تاريخ مقام الإمام المهدي ( عج ) في الحلة ::: 141 ـ 150
(141)
     ورد في سير كثير من أعلام الشيعة الامامية ( أنار الله برهانهم ) انهم تشرفوا بلقاء الامام الحجة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وقد دون بعض العلماء الاعلام كالعلامة المجلسي رَحَمَهُ الله والميرزا النوري رَحَمَهُ الله في كتبهم ، تلك اللقاءات وكان لعلماء مدينة الحلة من ذلك نصيب موفور وحظ غير منقوص ويمكن أن يستأنس أن لقاء بعضهم وتشرّفه به عجل الله تعالى فرجه الشريف في هذا المقام فاتصل خبر هذا اللقاء المبارك ، وهذا لا يمنع أن يكون الامام عجل الله تعالى فرجه الشريف قد شرف هذا الموضع قبل هؤلاء الاجلاء ، وان الله تعالى جعل لهذا الموضع من القدسية ما خصه بكثرة وجوده فيه ، ومعلوم أن الله خصّ بعض الازمنة ، بخصائص تشريف وتعظيم ، فكان من موارد هذا التشريف والتعظيم هو هذا الموضع المبارك الشريف ، وقد خفظ لنا التاريخ اسماء جماعة من أعاظم علماء الحلة ، ولقد أسلفنا ذكر ثلاثة منهم ، في الباب الثالث من كتابنا هذا وهم :
     أبو راجح الحمّامي ( صاحب الحمام العمومي في الحلة ).
     وأم عثمان ( المرأة التي كشف بصرها برؤية طلعته المباركة ).
     والشيخ جمال الدين الزاهدري ( الذي شفي من الفالج ببركة يده صلى الله عليه وآله ).
     والان نأتي على من لم نذكرهم وهم : ( وذكرهم في هذا الباب ، حسب التسلسل التاريخي ).

    1 ـ السيد رضي الدين محمد بن محمد الآوي الحسيني رَحَمَهُ الله تـ ( 654 هـ ) : وأما حكاية لقائه على ما نقله العلامه الحلي رَحَمَهُ الله في كتاب ( منهاج الصلاح ) قال :


(142)
نوع آخر من الاستخارة رويته عن والدي الفقيه سديد الدين يوسف بن علي بن المطهر رَحَمَهُ الله عن السيد رضي الدين الآوي الحسيني رَحَمَهُ الله
     عن صاحب الامر عجل الله تعالى فرجه الشريف وهو : أن يقرأ فاتحة الكتاب عشر مرات ، وأقلّه ثلاث مرات ، والأدون منه مرة ، ثم يقرأ ( انا انزلناه ) عشر مرات ، ثم يقرأ هذا الدعاء ثلاث مرات : « اللهم اني استخيرك بعلمك بعواقب الامور ، واستشيرك لحسن ظنّي بك في المأمول والمحذور ، اللهم إن كان الامر الفلاني قد نيطت بالبركة اعجازه وبواديه وحفّت بالكرامة أيامه ولياليه ، فخر لي خيرة درك شموسه ذلولاً وتقعص أيامه سروراً ، اللهم إمّا أمر فأأتمر ، وإما نهي فانتهي اللهم اني استخيرك برحمتك خيرة في عافية ».
     ثم يقبض على قطعة من السبحة ويضمر حاجته ، ويخرج إن كان عدد تلك القطعة زوجا فهو افعل ، وإن كان فردا لا تفعل ، أو بالعكس. (1)
     وقد نقل العلامة النوري رَحَمَهُ الله لقاء ثانياً لهذا السيد الآوي نقل فيه السيد دعاء العبرات المشهور ولم أنقله هنا خوفاً من الاطالة ومن أراده فليراجع ، النجم الثاقب ج 2 ص 127 ، جنة المأوى ص 221 ، كما نقل السيد رضي الدين ابن طاووس هذا الدعاء عن السيد نفسه في كتاب ( مهج الدعوات ).

    2 ـ السيد الاجل صاحب الكرامات الباهرات السيد علي بن موسى بن جعفر بن طاووس ( تـ 664 هـ ) : وقد صرح في مطاوي كتبه بتلك اللقاءات ومن خلال فقرات من كتابه ( كشف المحجة لثمرة
1 ـ انظر : النجم الثاقب / النوري الله رَحَمَهُ ، ج 2 ص 126 ، وقد نقل الشهيد الاول في الذكرى هذه الاستخارة عن السيد.

