النِظام المَالي وتداول الثّروة في الإسْلام ::: 106 ـ 120
(106)
    2 ـ تمركز القوة في أيدي المساهمين :
    يتكون رأسمال المصارف ـ عادة ـ من الرأسمال الذي يقدمه المساهمون الأوائل ، والودائع تحت الطلب والمؤجلة التي يدعها الزبائن في المصارف ، من أبناء الأمة عامة.
    ولا يتجاوز الرأسمال الذي يودعه المساهمون الأوائل ثلاثة أجزاء من مائة ( 3% ) من مجموع الرأسمال ، ويرجع 97% من الرأسمال إلى زبائن المصرف.
    ويقوم المصرف باستثمار هذا المبلغ الضخم ، الذي يكون 97% من رأسماله ، في مختلف الأعمال الإنتاجية. ويستوفي فائدة هذه الأموال لصالحه الخاص ، ولا يرجع إلى أصحابها الشرعيين إلاّ شيئاً يسيراً جداً بالنسبة إلى ما يجنيه المصرف من الفائدة.
    ويضع المساهمون الأوائل ـ وهم لا يتجاوزون عدد الأصابع ـ أيديهم على هذه الثروة الطائلة ، التي لا يملكون منها غير نسبة ضئيلة لا تتجاوز نسبة 3%.
    وإذا وضعنا هذه الثروة في إطارها الاجتماعي ، وجدنا أن هؤلاء المساهمين يضعون أيديهم على أقوى سلاح في البلاد ، ويسيطرون ـ عن طريق ذلك ـ على مقدَّرات البلاد ، ويقررون بعد ذلك مصير الأُمة ويوجهون الوضع المالي بالشكل الذي يخدم مصالحهم ..


(107)
    بينما نجد أن أصحاب الودائع المالية ـ وهم الغالبية من أبناء الأُمة ـ لا يملكون شيئاً من أُمور المصرف ، فضلاً من أن يملكوا تقرير مصير البلاد ، أو يسيطروا على مقدرات الأُمة.
    وخذ لذلك مثلاً « مصرف بنجاب القومي » ، وقد كان من أنجح المصارف وأكثرها في القارة الهندية قبل وجود باكستان وكان مركزه في « لاهور » .. فما كان رأس ماله الذاتي إلاّ عشرة ملايين روبية؛ ولكن كانت ودائعه التي كان يستعملها سنة 1945 نحو 520 مليون روبية.
    والعجيب ـ بعد كل هذا ـ أن المصرف على الرغم من أنه كان يسيّر شؤونه كلها بما اجتمع عنده من الودائع ، وهي تبلغ 90 ـ 95% ، بل 98% أحياناً من مجموع ما لديه من مال فإنه لم يكن للمودعين أي حق في التدخل في نظامه وإدارته وسياسته ، وإنما كان ذلك كله بيد المساهمين الذين هم المالكون للمصرف .. على حين لا يكاد يبلغ رأس مالهم 2 أو 3 أو 4 أو 5% من مجموع الموجودات (1).
    ولكم أن تقدروا مبلغ هؤلاء الرأسماليين من القوة والنفوذ بأنه ما كان عند عشرة مصارف في الهند ـ قبل تقسيم البلاد ـ إلاّ 170 مليون روبية .. ولكن كانت الودائع قد بلغت فيها 6120 مليون روبية .. وكان عدد قليل ، لا يتجاوز 150 أو
1 ـ الربا : ابو الاعلى المودودي : 96 ، 97.

(108)
200 شخصاً على الأكثر ، من الرأسماليين مستولياً عليها وعلى سياستها وإدارتها ...
    كل هذا عن بلاد ليس عهدها بتنظيم الرأسمال إلاّ حديثاً ، وهو لا يبلغ مجموع الودائع في صناديق مصارفها أكثر من نصف جنيه لكل فرد من أهاليها بالمعدل.
    ولكن تصوروا كيفية ارتكاز الثروة وتجمعها في مصارف البلاد الغربية ، التي قد بلغ فيها هذا المعدل الفين ، بل ثلاثة آلاف مرة منه في بلادنا الشرقية.
    لقد كان هذا المعدل في المصارف التجارية وحدها ـ حسب إحصاء سنة 1936 ـ في اميركا 1317 جنيهاً ، وفي انكلترا 664 جنيهاً وفي سويسرا 275 جنيهاً ، وفي ألمانيا 313 جنيهاً ، وفي فرنسا 165 جنيهاً.
    فعلى هذا النطاق الواسع يسلم أهالي تلك البلاد أموالهم المدخرة إلى رأسماليهم .. وعلى هذا النطاق الواسع تنجذب الثروة من كل بيت لترتكز في أيدي قليلة (1).
    وذلك يعني : ان هذه الطبقة قد وضعت أيديها على مقدرات البلاد ومصيره واتجاهه المالي ، وصار بإمكانها أن توجه البلاد ، من ناحية سياسية واقتصادية واجتماعية ، إلى الوجهة التي تخدم أغراضها الخاصة ، وتنمي إمكانياتها المالية ، وتسند مكانتها الاجتماعية ، وتبعد أبناء الأُمة ـ أصحاب الرأسمال الشرعيين ـ
1 ـ الربا : ابو الأعلى المودوي : 101 ـ 103.

