المكاسب ـ جلد الأول ::: 231 ـ 240
(231)
وإن كانت لا تضر بديني فوالله إني لأشتهيها وأشتهي النظر فيها (1) ؟ فقال : ليس كما يقولون ، لا تضر بدينك ، ثم قال : إنكم تنظرون في شيء كثيره لا يدرك وقليله لاينفع ... الخبر (2).
    ومنها : خبر هشام ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : كيف بصرك بالنجوم ؟ قلت : ما خلفت بالعراق أبصر بالنجوم مني ، ثم سأله عن أشياء لميعرفها ، ثم قال : فما بال العسكرين يلتقيان في هذا حاسب وفي ذاك حاسب ، فيحسب هذا لصاحبه بالظفر ، ويحسب هذا لصاحبه بالظفر ، في لتقيان فيهزم أحدهما الآخر ، فأين كانت النجوم ؟ قال : فقلت : [ لا ] (3) والله ما أعلم ذلك. قال : فقال عليه السلام : صدقت ، إن أصل الحساب حق ، ولكن لا يعلم ذلك إلا من علم مواليد الخلق كلهم (4).
    ومنها : المروي في الاحتجاج ، عن أبي عبد الله عليه السلام ـ في حديث ـ أن زنديقا قال له : ما تقول في علم النجوم ؟ قال عليه السلام : هو علم قلت منافعه وكثرت مضاره [ لأنه ] (5) لا يدفع به المقدور ولا يتقى به المحذور ، إن خبر المنجم بالبلاء لم ينجه التحرز عن (6) القضاء ، وإن خبر
1 ـ كذا في ص والمصدر ، وفي سائر النسخ : النظر إليها.
2 ـ الوسائل 12 : 101 ، الباب 24 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأول.
3 ـ من المصدر.
4 ـ الوسائل 12 : 102 ، الباب 24 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 2.
5 ـ من المصدر.
6 ـ في المصدر : من.


(232)
هو بخير لم يستطع تعجيله ، وإن حدث به سوء لم يمكنه صرفه ، والمنجم يضاد الله في علمه بزعمه أنه يرد قضاء الله عن خلقه ... الخبر (1).
    إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على أن ما وصل إليه المنجمون أقل قليل من أمارات الحوادث من دون وصول إلى معارضاتها.
    ومن تتبع هذه الأخبار لم يحصل له ظن بالأحكام المستخرجة عنها ، فضلا عن القطع.
    [ الأولى التجنّب عن الحكم بالنجوم ]
    نعم ، قد يحصل من التجربة المنقولة خلفا عن سلف الظن ـ بل العلم ـ بمقارنة حادث من الحوادث لبعض الأوضاع الفلكية.
    فالأولى ، التجنب عن الحكم بها ، ومع الارتكاب فالأولى الحكم على سبيل التقريب ، وأنه لا يبعد أن يقع كذا عند كذا. والله المسدد.
1 ـ الاحتجاج 2 : 95 ، ورواه في الوسائل 12 : 104 ، الباب 24 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 10.

(233)
المسألة السابعة
    [ حرمة حفظ كتب الضلال ]
    حفظ كتب الضلال حرام في الجملة بلا خلاف ، كما في التذكرة وعن المنتهى (1).

    [ أدلّة الحرمة ]
    ويدل عليه ـ مضافا إلى حكم العقل بوجوب قطع مادة الفساد ، والذم المستفاد من قوله تعالى : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله ) (2) والأمر بالاجتناب عن قول الزور (3) ـ : قوله عليه السلام في ما تقدم من رواية تحف العقول : إنما حرم الله تعالى الصناعة التي يجيء منها الفساد محضا ... الخ ، بلقوله عليه السلام قبل ذلك : أو ما يقوى به الكفر في جميع وجوه المعاصي ، أو باب يوهن به الحق ... إلخ (4).
1 ـ التذكرة 1 : 582 ، المنتهى 2 : 1013.
2 ـ لقمان : 6.
3 ـ في قوله تعالى : ( واجتنبوا قول الزور ) الحج : 30.
4 ـ تقدمت في أول الكتاب.


(234)
    وقوله عليه السلام في رواية عبد الملك ـ المتقدمة ـ حيث شكا إلى الصادق عليه السلام : أني ابتليت بالنظر في النجوم ، فقال عليه السلام : أتقضي ؟ قلت : نعم ، قال : أحرق كتبك (1) بناء على أن الأمر للوجوب دون الإرشاد للخلاص من الابتلاء بالحكم بالنجوم.