(143)
المهجة ) الذي كتبه لولده وكان عمره حينئذ سبع سنين استدل شيخنا الميرزا حسين النوري رَحَمَهُ الله صاحب كتاب مستدرك الوسائل ان باب لقائه إياه صلوات الله عليه كان مفتوحاً دائماً وأبداً له.
     قال العلامة الحلي في حقه في إجازته الكبيرة : ( وكان رضي الدين علي رَحَمَهُ الله صاحب كرامات حكى لي بعضها وروى لي والدي رحمة الله عليه البعض الآخر وكان أعبد من رأيناه من أهل زمانه ).
     ولقد نقل العلامة النوري لهذا السيد عدة لقاءات وسوف نذكر هنا لقاءين.
     اللقاء الاول : قال السيد الجليل القدر علي بن طاووس في كتاب ( مهج الدعوات ) : ( وكنت أنا بسر من رأى فسمعت سحراً دعاءه عليه السلام فحفظت منه عليه السلام من الدعاء لمن ذكره من الاحياء والاموات ( وابقهم ) أو قال : « وأحيهم في عزنا وملكنا وسلطاننا ودولتنا » وكان ذلك في ليلة الاربعاء ثالث عشر ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين وستمائة. (1)
     اللقاء الثاني : وذكر في ملحقات كتاب أنيس العابدين انه نقل عن ابن طاووس رَحَمَهُ الله انه سمع سحراً في السرداب عن صاحب الامر عليه السلام انه يقول : « اللهم ان شيعتنا خُلقتمن شعاع أنوارنا وبقية طينتنا ، وقد فعلوا ذنوباً كثيرة اتكالاً على حّبنا وولايتنا ، فان كانت ذنوبهم بينك وبينهم فاصفح عنهم فقد رضينا ، وما كان منها فيما بينهم فأصلح بينهم وقاص بها عن خمسنا ، وأدخلهم الجنّة وزحزحهم عن النار ، ولا تجمع بينهم وبين أعدائهم في سخطك ». (2)
1 ـ أنظر : النجم الثاقب ، النوري رَحَمَهُ الله ، ج 2 ، ص 120.
2 ـ أنظر : النجم الثاقب ، النوري رَحَمَهُ الله ، ج 2 ، ص 120.


(144)
    3 ـ رجل اسمه عبد المحسن : وهو من الزاهدين العابدين المتمسكين بحبل ولائه عليه السلام وأرسل الامام عليه السلام على يديه رسالة خاصة الى السيد ابن طاووس.
     وأما حكاية لقائه بالامام فلقد أوردها العلامة النوري في كتبه ونحن نتبرك بذكرها ( والكلام للسيد ابن طاووس ).
     « ... وتوجهنا من هناك لزيارة أول رجب بالحلة ، فوصلنا ليلة الجمعة سابع عشر جمادى الآخرة بحسب الاستخارة ، فعرّفني حسن بن البقلي يوم الجمعة المذكورة أن شخصاً يقال له : عبد المحسن ، من أهل السواد (1) قد حضر بالحلة وذكر أنه قد لقيه مولانا المهدي صلوات الله عليه ظاهراً في اليقظة ، وقد أرسله الى عندي برسالة فنفذت قاصداً وهو محفوظ بن فرا فحضر ليلة السبت ثامن عشر من جمادى الآخرة المقدم ذكرها ، فخلوت بهذا الشيخ عبد المحسن ، فعرفته هو رجل صالح ، لا يشك النفس في حديثه ، ومستغنٍ عنا وسألته فذكر أن اصله من حصن بشر وانه انتقل الى الدولاب الذي بازاء المحولة المعروفة بالمجاهديّة ، ويعرف الدولاب بابن أبي الحسن ، وانه مقيم هناك وليس له عمل بالدولاب ولا زرع ، ولكنه باجر في شراء غليلات وغيرها ، وانه كان قد ابتاع غلة من ديوان السرائر وجاء ليقبضها ، وبات عند المعيدية في المواضع المعروفة بالمحبر.
     فلما كان وقت السحر كره استعمال ماء المعيدية ، فخرج فقصد النهر ، والنهر في جهة المشرق ، فما احسّ بنفسه إلا وهو في تل السلام
1 ـ قال المؤلف رَحَمَهُ الله : يعني قرى العراق.

