المكاسب ـ جلد الأول ::: 111 ـ 120
(111)
القسمُ الأول
    ما لا يقصد من وجوده على نحوه الخاص إلا الحرام
     وهي امور منها :
هياكل العبادة المبتدعة
ـ كالصليب والصنم ـ
    بلا خلاف ظاهر ، بل الظاهر الإجماع عليه.

    [ ما يدلّ على حرمة الاكتساب به ياكل العبادة ]
    ويدل عليه مواضع من رواية تحف العقول ـ المتقدمة (1) ـ ، مثل (2) قوله عليه السلام : وكل أمر يكون فيه الفساد مما هو منهي عنه ، وقوله عليه السلام : أو شيء يكون فيه وجه من وجوه الفساد ، وقوله عليه السلام : وكل منهي
1 ـ تقدم في أول الكتاب.
2 ـ في خ ، م ، ع ، ص : في مثل.


(112)
عنه مما يتقرب به لغير الله ، وقوله عليه السلام : إنما حرم الله الصناعة التي هي حرام كلها مما يجيء منها (1) الفساد محضا ، نظير المزامير والبرابط ، وكل ملهوبه ، والصلبان والأصنام ... إلى أن قال : فحرام تعليمه وتعلمه ، والعمل به ، وأخذ الاجرة عليه ، وجميع التقلب فيه من جميع وجوه الحركات ... الخ.
    هذا كله ، مضافا إلى أن أكل المال في مقابل هذه الأشياء أكل له بالباطل ، وإلى قوله صلى الله عليه وآله وسلم : إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه (2) بناء على أن تحريم هذه الامور تحريم لمنافعها الغالبة ، بل الدائمة ، فإن الصليب من حيث إنه خشب بهذه الهيئة لا ينتفع به إلا في الحرام ، وليس بهذه الهيئة مما ينتفع به في المحلل والمحرم ، ولو فرض ذلك كان (3) منفعة نادرة لا يقدح في تحريم العين بقول مطلق ، الذي هو المناط في تحريم الثمن.

    [ جواز المعاوضة لو فرض هيئة خاصّة مشتركة بين هيكل العبادة وآلة اُخرى لعملٍ محلّل ]
    نعم ، لو فرض هيئة خاصة مشتركة بين هيكل العبادة وآلة اخرى لعمل محلل ـ بحيث لا تعد (4) منفعة نادرة ـ فالأقوى جواز البيع بقصد تلك المنفعة المحللة ، كما اعترف به في المسالك (5).
1 ـ في ش : منه.
2 ـ عوالي اللآلي 2 : 110 ، الحديث 301.
3 ـ في ن ، خ ، م ، ع ، ص : كان ذلك.
4 ـ في ن : لا يعد.
5 ـ المسالك 3 : 122 ( اعترف به في مسألة آلات اللهو ).


(113)
    [ توجيه القول بعدم الفرق بين قصد الجهة المحلّلة وغيرها ]
    فما ذكره بعض الأساطين (1) من أن ظاهر الإجماع والأخبار : أنه لا فرق بين قصد الجهة المحللة وغيرها ، فلعله محمول على الجهة المحللة التي لا دخل للهيئة فيها ، أو النادرة التي مما للهيئة دخل فيه.
    نعم ، ذكر أيضا ـ وفاقا لظاهر غيره ، بل الأكثر ـ أنه لا فرق بين قصد المادة والهيئة.

