المكاسب ـ جلد الأول ::: 121 ـ 130
(121)
القسم الثاني
ما يقصد منه المتعاملان المنفعة المحرمة

    [ الوجوه المتصوّرة في قصد المنفعة المحرّمة ]
    وهو :
    تارة على وجه يرجع إلى بذل المال في مقابل المنفعة المحرمة ، كالمعاوضة على العنب مع التزامهما أن لايتصرف فيه إلا بالتخمير.
    واخرى على وجه يكون الحرام هو الداعي إلى المعاوضة لا غير ، كالمعاوضة على العنب مع قصدهما تخميره.
    والأول إما أن يكون الحرام مقصودا لا غير ، كبيع العنب على أن يعمله خمرا (1) ، ونحو ذلك.
    وإما أن يكون الحرام مقصودا معالحلال ، بحيث يكون بذل المال بإزائهما (2) ، كبيع الجارية المغنية بثمن لوحظ فيه وقوع بعضه بإزاء
1 ـ في ف : أن يعمل خمرا.
2 ـ في ف : بإزائها.


(122)
صفة التغني.
    فهنا مسائل ثلاث :


(123)
المَسالَة الاولى
    [ بيع العنب على أن يعمل خمراً ، والخشب على أن يعمل صنماً ]
    بيع العنب على أن يعمل خمرا ، والخشب على أن يعمل صنما ، أو آلة لهو أو قمار ، وإجارة (1) المساكن ليباع أو يحرز فيها الخمر ، وكذا إجارة السفن والحمولة لحملها. ولا إشكال في فساد المعاملة ـ فضلا عن حرمته ـ ولا خلاف فيه.
    [ خبر جابر الدالّ على حرمة مؤاجرة البيت ليباع فيه الخمر ]
    ويدل عليه ـ مضافا إلى كونها إعانة على الإثم ، وإلى أن الإلزام والالتزام بصرف المبيع في المنفعة المحرمة الساقطة في نظر الشارع أكل وإيكال للمال بالباطل ـ خبر جابر ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يؤاجر بيته فيباع فيه الخمر ، قال : حرام اجرته (2).
    فإنه إما مقيد بما إذا استأجره لذلك ، أو يدل عليه بالفحوى ، بناء على ما سيجيء من حرمة العقد مع من يعلم أنه يصرف المعقود عليه في الحرام.
1 ـ كذا في ش ، وفي سائر النسخ : أو إجارة.
2 ـ الوسائل 12 : 125 ، الباب 39 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأول.


(124)
    [ مصحّحة ابن اُذينة الدالّة على الجواز ]
    نعم ، في مصححة ابن اذينة ، قال (1) : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يؤاجر سفينته أو دابته لمن يحمل فيها أو عليها الخمر والخنازير ، قال : لا بأس (2).
    [ الجمع بين الخبرين ]
    لكنها محمولة على ما إذا اتفق الحمل من دون أن يؤخذ ركنا أو شرطا في العقد ، بناء على أن خبر جابر نص في ما نحن فيه وظاهر في هذا ، عكس الصحيحة ، فيطرح (3) ظاهر كل بنص الآخر ، فتأمل ، مع أنه لو سلم التعارض كفى العمومات المتقدمة (4).
    وقد يستدل أيضا ـ في ما نحن فيه ـ بالأخبار المسؤول فيها عن جواز بيع الخشب ممن يتخذه صلبانا أو صنما ، مثل مكاتبة ابن اذينة : عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا ؟ قال : لا (5).
    ورواية عمرو بن الحريث : عن التوت أبيعه ممن يصنع الصليب أو الصنم ؟ قال : لا (6).
    وفيه : أن حمل تلك الأخبار على صورة اشتراط البائع المسلم
1 ـ في المصدر : قال : كتبت إلى أبي عبد الله عليه السلام أسأله عن الرجل ... .
2 ـ الوسائل 12 : 126 ، الباب 39 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 2.
3 ـ كذا في ف ونسخة بدل ش ، وفي سائر النسخ : يطرح.
4 ـ وهي رواية تحف العقول ، ورواية الفقه الرضوي ، ورواية دعائم الإسلام ، والنبوي المشهور ، المتقدمة كلها في أول الكتاب.
5 ـ الوسائل 12 : 127 ، الباب 41 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأول.
6 ـ الوسائل 12 : 127 ، الباب 41 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 2 ، ولفظه هكذا : عن التوت أبيعه يصنع للصليب والصنم ؟ قال : لا.


