابه ، وعن يمينه ابن زياد وذلك بعد قتل الحسين ( عليه السلام ) ، فأقبل على ساقيه ، فقال :
1 ـ المعجم الصغير ، الطبراني : 200. 2 ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 15/175. 3 ـ تأريخ الطبري : 8/188. 4 ـ انظر : شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 9/238. (659)
ثمَّ أمر المغنّين فغنّوا به (1).
وهذه كلّها أحقاد بدريّة وحنينيّة ، فاستأصلوا ذرّيّة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، جاء في دعاء الندبة في حقّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ولا تأخذه في الله لومة لائم ، قد وتر فيه صناديد العرب ، وقتل أبطالهم ، وناوش ذؤبانهم ، فأودع قلوبهم أحقاداً بدريّة ، وخيبريّة وحنينيّة وغيرهنَّ ، فأضبَّت على عداوته ، وأكبَّت على منابذته ، حتى قتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، ولمَّا قضى نحبه ، وقتله أشقى الآخرين ، يتبع أشقى الأولين لم يُمتثل أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في الهادين بعد الهادين ، والأمَّة مصرَّة على مقته ، مجتمعة على قطيعة رحمه ، وإقصاء ولده إلاَّ القليل ممن وفى لرعاية الحقّ فيهم ، فقُتل من قُتل ، وسُبي من سُبي ، وأُقصي من أُقصي. وقد أشار إلى ذلك أيضاً أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، في كلامه في أسباب حقد قريش عليه ، فقد روي أنه قال ( عليه السلام ) : اللهمَّ إني أستعديك على قريش ، فإنّهم أضمروا لرسولك ( صلى الله عليه وآله ) ضروباً من الشرِّ والغدر ، فعجزوا عنها ، وحلت بينهم وبينها ، فكانت الوجبة بي ، والدائرة عليَّ ، اللهمَّ احفظ حسناً وحسيناً ، ولا تُمكِّن فجرة قريش منهما ما دمت حيّاً ، فإذا توفَّيتني فأنت الرقيب عليهم ، وأنت على كل شيء شهيد (2). وروي أنه قال ( عليه السلام ) أيضاً : كل حقد حقدته قريش على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أظهرته فيَّ ، وستُظهره في ولدي من بعدي ، مالي ولقريش ؟! إنما وترتهم بأمر الله وأمر رسوله ( صلى الله عليه وآله ) أفهذا جزاء من أطاع الله ورسوله إن كانوا مسلمين ؟ (3). وكذلك حرب صفين هي الأخرى كانت لأحقاد بدريّة ، كما قالت أمّ الخير 1 ـ مروج الذهب ، المسعودي : 3/67. 2 ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 20/298 ، من حكمه المنسوبة إليه ( عليه السلام ) رقم : 413. 3 ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 2/328 ، من حكمه المنسوبة إليه ( عليه السلام ) رقم : 764. (660)
بنت الحريش : كانت لإحن بدريّة ، وأحقاد جاهليّة ، وضغائن أحديّة ، وثب بها معاوية حين الغفلة ، ليُدرك بها ثارات بني عبد شمس (1).
قال القاضي النعمان المغربي : وهذه العداوة المحضة الأصيلة ، وطلب القديم من ثأر الجاهليّة ، لم يستطع مروان اللعين أن يخفيه ، وبعثه السرور بقتل الحسين صلوات الله عليه ، على أن أخذه بيده ، وقال ما قاله. وقد كان علي ( عليه السلام ) أسره يوم الجمل ، فمنَّ عليه وأطلقه ، فما راعى ذلك ولا حفظه ، بل قد شاور مروان معاوية اللعين في نبش قبر علي صلوات الله عليه لمَّا غلب على الأمر ، فتمثَّل بقول الأول :
ثمَّ استشار معاوية ـ في نبش قبر علي ( عليه السلام ) ـ عبدالله بن عامر بن كريز ، فقال : ما أحبُّ أن تعلم مكان قبره ، ولا أن تسأل عنه ، ولا أحبُّ أن تكون هذه العقوبة بيننا وبين قومنا. فقبل معاوية من عبدالله ما أشار به عليه ، وأعرض عن رأي مروان اللعين فيما أشار به من نبش قبر علي ( عليه السلام ) الذي استحباه ومنَّ عليه ، وأطلقه من الأسر ، ولكن غلب على اللعين الحقد على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ; لما قتل من أهل بيته على الكفر بالله والشرك به ولعنه إياه ، ولأن علياً ( عليه السلام ) أتى به إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لمَّا أراد نفيه يقوده بإذنه (2). وقال محمد بن حميد الرازي : لمَّا جيء برأس الحسين ( عليه السلام ) فوضع بين يدي 1 ـ بلاغات النساء ، ابن طيفور : 38 ، تاريخ دمشق ، ابن عساكر : 70/235. 2 ـ شرح الأخبار ، القاضي النعمان المغربي : 3/161 ـ 162. |
||||||||||||||||||||||||||||||
|