    [ تحقيق حول قصد المادة ]
    أقول : إن أراد ب‍قصد المادة كونها هيالباعثة على بذل المال بإزاء ذلك الشيء وإن كان عنوان المبيع المبذول بإزائه الثمن هو ذلك الشيء ، فما استظهره من الإجماع والأخبار حسن ، لأن بذل المال بإزاء هذا الجسم المتشكل بالشكل الخاص ـ من حيث كونه مالا عرفا ـ بذل للمال على الباطل.
    وإن أراد ب‍ قصد المادة كون المبيع هي المادة ، سواء تعلق البيع بها بالخصوص ـ كأن يقول : بعتك خشب هذا الصنم ـ أو في ضمن مجموع مركب ـ كما لو وزن له وزنة حطب فقال : بعتك ، فظهر فيه صنم أو صليب ـ فالحكم ببطلان البيع في الأول وفي مقدار الصنم في الثاني مشكل ، لمنع شمول الأدلة لمثل هذا الفرد ، لأن المتيقن من الأدلة المتقدمة حرمة المعاوضة على هذه الامور نظير المعاوضة على غيره (2) من الأموال العرفية ، وهو ملاحظة مطلق ما يتقوم به مالية الشيء من المادة والهيئة والأوصاف.
    والحاصل : أن الملحوظ في البيع قد يكون مادة الشيء من غير
1 ـ وهو الشيخ الكبير كاشف الغطاء في شرحه على القواعد ( مخطوط ) : 7.
2 ـ كذا في النسخ ، وفي مصححة ن : غيرها.


(114)
مدخلية الشكل ، ألا ترى أنه لو باعه وزنة (1) نحاس فظهر فيها آنية مكسورة ، لم يكن له (2) خيار العيب ، لأن المبيع هي المادة.
    ودعوى أن المال هي المادة بشرط عدم الهيئة ، مدفوعة بما صرح به من أنه لو أتلف الغاصب لهذه (3) الامور ضمن موادها (4).
    وحمله على الإتلاف تدريجا تمحل (5).
    [ إذا كان لمكسورها قيمة وباعها صحيحة لتُكسر ]
    وفي (6) محكي التذكرة أنه إذا كان لمكسورها قيمة وباعها صحيحة لتكسر وكان المشتري ممن يوثق بديانته ، فإنه يجوز بيعها على الأقوى (7) ، انتهى.
    واختار ذلك صاحب الكفاية (8) وصاحب الحدائق (9) وصاحب
1 ـ الوزنة : مقدار لتحديد الوزن يختلف باختلاف البلدان ، ففي بعضها يقدر بثلاثة أرطال ، وفي بعضها بخمسة أرطال. انظر محيط المحيط : 968 ، مادة وزن.
2 ـ في خ ، م ، ع ، ص و ش : لها.
3 ـ اللام ـ في كلمة لهذه ـ مشطوب عليها في ن.
4 ـ مثل عبارة العلامة في القواعد : فإن احرقت ضمن قيمة الرضاض ، راجع القواعد 1 : 203.
5 ـ في خ ، م ، ع ، ص : محتمل.
6 ـ في ف ، ن و خ : وقال في.
7 ـ حكاه عنها السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4 : 32 ، لكنا لم نقف في التذكرة إلا على ما يلي : وإن عد مالا فالأقوى عندي الجواز مع زوال الصفة المحرمة ، انظر التذكرة 1 : 465.
8 ـ كفاية الأحكام : 85.
9 ـ الحدائق 18 : 201.


(115)
الرياض (1) نافيا عنه الريب (2).
    [ توجيه التقييد في كلام العلاّمة ]
    ولعل التقييد في كلام العلامة ب‍ كون المشتري ممن يوثق بديانته (3) لئلا يدخل في باب المساعدة على المحرم ، فإن دفع مايقصد منه المعصية غالبا مع عدم وثوق بالمدفوع إليه تقوية لوجه من وجوه المعاصي ، فيكون باطلا ، كما في رواية تحف العقول.
    لكن فيه ـ مضافا إلى التأمل في بطلان البيع لمجرد الإعانة على الإثم ـ : أنه يمكن الاستغناء عن هذا القيد (4) بكسره قبل أن يقبضه إياه ، فإن الهيئة غير محترمة في هذه الامور ، كما صرحوا به في باب الغصب (5).
    بل قد يقال بوجوب إتلافها فورا ، ولا يبعد أن يثبت ، لوجوب حسم مادة الفساد.
    [ ما أفاده المحقق الثاني في جامع المقاصد ]
    وفي جامع المقاصد ـ بعد حكمه بالمنع عن بيع هذه الأشياء وإن
1 ـ الرياض 1 : 499.
2 ـ النافي للريب هو صاحب الحدائق ، لا صاحب الرياض كما هو ظاهر السياق.
3 ـ لم نقف عليه في كلام العلامة ، كما أشرنا إليه آنفا.
4 ـ كذا في ش ، وفي مصححة ن : هذا الوثوق ، وفي سائر النسخ : هذا الوجوب.
5 ـ صرح به العلامة في التذكرة 2 : 379 وغيرها ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 6 : 247 ، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 10 : 529 ، كما أن مقتضى كلام الشيخ ـ في مسألة غصب آنية الذهب والفضة ـ ذلك ، انظر المبسوط 3 : 61.