(125)
على المشتري أو تواطئهما على التزام صرف المبيع في الصنم والصليب ، بعيد في الغاية.
    والفرق بين مؤاجرة البيت لبيع الخمر فيه ، وبيع الخشب على أن يعمل صليبا أو صنما لا يكاد يخفى (1) ، فإن بيع الخمر في مكان وصيرورته دكانا لذلك منفعة عرفية يقع الإجارة عليها من المسلم كثيرا ـ كما يؤجرون البيوت لسائر المحرمات ـ بخلاف جعل العنب خمرا والخشب صليبا ، فإنه لا غرض للمسلم في ذلك غالبا يقصده في بيع عنبه أو خشبه ، فلا يحمل عليه موارد السؤال.
    نعم ، لو قيل في المسألة الآتية بحرمة بيع الخشبم من يعلم أنه يعمله صنما ـ لظاهر هذه الأخبار ـ صح الاستدلال بفحواها على ما نحن فيه ، لكن ظاهر هذه الأخبار معارض بمثله أو بأصرح منه ، كما سيجئ.

    [ حرمة بيع كلّ ذي منفعة محلّلة على أن يُصرف في الحرام ]
    ثم إنه يلحق بماذكر ـ من بيع العنب والخشب على أن يعملا خمرا وصليبا (2) ـ بيع كل ذي منفعة محللة على أن يصرف في الحرام ، لأن حصر الانتفاع بالمبيع (3) في الحرام يوجب كون أكل الثمن بازائه أكلا للمال بالباطل.
    ثم إنه لا فرق بين ذكر (4) الشرط المذكور في متن العقد ، وبين
1 ـ في أكثر النسخ : يختفي.
2 ـ في ف ، خ ، ش : أو صليبا.
3 ـ كذا في مصححة ن و ص ، وفي سائر النسخ : بالبيع.
4 ـ ورد في ش فقط.


(126)
التواطؤ عليه خارج العقد ووقوع العقد عليه ، ولو كان فرق فإنما هو في لزوم الشرط وعدمه ، لا فيما هو مناط الحكم هنا.
    [ الأظهر فساد العقد المشروط فيه الحرام وإن لم نقل بإفساد الشرط الفاسد ]
    ومن ذلك يظهر أنه لا يبنى فساد هذا العقد على كون الشرط الفاسد مفسدا ، بل الأظهر فساده وإن لم نقل بإفساد الشرط الفاسد ، لما عرفت من رجوعه في الحقيقة إلى أكل المال في مقابل المنفعة المحرمة.
    وقد تقدم الحكم بفساد المعاوضة على آلات المحرم مع كون موادها أموالا مشتملة على منافع محللة ، مع أن الجزء أقبل للتفكيك بينه وبين الجزء الآخر من الشرط والمشروط ، وسيجيء أيضا في المسألة الآتية ما يؤيد هذا أيضا ، إن شاء الله.
    وهذا النوع وإن كان أفراده هي جميع الأعمال المحرَّمة القابلة لمقابلة المال بها في الإجارة والجُعالة وغيرها ، إلاّ أنّه جرت عادة الأصحاب بذكر كثيرٍ ممّا من شأنه الاكتساب به من المحرّمات ، بل ولغير (1) ذلك مما لم يتعارف الاكتساب به ، كالغيبة والكذب ونحوهما.
    وكيف كان ، فنقتفي آثارهم بذكر أكثرها في مسائل مرتبة بترتيب حروف أوائل عنواناتها ، إن شاء الله تعالى ، فنقول :
1 ـ في (ش) : وغير ذلك.

(127)
المسألة الثانية
    [ المعاوضة على الجارية المغنّية ]
    يحرم المعاوضة على الجارية المغنية ، وكل عين مشتملة على صفة يقصد منها الحرام إذا قصد منها ذلك ، وقصد اعتبارها في البيع على وجه يكون دخيلا في زيادة الثمن ـ كالعبد الماهر في القمار أو اللهو والسرقة (1) ، إذا لوحظ فيه هذه الصفة وبذل بإزائها شيء من الثمن ـ لا ما كان على وجه الداعي.
    ويدل عليه أن بذل شيء (2) من الثمن بملاحظة الصفة المحرمة أكل للمال بالباطل.
    [ التفكيك بين القيد والمقيّد غير معروف عرفاً وغير واقع شرعاً ]
    والتفكيك بين القيد والمقيد ـ بصحة العقد في المقيد وبطلانه في القيد بما قابله من الثمن ـ غير معروف عرفا ، لأن القيد أمر معنوي لا يوزع عليه شيء من المال وإن كان يبذل المال بملاحظة وجوده. وغير واقع شرعا ، على ما اشتهر من أن الثمن لا يوزع على الشروط ، فتعين بطلان العقد رأسا.
1 ـ في مصححة ن : أو السرقة.
2 ـ في ش : الشئ.