(109)
عن المسرح المالي والسياسي.
    فإن المال في الحياة الاجتماعية عصب الحياة الرئيسي. والذي يملك هذا السلاح القوي أو يملك أمره والسيطرة عليه فهو يملك الشيء الكثير من أمر المجتمع والقوى المؤثرة فيه.
    ولذلك ، ففي المجتمع الإسلامي ، لا يملك المساهمون الأوائل أن يضعوا أيديهم على الرأسمال المدخر في المصرف إلاّ بقدر.
    والدولة هي التي تشرف على سير المصارف ونشاطها وتنظيم أعمالها ، حتى لا ينقلب المصرف ، وهو قائم مالياً على أكتاف الأُمة ، إلى مؤسسة تخدم أغراض المساهمين الأوائل فحسب ، كما تلمس ذلك في المصارف الأهلية في الوقت الحاضر.
    وبهذا الشكل تحفظ الدولة أموال الأُمة من أن تتمركز لصالح طبقة خاصة في المجتمع.


(110)
    يتصور كثير أن المجتمع الإسلامي لا يفتح صدره للنشاط المصرفي. وإذا تم إنشاء مجتمع اسلامي تتوفر فيه عناصر هذا المجتمع ، فيجب أن تغلق أبواب جميع المصارف الموجودة في البلاد ، ويعطل النشاط المصرفي بصورة عامة!
    ولكن ببعض التأمل يظهر لنا أن المجتمع الإسلامي بما يملك من مرونة لا يقصر عن احتضان هذه المؤسسة المالية كما لا يقصر عن احتضان أية مؤسسة أُخرى تفرض نفسها على حياة الإنسان المعاصر ، وذلك ببعض التعديل في محتواها وشكلها.
    ولكي يتاح لنا أن نلمس من قريب الشكل المشروع للنشاط المصرفي في المجتمع الإسلامي نستعرض وجوه هذا النشاط واحداً بعد واحدٍ على ضوء الفقه الإسلامي.
    1 ـ القروض :
    للقرض أهمية خاصة في نشاط المصارف. فهو يحتل في نشاط المصارف وأعماله الحجم الأكبر. ولذلك فلا يمكن أن نتصور أن يقوم مصرف دون أن يزاول هذا اللون من النشاط المالي ، ودون


(111)
أن تحتل هذه الفعالية المالية حجماً كبيراً من فعالياته ونشاطه.
    ولا شك أن الشكل القائم الذي تمارسه المصارف في تقديم القروض للزبائن بشكل غير مشروع من الناحية الإسلامية. فالمصارف تطلب من الزبائن فائدة مالية أزاء ما تقدمه من قروض ، وهو شيء محرم في الإسلام قطعاً ، لا يشك أحد في حرمته وفي انطباق عنوان الربا عليه.
    وليس من شك أن المصارف لا تستطيع ، من ناحية مالية أن تقوم بتقديم القروض للزبائن ، دون أن تطالب أصحابها بفائدة مالية ، أزاء ما تقدمه من مال.
    فهل من شكل مشروع يجمع بين انتفاع المصرف ـ كمؤسسة مالية ـ فيما تقدم من قروض وبين امتناع هذه المؤسسة المالية من الربا المحرم في الإسلام.
    هذا هو السؤال الذي نطرحه في هذه الدراسة للإجابة. ولا شك أننا لو استطعنا أن نقدم الإجابة الصحيحة على هذا السؤال ، ونعثر على الصيغة الكاملة للمصرف الإسلامي الذي لا يمارس ( الربا ) فيما يمارس من أعمال ونشاط مالي .. فقد استطعنا أن نفتح صدر المجتمع الإسلامي لهذه المؤسسة المالية ، كما استطعنا أن ننقذ المجتمع مما تجره اليه هذه المؤسسات ( في صيغتها الربوّية ) من ويلات اقتصادية ومشاكل اجتماعية كثيرة.
    وفيما يلي تصوير موجز لهذه الاطروحة :


