|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
(661)
يزيد تمثَّل بهذه الأبيات :
وروى سبط ابن الجوزي ، عن الزهري ، قال : لمَّا جاءت الرؤوس كان يزيد في منظرة على رُبى جيرون فأنشد لنفسه :
1 ـ البداية والنهاية ، ابن كثير : 8/209. 2 ـ تاريخ الطبري : 8/187 ـ 188 ، مقتل الحسين ( عليه السلام ) ، الخوارزمي : 2/58 ، الفتوح ابن الأعثم : 5/241 ، مقاتل الطالبيين ، أبو الفرج الأصفهاني : 120. 3 ـ تذكرة الخواص ، سبط ابن الجوزي : 235. (662)
كأنَّما بِتَّ بِمَسْجِدَينِ
ثمَّ رمى بالرأس نحو قبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وقال : يا محمد! يوم بيوم بدر ، وهذا القول مشتقٌّ من الشعر الذي تمثَّل به يزيد بن معاوية ـ وهو شعر ابن الزبعرى ـ يوم وصل الرأس إليه ، والخبر مشهور (1).
وقد صرَّح بذلك أيضاً عمرو بن سعيد ، وقد كان على المدينة يوم قُتل الإمام السبط ( عليه السلام ) ، قال عوانة بن الحكم : لمَّا قُتل الحسين بن علي ( عليه السلام ) دعا عبيدالله بن زياد عبد الملك بن أبي الحرث السلمي ، وبعثه إلى المدينة ليبشِّر عمرو بن سعيد ، فدخل السلمي على عمرو ، فقال : ما وراءك ؟ فقال : ما سرَّ الأمير ، قُتل الحسين ابن علي ( عليه السلام ) ، فقال : نادِ بقتله ، فناديت بقتله ، فلم أسمع والله واعية قط مثل واعية نساء بني هاشم في دورهن على الحسين ( عليه السلام ) ، فقال عمرو وضحك :
وفي كتاب المثالب لأبي عبيدة قال : ثمَّ أومأ إلى القبر الشريف وقال : يا محمد! يوم بيوم بدر ، فأنكر عليه قوم من الأنصار (4) ، وقد تمثَّل مروان بن الحكم بهذا المثل لمَّا بلغه خبر مقتل الحسين ( عليه السلام ) فقال : يوم بيوم الحفض المجور (5) ، يعني 1 ـ شرح نهج البلاغة ، ابن ابي الحديد : 4/71 ـ 72. 2 ـ وقعة الأرنب كانت لبني زبيد على بني زياد من بني الحارث بن كعب من رهط عبد المدان ، والبيت المذكور لعمرو بن معد يكرب. 3 ـ تاريخ الطبري : 4/356 ـ 357 ، حوادث سنة 61 هـ. 4 ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 4/72. 5 ـ الحفض : الخباء ، المجور : الساقط. (663)
يوم بيوم عثمان (1) ، وروي أيضاً أن هذا المثل قاله سعيد بن العاص حين سمع صراح النساء لمقتل الحسين ( عليه السلام ) (2).
