بحوث في الفقه المعاصر ـ الجزء الثاني ::: 161 ـ 170
(161)
    كانت السلعة هي الأرض أو الأرض والبذر ـ على قول والعمل من الآخر فهي المزارعة ، وإن كانت السلع عبارة عن الاشجار والنخل والعمل من الآخر فهي المساقاة.
     أمّا الأرض لوحدها فتتمكن أن تدخل عملية الكسب على أساس الاُجور إذا كانت محياةً وقلنا إنّ المزارعة هي عبارة عن تقديم الأرض مع البذر أو الآلات.
     وهناك المشاركة في المال من الجانبين وكذا العمل منهما فتحصل الشركة في الربح بنسبة المال والعمل ، والخسارة أيضاً بنفس النسبة.
     ونحن هنا إذ ننتظر من البنوك الإسلامية أن لا تحدد سيرها الاستثماري على النقد وتداوله ، بل ننتظر منها ومن الشركات الإسلامية أن تدخل مجال الاستثمارات بكافة جوانبها ، وتفتح لها شُعباً خاصة تتولّى عمليات الاستثمار الذي يكون بواسطة العمل أو استخدام ادوات الانتاج أو النقد ، أو الأرض ، وحتى المشاركة مع الآخرين بقسط من الثمن والعمل; حتى تكون بعض أعمالها المربحة معينةً لها ، إذا حصل كساد أو خسارة في جانب آخر وأن تصل الى هدفها من خدمة المجتمع الإسلامي بأعمالها الاستثمارية التي يحتاجها المجتمع.
     ولهذا فسوف نبحث الأدوات التي يمكن للبنك الإسلامي أو للشركة التابعة له أو المستقلة أن تسلكها فتستثمر المال الفائض لدى الأفراد أو الأدوات أو العمل أو الأرض فتنتفع وتنفع أصحاب المال وتفيد المجتمع الإسلامي الذي يكون بحاجة الى تطوره ورفاهه وأنْ تقطع أيادي المستثمرين والمرابين الذين يضرّون المجتمع الإسلامي على حساب نفعهم الربوي اللاشرعي.

1 ـ المضاربة الشرعية
     وهي عملية إشراك المال والعمل في الانتاج ونسبة من الربح لكل منهما.


(162)
    ولكي تكون المضاربة بدلا عن الربا يحتاج صاحب المال الى ضمان ماله من الضياع والخسارة ، فهل هناك طريق لضمان المال لصاحبه ؟

ضمان ودائع الاستثمار بطرق تتلائم مع أحكام المضاربة الشرعية :
     قد يحتاج أصحاب الودائع التي توضع في البنوك الإسلامية على أساس المضاربة الشرعية الى عنصر الاطمئنان على أموالهم من الضياع ، ليكون عاملا مشجِّعاً للركون إلى المضاربة وترك الربا الذي يكون رأس المال فيه مضموناً لدى البنوك الربوية ، فهل هناك طريقة لاطمئنانهم على أموالهم في حالة الخسارة ؟
     الجواب : أنّ عملية المضاربة في البنوك الإسلامية تكون على أقسام :
     القسم الأول : أن يكون المضارَب هو نفس البنك.
     القسم الثاني : أن يكون المضارَب هو جماعة من التجار يكون البنك وسيطاً بينهم وبين أصحاب الأموال.
     القسم الثالث : أن يكون المضارَب هو جماعة من التجار بما فيهم البنك.
     ففي القسم الأول يكون مقتضى القاعدة الأولية جواز جعل المال على عهدة البنك بعقد مستقل ، أو بشرط في ضمن عقد بنحو ( شرط النتيجة ) (1) او شرط
     (1) المراد من شرط النتيجة هنا الذي يحكم بصحته هو تحصيل الغاية التي لا يشترط في ايجادها سبب خاص ـ كالنكاح والطلاق الذي اشترط الشارع فيهما صيغة خاصة ـ مثل الوصية والوكالة ، كما إذا زوجت المرأة نفسها للزوج بشرط أن تكون وكيلة ومأذونة في طلاق نفسها مطلقاً أو في موارد خاصة كحبس الزوج مدّة معينة ، فالمشروط هنا هو نفس الوكالة ، وكذا إذا اشترطت أن تكون وصية الزوج بالنسبة لثلث ماله أو على اطفاله وكذا إذا اشترط شخص في هبته سقوط الخيار في النكاح ، فهذه الشروط التي هي « شروط نتيجة » هي شروط صحيحة ووردت فيها نصوص شرعية :
     1 ـ رواية الحلبي في الباب 6 من الخيار حديث 4 ، ج12 من الوسائل : ص353. ورواية موسى بن بكر الباب 30 من أبواب احكام الاجارة : ج13 ، ص277 من الوسائل ، ح5.