    [ جواز الحفظ إذا لم يترتّب على إبقائها مفسدة ]
    ومقتضى الاستفصال في هذه الرواية : أنه إذا لم يترتب على إبقاء كتب الضلال مفسدة لم يحرم.
    وهذا أيضا مقتضى ما تقدم من إناطة التحريم بما يجيء منه الفساد محضا.
    [ المصلحة الموهومة أو المحقّقة النادرة لا اعتبار بها ]
    نعم ، المصلحة الموهومة أو المحققة النادرة لا اعتبار بها ، فلا يجوز الإبقاء بمجرد احتمال ترتب مصلحة على ذلك مع كون الغالب ترتب المفسدة ، وكذلك المصلحة النادرة الغير المعتد بها.
    وقد تحصل من ذلك : أن حفظ كتب الضلال لا يحرم إلا من حيث ترتب مفسدة الضلالة قطعا أو احتمالا قريبا ، فإن لم يكن كذلك أو كانت المفسدة المحققة معارضة بمصلحة أقوى ، أو عارضت المفسدة المتوقعة مصلحة أقوى ، أو أقرب وقوعا منها ، فلا دليل على الحرمة ، إلا أن يثبت إجماع ، أو يلتزم بإطلاق عنوان معقد نفي الخلاف الذي لا يقصر عن نقل الإجماع.
1 ـ الوسائل 8 : 268 ، الباب 14 من أبواب آداب السفر إلى الحج ، الحديث الأول ، وتقدمت في الصفحة : 206 ـ 207.

(235)
    [ المراد بـ ( الضلال ) ]
    [ حكم بعض كتب العرفاء والحكماء المشتملة على ظواهر منكرة ]
    وحينئذ فلا بد من تنقيح هذا العنوان وأن المراد بالضلال ما يكون باطلا في نفسه ؟ فالمراد الكتب المشتملة على المطالب الباطلة ، أو أن المراد به مقابل الهداية ؟ فيحتمل أن يراد بكتبه ما وضع لحصول الضلال ، وأن يراد ما أوجب الضلال وإن كان مطالبها حقة ، كبعض كتب العرفاء والحكماء المشتملة على ظواهر منكرة يدعون أن المراد غير ظاهرها ، فهذه أيضا كتب ضلال على تقدير حقيتها.

    [ حكم الكتب السماوية المنسوخة ]
    ثم (1) الكتب السماوية المنسوخة غير المحرفة لا تدخل في كتب الضلال.
    وأما المحرفة كالتوراة والانجيل ـ على ما صرحبه جماعة (2) ـ فهي داخلة في كتب الضلال بالمعنى الأول بالنسبة إلينا ، حيث إنها لاتوجب للمسلمين بعد بداهة نسخها ضلالة ، نعم ، توجب الضلالة لليهود والنصارى قبل نسخ دينهما (3) ، فالأدلة المتقدمة لا تدل على حرمة حفظها (4).
    قال رحمه الله في المبسوط ـ في باب الغنيمة من الجهاد ـ : فإن كان في المغنم كتب ، نظر ، فإن كانت مباحة يجوز إقرار اليد عليها
1 ـ في ص : نعم.
2 ـ منهم العلامة في التذكرة 1 : 582 ، والفاضل المقداد في التنقيح 2 : 12 ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 4 : 26.
3 ـ في ف ، خ ، م ، و ن : دينها.
4 ـ في ف : حفظهما.


(236)
    [ ما قاله الشيخ ( رحمه الله ) في المبسوط ]
ـ مثل كتب الطب والشعر واللغة والمكاتبات ـ فجميع ذلك غنيمة ، وكذلك المصاحف وعلوم الشريعة ، الفقه والحديث ، لأن هذا مال يباع ويشترى ، وإن كانت كتبا لا يحل إمساكها ـ كالكفر والزندقة وما أشبه ذلك ـ فكل ذلك لا يجوز بيعه ، فإن كان ينتفع بأوعيته ـ كالجلود ونحوها ـ فإنها غنيمة ، وإن كان مما لا ينتفع بأوعيته ـ كالكاغذ ـ فإنه يمزق ولا يحرق (1) إذ ما من كاغذ إلا وله قيمة ، وحكم التوراة والإنجيل هكذا كالكاغذ ، فإنه (2) يمزق ، لأنه كتاب مغير مبدل (3) ، انتهى.
    وكيف كان ، فلم يظهر من معقد نفي الخلاف إلا حرمة ما كان موجبا للضلال ، وهو الذي دل عليه الأدلة المتقدمة.

    [ حكم الكتب الباطلة غير الموجبة للضلال ]
    نعم ، ما كان من الكتب جامعا للباطل في نفسه من دون أن يترتب عليه ضلالة لا يدخل تحت الأموال ، فلا يقابل بالمال ، لعدم المنفعة المحللة المقصودة فيه ، مضافا إلى آيتي لهو الحديث (4) و قول
1 ـ في ش وهامش ن : فإنها تمزق ولا تحرق ، وفي ف ، م و ع : فإنها تمزق وتحرق ، وفي ن و خ : فإنها تمزق وتخرق ، والصواب ما أثبتناه من مصححة ن والمصدر.
2 ـ كذا في المبسوط أيضا ، والمناسب تثنية الضمائر ، كما لا يخفى.
3 ـ المبسوط 2 : 30 ، مع حذف بعض الكلمات.
4 ـ لقمان : 6.


(237)
الزور (1) ، أما وجوب (2) إتلافها فلا دليل عليه.

