المكاسب ـ جلد الأول ::: 81 ـ 90
(81)
    [ ما قاله الشيخ في المبسوط والنهاية والخلاف ]
    وقال في المبسوط ـ في الماء المضاف ـ : إنه مباح التصرف فيه بأنواع التصرف ما لمتقع فيه نجاسة ، فإن وقعت فيه نجاسة لم يجز استعماله على حال ، وقال في حكم الماء المتغير بالنجاسة : إنه لا يجوز استعماله إلا عند الضرورة ، للشرب لا غير (1).
    وقال في النهاية : وإن كان ما حصل فيه الميتة مائعا لم يجز استعماله ووجب إهراقه (2) ، انتهى.
    وقريب منه عبارة المقنعة (3).
    وقال في الخلاف ـ في حكم السمن والبذر والشيرج والزيت إذا وقعت فيه فأرة ـ : إنه جاز الاستصباح به ، ولا يجوز أكله ، ولا الانتفاع به بغير الاستصباح ، وبه قال الشافعي ، وقال قوم من أصحاب الحديث : لا ينتفع به بحال ، لاباستصباح ولا بغيره ، بل يراق كالخمر ، وقال أبو حنيفة : يستصبح به ويباع لذلك (4) ، وقال داود (5) : إن كان المائع سمنا لم ينتفع به بحال (6) وإن كان غيره (7) من الأدهان لم ينجس بموت الفأرة فيه ويحل أكله وشربه ، [ لأن الخبر ورد
1 ـ المبسوط 1 : 5 و 6.
2 ـ النهاية : 588.
3 ـ المقنعة : 582.
4 ـ كذا في ف ونسخة بدل م ، وفي ع : ويباع لذلك مطلقا ، وفي خ و م و ص : ويباع مطلقا ، وفي ن و ش : ويباع أيضا.
5 ـ في جميع النسخ : ابن داود ، والصواب ما أثبتناه من المصدر.
6 ـ كلمة بحال من ش ومصححة ن ، ولم ترد في سائر النسخ.
7 ـ في ش : ما عداه.


(82)
    في السمن فحسب ] (1) ، دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم (2).
    [ ما قاله الحلّي في السرائر ]
    وفي السرائر ـ في حكم الدهن المتنجس ـ : أنه لا يجوز الإدهان به ولا استعماله في شيء من الأشياء ، عدا الاستصباح تحت السماء. وادعى في موضع آخر : أن الاستصباح به تحت الظلال محظور بغير خلاف (3).
    [ ما قاله ابن زهرة في الغنية ]
    وقال ابن زهرة ـ بعد أن اشترط في المبيع أن يكون مما ينتفع به منفعة محللة (4) ـ : وشرطنا في المنفعة أن تكون مباحة ، تحفظا من المنافع المحرمة ، ويدخل في ذلك كل نجس لا يمكن تطهيره ، عدا ما استثني : من بيع الكلب المعلم للصيد ، والزيت النجس للاستصباح به تحت السماء ، وهو إجماع الطائفة ، ثم استدل على جواز بيع الزيت ـ بعد الإجماع ـ بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أذن في الاستصباح به تحت السماء ، قال : وهذا يدل على جواز بيعه لذلك (5) ، انتهى.

    [ الأقوى جواز الانتفاع إلاّ ما خرج بالدليل ]
    هذا ، ولكن الأقوى ـ وفاقا لأكثر المتأخرين (6) ـ جواز الانتفاع إلا ما خرج بالدليل ، ويدل عليه أصالة الجواز ، وقاعدة حل الانتفاع
1 ـ من ش والمصدر.
2 ـ الخلاف : كتاب الأطعمة ، المسألة 19.
3 ـ السرائر 3 : 121 ـ 122.
4 ـ في أكثر النسخ زيادة : قال.
5 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 524.
6 ـ كما يأتي عن المحقق والعلامة والشهيدين والمحقق الكركي في الصفحات : 87 ـ 88.


(83)
بما في الأرض (1). ولا حاكم عليهما (2) سوى ما يتخيل من بعض الآيات والأخبار ، ودعوى الجماعة المتقدمة (3) الإجماع على المنع.
    والكل غير قابل لذلك.
    أما الآيات :

