المكاسب ـ جلد الأول ::: 181 ـ 190
(181)
    [ هل يعتبر في الحرمة الإيمان ؟ ]
    وأما اعتبار الإيمان ، فاختاره في القواعد والتذكرة (1) ، وتبعه بعض الأساطين (2) لعدم احترام غير المؤمنة.
    وفي جامع المقاصد ـ كما عن غيره ـ حرمة التشبيب بنساء أهل الخلاف وأهل الذمة ، لفحوى حرمة النظر إليهن (3).
    ونقض بحرمة النظر إلى نساء أهل الحرب ، مع أ نه صرح بجواز التشبيب بهن.
    والمسألة مشكلة ، من جهة الاشتباه في مدرك أصل الحكم.
    وكيف كان ، فإذا شك المستمع في تحقق شروط الحرمة لم يحرم عليه الاستماع ، كما صرح به في جامع المقاصد (4).

    [ التشبيب بالغلام حرام على كلّ حال ]
    وأما التشبيب بالغلام ، فهو محرم على كل حال ـ كما عن الشهيدين (5) والمحقق الثاني (6) وكاشف اللثام (7) ـ ، لأنه فحش محض ، فيشتمل على الإغراء بالقبيح.
1 ـ القواعد 1 : 121 ، التذكرة 1 : 582.
2 ـ وهو كاشف الغطاء قدس سره في شرحه على القواعد ( مخطوط ) : 21.
3 ـ جامع المقاصد 4 : 28 ، وتستفاد من عبارة الشهيد في الدروس حيث استثنى من حرمة التشبيب نساء أهل الحرب ، انظر الدروس 3 : 163 ، وأشار إلى ذلك في مفتاح الكرامة 4 : 68.
4 ـ المصدر المتقدم.
5 ـ الأول في الدروس 3 : 163 ، والثاني في المسالك ( الطبعة الحجرية ) 2 : 323.
6 ـ جامع المقاصد 4 : 28.
7 ـ كشف اللثام 2 : 373.


(182)
    وعن المفاتيح : أن في إطلاق الحكم نظرا (1) ، والله العالم.
1 ـ مفاتيح الشرائع 2 : 20.

(183)
المسألة الرابعة
    [ حرمة تصوير صور ذوات الأرواح ]
    تصوير صور ذوات الأرواح حرام ـ إذا كانت الصورة مجسمة ـ بلاخلاف فتوى ونصا. وكذا مع عدم التجسم (1) ، وفاقا لظاهر النهاية (2) وصريح السرائر (3) والمحكي عن حواشي الشهيد (4) والميسية (5) والمسالك (6) وإيضاح النافع (7) والكفاية (8) ومجمع البرهان (9) وغيرهم (10) ، للروايات المستفيضة :
1 ـ ظاهر ف : التجسيم.
2 ـ النهاية : 363.
3 ـ السرائر 2 : 215.
4 ـ لا يوجد لدينا ، وحكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4 : 48.
5 ـ لا يوجد لدينا ، وحكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4 : 48.
6 ـ المسالك 3 : 126.
7 ـ لا يوجد لدينا ، وحكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4 : 48.
8 ـ كفاية الأحكام : 85.
9 ـ مجمع الفائدة 8 : 55.
10 ـ مثل القاضي في المهذب 1 : 344.