(163)

     2 ـ رواية معاوية بن ميسرة باب 8 من الخيار حديث 3 ، ج12 من الوسائل : ص355 ، ورواية يعقوب بن شعيب باب 29 من أحكام الاجارة حديث 15 ، ج13 ، ص275.
     3 ـ صحيحة سليمان بن خالد عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « سألته عن رجل كان له أب مملوك وكانت لابيه امرأة مكاتبة قد أدت بعض ما عليها فقال لها ابن العبد : هل لك أن اُعينك في مكاتبتك حتى تؤدّي ما عليك بشرط أن لا يكون لك الخيار على أبي إذا أنت ملكت نفسك ؟ قالت : نعم ، فأعطاها في مكاتبتها على أن لا يكون لها الخيار عليه بعد ذلك ، قال : لا يكون لها الخيار ، المسلمون عند شروطهم ». وسائل الشيعة : ج16 ، ب11 من المكابتة ، ح1.
     ولكنّ هذه الأدلّة قد يقال : إنّها مختصّة بهذه الامثلة التي جاء الدليل الخاص على عدم احتياجها الى سبب خاص ، وحينئذ تبقى عندنا غايات نشك في اعتبار سبب خاص لها شرعاً ، فهل تصح إذا اشترطت على نحو شرط النتيجة ؟
     الجواب : قد يستدل لصحة شرط النتيجة بالمعتبرة « المسلمون عند شروطهم » لأنّها تشمل الشرط إذا كان فعلا أو كان الفعل مترتباً على الشرط ، كما إذا اشتريت بيتاً بشرط أن تكون الثلاجة المعينة هبة لي ، فالمسلمون عند شروطهم يقول : ادفع الثلاجة الى فلان ، وهو معنى صحة شرط النتيجة ( * ) ، وعلى هذا فالمسلمون عند شروطهم يشمل المشروط الذي يكون حصوله وإنشاؤه بغير الشرط صحيحاً ، وبالشرط لازماً. كما قد يستدل على صحة شرط النتيجة بـ « أوفوا بالعقود » لأنّ البيع الذي شرط فيه ملكية الثلاجة المعينة معناه الالتزام بأصل المعاملة والالتزام بالأمر الوضعي ، وبما أنَّ الشرط قد دخل تحت عنوان العقد فاوفوا بالعقود يقول : فِ بالعقد والشرط ، فيكون الشرط صحيحاً.

     ( * ) قد يقال : إنّ هذا الاستدلال غير صحيح ، لأنّ حديث المسلمون عند شروطهم مقيّد بجملة « إلاّ شرطاً خالف كتاب الله ، أو إلاّ شرطاً أحل حراماً أو حرّم حلالا » وعلى هذا فالشرط الذي هو عبارة عن تحصيل الغاية كالهبة والملكية من دون إنشاء أو أن الغاية إذا كانت عبارة عن الملكية بدون عوض ولا مجاناً وانما بالشرط فهل يكون هذا مخالفاً للكتاب والسنة أم لا ؟ وعلى هذا فلا يمكن التمسّك بـ « المسلمون عند شروطهم » ، لأنّه من قبيل التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية لعنوان المخصّص.
     وقد أجاب الشيخ الأنصاري ( قدس سره ) عن هذا الاشكال وخلاصته : امكان اخراج المشكوك عن عنوان المخصّص بواسطة الاصل العملي ، وتقريب ذلك : أنّ الهبة والملكية بدون انشاء ـ مثلا ـ كان غير مخالف
     للكتاب والسنة ولو قبل الكتاب والسنة ، والآن لا نعلم أنّه مخالف للكتاب والسنة ام لا ، فنستصحب عدم المخالفة ، فالشرط في ضمن العقد « وهو أن يكون هذا ملكي بدون انشاء في عقد ما مثلا » وجداني ، وكونه غير مخالف بالأصل ، فالموضوع محرز.
     وقد أشكل جماعة على الشيخ الأنصاري ( قدس سره ) : بأن الاستصحاب غير صحيح; وذلك لأنّ الحالة السابقة هي سالبة بانتفاء الموضوع ، بمعنى أن الشرط حينما كان غير مخالف للكتاب والسنة لم يكن الشرط موجوداً ، ولكن موضوع وجوب الوفاء هو سالبة بانتفاء المحمول ( السالبة المحصلة ) بمعنى وجود الشرط وعدم مخالفته للكتاب والسنة ، وهذه السالبة المحصلة ليست لها حالة سابقة ، وحينئذ إذا أردنا استصحاب السالبة بانتفاء الموضوع لاثبات السالبة بانتفاء المحمول يكون أصلا مثبتاً.
     وقد ردّ الشيخ النائيني ( قدس سره ) هذا الإشكال بما لا يسع المقام لذكره في مثل هذه الأبحاث ، فنكتفي بهذا.