وفي بعض الروايات ثمَّ خرج عمرو بن سعيد إلى المنبر فخطب الناس ، ثمَّ ذكر حسيناً وما كان من أمره ، فقام ابن أبي حبيش ـ أحد بني أسد بن عبد العزى بن قصي ـ فقال : أما لو كانت فاطمة ( عليها السلام ) حيَّةً لأحزنها ما ترى! (3). فقال عمرو : اسكت لا سكتَّ... (4). ولله درّ السيد جعفر الحلي رحمه الله إذ يقول :
1 ـ لاحظ : نثر الدرّ ، الآبي : 6/170 ، رقم : 774 وص 221 ، رقم 1451. 2 ـ نثر الدرّ : 6/221 ( الهامش ). 3 ـ وفي بحار الأنوار ، العلامة المجلسي : 45/122 ، قال : فقام عبدالله بن السائب فقال : لو كانت فاطمة ( عليها السلام ) حيَّةً فرأت رأس الحسين ( عليه السلام ) لبكت عليه ، فجبهه عمرو بن سعيد. 4 ـ ترجمة الإمام الحسين ، ابن عساكر : 339. ( في الهامش ) تحقيق العلامة المحمودي رحمه الله تعالى. (664)
روى الشيخ المفيد عليه الرحمة عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) أنه قال في مصرع سيد الشهداء ( عليه السلام ) وأهل بيته : يعزّ على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مصرعهم ، ولو كان في الدنيا يومئذ حيّاً لكان ( صلى الله عليه وآله ) هو المعزَّى بهم (2). وروي عن محمد بن عمرو بن حسن ، قال : كنّا مع الحسين ( عليه السلام ) بنهري كربلاء ، فنظر إلى شمر بن ذي الجوشن فقال : صدق الله ورسوله ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : كأنّي أنظر إلى كلب أبقع يلغ في دماء أهل بيتي ، وكان شمر قبَّحه الله أبرص (3). وروي عن أبي ضمرة أنس بن عياض ، قال : قيل للإمام جعفر صلوات الله عليه : كم تتأخَّر الرؤيا ؟ فقال ( عليه السلام ) : رأى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كأن كلباً أبقع يلغ في دمه ، فكان شمر بن ذي الجوشن لعنه الله قاتل الحسين ( عليه السلام ) ، وكان أبرص ، فكان تأويل الرؤيا بعد خمسين سنة (4). 1 ـ رياض المدح والرثاء ، الشيخ حسين القديحي : 230. 2 ـ المزار ، محمد بن المشهدي : 473 ـ 474 ، بحار الأنوار ، العلامة المجلسي : 45/63 ح 3. 3 ـ البداية والنهاية ، ابن كثير : 8/205. 4 ـ بهجة المجالس وأنس المجالس : 3/149 ، حياة الحيوان ، الدميري : 1/87 و 2 ـ 255 ، نثر الدرّ ، الآبي : 7/253 : تاريخ الخميس : 2/334. (665)
فدم الحسين ( عليه السلام ) هو من دم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وهو منه ، وقد استفاض الخبر أنه قال في حقّه : حسين مني وأنا من حسين ، فكيف لا يكون مفجوعاً به ؟ وكيف لا يكون أعظمَ الناس حسرةً وتفجُّعاً وحزناً عليه ؟ ورحم الله منصور النمري إذ يقول في حزن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على سبطه وريحانته الحسين ( عليه السلام ) :
فإنّا لله وإنا إليه راجعون ، فقد انتهكوا حرمة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بقتلهم الحسين وأهل بيته وأولاده ، ومن يشكّ في ذلك ؟ فقد روي عن سيّد شباب أهل الجنة صلوات الله عليه أنه قال لما قُتل علي الأكبر ( عليه السلام ) : قتل الله قوماً قتلوك ، يا بنيّ ما أجرأهم على الله ، وعلى انتهاك حرمة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، ثمَّ قال : على الدنيا بعدك 1 ـ أسد الغابة ، ابن الأثير : 2/21 ـ 22. 2 ـ تاريخ الطبري : 3/314. (666)
العفا (1).