(116)
أمكن الانتفاع على حالها في غير محرم (1) منفعة لا تقصد منها ـ قال : ولا أثر لكون رضاضها الباقي بعد كسرها مما ينتفع به في المحلل ويعد مالا ، لأن بذل المال في مقابلها وهي على هيئتها بذل له في المحرم ، الذي لا يعد مالا عند الشارع. نعم ، لو باع رضاضها الباقي بعد كسرها قبل أن يكسرها ـ وكان المشتري موثوقا به وأنه يكسرها ـ أمكن القول بصحة البيع ، ومثله باقي الامور المحرمة كأواني النقدين والصنم (2) ، انتهى.
    ومنها :

آلات القمار بأنواعه
    بلا خلاف ظاهرا ، ويدل عليه جميع ما تقدم فيه ياكل العبادة.
    ويقوى هنا أيضا جواز بيع المادة قبل تغيير الهيئة.

    [ تقوية جواز بيع المادة قبل تغيير الهيئة ]
    وفي المسالك : أنه لو كان لمكسورها قيمة ، وباعها صحيحة لتكسر ـ وكان المشتري ممن يوثق بديانته ـ ففي جواز بيعها وجهان ، وقوى في التذكرة (3) الجواز مع زوال الصفة ، وهو حسن ، والأكثر أطلقوا
1 ـ في ف ، خ ، ش : غير المحرم.
2 ـ جامع المقاصد 4 : 15.
3 ـ التذكرة 1 : 465.


(117)
المنع (1) ، انتهى.
    أقول : إن أراد ب‍زوال الصفة : زوال الهيئة ، فلا ينبغي الإشكال في الجواز ، ولا ينبغي جعله محلا للخلاف بين العلامة والأكثر.

    [ بيان المراد من القمار ]
    ثم إن المراد بالقمار مطلق المراهنة بعوض ، فكل ما اعد لها ـ بحيث لا يقصد منه على ما فيه من الخصوصيات غيرها ـ حرمت المعاوضة عليه ، وأما المراهنة بغير عوض فيجيء (2) أنه ليس بقمار على الظاهر.
    نعم ، لو قلنا بحرمتها لحق الآلة المعدة لها حكم آلات القمار ، مثلما يعملونه شبه الكرة ، يسمى عندنا توپة (3) والصولجان.
    ومنها :

آلات اللهو
    على اختلاف أصنافها بلا خلاف ، لجميع ما تقدم في المسألة السابقة. والكلام في بيع المادة كما تقدم. وحيث إن المراد بآلات اللهو ما اعد له ، توقف على تعيين معنى
1 ـ المسالك 3 : 122.
2 ـ ظاهر ف : فسيجئ.
3 ـ كذا في ف و خ ، وفي ن : الترسة ـ التوبة ( خ ل ) ، وفي م و ص : الترسة ، وفي ش : الترثة ـ التوبة ( خل ).


(118)
اللهو وحرمة مطلق اللهو.
    إلا أن المتيقن (1) منه : ما كان من جنس المزامير وآلات الأغاني ، ومن جنس الطبول.
    وسيأتي معنى اللهو وحكمه.
    ومنها :

أواني الذهب والفضة
    إذا قلنا بتحريم اقتنائها وقصد (2) المعاوضة على مجموع الهيئة والمادة ، لا المادة فقط.
    ومنها :

الدراهم الخارجة المعمولة لأجل غش الناس
    إذا لم يفرض على هيئتها الخاصة منفعة محللة معتد بها ، مثل التزين ، أو الدفع إلى الظالم الذي يريد مقدارا من المال ـ كالعشار
1 ـ كذا في ش ومصححة ف ، وفي ن و م و ع : المطلوب منه ، وفي ص : المطلوب منه ، المتيقن ( خ ل ).
2 ـ في خ ، م ، ع ، ص : أو قصد.