(184)
    [ الأخبار المستفية الدالة على حرمة مجرّد النقش ]
    مثل قوله عليه السلام : نهى أن ينقش شيء من الحيوان على الخاتم (1).
    وقوله عليه السلام : نهى عن تزويق البيوت ، قلت : وما تزويق البيوت ؟ قال : تصاوير التماثيل (2).
    والمتقدم عن تحف العقول : وصنعة صنوف التصاوير ما لم يكن مثال الروحاني (3).
    وقوله عليه السلام في عدة أخبار : من صور صورة كلفه الله يوم القيامة أن ينفخ فيها وليس بنافخ (4).
    وقد يستظهر اختصاصها بالمجسمة ، من حيث إن نفخ الروح لا يكون إلا في الجسم ، وإرادة تجسيم (5) النقش مقدمة للنفخ ثم النفخ فيه خلاف الظاهر.
    وفيه : أن النفخ يمكن تصوره في النقش بملاحظة محله ، بل بدونها ـ كما في أمر الإمام عليه السلام الأسد المنقوش على البساط بأخذ الساحر في مجلس الخليفة (6) ـ أو بملاحظة لون النقش الذي هو في الحقيقة أجزاء
1 ـ الوسائل 12 : 221 ، الباب 94 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 6.
2 ـ الوسائل 3 : 560 ، الباب 3 من أبواب المساكن ، الحديث الأول.
3 ـ تقدم في أول الكتاب.
4 ـ الوسائل 12 : 220 ، الباب 94 من أبواب ما يكتسب به ، الأحايث 6 ـ 9.
5 ـ في بعض النسخ : تجسم.
6 ـ أمالي الصدوق 1 : 127 ، المجلس 29 ، الحديث 19 ، وعيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 96 ، الباب 8 ، الحديث الأول.


(185)
لطيفة من الصبغ.
    والحاصل ، أن مثل هذا لا يعد قرينة ـ عرفا ـ على تخصيص الصورة (1) بالمجسم (2).
    وأظهر من الكل ، صحيحة ابن مسلم : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن تماثيل الشجر والشمس والقمر ؟ قال : لا بأس ما لم يكن شيئا (3) من الحيوان (4) ، فإن ذكر الشمس والقمر قرينة على إرادة مجرد النقش.
    ومثل قوله عليه السلام : من جدد قبرا أو مثل مثالا فقد خرج عن الإسلام (5). فإن المثال و التصوير مترادفان ـ على ما حكاه كاشف اللثام عن أهل اللغة (6) ـ.
    مع أن الشائع من التصوير والمطلوب منه ، هي الصور المنقوشة على أشكال الرجال والنساء والطيور والسباع ، دون الأجسام المصنوعة على تلك الأشكال.

    [ استظهار أنّ الحكمة في التحريم هي حرمة التشبّه بالخالق ]
    ويؤيده أن الظاهر أن الحكمة في التحريم هي حرمة التشبه بالخالق في إبداع الحيوانات وأعضائها على الأشكال المطبوعة ، التي يعجز البشر عن نقشها على ما هي عليه ، فضلا عن اختراعها ، ولذا منع
1 ـ في ع ، ص : الصور.
2 ـ في ف : بالجسم.
3 ـ كذا في ش والمصدر ، وفي سائر النسخ : شئ.
4 ـ الوسائل 12 : 220 ، الباب 94 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 3.
5 ـ الوسائل 2 : 868 ، الباب 43 من أبواب الدفن ، الحديث الأول.
6 ـ كشف اللثام 1 : 199.


(186)
بعض الأساطين عن تمكين غير المكلف من ذلك (1).
    ومن المعلوم أن المادة لا دخل لها في هذه الاختراعات العجيبة ، فالتشبه إنما يحصل بالنقش والتشكيل ، لا غير.

    [ استظهار اختصاص الحكم بذوات الأرواح ]
    ومن هنا يمكن استظهار اختصاص الحكم بذوات الأرواح ، فإن صور غيرها كثيرا ما تحصل بفعل الإنسان للدواعي الاخر غير قصد التصوير ، ولا يحصل به تشبه بحضرة المبدع ـ تعالى عن التشبيه (2) ـ بل كل ما يصنعه الإنسان من التصرف في الأجسام فيقع (3) على شكل واحد من مخلوقات الله تعالى.
    [ ما أفاده في كشف اللثام من النقض على التعميم ]
    ولذا قال كاشف اللثام ـ على ما حكي عنه في مسألة كراهة الصلاة في الثوب المشتمل على التماثيل ـ : إنه لو عمت الكراهة لتماثيل ذي الروح وغيرها كرهت الثياب ذوات الأعلام ، لشبه الأعلام بالأخشاب والقصبات ونحوها ، والثياب المحشوة ، لشبه طرائقها المخيطة بها ، بل الثياب قاطبة ، لشبه خيوطها بالأخشاب ونحوها (4) ، انتهى. وإن كان ما ذكره لا يخلو عن نظر كما سيجئ.
    هذا ، ولكن العمدة في اختصاص الحكم بذوات الأرواح أصالة الإباحة ، مضافا إلى ما دل على الرخصة ، مثل صحيحة ابن مسلم
1 ـ وهو كاشف الغطاء في شرحه على القواعد : 12.
2 ـ كذا في النسخ ، وفي مصححة ن : الشبيه.
3 ـ في مصححة ن : يقع.
4 ـ كشف اللثام 1 : 194.