    [ حكم تصانيف المخالفين ]
    ومما ذكرنا ظهر حكم تصانيف المخالفين في الاصول والفروع والحديث والتفسير واصول الفقه ، وما دونها من العلوم ، فإن المناط في وجوب الإتلاف جريان الأدلة المتقدمة ، فإن الظاهر عدم جريانها في حفظ شيء من تلك الكتب إلا القليل مما الف في خصوص إثبات الجبر ونحوه ، وإثبات تفضيل الخلفاء أو فضائلهم ، وشبه ذلك.

    [ استثناء الحفظ للنقض والاحتجاج ]
    ومما ذكرنا أيضا يعرف وجه ما استثنوه في المسألة من الحفظ للنقض والاحتجاج على أهلها ، أو الإطلاع على مطالبهم ليحصل به التقية أو غيرذلك.
    ولقد أحسن جامع المقاصد ، حيث قال : إن فوائد الحفظ كثيرة (3).

    [ لو كان بعض الكتاب موجباً للضلال ]
    ومما ذكرنا أيضا يعرف حكم ما لو كان بعض الكتاب موجبا للضلال ، فإن الواجب رفعه ولو بمحو جميع الكتاب ، إلا أن يزاحم مصلحة وجوده لمفسدة وجود الضلال.
    ولو كان باطلا في نفسه كان خارجا عن المالية ، فلو قوبل بجزء
1 ـ الحج : 30.
2 ـ كذا في ش ومصححة ن ، وفي أصل النسخ : حرمة إتلافها ، والظاهر أنها من غلط النساخ أو من سهو القلم.
3 ـ جامع المقاصد 4 : 26.


(238)
من العوض المبذول ، يبطل المعاوضة بالنسبة إليه.

    [ المراد بـ ( الحفظ المحرّم ) ]
    ثم الحفظ المحرم يراد به الأعم من الحفظ بظهر القلب ، والنسخ ، والمذاكرة ، وجميع ما له دخل في بقاء المطالب المضلة.


(239)
المسألة الثامنة
    [ حرمة الرشوة ]
    الرشوة حرام ، وفي جامع المقاصد والمسالك : أن على تحريمها إجماع المسلمين (1).

    [ أدلّة حرمة الرشوة ]
    ويدل عليه : الكتاب (2) ، والسنة.
    وفي المستفيضة : أنه كفر بالله العظيم ، أو شرك.
    ففي رواية الأصبغ بن نباتة عن أميرالمؤمنين عليه السلام ، قال : أيما وال احتجب عن حوائج الناس ، احتجب الله عنه يوم القيامة وعن حوائجه ، وإن أخذ هدية كان غلولا ، وإن أخذ رشوة فهو مشرك (3) (4).
1 ـ جامع المقاصد 4 : 35 ، المسالك 3 : 136.
2 ـ قوله تعالى : ( لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون ) البقرة : 188 ، قال الجوهري : قوله تعالى : ( وتدلوا بها إلى الحكام ) يعني الرشوة ، انظر الصحاح 6 : 2340 دلو.
3 ـ كذا في ف والمصدر ، وفي النسخ : فهو شرك.
4 ـ الوسائل 12 : 63 ، الباب 5 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 10.


(240)
    وعن الخصال ـ في الصحيح ـ عن عمار بن مروان ، قال : كل شيء غل من الإمام فهو سحت ، والسحت أنواع كثيرة ، منها : ما اصيب من أعمال الولاة الظلمة ، ومنها : اجور القضاة ، واجور الفواجر ، وثمن الخمر ، والنبيذ المسكر ، والربا بعد البينة ، وأما الرشافي الأحكام ـ يا عمار ـ فهو الكفر بالله العظيم (1). ومثلها رواية سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام (2).
    وفي رواية يوسف بن جابر : لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من نظر إلى فرج امرأة لا تحل له ، ورجلا خان أخاه في امرأته ، ورجلا احتاج الناس إليه لفقهه فسألهم الرشوة (3).
    وظاهر هذه الرواية سؤال الرشوة لبذل فقهه ، فتكون ظاهرة (4) في حرمة أخذ الرشوة للحكم بالحق أو للنظر في أمر المترافعين ، ليحكم بعد ذلك بينهما بالحق من غير اجرة.

    [ كلمات اللغويّين حول الرشوة ]
    وهذا المعنى هو ظاهر تفسير الرشوة في القاموس بالجعل (5) ، وإليه
1 ـ الخصال 1 : 329 ، باب الستة ... ، الحديث 26 ، وفيه : فأما الرشا ـ يا عمار ـ في الأحكام ، فإن ذلك الكفر بالله العظيم وبرسوله ، ورواه في الوسائل 12 : 64 ، الباب 5 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 12.
2 ـ الوسائل 18 : 162 ، الباب 8 من أبواب آداب القاضي ، الحديث 3.
3 ـ الوسائل 18 : 163 ، الباب 8 من أبواب آداب القاضي ، الحديث 5.
4 ـ في النسخ : فيكون ظاهرا.
5 ـ القاموس المحيط 4 : 334.
المكاسب ـ جلد الأول ::: فهرس