المكاسب ـ جلد الأول ::: 171 ـ 180
(171)
    [ كراهة كسب الماشطة مع شرط الاُجرة المعينة ]
    ثم إن المرسلة ـ المتقدمة عن الفقيه (1) ـ دلت على كراهة كسب الماشطة مع شرط الاجرة المعينة ، وحكي الفتوى به (2) عن المقنع وغيره (3).
    والمراد بقوله عليه السلام : إذا قبلت ما تعطى (4) البناء على ذلك حين العمل ، وإلا فلا يلحق العمل بعد وقوعه ما يوجب كراهته.
    ثم إن أولوية قبول ما يعطى وعدم مطالبة الزائد :
    [ الحكمة في أولوية قبول ما يُعطاه الحجّام والختّان المشاطة ]
    إما لأن الغالب عدم نقص ما تعطى عن اجرة مثل العمل ، إلا أن مثل الماشطة والحجام والختان ـ ونحوهم ـ كثيرا ما يتوقعون أزيد مما يستحقون ـ خصوصا من اولي المروءة والثروة ـ وربما يبادرون إلى هتك العرض إذا منعوا ، ولا يعطون ما يتوقعون من الزيادة ـ أو بعضه ـ إلا استحياء وصيانة للعرض. وهذا لا يخلو عن شبهة ، فامروا في الشريعة بالقناعة بمايعطون وترك مطالبة الزائد ، فلا ينافي ذلك جواز مطالبة الزائد والامتناع عن قبول مايعطى إذا اتفق كونه دون اجرة المثل.
    وإما لأن المشارطة في مثل هذه الامور لا يليق بشأن كثير من
1 ـ تقدمت في الصفحة : 167.
2 ـ ظاهر العبارة : رجوع الضمير إلى الكراهة ـ بعد الإغماض عن الإشكال في تذكير الضمير ـ لكن الذي وقفنا عليه في المقنع هو الفتوى بمضمون المرسلة ، من دون إشارة إلى الكراهة المستفادة من مفهومها ، فيحتمل أن يكون الضمير راجعا إلى المرسلة بتقدير المضاف ، أي افتي بمضمون المرسلة ، فلاحظ.
3 ـ انظر المقنع ( الجوامع الفقهية ) : 30 ، والهداية ( الجوامع الفقهية ) : 62.
4 ـ لفظ الحديث : إذا لم تشارط وقبلت ما تعطى.


(172)
الأشخاص ، لأن المماكسة فيها خلاف المروءة ، والمسامحة فيها قد لا تكون مصلحة ، لكثرة طمع هذه الأصناف ، فامروا بترك المشارطة والإقدام على العمل بأقل ما يعطى وقبوله.
    وترك مطالبة الزائد مستحب للعامل ، وإن وجب على من عمل له إيفاء تمام مايستحقه من اجرة المثل ، فهو مكلف وجوبا بالإيفاء ، والعامل مكلف ندبا بالسكوت وترك المطالبة ، خصوصا على ما يعتاده هؤلاء من سوء الاقتضاء.
    أو (1) لأن الأولى في حق العامل قصد التبرع بالعمل ، وقبول ما يعطى على وجه التبرع أيضا ، فلا ينافي ذلك ما ورد من قوله عليه السلام : لا تستعملن أجيرا حتى تقاطعه (2).
1 ـ عطف على قوله : إما.
2 ـ لم نعثر على خبر باللفظ المذكور ، نعم ، ورد مؤداه في الوسائل 13 : 245 ، الباب 3 من أحكام الإجارة.


(173)
المسألة الثانية
    [ حرمة تزيين الرجال بما يختصّ بانساء وكذا العكس ]
    تزيين الرجل بما يحرم عليه من لبس الحرير والذهب ، حرام ، لماثبت في محله من حرمتهما على الرجال ، وما يختص بالنساء من اللباس ـ كالسوار والخلخال والثياب المختصة بهن في العادات ـ على ما ذكره في المسالك (1).
    وكذا العكس ، أعني تزيين المرأة بما يختص بالرجال ـ كالمنطقة والعمامة ـ ، ويختلف باختلاف العادات.
    [ لا دليل على الحرمة عدا النبوي ]
    واعترف غير واحد بعدم العثور على دليل لهذا الحكم (2) عدا النبوي المشهور ، المحكي عن الكافي والعلل : لعن الله المتشبهين من
1 ـ المسالك 1 : 130.
2 ـ منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8 : 85 ، إلا أنه قال : ولعل دليله الإجماع وأنه نوع غش ، ثم قال : والإجماع غير ظاهر ـ فيما قيل ـ وكذا كونه غشا ولم يتعرض للنبوي ، ومنهم المحدث البحراني في الحدائق 18 : 198 ، وحكاه في مفتاح الكرامة ( 4 : 60 ) عن الكفاية ، لكن لم نعثر عليه في كفاية الأحكام للسبزواري.