    [ الاستدلال على المنع بالآيات والجواب عنه ]
    فمنها : قوله تعالى : ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ) (4) ، دل ـ بمقتضى التفريع ـ على وجوب اجتناب كل رجس.
    وفيه : أن الظاهر من الرجس ما كان كذلك في ذاته ، لا ما عرض له ذلك ، فيختص بالعناوين النجسة ، وهي النجاسات العشر ، مع أنه لو عم المتنجس لزم أن يخرج عنه أكثر الأفراد ، فإن أكثر المتنجسات لا يجب الاجتناب عنه (5).
    مع أن وجوب الاجتناب ثابت فيما كان رجسا من عمل الشيطان ، يعني من مبتدعاته ، فيختص وجوب الاجتناب المطلق بما كان من عمل الشيطان ، سواء كان نجسا ـ كالخمر ـ أو قذرا معنويا ـ مثل الميسر ـ ، ومن المعلوم : أن المائعات المتنجسة ـ كالدهن والطين والصبغ والدبس ـ
1 ـ المستفاد من قوله تعالى : ( خلق لكم ما في الأرض جميعا ) البقرة : 29.
2 ـ كذا في ف ومصححة ن ، وفي غيرهما : عليها.
3 ـ كذا في ش ومصححة ن ، وفي سائر النسخ : المتقدم.
4 ـ المائدة : 90.
5 ـ كذا في ف ، وفي سائر النسخ : منه.


(84)
إذا تنجست ليست من أعمال الشيطان.
    وإن اريد من عمل الشيطان عمل المكلف المتحقق في الخارج بإغوائه ليكون المراد بالمذكورات استعمالها على النحو الخاص ، فالمعنى : أن الانتفاع بهذه المذكورات رجس من عمل الشيطان ، كما يقال في سائرا لمعاصي : إنها من عمل الشيطان ، فلا تدل أيضا على وجوب الاجتناب عن استعمال المتنجس إلا إذا ثبت كون الاستعمال رجسا ، وهو أول الكلام.
    وكيف كان ، فالآية لا تدل على المطلوب.
    ومن بعض ما ذكرنا يظهر ضعف الاستدلال على ذلك بقوله تعالى : ( والرجز فاهجر ) (1) ، بناء على أن الرجز هو الرجس.
    وأضعف من الكل : الاستدلال بآية تحريم الخبائث (2) ، بناء على أن كل متنجس خبيث ، والتحريم المطلق يفيد (3) عموم الانتفاع ، إذ لا يخفى أن المراد هنا حرمة الأكل ، بقرينة مقابلته بحلية الطيبات.
    وأما الأخبار :

    [ الاستدلال بالأخبار ، والجواب عنه ]
    فمنها : ما تقدم من رواية تحف العقول ، حيث علل النهي عن بيع وجوه النجس بأن ذلك كله محرم أكله وشربه وإمساكه وجميع التقلب فيه ، فجميع التقلب في ذلك حرام (4).
1 ـ المدثر : 5.
2 ـ وهي قوله تعالى : ( ويحرم عليهم الخبائث ) الأعراف : 157.
3 ـ في ش : يفيد تحريم.
4 ـ تحف العقول : 333 ، مع اختلاف.


(85)
    وفيه : ما تقدم من أن المراد ب‍وجوه النجس عنواناته المعهودة ، لأن الوجه هو العنوان ، والدهن ليس عنوانا للنجاسة ، والملاقي للنجس وإن كان عنوانا للنجاسة ، لكنه ليس وجها من وجوه النجاسة في مقابلة غيره ، ولذا لم يعدوه عنوانا في مقابل العناوين النجسة ، مع ما عرفت من لزوم تخصيص الأكثر ، لو اريد به المنع عن استعمال كل متنجس.
    ومنها : ما دل على الأمر بإهراق المائعات الملاقية للنجاسة (1) وإلقاء ما حول الجامد من الدهن وشبهه وطرحه (2). وقد تقدم بعضها في مسألة الدهن ، وبعضها الآخر متفرقة ، مثل قوله : يهريق المرق (3) ونحو ذلك.
    وفيه : أن طرحها كناية عن عدم الانتفاع بهافي الأكل ، فإن ما امر بطرحه من جامد الدهن والزيت يجوز الاستصباح به إجماعا ، فالمراد : إطراحه من ظرف الدهن وترك الباقي للأكل.
    وأما الإجماعات :

    [ الإجماعات المدّعاة على المنع ، والنظر في دلالتها ]
    ففي دلالتها على المدعى نظر ، يظهر من ملاحظتها ، فإن الظاهر من كلام السيد ـ المتقدم (4) ـ : أن موردالإجماع هو نجاسة ما باشره أهل الكتاب ، وأما حرمة الأكل والانتفاع فهي من فروعها المتفرعة
1 ـ الوسائل 16 : 376 ، الباب 44 من أبواب الأطعمة المحرمة ، الحديث الأول.
2 ـ الوسائل 16 : 374 ، الباب 43 من أبواب الأطعمة المحرمة.
3 ـ لفظ الحديث : يهراق مرقها.
4 ـ يعني كلام السيد المرتضى ، المتقدم في الصفحة : 80.