وقال ( عليه السلام ) أيضاً ـ وهو قائم على رأس القاسم ( عليه السلام ) بعد أن ضُرب بالسيف على رأسه وسقط إلى الأرض وصار يفحص برجليه في التراب : بعداً لقوم قتلوك ، ومَنْ خَصمُهم يوم القيامة فيك جدُّك ( صلى الله عليه وآله ) (2). وممن احتجَّ على القوم وذكّرهم بحقّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في حفظ عترته وأهل بيته ( عليهم السلام ) زهير بن القين رضي الله عنه ، إذ أقبل على القوم حينما رآهم مصرّين على قتل الحسين ( عليه السلام ) وسفك دمه ودماء أهل بيته فرفع صوته قائلا : عباد الله ، لا يغرّنّكم عن دينكم هذا الجلف الجافي وأشباهه ـ يعني عمر بن سعد ـ فوالله لا تنال شفاعة محمد ( صلى الله عليه وآله ) قوماً أراقوا دماء ذرّيّته وأهل بيته ، وقتلوا من نصرهم وذبَّ عن حريمهم (3). هذا وقد ذكَّر جماعة من الصحابة بحبِّ الرسول ( صلى الله عليه وآله ) للحسين ( عليه السلام ) وبإكثاره من تقبيله ، روي عن أنس بن مالك قال : لمَّا قُتل الحسين أُتي برأسه إلى عبيدالله بن زياد ، فجعل ينكت بقضيبه على ثناياه ، وقال : إنه كان لحسن الثغر ، فقلت : أما والله لأسوأنَّك ، فقال : لقد رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقبِّل موضع قضيبك من فيه (4). وفي رواية قال : إنه كان أشبههم برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) (5). ولله درّ بعض الشعراء إذ يقول :
1 ـ مقاتل الطالبيين ، أبو الفرج الإصفهاني : 76 ، تاريخ الطبري : 3/331. 2 ـ تاريخ الطبري : 3/331. 3 ـ تاريخ الطبري : 3/320. 4 ـ مسند أبي يعلى : 7/61 ح 3981 ، سير أعلام النبلاء ، الذهبي : 3/314. 5 ـ البداية والنهاية ، ابن كثير : 8/206. (667)
وروى ابن الأثير ، قال : ولمّا قُتل الحسين ( عليه السلام ) أرسل عمر رأسه ورؤوس أصحابه إلى ابن زياد ، فجمع الناس وأحضر الرؤوس ، وجعل ينكت بقضيب بين شفتي الحسين ، فلمَّا رآه زيد بن أرقم لا يرفع قضيبه قال له : اعل بهذا القضيب ، فوالذي لا إله غيره ، لقد رأيت شفتي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على هاتين الشفتين يقبِّلهما ، ثمَّ بكى ، فقال له ابن زياد : أبكى الله عينيك ، فوالله لولا أنك شيخ قد خرفت لضربت عنقك ، فخرج وهو يقول : أنتم ـ يا معشر العرب ـ العبيد بعد اليوم ، قتلتم الحسين بن فاطمة ( عليها السلام ) وأمَّرتم ابن مرجانة ، فهو يقتل خياركم ويستعبد شراركم (3). وقال أبو مخنف : عن سليمان بن أبي راشد ، عن حميد بن مسلم قال : دعاني عمر بن سعد فسرَّحني إلى أهله لأبشِّرهم بما فتح الله عليه وبعافيته ، فأجد ابن زياد قد جلس للناس ، وقد دخل عليه الوفد الذين قدموا عليه ، فدخلت فيمن دخل ، فإذا رأس الحسين ( عليه السلام ) موضوع بين يديه ، وإذا هو ينكت فيه بقضيب بين ثناياه ساعة ، فقال له زيد بن أرقم : ارفع هذا القضيب عن هاتين الثنيتين ، فوالله 1 ـ المنتخب ، الطريحي : 187. 2 ـ سير أعلام النبلاء ، الذهبي : 3/314. 3 ـ أسد الغابة ، ابن الأثير : 2/21 ، تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : 41/365 ـ 366. (668)
الذي لا إله إلاّ هو ، لقد رأيت شفتي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على هاتين الثنيتين يقبِّلهما ، ثم انفضح الشيخ يبكي ، فقال له ابن زياد : أبكى الله عينك ، فوالله لولا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك.