(174)
الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال (1).
    [ قصور دلالة النبوي على الحرمة ]
    وفي دلالته قصور ، لأن الظاهر من التشبه (2) تانث الذكر وتذكر الانثى ، لا مجرد لبس أحدهما لباس الآخر مع عدم قصد التشبه.
    ويؤيده المحكي عن العلل : أن عليا عليه السلام رأى رجلا به تأنيث (3) في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له : اخرج من مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : لعن الله ... الخ (4).
    وفي رواية يعقوب بن جعفر ـ الواردة في المساحقة ـ : أن فيهن قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لعن الله المتشبهات بالرجال من النساء ... الخ (5).
    وفي رواية أبي خديجة ، عن أبي عبد الله عليه السلام : لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال ، وهم : المخنثون ، واللائي ينكحن بعضهن بعضا (6).
1 ـ الكافي 8 : 71 ، الحديث 27 ، علل الشرائع : 602 ، الحديث 63 ، الوسائل 12 : 211 ، الباب 87 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 1 و 2.
2 ـ كذا في ش ومصححة ن ، وفي سائر النسخ : التشبيه.
3 ـ كذا في ف والمصدر ، وفي سائر النسخ : تأنّث.
4 ـ ليس هذا حديثا آخر ـ كما يوهمه ظاهر العبارة ـ بل هو قسم آخر من الحديث المحكي عن العلل آنفا.
5 ـ الوسائل 14 : 262 ، الباب 24 من أبواب النكاح المحرم ، الحديث 5.
6 ـ المصدر السابق : الحديث 6.


(175)
    نعم في (1) رواية سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام : عن الرجل يجر ثيابه ؟ قال : إني لأكره أن يتشبه بالنساء (2).
    وعنه عليه السلام عن آبائه عليهم السلام : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يزجر الرجل أن يتشبه بالنساء ، وينهى المرأة أن تتشبه بالرجال في لباسها (3).
    وفيهما (4) خصوصا الاولى ـ بقرينة المورد ـ ظهور في الكراهة ، فالحكم المذكور لا يخلو عن إشكال.

    [ وجوب ترك الزينتين المختصّتين بكلّ من الرجل والمرآة على الخنثى ]
    ثم الخنثى يجب عليها ترك الزينتين المختصتين بكل من الرجل والمرأة ـ كما صرح به جماعة (5) ـ [ لأنها يحرم عليها لباس مخالفها في الذكورة والانوثة ، وهو مردد بين اللبسين ، فتجتنب عنهما مقدمة ] (6) لأنهما له (7) من قبيل المشتبهين المعلوم حرمة أحدهما.
    ويشكل ـ بناء على كون مدرك الحكم حرمة التشبه ـ بأن الظاهر
1 ـ كذا في ش ، وفي سائر النسخ : وفي بدل نعم في.
2 ـ الوسائل 3 : 354 ، الباب 13 من أبواب أحكام الملابس ، الحديث الأول.
3 ـ المصدر السابق ، الحديث 2.
4 ـ كذا في ش ومصححة ن ، وفي سائر النسخ : فيها.
5 ـ منهم السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4 : 60 ، وحكاه صاحب الجواهر عن شرح استاذه واستجوده ، راجع الجواهر 22 : 116.
6 ـ وردت العبارة في ش بعنوان نسخة بدل ، ووردت في سائر النسخ مع اختلاف في بعض الضمائر والأفعال من حيث التذكير والتأنيث ، وفي بعضها عليها علامة ( خ ل ) ، وكلها لا تخلو عن مسامحة.
7 ـ لم ترد في ش ، والمناسب : لها.


(176)
من (1) التشبه صورة علم المتشبه.
1 ـ في أكثر النسخ : عن.

(177)
المسألة الثالثة
    [ حرمة التشبيب ]
    [ بيان معنى (التشبيب) ]

    التشبيب بالمرأة المعروفة المؤمنة المحترمة ـ وهو كما في جامع المقاصد : ذكر محاسنها وإظهار شدة (1) حبها بالشعر (2) ـ حرام على ما عن المبسوط (3) وجماعة ، كالفاضلين (4) والشهيدين (5) والمحقق الثاني (6).

    [ أدلّة الحرمة ]
    واستدل عليه بلزوم تفضيحها ، وهتك حرمتها ، وإيذائها وإغراء الفساق بها ، وإدخال النقص عليها وعلى أهلها (7) ، ولذا لا ترضى النفوس
1 ـ على كلمة شدة علامة نسخة بدل في بعض النسخ : لكنها موجودة في المصدر.
2 ـ جامع المقاصد 4 : 28.
3 ـ المبسوط 8 : 228.
4 ـ المحقق في الشرائع 4 : 128 ، العلامة في التذكرة 1 : 582 والتحرير 1 : 161 وغيرهما.
5 ـ الأول في الدروس 3 : 163 ، والثاني في المسالك ( الطبعة الحجرية ) 2 : 323.
6 ـ جامع المقاصد 4 : 28.
7 ـ لم نقف على من استدل بجميع الفقرات المذكورة ، نعم استدل الشهيد الثاني