(145)
في طريق مشهد الحسين عليه السلام في جهة المغرب وكان ذلك ليلة الخميس تاسع عشر شهر جمادى الاخرة من سنة احدى وأربعين وستمائة التي تقدم شرح بعض ما تفضل الله عليّ فيها وفي نهارها في خدمة مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام.
     فجلست أريق ماء وإذا فارس عندي ما سمعت له حساً ولا وجدت لفرسه حركة ولا صوتاً ، وكان القمر طالعاً ، ولكن كان الضباب كثيراً.
     فسألته عن الفارس وفرسه ، فقال : كان لون فرسه صداءً (1) وعليه ثياب بيض وهو متحنّك بعمامة ومتقلد بسيف.
     فقال الفارس لهذا الشيخ عبد المحسن : كيف وقت الناس ؟ قال عبد المحسن : فظننت انه يسأل عن ذلك الوقت ، قال : فقلت الدينا عليه (2) ضباب وغبرة ، فقال : ما سألتك عن هذا ، أنا سألتك عن حال الناس ، قال : فقلت الناس طيبين مرخّصين آمنين (2) في أوطانهم وعلى أموالهم.
     فقال : تمضي الى ابن طاووس ، وتقول له كذا وكذا ، وذكر لي ما قال صلوات الله عليه ثم قال عنه عليه السلام : فالوقت قد دنا ، فالوقت قد دنا.
     قال عبد المحسن : فوقع في قلبي وعرفت نفسي انه مولانا صاحب الزمان عليه السلام ، فوقعت على وجهي وبقيت كذلك مغشياً عليّ الى أن طلع الصبح ، قلت له : فمن أين عرفت انه قصد ابن طاووس عني ؟ قال : ما أعرف من
1 ـ أي احمر غامق مائل للسواد.
2 ـ كذا ورد في المطبوع والاصح عليها.
3 ـ هكذا ورد في النص والاصح بالرفع أي ( طيبون ، مرخصون ، امنون ).


(146)
بني طاووس إلا أنت ، وما في قلبي إلا انه قصد بالرسالة اليك ، قلت : أي شيء فهمت بقوله عليه السلام فالوقت قد دنا ، فالوقت قد دنا هل قصد وفاتي ( قد دنا ) ام ( قد دنا وقت ظهوره ) صلوات الله وسلامه عليه ؟ فقال : بل قد دنا وقت ظهوره صلوات الله عليه.
     قال : فتوجهت ذلك الوقت الى مشهد الحسين عليه السلام وعزمت انني الزم بيتي مدة حياتي أعبد الله تعالى ، وندمت كيف ما سألته صلوات لله عليه عن أشياء كنت اشتهي اسأله فيها.
     قلت له : هل عرّفت بذلك أحداً ؟ قال : نعم ، عرّفت بعض من كان عرف بخروجي من المعيدية ، وتوهموا اني قد ظللت وهلكت بتأخيري عنهم ، واشتغالي بالغشية التي وجدتها ، ولأنهم كانوا يروني طول ذلك النهار يوم الخميس في أثر الغشية التي لقيتها من خوفي منه عليه السلام فوصيّته أن لا يقول ذلك لأحد أبداً وعرضت عليه شيئاً ، فقال : انا مستغن عن الناس وبخير كثير.
     فقمت أنا وهو فلما قام عني نفذت له غكاء وبات عندنا في المجلس على باب الدار التي هي مسكني الان بالحلة ، فقمت وكنت أنا وهو في الروشن (1) في خلوة ، فنزلت لأنام فسألت الله زيادة كشف في المنام في تلك الليلة اراه أنا.
     فرأيت كأن مولانا الصادق عليه السلام قد جاءني بهدية عظيمة ، وهي عندي وكأنني ما أعرف قدرها ، فاستيقظت وحمدت الله وصعدت الروشن لصلاة نافلة الليل وهي ليلة السبت ثامن عشر جمادى الآخرة
1 ـ الروشن : الكوة.