(187)
ـ السابقة (1) ـ ، ورواية التحف ـ المتقدمة ـ ، وما ورد في تفسير قوله تعالى : ( يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل ) (2) من قوله عليه السلام : والله ما هي تماثيل الرجال والنساء ، ولكنها تماثيل (3) الشجر وشبهه (4).
    والظاهر ، شمولها للمجسم (5) وغيره ، فبها يقيد بعض ما مر من الإطلاق.
    [ ظاهر بعضٍ تعميم الحكم لغير ذي الروح ]
    خلافا لظاهر جماعة ، حيث إنهم بين من يحكى عنه تعميمه الحكم لغير ذي الروح ولو لم يكن مجسما (6) ، لبعض الإطلاقات ـ اللازم تقييدها بما تقدم ـ مثل قوله عليه السلام : نهى عن تزويق البيوت (7) ، وقوله عليه السلام : من مثل مثالا ... الخ (8).
    [ ظاهر آخرين تخصيص الحكم بالمجسّم ]
    وبين من عبر بالتماثيل المجسمة (9) ، بناء على شمول التمثال لغير الحيوان ـ كما هو كذلك ـ فخص الحكم بالمجسم ، لأن المتيقن من المقيدات
1 ـ تقدمت في الصفحة 185.
2 ـ سبأ : 13.
3 ـ لم ترد تماثيل في المصادر الحديثية.
4 ـ الوسائل 12 : 220 ، الباب 94 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأول.
5 ـ كذا في ش ، وفي سائر النسخ : للجسم.
6 ـ يستفاد التعميم من إطلاق كلام الحلبي في الكافي : 281 ، وابن البراج في المهذب 1 : 344.
7 ـ تقدم في الصفحة : 184.
8 ـ تقدم في الصفحة : 185.
9 ـ مثل المفيد في المقنعة : 587 ، والشيخ في النهاية : 363.


(188)
للإطلاقات والظاهر منها ـ بحكم غلبة الاستعمال والوجود ـ : النقوش لا غير.
    وفيه : أن هذا الظهور لو اعتبر لسقط (1) الإطلاقات عن نهوضها لإثبات حرمة المجسم ، فتعين حملها (2) على الكراهة ، دون التخصيص بالمجسمة.
    وبالجملة ، التمثال في الإطلاقات المانعة ـ مثل قوله : من مثل مثالا ـ إن كان ظاهرا في شمول الحكم للمجسم ، كان كذلك في الأدلة المرخصة لما عدا الحيوان ، كرواية تحف العقول وصحيحة ابن مسلم (3) وما في تفسير الآية (4).
    فدعوى ظهور الإطلاقات المانعة في العموم واختصاص المقيدات المجوزة بالنقوش تحكم.

    [ خروج تصوير ما هو مصنوع للعباد عن أدلّة الحرمة ]
    ثم إنه لو عممنا الحكم لغير الحيوان مطلقا أو مع التجسم ، فالظاهر أن المراد به ما كان مخلوقا لله سبحانه على هيئة خاصة معجبة للناظر ، على وجه تميل النفس إلى مشاهدة صورتها المجردة عن المادة أو معها ، فمثل تمثال السيف والرمح والقصور والأبنية والسفن مما هو مصنوع للعباد ـ وإن كانت في هيئة حسنة معجبة ـ خارج ، وكذا مثل تمثال القصبات والأخشاب والجبال والشطوط مما خلق (5) الله لا على هيئة معجبة للناظر
1 ـ في ف : سقط.
2 ـ في هامش ف زيادة : عند هذا القائل.
3 ـ راجع الصفحة : 185.
4 ـ تقدم في الصفحة السابقة.
5 ـ في ش : خلقه الله.