قال : فنهج فخرج ، فلمّا خرج قال الناس : والله لقد قال زيد بن أرقم كلاماً لو سمعه ابن زياد لقتله ، قال : فقلت : ما قال ؟ قالوا : مرّ بنا وهو يقول : مَلَكَ عبدٌ عبيداً فاتَّخَذَهُمْ تليداً ، أنتم ـ يا معشر العرب ـ العبيد بعد اليوم ، قتلتم ابن فاطمة ، وأمَّرتم ابن مرجانة ، فهو يقتل خياركم ، ويستعبد شراركم ، فبعداً لمن رضي بالذلّ (1). وعن حبيب بن يسار قال : لما أصيب الحسين بن علي ( عليه السلام ) قام زيد بن أرقم على باب المسجد فقال : أفعلتموها ؟ أشهد لسمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : اللهم إني أستودعكهما وصالح المؤمنين ، فقيل لعبيدالله بن زياد : إن زيد بن أرقم قال كذا وكذا ، قال : ذاك شيخ قد ذهب عقله (2). وقال الطبري في دخول أهل البيت ( عليهم السلام ) على يزيد : ثم أذن للناس فدخلوا والرأس بين يديه ، ومع يزيد قضيب فهو ينكت به في ثغره ، ثمَّ قال : إن هذا وإيانا كما قال الحصين بن الحمام المري :
1 ـ البداية والنهاية ، ابن كثير : 8/207. 2 ـ مجمع الزوائد ، الهيثمي : 9/194. (669)
ويجيء هذا يوم القيامة ومحمد ( صلى الله عليه وآله ) شفيعه ، ثمَّ قام فولَّى (1).
وعن عمَّار الدهني ، عن جعفر قال : لمَّا وضع رأس الحسين بين يدي يزيد وعنده أبو برزة وجعل ينكت بالقضيب فقال له : ارفع قضيبك ، فلقد رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يلثمه (39). وقال البُري : وأتي يزيد برأس الحسين ( عليه السلام ) ، فلمّا وضع بين يديه جعل ينكت أسنانه بقضيب كان في يده ، ويقول : كان أبو عبدالله صبيحاً ، فقال له النعمان بن بشير : ارفع يدك ـ يا يزيد ـ عن فم طالماً رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقبِّله ، قال : فاستحيى يزيد ، وأمر برفع الرأس (2). قال بعض الرواة : واستشار يزيد أهل الشام فيمن بقي من ولد الحسين ( عليه السلام ) وولد أخيه الصغار ، فقال له النعمان بن بشير : اصنع بهم.. ما كان يصنع بهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لو رآهم على هذه الحال ، فأمر بإنزالهم (3). ولله درّ السيد الشريف الرضي عليه الرحمة إذ يقول :
1 ـ تاريخ الطبري : 3/298 و341 ، أسد الغابة ، ابن الأثير : 5/20. 2 ـ البداية والنهاية ، ابن كثير : 8/209. 3 ـ الجوهرة في نسب الإمام علي وآله ، البري : 45 ـ 46. 4 ـ الجوهرة في نسب الإمام علي وآله ، البري : 44 ـ 45 ، البداية والنهاية ، 8/213. 5 ـ البداية والنهاية ، ابن كثير : 8/208. (670)
وعن ابن أبي نعم قال : جاء رجل إلى ابن عمر وأنا جالس ، فسأله عن دم البعوض ، قال له : ممن أنت ؟ قال : من أهل العراق ، قال : ها انظروا إلى هذا ، يسأل عن دم البعوض ، قد قتلوا ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وقد سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : هما ريحانتي من الدنيا (1).