(164)
    الفعل ، لما دلّ على نفوذ الشرط والوفاء بالعقد.
     ولكن دلّ الدليل في عقد المضاربة بالخصوص على أنَّ الضمان إذا فرض على عامل المضاربة ( البنك أو الشركة ) فهو يستوجب حرمان المالك من الربح ، وتتحوّل العملية من مضاربة الى عقد قرض من صاحب المال إلى البنك أو الشركة ، والدليل هو الروايات ، ففي صحيحة محمد بن قيس عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : « إنّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : من اتجر مالا واشترط نصف الربح فليس عليه الضمان ... ، وقال : مَنْ ضمن تاجراً فليس له إلاّ رأس ماله وليس له من الربح شيء » (1).
     ومن هذه الرواية نفهم أن ضمان المال عرفاً لا يجتمع مع استحقاق المالك لشيء من الربح شرعاً ، فالضمان يكون سبباً شرعياً لعدم استحقاق المالك لشيء من الربح ، واستحقاق المالك للربح يكون سبباً لعدم الضمان على العامل في صورة الخسارة ، وهذا معناه التنافي بين الأمرين شرعاً بالنظر العرفي.
     ولكن لأجل اعطاء الضمان لأصحاب الأموال كأمر ضروري لسحب الأموال من البنوك الربوية إلى الإسلامية يتمكن البنك أنْ يطلب من بنك آخر
     (1) وسائل الشيعة : ج13 ، ب3 من المضاربة ، ح2 و ب4 من المضاربة ح1 و ح2.
(165)
    ضمان أموال التجار الذين يتعاملون معه في صورة الخسارة ، لقاء ضمانه هو عمليات المضاربة التي يقوم بها البنك الآخر المساويه لعمليات مضاربته ، وهذا البنك الثاني ليس طرفاً في عملية المضاربة ، وممّا لا اشكال فيه أنَّ غير الطرفين في عقد المضاربة يصح له أن يضمن خسارة أصحاب المال بعقد مستقل أو بنحو شرط النتيجة أو شرط الفعل في عقد آخر. وهناك طريقة أيسر من هذه وهي اشتراط تعويض البنك من أمواله الخاصة ما يعادل مقدار الخسارة ، وهو أمر آخر غير تضمين العامل ، وقد أفتى الإمام الخوئي بجواز ذلك (1).
     وبهذا التكييف أيضاً يصح ضمان أموال المستثمرين في القسم الثالث الذي يكون البنك واحداً منهم.
     أمّا القسم الثاني ـ الذي يكون البنك فيه وسيطاً بين التجار وأصحاب الأموال ـ فقد اتّضح امكان أن يقوم الطرف الثالث ( البنك أو الشركة الاستثمارية ) في ضمان أموال المودعين بعقد مستقل أو بنحو شرط النتيجة أو الفعل ، ولا دليل على بطلان ذلك ، لأنّ ما لا يجوز : عبارة عن ضمان العامل رأس المال ، وما هو ضامن هنا ليس هو العامل ، بل هو طرف وسيط بين المودعين والعمال المستثمرين وهو البنك.
     وفي هذا القسم الثاني ـ الذي يكون البنك فيه وسيطاً ـ يتوجّه اشكال حاصله :
     إذا قبلنا أنَّ البنك هو طرف اجنبي عن المضاربة حتى يتمكن أن يضمن مال المستثمرين ، فبماذا نكيّف النسبة التي يأخذها البنك من المضاربة مع أنّه ليس مضارباً مع المستثمرين ؟
     الجواب : قد يقال : إنّ النسبة من الربح التي يأخذها البنك كوسيط هي اُجرة
     (1) راجع منهاج الصالحين : ج2 ، 125 ، مسألة ( 568 ).
(166)
    من قبل المودعين على عمله الذي هو عبارة عن إنجاز المضاربة والإشراف عليها ، ولكن يقف في وجه هذا التكييف أمران :
     الأمر الأول : أنّ هذه الاُجرة مجهولة من حيث القدر ، وقد لا تحصل في وقت ما ، وقد اشترط الفقهاء في الاُجرة أن تكون معلومة.
     الثاني : أنّ الاُجرة يملكها الأجير بنفس عقد الاجارة ، أمّا في المقام فالنسبة المئويّة من الربح المفترض هو شيء سوف يملكه في المستقبل ، وهو يتنافى مع الاُجرة.
     والصحيح ما ذكره الشهيد الصدر ( قدس سره ) بأنّ هذه النسبة يمكن أن تكون جعالة ، يجعلها المستثمر للبنك إذا أنجز المعاملة وواصل الإشراف عليها الى حين انتهائها ، وهذه الجعالة وإن كانت مجهولةً فهي لا تضرّ بالجعالة ، والجُعْل المقرر في باب الجعالة لا يكون مملوكاً حين إنشاء الجعالة ، بل بعد إنجاز العمل المفروض ، وقد افترضنا في الجعالة أنّ البنك يملك النسبة من الربح إذا انجز المعاملة وأشرف عليها الى نهايتها (1).
     وقد وردت روايات تصحح أن يكون الجعل جزءاً من الثمن على تقدير زيادة الثمن على حدٍّ معين ، وهذه الزيادة مجهولة ، وهي غير مملوكة حين الجعل ، وإنّما تكون مملوكة في ظرف انجاز المعاملة ، فمن هذه الروايات :
     1 ـ عن محمد بن مسلم عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنّه قال في رجل قال لرجل : «بع ثوبي هذا بعشرة دراهم فما فضل فهو لك قال ( عليه السلام ) : ليس به بأس » (2).
     2 ـ عن زرارة قال : قلت للإمام الصادق ( عليه السلام ) : « ما تقول في رجل يعطي المتاع فيقول : ما ازددت على كذا وكذا فهو لك ؟ قال ( عليه السلام ) : لا بأس » (3).
     (1) البنك اللاربوي في الإسلام : ص206.
     (2) وسائل الشيعة : ج12 ، ب10 من أبواب أحكام العقود ، ح1.
     (3) المصدر السابق : ح2.