(189)
ـ بحيث تميل النفس إلى مشاهدتها ، ولو بالصور الحاكية لها ـ ، لعدم شمول الأدلة لذلك كله.
    هذا كله مع قصد الحكاية والتمثيل ، فلو دعت الحاجة إلى عمل شيء يكون شبيها بشيء من خلق الله ـ ولو كان حيوانا ـ من غير قصد الحكاية ، فلا بأس قطعا.
    ومنه يظهر النظر في ما تقدم عن كاشف اللثام (1).

    [ المرجع في صدق ( التصوير ) هو العرف ]
    ثم إن المرجع في الصورة إلى العرف ، فلا يقدح في الحرمة نقص بعض الأعضاء. وليس في ما ورد من رجحان تغيير الصورة بقلع عينها أو كسر رأسها (2) دلالة على جواز تصوير الناقص.

    [ حكم تصوير بعض أجزاء الحيوان ]
    ولو صور بعض أجزاء الحيوان ففي حرمته نظر ، بل منع ، وعليه ، فلو صور نصف الحيوان من رأسه إلى وسطه ، فإن قدر الباقي موجودا ـ بأن فرضه إنسانا جالسا لا يتبين ما دون وسطه ـ حرم ، وإن قصد النصف لا غير لم يحرم إلا مع صدق الحيوان على هذا النصف.
    ولو بدا له في إتمامه حرم الإتمام ، لصدق التصوير بإكمال الصورة ، لأنه إيجاد لها.
    ولو اشتغل بتصوير حيوان فعل حراما ، حتى لوبدا له في إتمامه. وهل يكون ما فعل حراما من حيث التصوير ، أو لا يحرم إلا من حيث التجري ؟ وجهان : من أ نه لم يقع إلا بعض مقدمات الحرام بقصد تحققه ،
1 ـ تقدم في الصفحة : 186.
2 ـ الوسائل 3 : 462 ، الباب 32 من أبواب مكان المصلي.


(190)
ومن أن معنى حرمة الفعل عرفا ليس إلا حرمة الاشتغال به عمدا ، فلا تراعى الحرمة بإتمام العمل.
    والفرق بين فعل الواجب ـ المتوقف استحقاق الثواب على إتمامه ـ وبين الحرام ، هو قضاء العرف ، فتأمل.

    [ حكم اقتناء ما حرم عمله من الصور ]
    بقي الكلام في جواز اقتناء ما حرم عمله من الصور وعدمه.
    فالمحكي عن شرح الإرشاد ـ للمحقق الأردبيلي ـ أن المستفاد من الأخبار الصحيحة وأقوال الأصحاب : عدم حرمة إبقاء الصور ، انتهى. وقرره الحاكي على هذه الاستفادة (1).
    وممن اعترف بعدم الدليل على الحرمة ، المحقق الثاني ـ في جامع المقاصد ـ مفرعا على ذلك جواز بيع الصور المعمولة ، وعدم لحوقها بآلات اللهو والقمار وأواني النقدين (2) ، وصرح في حاشية الإرشاد بجواز النظر إليها (3).
    لكن ظاهر كلام بعض القدماء حرمة بيع التماثيل وابتياعها.
    ففي المقنعة ـ بعد أن ذكر في ما يحرم الاكتساب به الخمر وصناعتها وبيعها ـ قال : وعمل الأصنام والصلبان والتماثيل المجسمة
1 ـ حكاه في مفتاح الكرامة ( 4 : 49 ) عن مجمع الفائدة في باب لباس المصلي ، والموجود فيه قوله : ويفهم من الأخبار الصحيحة عدم تحريم إبقاء الصورة من دون نسبة إلى الأصحاب ، انظر مجمع الفائدة 2 : 93.
2 ـ جامع المقاصد 4 : 16.
3 ـ حاشية الإرشاد : 206.
المكاسب ـ جلد الأول ::: فهرس