(147)
فأصعد فتح (1) الابريق الى عندي فممدت يدي فلزمت عروته لأفرغ على كفي فأمسك ماسك فم الابريق وأداره عني ومنعني من استعمال الماء في طهارة الصلاة ، فقلت : لعل الماء نجس فأراد الله أن يصونني عنه فان لله عَزَوَجَل عليّ عوائد كثيرة أحدها مثل هذا وأعرفها.
     فناديت الى فتح ، وقلت : من أين ملأت الابريق ؟ فقال : من المصبّة ، فقلت : هذا لعله نجس فاقلبه وطهره (2) واملأه من الشط فمضى وقلّبه وأنا اسمع صوت الابريق وشطفه وملأه من الشط ، وجاء به فلزمت عروته وشرعت اُقلب منه على كفي فأمسك ماسك فم الابريق وأداره عني ومنعني منه ، فعدت وصبرت ، ودعوت بدعوات ، وعاودت الابريق وجرى مثل ذلك ، فعرفت أن هذا منع لي من صلاة الليل تلك الليلة ، وقلت في خاطري لعل الله يريد أن يجري عليّ حكماً وابتلاءولا يريد أن ادعو الليلة في السلامة من ذلك ، وجلست لا يخطر بقلبي غير ذلك.
     فنمت وأنا جالس ، وإذا برجل يقول لي ( يعني عبد المحسن الذي جاء بالرسالة ) كان ينبغي ان تمشي بين يديه ، فاستيقظت ووقع في خاطري انني قد قصرت في احترامه واكرامه ، فتبت الى الله جَلَ جَلالَه واعتمدت ما يعتمد التائب من مثل ذلك ، وشرعت في الطهارة فلم يمسك أبداً فم الابريق وتركت على عادتي فتطهرت وصليت ركعتين فطلع الفجر فقضيت نافلة الليل ، وفهمت انني ما قمت بحق هذه
1 ـ فتح : اسم غلامه.
2 ـ قال المؤلف رَحَمَهُ الله : « في نسخة الفاضل الهندي : فاشطفه ، وهي الأصح لغة ، وبقرينة ما يأتي ».


(148)
الرسالة ، فنزلت الى الشيخ عبد المحسن وتلقيته وأكرمته ، وأخذت له من خاصّتي ستة دنانير ومن غير خاصّتي خمسة عشر ديناراً مما كنت أحكم فيه كمالي وخلوت به في الروشن ، وعرضت ذلك عليه ، واعتذرت اليه ، فامتنع من قبول شيء أصلاً ، وقال : إن معي مائة دينار وما آخذ شيئاً ، اعطه لمن هو فقير ، وامتنع غاية الامتناع.
     فقلت : إن رسول مثله ( عليه الصلاة والسلام ) ، يعطى لأجل الاكرام لمن أرسله لالأجل فقره وغناه ، فامتنع ، فقلت له ( مبارك ) اما الخمسة عشر ، فهي من غير خاصّتي ، فهي من غير خاصّتي ، فلا أكرهك على قبولها وأما هذه الستة دنانير فهي من خاصّتي فلابد أن تقبلها مني فكاد أن يؤيسني من من قبولها ، فألزمته فأخذها ، وعاد تركها ، فألزمته فأخذها ، وتغديت أنا وهو ، ومشيت بين يديه كما اُمرت في المنام الى ظاهر الدار وأوصيته بالكتمان ، و الحمد لله وصلى الله على سيد المرسلين محمد وآله الطاهرين ». (1)

    3 ـ اسماعيل بن الحسن الهرقلي : (2) وأما حكاية لقائه بالامام عجل الله تعالى فرجه الشريف نقلاً عن كتاب ( كشف الغمة ) قال العالم الفاضل علي بن عيسى الاربلي :
     « ... وحدثني بهما جماعة من ثقات إخواني كان في البلاد الحلية شخص يقال له اسماعيل بن الحسن الهرقلي من قرية يقال لها هرقل ، مات في زماني وما رأيته ، حكى لي ولده شمس الدين قال : حكى لي والدي انه خرج فيه ( وهو شباب ) على فخذه الايسر توثة (3) مقدار قبضة الانسان ، وكانت في
1 ـ انظر : النجم الثاقب ، النوري رَحَمَهُ الله ج 2 ص 105.
2 ـ هرقل : قرية من قرى الحلة.
3 ـ التوثة : بثرة متقرحة.