وروي أنه لمَّا بلغ قتل الحسين ( عليه السلام ) إلى الحسن البصري بكى حتى اختلج منكباه ، وقال : واذلاّه لأمه قتل ابنُ دعيِّها ابنَ نبيها ( صلى الله عليه وآله ) (2). وقال الزهري : لمّا بلغ الحسن البصري خبر قتل الحسين ( عليه السلام ) بكى حتى اختلج صدغاه ، ثم قال : أذلَّ الله أمة قتلت ابن نبيها ، والله ليردَّنَّ رأس الحسين إلى جسده ، ثم لينتقمن له جدّه وأبوه من ابن مرجانة (3). وروى شريك ، عن مغيرة قال : قالت مرجانة لابنها عبيدالله : يا خبيث ، قتلت ابن بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والله لا ترى الجنة أبداً (4). وعن القاسم بن بخيت قال : لما أقبل وفد الكوفة برأس الحسين ( عليه السلام ) دخلوا به مسجد دمشق ، فقال لهم مروان بن الحكم : كيف صنعتم ؟ قالوا : ورد علينا منهم ثمانية عشر رجلا فأتينا والله على آخرهم ، وهذه الرؤوس والسبايا ، فوثب مروان وانصرف ، وأتاه أخوه يحيى بن الحكم فقال : ما صنعتم ؟ فقالوا له مثل ما قالوا لأخيه ، فقال لهم : حُجبتم عن محمد ( صلى الله عليه وآله ) يوم القيامة ، لن أجامعكم على أمر أبداً ، ثم قام فانصرف (5). وعن إبراهيم النخعي قال : لو كنت فيمن قتل الحسين ، ثم غُفر لي ثم أُدخلت 1 ـ مسند أحمد : 2/93 و114 ، المعجم الكبير ، الطبراني : 3/127 ح 2884. 2 ـ الرد على المتعصب العنيد ، ابن الجوزي : 45. 3 ـ ينابيع المودة ، القندوزي : 3/48. 4 ـ تهذيب التهذيب ، ابن حجر : 2/308 ، تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : 37/451. 5 ـ البداية والنهاية ، ابن كثير : 8/213 ، تاريخ الطبري : 3/341. (671)
الجنة استحييت أن أمرَّ على النبي ( صلى الله عليه وآله ) فينظر في وجهي (1).
وروي عن عمر بن عبدالعزيز أنه قال : لو كنت من قتلة الحسين ( عليه السلام ) وغُفر لي وأدخلني الجنة لما دخلتها حياءً من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) (2). وفي رواية أخرى قال : لو كنت في قتلة الحسين ( عليه السلام ) ، وقيل لي إدخل الجنة لما فعلت ، حياءً أن تقع عليَّ عين محمد ( صلى الله عليه وآله ) (3). وقيل لرجل شهد يوم الطف مع عمر بن سعد : ويحك! أقتلتم ذرية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟! فقال : عضضت بالجندل ، إنك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا ، ثارت علينا عصابة ، أيديها في مقابض سيوفها ، كالأسود الضارية ، تحطّم الفرسان يميناً وشمالا ، وتلقي أنفسها على الموت ، لا تقبل الأمان ، ولا ترغب في المال ، ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنية ، أو الاستيلاء على الملك ، فلو كففنا عنها رويداً لأتت على نفوس العسكر بحذافيرها ، فما كنّا فاعلين لا أم لك! (4) وقال الربيع بن خثيم لما بلغه قتل الحسين ( عليه السلام ) : لقد قتلوا صبية لو جاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من سفر لضمَّهم إليه (5). وقال ابن سعد : كان أبو عثمان النهدي من ساكني الكوفة ، ولم يكن له بها دار لبني نهد ، فلمّا قُتل الحسين بن علي ( عليه السلام ) تحوَّل فنزل البصرة ، وقال : لا أسكن بلداً قُتل فيه ابن بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وكان قد أدرك النبيَّ ( صلى الله عليه وآله ) ولم يره (6). 1 ـ المعجم الكبير ، الطبراني : 3/112 ح 2829 ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : 9/195 ، قال : رواه الطبراني ورجاله ثقات ، تهذيب الكمال ، المزي : 25/153 ، رقم : 5184 ، الإصابة ، ابن حجر : 2/81. 2 ـ وفيات الأعيان ، ابن خلكان : 6/353 ، نثرّ الدر ، الآبي : 5/209 ، العقد الفريد ، الأندلسي : 2/175. 3 ـ ربيع الأبرار ، الزمخشري : 3/344 ، نثر الدرّ ، الآبي : 2/117. 4 ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 3/263. 5 ـ كتاب الرد على المتعصب العنيد ، ابن الجوزي : 45. 6 ـ الطبقات الكبرى ، ابن سعد : 7/98 ، المنتخب من ذيل المذيل ، الطبري : 121. (672)
وذكر الحسين بن علي الكاتب أن عبيدالله بن سليمان تلاحى مع ابن الأشنب ، وتشاجر معه على أي شيء كان أشدَّ ما كان في الإسلام على المسلمين ؟ فقال عبيدالله بن سليمان ، هو قتل الحسين ( عليه السلام ) ، لأن المسلمين يئسوا بعد قتله من كل فرج يرتجونه ، وعدل ينتظرونه ، ولما سُئل الكاتب عن ذلك قال : إن أشدَّه على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فهو الأشدَّ على المسلمين (1).