(128)
    وقد ورد النص بأن : ثمن الجارية المغنية سحت (1) وأنه : قد يكون للرجل الجارية تلهيه ، وما ثمنها إلا كثمن الكلب (2).
    [ بيع الجارية المغنّية مع ملاحظة الصفة المحرّمة وعدمها ]
    نعم ، لو لم تلاحظ الصفة أصلا في كمية الثمن ، فلا إشكال في الصحة.
    ولو لوحظت من حيث إنها صفة كمال قد تصرف إلى المحلل فيزيد لأجلها الثمن ، فإن كانت المنفعة المحللة لتلك الصفة مما يعتد بها ، فلا إشكال في الجواز.
    وإن كانت نادرة بالنسبة إلى المنفعة المحرمة ، ففي إلحاقها بالعين في عدم جواز بذل المال إلا لما اشتمل على منفعة محللة غير نادرة بالنسبة إلى المحرمة ، وعدمه ـ لأن المقابل بالمبذول هو الموصوف ، ولا ضير في زيادة ثمنه بملاحظة منفعة نادرة ـ وجهان :
    أقواهما : الثاني ، إذ لا يعد أكلا للمال بالباطل ، والنص بأن ثمن المغنية سحت مبني على الغالب.
1 ـ الوسائل 12 : 87 ، الباب 16 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 4 ، ولفظه : إن ثمن الكلب والمغنية سحت.
2 ـ الوسائل 12 : 88 ، الباب 16 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 6 ، باختلاف يسير في اللفظ.


(129)
المسألة الثالثة
    [ بيع العنب ممّن يعمله خمراً بقصد أن يعمله خمراً ]
    يحرم بيع العنب ممن يعمله خمرا بقصد أن يعمله ، وكذا بيع الخشب بقصد أن يعمله صنما أو صليبا ، لأن فيه إعانة على الإثم والعدوان. ولا إشكال ولاخلاف في ذلك.
    أما لو لم يقصد ذلك ، فالأكثر على عدم التحريم ، للأخبار المستفيضة :

    [ الأخبار المجوّزة للبيع مع عدم القصد ]
    منها : خبر ابن اذينة ، قال : كتبت إلى أبي عبد الله عليه السلام أسأله عن رجل له كرم (1) يبيع العنب (2) ممن يعلم أنه يجعله خمرا أو مسكرا ؟ فقال عليه السلام : إنما باعه حلالا في الإبان الذي يحل شربه أو أكله ، فلا بأس ببيعه (3).
1 ـ الكرم : العنب ، وأرض يحوطها حائط فيه أشجار ملتفة لا يمكن زراعة أرضها. انظر محيط المحيط : 777.
2 ـ في المصدر : أيبيع العنب والتمر ممن يعلم أنه يجعله خمرا أو سكرا.
3 ـ الوسائل 12 : 169 ، الباب 59 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 5.


(130)
    ورواية أبي كهمس ، قال (1) : سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام ـ إلى أن قال ـ : هو ذا نحن نبيع تمرنا ممن نعلم أنه يصنعه خمرا (2).
    إلى غير ذلك مما هو دونهما في الظهور.

    [ الأخبار المانعة ]
    وقد يعارض ذلك (3) بمكاتبة ابن اذينة : عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا ، قال : لا (4).
    ورواية عمرو بن حريث : عن التوت (5) أبيعه ممن يصنع الصليب أو الصنم ؟ قال : لا (6).

    [ الجمع بين الأخبار ]
    وقد يجمع بينهما وبين الأخبار المجوزة ، بحمل المانعة على صورة اشتراط جعل الخشب صليبا أو صنما ، أو تواطؤهما عليه.
1 ـ من ش والمصدر.
2 ـ الوسائل 12 : 170 ، الباب 59 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 6.
3 ـ في ش : تلك.
4 ـ الوسائل 12 : 127 ، الباب 41 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأول.
5 ـ كذا في ف و ع ومصححة خ ونسخة بدل م و ش ، وفي ن و ص : التوز ، وأما في المصادر الحديثية ، ففي الكافي والتهذيب والوسائل : التوت ، وفي الوافي : التوز ، وقال المحدث الكاشاني في بيانه : التوز ـ بضم المثناة الفوقانية والزاي ـ : شجر يصنع به القوس انظر الوافي 17 : 276. وأما التوت فهو شجر يأكل ورقه دود القز ، وله ثمر أبيض حلو ، ومنه ما يثمر ثمرا حامضا ثم يسود فيحلو ، ويقال له : التوت الشامي ، ويقال لثمره : الفرصاد. محيط المحيط : 75 ، مادة : توت.
6 ـ الوسائل 12 : 127 ، الباب 41 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 2 ، ولفظه هكذا : عن التوت أبيعه يصنع للصليب والصنم ... .
المكاسب ـ جلد الأول ::: فهرس