(178)
الأبية ذوات الغيرة والحمية أن يذكر ذاكر عشق بعض بناتهم وأخواتهم ، بل البعيدات من قراباتهم.
    [ الوجوه المذكورة لا تنهض لإثبات التحريم ]
    والإنصاف ، أن هذه الوجوه لا تنهض لإثبات التحريم ، مع كونه (1) أخص من المدعى ، إذ قد لا يتحقق شيء من المذكورات في التشبيب ، بل وأعم منه من وجه ، فإن التشبيب بالزوجة قد يوجب أكثر المذكورات.
    [ الاستدلال بعمولات حرمة اللّهو والفحشاء ]
    ويمكن أن يستدل عليه بما سيجيء من عمومات حرمة اللهو والباطل (2) ، وما دل على حرمة الفحشاء (3) ، ومنافاته للعفاف المأخوذ في العدالة (4).
    وفحوى ما دل على حرمة ما يوجب ـ ولو بعيدا ـ تهييج القوة
بالإيذاء والاشتهار ، والفاضل الهندي بالإيذاء وإغراء الفساق بها ، انظر المسالك 2 : 323 ، وكشف اللثام 2 : 373.
1 ـ كذا في النسخ ، والمناسب : كونها ، كما في مصححة ن.
2 ـ تأتي في الصفحة : 288 ـ 290.
3 ـ مثل قوله تعالى : ( وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ) النحل : 90. وقوله تعالى : ( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة ... ) النور : 19.
4 ـ كما هو مقتضى رواية ابن أبي يعفور : قال : قلت لأبي عبد الله : بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم ؟ فقال : أن تعرفوه بالستر والعفاف ... الخ الوسائل 18 : 288 ، الباب 41 من أبواب الشهادات ، الحديث الأول.


(179)
    [ الاستدلال بفحوى ما دلّ على حرمة تهييج القوّة الشهوية بالنسبة إلى غير الحليلة ]
الشهوية بالنسبة إلى غير الحليلة ، مثل :
    ما دل على المنع عن النظر ، لأنه سهم من سهام إبليس (1).
    والمنع عن الخلوة بالأجنبية ، لأن ثالثهما الشيطان (2).
    وكراهة جلوس الرجل في مكان المرأة حتى يبرد المكان (3).
    وبرجحان التستر عن نساء أهل الذمة ، لأنهن يصفن لأزواجهن (4).
    والتستر عن الصبي المميز الذي يصف ما يرى (5).
    والنهي في الكتاب العزيز عن أن يخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض (6) ، وعن أن يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن (7).
1 ـ الوسائل 14 : 138 ، الباب 104 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ، الحديث 1 و 5.
2 ـ الوسائل 13 : 281 ، الباب 31 من أبواب أحكام الإجارة.
3 ـ الوسائل 14 : 185 ، الباب 145 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه.
4 ـ الوسائل 14 : 133 ، الباب 98 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ، الحديث الأول.
5 ـ الوسائل 14 : 172 ، الباب 130 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ، الحديث 2.
6 ـ في قوله تعالى : ( يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا ) الأحزاب : 32.
7 ـ في قوله تعالى : ( ... ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن ... ) النور : 31.


(180)
    إلى غير ذلك من المحرمات والمكروهات التي يعلم منها حرمة ذكر المرأة المعينة المحترمة (1) بما يهيج الشهوة عليها ، خصوصا ذات البعل التي لم يرض الشارع بتعريضه اللنكاح بقول : رب راغب فيك.

    [ لا يبعد القول بجواز التشبيب بالمخطوبة قبل العقد ]
    نعم ، لو قيل بعدم حرمة التشبيب بالمخطوبة قبل العقد ـ بل مطلق من يراد تزويجها ـ لم يكن بعيدا ، لعدم جريان أكثر ما ذكر فيها. والمسألة غير صافية عن الاشتباه والإشكال.
    ثم إن المحكي عن المبسوط وجماعة (2) : جواز التشبيب بالحليلة ، بزيادة الكراهة عن المبسوط (3).

    [ جواز التشبيب بالمرأة المبهمة ]
    وظاهر الكل جواز التشبيب بالمرأة المبهمة ، بأن يتخيل امرأة ويتشبب بها ، وأما المعروفة عند القائل دون السامع ـ سواء علم السامع إجمالا بقصد معينة أم لا ـ ففيه إشكال.
    وفي جامع المقاصد ـ كما عن الحواشي (4) ـ الحرمة في الصورة الاولى (5).
    وفيه إشكال ، من جهة اختلاف الوجوه المتقدمة للتحريم ، وكذا إذا لم يكن هنا سامع.
1 ـ كذا في ش وظاهر خ ، وفي سائر النسخ : المحرمة.
2 ـ مثل المحقق في ظاهر الشرائع 4 : 128 ، والشهيد في ظاهر الدروس 3 : 163 ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 4 : 28.
3 ـ المبسوط 8 : 228.
4 ـ نقله السيد العاملي في مفتاح الكرامة ( 4 : 69 ) عن حواشي الشهيد قدس سره.
5 ـ جامع المقاصد 4 : 28.
المكاسب ـ جلد الأول ::: فهرس