ولله در السيد المرتضى عليه الرحمة إذ يقول :
1 ـ ثمار القلوب في المضاف والمنسوب ، الثعالبي : 688 ـ 690. 2 ـ الغدير ، الاميني : 4/292. (673)
الخاتمة :
في يوم الأربعين
جاء في الزيارة الناحية الشريفة : السلام على الشيب الخضيب ، السلام على الخد التريب ، السلام على البدن السليب ، السلام على الثغر المقروع بالقضيب ، السلام على الودج المقطوع ، السلام على الرأس المرفوع ، السلام على الأجسام العارية في الفلوات ، تنهشُها الذئابُ العاديات ، وتختلفُ إليها السباعُ الضاريات ، السلام عليك يا مولاي ، وعلى الملائكة المرفرفين حول قبتك ، الحافين بتربتك ، الطائفين بعرصتك ، الواردين لزيارتك ، السلام عليك فإني قصدت إليك ، ورجوت الفوز لديك.
وفيه أربعة مجالس السلام عليك ، سلامَ العارف بحرمتك ، المخلص في ولايتك ، المتقرب إلى الله بمحبتك ، البريء من أعدائِك ، سلام مَنْ قلبُه بمصابك مقروح ، ودمعُه عندَ ذكرِك مسفوح ، سلامَ المفجوعِ المحزون ، الوالهِ المستكين ، سلامَ من لو كان معك بالطفوف (674)
لو قاك بنفسهِ حدَ السيوف ، وبذلَ حشاشَتُه دونك للحُتوف ، وجاهدَ بين يديك ، ونصَرك على من بغى عليك ، وفداك بروحهِ وجسدهِ ، ومالهِ وولدهِ ، وروحهِ لروحِكَ فداء ، وأهلَه لأهلِك وقاء ، فلإن أخرتني الدهورُ ، وعاقني عن نَصركِ المقدور ، ولم أكن لمن حاربك محارباً ، ولمن نصب لك العداوةَ مناصباً ، فلأندبك صباحاً ومساء ، ولأبكينَ عليك بدلَ الدموعِ دماً ، حسرةً عليك وتأسُفاً على ما دهاك وتلهفاً ، حتى أموت بلوعةِ المصاب ، وغصةِ الاكتياب (1).