(86)
على النجاسة ، لا أن معقد الإجماع حرمة الانتفاع بالنجس ، فإن خلاف باقي الفقهاء في أصل النجاسة في أهل الكتاب ، لا في أحكام النجس.
    وأما إجماع الخلاف (1) ، فالظاهر أن معقده ما وقع الخلاف فيه بينه وبين من ذكر من المخالفين ، إذ فرق بين دعوى الإجماع على محل النزاع بعد تحريره ، وبين دعواه ابتداء على الأحكام المذكورات (2) في عنوان المسألة ، فإن الثاني يشمل الأحكام كلها ، والأول لا يشمل إلا الحكم الواقع موردا للخلاف (3) ، لأنه الظاهر من قوله : دليلنا إجماع الفرقة ، فافهم واغتنم.
    وأما إجماع السيد في الغنية (4) ، فهو في أصل مسألة تحريم بيع النجاسات واستثناء الكلب المعلم والزيت المتنجس ، لا في ما ذكره من أن حرمة بيع المتنجس من حيث دخوله فيما يحرم الانتفاع ، نعم ، هو قائل بذلك.
    وبالجملة ، فلا ينكر ظهور كلام السيد في حرمة الانتفاع بالنجس الذاتي والعرضي ، لكن دعواه الإجماع على ذلك بعيدة عن مدلول كلامه جدا.
    وكذلك لا ينكر كون السيد والشيخ قائلين بحرمة الانتفاع بالمتنجس
1 ـ المتقدم في الصفحة : 81 ـ 82.
2 ـ في ش : المذكورة.
3 ـ كذا في ف و خ ، وفي سائر النسخ : مورد الخلاف.
4 ـ المتقدم في الصفحة : 82.


(87)
ـ كما هو ظاهر المفيد (1) وصريح الحلي (2) ـ لكن دعواهما الإجماع على ذلك ممنوعة عند المتأمل المنصف.
    [ وهن الإجماعات بظهور كلام أكثر المتأخّرين في الخلاف ]
    ثم على تقدير تسليم دعواهم الإجماعات ، فلا ريب في وهنها بما يظهر من أكثر المتأخرين من قصر حرمة الانتفاع على امور خاصة.
    قال في المعتبر ـ في أحكام الماء (3) المتنجس ـ : وكل ماء (4) حكم
1 ـ المقنعة : 582.
2 ـ السرائر 2 : 219 ، و 3 : 121.
3 ـ في ش زيادة : القليل.
4 ـ جاءت العبارة في هامش ف كما يلي :
    قال في المعتبر ـ في أحكام الماء القليل المتنجس ـ : الماء النجس لا يجوز استعماله في رفع حدث ولا إزالة خبث مطلقا ولا فيأكل ولا في شرب إلا عند الضرورة ، وأطلق الشيخ المنع من استعماله إلا عند الضرورة (1).
    لنا ، إن مقتضى الدليل : جواز الاستعمال مطلقا ، ترك العمل به في ما ذكرنا بالإتفاق والنقل ، فيكون الباقي على الأصل (2) ، انتهى.
    وقال في موضع آخر من أحكام الماء المشتبه ـ في رد من قال بوجوب الإراقة ـ : إنه قد يتعلق الغرض ببقائه لأجل الاستعمال في غير الطهارة والأكل والشرب (3).
    وقال بعد ذلك ـ أيضا ـ : إن كل ماء .. صحصح.

1 ـ المبسوط 1 : 7.
2 ـ المعتبر 1 : 50 ـ 51.
3 ـ المعتبر 1 : 104.


(88)
    [ ما قاله المحقق في المعتبر ]
     بنجاسته لم يجز استعماله ـ إلى أن قال ـ : ويريد (1) بالمنع عن استعماله : الاستعمال في الطهارة وإزالة الخبث والأكل والشرب دون غيره ، مثل بل الطين وسقي الدابة (2) ، انتهى.
    أقول : إن بل الصبغ والحناء بذلك الماء داخل في الغير ، فلا يحرم الانتفاع بهما.
    [ ما قاله العلاّمة في كتبه ]
    وأما العلامة ، فقد قصر حرمة استعمال الماء المتنجس ـ في التحرير والقواعد والإرشاد ـ على الطهارة والأكل والشرب (3) وجوز في المنتهى الانتفاع بالعجين النجس في علف الدواب ، محتجا بأن المحرم على المكلف تناوله ، وبأنه انتفاع فيكون سائغا ، للأصل (4).
    ولا يخفى أن كلا دليليه صريح في حصر التحريم في أكل العجين المتنجس (5).
    [ ما قاله الشهيد في قواعده والذكرى ]
    وقال الشهيد في قواعده : النجاسة ما حرم استعماله في الصلاة والأغذية (6) ثم ذكر ما يؤيد المطلوب.
    وقال في الذكرى ـ في أحكام النجاسة ـ : تجب إزالة النجاسة
1 ـ في ف ، و ن ، و ش : نريد.
2 ـ المعتبر 1 : 105.
3 ـ التحرير 1 : 5 ، القواعد 1 : 189 ، الإرشاد 1 : 238.
4 ـ المنتهى 1 : 180 ، ولم نجد في كلامه الاستدلال بالأصل صريحا.
5 ـ كذا في ن و ش ، ولم يرد العجين في ف ، كما لم يرد المتنجس في سائر النسخ.
6 ـ القواعد والفوائد 2 : 85 ، القاعدة : 175.