(119)
[ ما يدلّ على وجوب إتلاف الدراهم المغشوشة ]
     ونحوه ـ بناء على جواز ذلك وعدم وجوب إتلاف مثل هذه الدراهم ولو بكسرها من بابدفع مادة الفساد ، كما يدل عليه قوله عليه السلام في رواية الجعفي ـ مشيرا إلى درهم ـ : إكسر هذا ، فإنه لا يحل بيعه ولا إنفاقه (1).
    وفي رواية موسى بن بكير (2) : قطعه نصفين (3) ثم قال : ألقه في البالوعة حتى لا يباع شيء فيه (4) غش (5).
    وتمام الكلام فيه في باب الصرف إن شاء الله.

    [ لو وقعت المعاوضة عليها جهلاً فتبين الحال ]
    ولو وقعت المعاوضة عليها جهلا فتبين الحال لمن صار (6) إليه ، فإن وقع عنوان المعاوضة على الدرهم ـ المنصرف إطلاقه إلى المسك وكبسكة (7) السلطان (8) ـ بطل البيع ، وإن وقعت المعاوضة على شخصه
1 ـ الوسائل 12 : 473 ، الباب 10 من أبواب الصرف ، الحديث 5 ، مع اختلاف يسير.
2 ـ كذا في النسخ ، لكن في المصادر الحديثية : موسى بن بكر.
3 ـ في مصححة ص : بنصفين.
4 ـ كذا في ظاهر ف ونسخة بدل ص والمصدر ، وفي ش : لا يباع بشيء فيه غش ، وفي سائر النسخ : حتى لا يباع بما فيه غش.
5 ـ الوسائل 12 : 209 ، الباب 86 من أبواب مايكتسب به ، الحديث 5 ، وإليك نصه : قال : كنا عند أبي الحسن عليه السلام وإذا دنانير مصبوبة بين يديه ، فنظر إلى دينار فأخذه بيده ثم قطعه بنصفين ، ثم قال لي : ألقه في البالوعة حتى لا يباع شيء فيه غش.
6 ـ كذا في النسخ ، والمناسب : صارت.
7 ـ كذا في ف ومصححة ن ، وفي سائر النسخ : سكة.
8 ـ وردت العبارة في ف هكذا : فإن وقع عنوان المعاوضة على الدرهم المشكوك بسكة السلطان ، وشطب على عبارة المنصرف إطلاقه إلى.


(120)
من دون عنوان ، فالظاهر صحة البيع مع خيار العيب إن كانت المادة مغشوشة ، وإن كان مجرد تفاوت السكة ، فهو خيار التدليس ، فتأمل.

    [ الفرق بين المعاوضة على الدراهم المغشوشة وآلات القمار ]
    وهذا بخلاف ما تقدم من الآلات ، فإن البيع الواقع عليها لا يمكن تصحيحه بإمضائه من جهة المادة فقط واسترداد ما قابل الهيئة من الثمن المدفوع ، كما لو جمع بين الخل والخمر ، لأن كل جزء من الخل أو الخمر (1) مال لا بد أن يقابل في المعاوضة بجزء من المال ، ففساد المعاملة باعتباره يوجب فساد مقابله من المال لا غير ، بخلاف المادة والهيئة ، فإن الهيئة من قبيل القيد للمادة جزء عقلي لا خارجي تقابل بمال على حدة ، ففساد المعاملة باعتباره فساد لمعاملة المادة حقيقة.
    وهذا الكلام مطرد في كل قيد فاسد بذل الثمن الخاص لداعي وجوده.
1 ـ كذا في ف ، وفي سائر النسخ : والخمر.
المكاسب ـ جلد الأول ::: فهرس