روى الشيخ الصدوق عليه الرحمة ، عن الحارث بن كعب ، عن فاطمة بنت علي صلوات الله عليهما : ثمَّ أن يزيد ( لعنه الله ) أمر بنساء الحسين ( عليه السلام ) فحُبسن مع علي بن الحسين ( عليهما السلام ) في محبس لا يكنُّهم من حرّ ولا قرّ ، حتى تقشَّرت وجوههم ، ولم يُرفع ببيت المقدس حجر عن وجه الأرض إلاَّ وجد تحته دم عبيط ، وأبصر الناس الشمس على الحيطان حمراء كأنها الملاحف المعصفرة ، إلى أن خرج علي بن الحسين ( عليهما السلام ) بالنسوة ، وردَّ رأس الحسين ( عليه السلام ) إلى كربلاء (2). وفي كتاب لواعج الأشجان للسيد محسن الأمين عليه الرحمة قال : وكان يزيد وعد علي بن الحسين ( عليهما السلام ) يوم دخولهم عليه أن يقضي له ثلاث حاجات ، فقال له : اذكر حاجاتك الثلاث اللاتي وعدتك بقضائهن ، فقال له : الأولى : أن تريني وجه سيِّدي ومولاي وأبي الحسين ( عليه السلام ) فأتزوَّد منه ، وأنظر إليه وأودّعه ، والثانية : أن تردَّ علينا ما أُخذ منّا ، والثالثة : إن كنت عزمت على قتلي أن توجِّه مع هؤلاء النساء مَنْ يردُّهن إلى حرم جدِّهم ( صلى الله عليه وآله ). فقال : أمّا وجه أبيك فلن تراه أبداً ، وأمَّا قتلك فقد عفوت عنك ، وأمَّا النساء فما يردُّهن غيرك إلى المدينة ، وأمَّا ما أُخذ منكم فأنا أعوِّضكم عنه أضعاف قيمته. 1 ـ المزار ، المشهدي : 500 ـ 501. 2 ـ الأمالي ، الصدوق : 231 ـ 232 ح 4. (675)
فقال ( عليه السلام ) : أمَّا مالك فلا نريده ، وهو موفَّرٌ عليك ، وإنما طلبت ما أخذ منّا لأن فيه مغزل فاطمة بنت محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، ومقنعتها ، وقلادتها ، وقميصها ، فأمر بردِّ ذلك ، وزاد فيه من عنده مأتي دينار ، فأخذها زين العابدين وفرَّقها في الفقراء والمساكين.
وفي رواية : إن يزيد قال لعلي بن الحسين ( عليهما السلام ) : إن شئت أقمت عندنا فبررناك ، وإن شئت رددناك إلى المدينة ، فقال : لا أريد إلاَّ المدينة. ثمَّ إن يزيد لعنه الله أمر بردِّ السبايا والأسارى إلى المدينة ، وأرسل معهم النعمان بن بشير الأنصاري في جماعة ، فلمَّا بلغوا إلى العراق قالوا للدليل : مرَّ بنا على طريق كربلاء ، فلمَّا وصلوا إلى موضع المصرع وجدوا جابر بن عبدالله الأنصاري ، وجماعة من بني هاشم ، ورجالا من آل الرسول ( صلى الله عليه وآله ) قد وردوا لزيارة قبر الحسين ( عليه السلام ) ، فتوافوافي وقت واحد ، وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم ، وأقاموا المأتم ، واجتمع إليهم أهل ذلك السواد ، وأقاموا على ذلك أياماً. وعن كتاب بشارة المصطفى وغيره ، بسنده عن عطية العوفي قال : خرجت مع جابر بن عبدالله الأنصاري ( رضي الله عنه ) زائراً قبر الحسين ( عليه السلام ) ، فلمَّا وردنا كربلاء دنا جابر من شاطىء الفرات فاغتسل ، ثمّ اتّزر بإزار وارتدى بآخر ، ثمَّ فتح صرَّة فيها سعد فنثرها على بدنه ، ثمَّ لم يخطُ خطوة إلاَّ ذكر الله تعالى ، حتى إذا دنا من القبر قال : ألمسنيه ، فألمسته إيَّاه ، فخرَّ على القبر مغشيّاً عليه ، فرششت عليه شيئاً من الماء ، فلمَّا أفاق قال : يا حسين ـ ثلاثاً ـ ثمَّ قال : حبيب لا يجيب حبيبه ، ثمَّ قال : وأنَّى لك بالجواب وقد شخبت أوداجك على أثباجك ، وفُرِّق بين بدنك ورأسك ، أشهد أنّك ابن خير النبيين ، وابن سيِّد المؤمنين ، وابن حليف التقوى ، وسليل الهدى ، وخامس أصحاب الكسا ، وابن سيِّد النقبا ، وابن فاطمة سيِّدة النساء ، ومالك لا تكون هكذا وقد غذَّتك كفُّ سيِّد المرسلين ، وربيت في حجر المتقين ، |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|