(167)
    وهاتان الروايتان تجوّزان الحصّة التي يجعلها المستثمر للبنك « وإن كانت مجهولة وغير مملوكة حين الجعل » بشرط انجاز عملية المضاربة والاشراف عليها الى نهايتها.
     وقد ذكر الفقهاء تخريجين آخرين :
     أحدهما : إمكان أن تكون هذه النسبة من قبل المستثمر للبنك على أساس ( شرط النتيجة ) في عقد ما ، بأن يشترط البنك على المودِع والعامل أن يكونا مالكَيْن لحصة معينة من الربح على تقدير ظهوره.
     وقد يستشكل على هذا التكييف بإشكالين :
     الأول : أنّ هذا تمليك للبنك معلّق على ظهور الربح.
     الثاني : أنّ المودِع والعامل المملِّكين غير مالكين بالفعل للربح ، فكيف ينفذ تمليكهما لغيرهما ؟
     ولكن يجاب عن الإشكال الأول بعدم المانع من تمليك البنك حصّةً من الربح على تقدير ظهوره ودخوله في ملك المملِّك ، فإنّ التمليك أمر اعتباري يُنشأ ويقصد.
     وقد تقدّمت الروايات التي جوّزت تمليك صاحب السلعة ما زاد عن قدر معين إن باعها بأكثر.
     ويجاب عن الاشكال الثاني : بأنّ المعتبر في نفوذ التمليك من فرد لآخر أن يكون مالكاً لما يملِّكه في ظرف التمليك المجعول ، لا ظرف الجعل والانشاء للملكية.
     ثانيهما : يمكن أن نتصور أن البنك يشترط على أطراف عقد المضاربة أن يملِّكوه نسبةً من الربح على تقدير ظهوره ، وهذا ما يسمى بشرط الفعل ، وهو لا إشكال فيه.