(149)
كل ربيع تشقق ويخرج منها دم وقيح ، ويقطعه ألمها عن كثير من أشغاله ، وكان مقيماً بهرقل ، فحضر الحلة يوماً ودخل الى مجلس السعيد رضي الدين علي بن طاووس رَحَمَهُ الله وشكا اليه ما يجده منها وقال : أريد أن اداويها فأحضر له أطباء الحلة وأراهم الموضع ، فقالوا : هذه التوثة فوق العرق الاكحل وعلاجها خطر ومتى قطعت خيف أن ينقطع العرق فيموت ، فقال له السعيد رضي الدين ( قدس الله روحه ) : أنا متوجه الى بغداد وربما كان أطباؤها أعرف وأحذق من هؤلاء فاصحبني فأصعد معه وأحضر الاطباء فقالوا كما قال أولئك فضاق صدره ، فقال له السعيد : إن الشرع قد فسح لك في الصلاة في هذه الثياب وعليك الاجتهاد في الاحتراس ، ولا تغرر بنفسك فالله تعالى قد نهى عن ذلك ورسوله ، فقال له والدي : إذا كان الامر على ذلك وقد وصلت الى بغداد فأتوجه الى زيارة المشهد الشريف بسرّ من رأى على مشرفه السلام ، ثم انحدر الى أهلي فحسّن له ذلك ، فترك ثيابه ونفقته عند السعيد رضي الدين وتوجّه ، قال : فلما دخلت المشهد وزرت الائمة عليهم السلام ونزلت في السرداب واستغثت بالله تعالى وبالامام عليه السلام وقضيت بعض الليل في السرداب وبتّ في المشهد الى الخميس ، ثم مضيت الى دجلة واغتسلت ولبست ثوباً نظيفاً وملأت ابريقاً كان معي ، وصعدت أريد المشهد ، فرأيت أربعة فرسان خارجين من باب السور ، وكان حول المشهد قوم من الشرفاء يرعون أغنامهم فحسبتهم منهم فالتقينا فرأيت شابين أحدهما عبد مخطوط وكل واحد منهم متقلد بسيف ، وشيخاً منقباً بيده رمح والآخر متقلد بسيف ، وعليه فرجية (1) ملونة فوق السيف وهو متحنك بعذبته ، فوقف الشيخ صاحب الرمح يمين الطريق ووضع كعبه
1 ـ الفرجية : نوع من انواع الملابس.

(150)
في الارض ، ووقف الشابان عن يسار الطريق ، وبقي صاحب الفرجية على الطريق مقابل والدي ، ثم سلموا عليه فرد عليهم السلام ، فقال له صاحب الفرجية : أنت غداً تروح الى أهلك ؟ فقال : نعم ، فقال له : تقدم حتى ابصر ما يوجعك ؟ قال : فكرهت ملامستهم ، وقلت في نفسي أهل البادية ما يكادون يحترزون من النجاسة : وأنا قد خرجت من الماء وقميصي مبلول ، ثم اني بعد ذلك تقدمت اليه فلزمني بيده ومدّتي اليه وجعل يلمس جانبي من كتفي الى أن أصابت يده التوثة فعصرها بيده ، فأوجعني ثم استوى في سرجه كما كان ، فقال لي الشيخ : أفلحت يا اسماعيل ، فعجبت من معرفته باسمي ، فقلت : أفلحنا وأفلحتم إن شاء الله ، فقال لي الشيخ : هذا هو الامام ، قال : فتقدمت اليه فاحتضنته وقبلت فخذه ، ثم انه ساق وانا امشي معه محتضنه ، فقال : ارجع فقلت : لا إفارقك أبداً فقال : المصلحة رجوعك ، فأعدت عليه مثل القول الاول ، فقال الشيخ : يا اسماعيل ما تستحي ، يقول لك الامام مرتين ارجح وتخالفه ؟فجبهني بهذا القول فوقفت فتقدم خطوات والتفت الي وقال : إذا وصلت بغداد فلابد أن يطلبك ابو جعفر ( يعني الخليفة المستنصر رَحَمَهُ الله ) فاذا حضرت عنه وأعطاك شيئاً فلا تأخذه وقل لولدنا الرضي ليكتب لك الى علي ابن عوض ، فانني أوصيه يعطيك الذي تريد.
     ثم سار وأصحابه معه ، فلم إزل فائماً أبصرهم الى أن غابوا عني ، وحصل عندي أسف لمفارقته فقعدت الى الارض ساعة ثم مشيت الى المشهد ، فاجتمع القوّام حولي وقالوا : نرى وجهك متغيراً أوجعك شيء ؟ قلت : لا ، قالوا : أخاصمك أحد ؟ قلت : لا ، ليس عندي مما تقولون خبر ، لكن اسألكم هل عرفتم الفرسان الذين كانوا عندكم ؟ فقالوا : هم من الشرفاء
تاريخ مقام الإمام المهدي ( عج ) في الحلة ::: فهرس