(89)
عن الثوب والبدن ، ثم ذكر المساجد وغيرها ، ـ إلى أن قال ـ : وعن كل مستعمل في أكل أو شرب أو ضوء تحت ظل ، للنهي عن النجس ، وللنص (1) ، انتهى.
    مراده (2) بالنهي عن النجس : النهي عن أكله ، ومراده بالنص : ما ورد من المنع عن الاستصباح بالدهن المتنجس تحت السقف (3) ، فانظر إلى صراحة كلامه في أن المحرم من الدهن المتنجس ـ بعد الأكل والشرب ـ خصوص الاستضاءة تحت الظل ، للنص.
    [ ما حكاه المحقّق الثاني عن بعض فوائد الشهيد ]
    وهو المطابق لما حكاه المحقق الثاني ـ في حاشية الإرشاد (4) ـ عنه قدس سره في بعض فوائده : من جواز الانتفاع بالدهن المتنجس في جميع ما يتصور من فوائده.
    وقال المحقق والشهيد الثانيان في المسالك وحاشية الإرشاد ، ـ عند قول المحقق والعلامة قدس سرهما : تجب إزالة النجاسة عن الأواني (5) ـ : إن هذا إذا استعملت في ما يتوقف استعماله على الطهارة ، كالأكل والشرب (6).
    وسيأتي (7) عن المحقق الثاني في حاشية الإرشاد ـ في مسألة
1 ـ ذكرى الشيعة : 14.
2 ـ في ص و ش : ومراده.
3 ـ وهي المرسلة المتقدمة عن المبسوط في الصفحة : 78.
4 ـ حاشية الإرشاد ( مخطوط ) : 203 ـ 204.
5 ـ الشرائع 1 : 53 ، الإرشاد 1 : 239.
6 ـ حاشية الإرشاد ( مخطوط ) : 28 ، المسالك 1 : 124.
7 ـ في الصفحة : 94.


(90)
الانتفاع بالأصباغ المتنجسة ـ ما يدل على عدم توقف جواز الانتفاع بها على الطهارة.
    [ ما أفاده الشهيد الثاني في المسالك ]
    وفي المسالك ـ في ذيل قول المحقق قدس سره : وكل مائع نجس عدا الأدهان ـ قال : لا فرق في عدم جواز بيعها ـ على القول بعدم قبولها للطهارة ـ بين صلاحيتها للانتفاع على بعض الوجوه وعدمه ، ولا بين الإعلام بحالها وعدمه ، على ما نص عليها لأصحاب ، وأما الأدهان المتنجسة بنجاسة عارضية ـ كالزيت تقع فيه الفأرة ـ فيجوز بيعها لفائدة الاستصباح بها (1) وإنما خرج هذا الفرد بالنص ، وإلا فكان ينبغي مساواتها لغيرها من المائعات المتنجسة التي يمكن الانتفاع بها في بعض الوجوه ، وقد ألحق بعض الأصحاب ببيعها للاستصباح بيعها لتعمل صابونا أو يطلى به (2) الأجرب ونحو ذلك. ويشكل بأنه خروج عن مورد النص المخالف للأصل ، فإن جاز لتحقق المنفعة ، فينبغي مثله في المائعات النجسة (3) التي ينتفع بها ، كالدبس يطعم النحل (4) وغيره (5) ، انتهى.
    ولا يخفى ظهوره في جواز الانتفاع بالمتنجس ، وكون المنع من بيعه لأجل النص ، يقتصر على مورده.
    وكيف كان ، فالمتتبع في كلام المتأخرين يقطع بما استظهرناه
1 ـ كلمة بها من ش والمصدر فقط.
2 ـ كذا في النسخ ، وفي المصدر : بها ، وهو الأنسب.
3 ـ في ف : المتنجسة.
4 ـ في ش والمصدر : للنحل.
5 ـ المسالك 3 : 119.
المكاسب ـ جلد الأول ::: فهرس