هل يتمكّن المضارِب من تداول سهمه في عملية المضاربة ؟
     إنّ سهم المضارب الذي يمثّل ملكيةً مشاعةً من الربح في مشروع المضاربة


(168)
    مع أصل المال الذي تحوّل في هذه العملية الى اعيان وسلع ، أو بعض أصل المال. إذا كان المشروع فيه عدّة مستثمرين ـ هل يتمكن صاحب هذا السهم أن يربح من ماله الذي قدّمه الى عملية المضاربة بتداوله بالبيع والرهن والهبة والصدقة والاجارة ( إذا كان المشروع دائمياً ) والوقف وما الى ذلك من عقود صحيحة شرعية ؟
     الجواب : أنّ هذا التداول على السهم المشاع جائز بشرط أن يكون البائع والمشتري والمستأجر مطَّلِعِين على معلومية رأس المال وتوزيع الربح وكمية العمل الذي حصل في المشروع والنهاية التي تحدّد له ، وكل شيء له دخل في المشروع المضارَب فيه.
     وعلى هذا نتمكن أن نصدِّر سهاماً متساويةً للمضاربين المشتركين في عملية المضاربة ، وهذه السهام تحكي عن شركة كل واحد في أعيان الشركة بنسبة معينة ، ولها حصة من الربح إن ظهر. ويمكن تداول هذه السهام بالبيع والشراء والاجارة بعد أن تبدَّل السهام من نقود الى سلع خارجية ، ولا يمكن أن تعامل هذه السهام معاملة النقد ، لأنّها في حقيقتها بعد عمل الشركة قد تحوّلت الى سلع خارجية مشتركة بين المستثمرين على سبيل الإشاعة.
     أمّا إذا كانت السهام عبارةً عن أوراق نقدية غير محوّلة الى أعيان فيجوز بيعها بنقد آخر نقداً أو نسيئةً; لأنّنا لا نعتبر وجوب التقابض في صرف الأوراق النقدية ، لعدم الدليل على ذلك ، كما بيّنا ذلك في بحث « تعلّق الزكاة بالأوراق المالية ».
     وأمّا بيعها بنفس النقد فيشترط فيه التساوي; لأنّنا ننظر الى هذه العملية على أساس أنّها قرض بالنظر العرفي.
     وأمّا العامل فهو ـ أيضاً ـ يتمكّن من أن يبيع حصّته من شركة المضاربة بعد أن عمل في المشروع شيئاً ما وربح فيه ، لأنَّ حصّة العامل تكون مشاعةً في الأعيان والأوراق النقدية الموجودة والديون التي على المشروع ، فحينئذ يتمكن من بيع


(169)
    هذه الحصّة بعد معرفة المشتري ما عمله العامل وما تبقّى من العمل عليه حتى يتكفله المشتري إذا اشترى حصة العامل التي يستحقها. ولكنّ هذا الجواز مشروط بعدم كون عامل المضاربة قد اشتُرط عليه أن يكمل العمل الى نهايته بنفسه اشرة.

سحب المضارِب لما أودعه في عملية الاستثمار :
     هل يتمكن المضارب من سحب ما أودعه في عملية الاستثمار أثناء العملية الاستثمارية إذا تعرّض لظروف صعبة جعلته محتاجاً إلى المال ؟
     الجواب : يمكن للبنك أن يعلن من الأول عن مشروع مضاربة قد تمّ إنجازه وبدأ العمل به ، وعن استعداده لاستقبال مساهمين جدد على الاحتياط ، يتم ادخال السابق منهم في عملية المضاربة إذا أراد أحد المساهمين أن يخرج من هذه العملية بسحب ما أودعه في العملية الاستثمارية.
     وبهذا يتمكن البنك من تنفيذ رغبات مودعيه في أي وقت أرادوا ، بشرط وجود المستثمر الاحتياطي ورغبته في المشاركة بعد أن تمّ المشروع وبدأ العمل به.
     كما يمكن للبنك أن يتقدّم هو فيدفع من احتياطيّه السائل الى من يرغب في ردّ ما أودعه ، فيكون البنك هو المساهم الجديد بدل المساهم القديم.
     كما يمكن للبنك أن يعلن أيضاً عن استعداده لردّ بعض ما استودِع في عملية الاستثمار بشرط أن يحسب الربح للمودِع على الموجود عنده في الوديعة الاستثمارية الى نهاية العمل ، وبهذا يكون ما سحبه المودِع قد اشتراه البنك ، فيكون ربحه للبنك ، وهو عمل جائز حيث يكيّف على أساس أن صاحب السهم إذا احتاج الى نصف وديعته الأوليّة فالبنك يشتري نصف سهمه الذي تحول الى سلع في العملية بنصف ما أودعه أوّلا ، وبهذا سوف يستحق المستثمر نصف سهم مع نصف ربح السهم ، وهذا ما درجت عليه البنوك في الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الودائع الاستثمارية.


(170)
هل بامكان البنك أن يضمن للمودِع نسبةً معيّنةً من الربح ؟
     واجهنا فيما سبق مشكلة أن المودِع يحتاج الى من يضمن رأس ماله من الخسارة ، ولكن هنا نريد أن نوجد وجهاً لضمان نسبة معينة من الربح للمودِع حتى يطمئن على ربحه ، كما كان يطمئن عندما يضع أمواله في البنوك الربوية ، فهل هنا وجه فقهيّ لهذا الضمان ؟
     الجواب : أنّ البنك بما أنّه وسيط في عملية المضاربة وله إشراف عليها يتمكن بواسطة إشرافه أن يقيّد المعاملات التي يقوم بها التجار المستثمرون بقيود بحيث يطمئن بحصول كمية معيّنة من الربح على أقل تقدير ، ولِهذا سوف يقدّم على أساس ذلك بضمان هذا المقدار المعيّن الى أصحاب الدوائع.
     وتوضيح ذلك : أنّ البنك يتمكن ـ بما أنّه واسطة ـ أن يجعل تعامل التجار مع الدولة أو بعض الشركات العامّة بصورة بيع مرابحة ، ولهذا فسوف يكون الربح محدّداً من الأول وبصورة واضحة ، بمعنى أنّه يبحث عن مُشترين لما يقوم به من عمليات تجارية ويتواعد معهم وعداً ملزماً بالشراء من التجار بصورة بيع المرابحة ، ولا يكون هذا من قبيل بيع ما لا يملك ، بل هو الزام للطرف الآخر بالشراء من أشخاص معينين مرابحة ، فهو تكليف شرعي بالشراء من الملاّك الحقيقيين للمال نشأ من الشرط الملِزم في عقد آخر أو من التعهد الذي قام به الطرف مع البنك.
     وكذا يمكن أن تبيع الشركة أو البنك سلعها بيعاً آجلا بربح معين مضمون وتتفق مع المشترين لتلزمهم بذلك في عقد آخر أو على نحو شرط النتيجة أو الفعل.
     وعلى هذا يتمكن البنك أن يقدم على ضمان ربح معين إلى المودِع ، ويسلمه إياه في أيّ وقت أراد بعد انتهاء عقد شركة المضاربة ، ثم ينظر البنك الى نتيجة عملية المضاربة ، فإن كانت قد حصلت على أقلّ نسبة من الربح فهو ، وإذا كانت النسبة الربحية أكثر من ذلك فيقوم البنك بإبلاغ المودِع بحصول ربح أكثر من الّذي ضمنه البنك وسلّمه له ، وهذا هو الذي درجت عليه بنوك الجمهورية الإسلامية في إيران بعد

بحوث في الفقه المعاصر ـ الجزء الثاني ::: فهرس