(112)
    في المجتمع الإسلامي يجوز للحاكم الشرعي ـ بما له من سلطة تنفيذية ـ أن يفرض على المصارف الأهلية أن تستخدم الودائع النقدية تحت الطلب للقروض القصيرة والقروض الاستهلاكية (1) وتقديم قروض استهلاكية طويلة الأجل بنسبة خاصة من الودائع التي يتركها العملاء في المصرف ، تحت الطلب أو الأجل ، من غير مطالبة بفائدة.
    وهناك قروض أُخرى غير هذه القروض الاستهلاكية والقصيرة الأجل ، تقدمها المصارف لأصحاب الأعمال والاستثمار الصناعي والزراعي ، والقيام بأعمال انتاجية.
    ويختلف حكم هذه القروض عن القروض المتقدمة التي كان للدولة أن تلجئ المصرف إلى تقديمها بلا عوض مالي. فإن المال الذي يدفعه المصرف إلى أصحاب الأعمال لا يصرف في الاستهلاك ولإشباع حاجات شخصية ، وإنما يستخدم لأغراض إنتاجية تدر كثيراً من الربح على المؤسسة.
    ولا ريب أن هذا الإنتاج يحصل من عاملين رئيسيين هما : العمل ، ورأس المال.
    والفائدة المترتبة على هذه العملية تنبسط على هذين العاملين ،
1 ـ القروض على نحوين : استهلاكية وانتاجية. أما الاستهلاكية ، فهي التي يقصد بها الاستهلاك لاشباع حاجة معينة.
    والانتاجية : هي التي يقصد بها استخدام المال لأغراض انتاجية.


(113)
وتكون لكل منهما حصة من الفائدة ـ إذا كانت مقارنة العاملين المذكورين على نحو المضاربة (1).
    أما الضرر ، فيلحق الرأسمال خاصة ، ولا يتضرر العامل ـ صاحب العمل ـ ما لم يكن قد خان أو أفرط في الإتلاف.
    والشريعة الإسلامية تعترف بالبنوك على هذا الأساس ، وهو أقرب إلى العدالة الاجتماعية.
    فإن العامل ـ وهو ذو حصة في الربح والإنتاج ـ قد خسر رأس ماله الخاص في هذه العملية ( وهو العمل ) ، والبنك أو الرأسمالي أيضاً يخسر بدوره جزءً من رأس ماله ، وهو تمام الخسارة الواردة على الرأسمال.
    فالشريعة الإسلامية لا تقدم على تجميد النشاط المصرفي .. وغاية ما هناك أن المصارف ـ بمفهومها الإسلامي ـ هي مؤسسات مالية معدة لإجهاز الأشخاص بالمال اللازم على نحو « المضاربة » ليقوموا بدور الإنتاج ، وتحمل الخسارات الواردة على الرأسمال ، ما لم تكن هناك خيانة أو إتلاف من جانب العامل وينبسط الربح بين العامل والبنك حسب القرار الذي اتفقا عليه.
1 ـ المضاربة : هي أن يدفع الشخص إلى غيره مالاً ليتصرف فيه بالبيع والشراء وما يتصل بذلك ، ويقتسمان الربح على قرار متفق عليه بين العامل وصاحب رأس المال. أما الخسارة فيتحمله رأس المال جميعاً. والعامل يخسر عمله فقط في حالة الخسارة.

(114)
    وبهذا الشكل يمكننا أن نتخلص من مشكلة الربا ، فيما تقوم به المصارف من نشاط في هذا المجال.
    والإصلاح المصرفي بهذا الشكل أمر ضروري لتحقيق العدالة الاجتماعية ، ولتقدم الحالة الاقتصادية في البلاد.
    ونحن ندلل على ذلك ، ونوضح موقف البنوك من العمليات الاقتصادية في الشريعة الإسلامية.
    قلنا : إن المصارف أجهزة مالية ، تجلب الأموال من أصحابها على شكل القروض والودائع ، فتقدمها إلى أصحاب الأعمال لتزود مؤسساتها الاقتصادية بها لتقوم بمهام الإنتاج.
    فهي في الواقع جهاز وسيط يتوسط بين صاحب العمل ( المنتج ) والرأسمالي ، وتستفيد هي من فرق النفع الذي تأخذه من العامل لتردّه إلى صاحب المال. وهذا ربح مشروع لا ضير فيه ، أشبه شيء بحق العمالة ، يتقاضاه البنك إزاء ما يقدمه من الخدمات الاقتصادية.
    وهذه المسألة لها جوانب ثلاثة :
    الأول : جانب العمال وأصحاب الأعمال.
    الثاني : جانب أصحاب الأموال.
    الثالث : جانب المصرف ، وهو في الحقيقة وسيط بين هذين الجانبين ليس أكثر.


(115)
    وقد يدفع المصرف المال إلى صاحب العمل من رأسماله الخاص لا من الأموال المودعة عنده فيحصل للبنك شخصية ذات جانبين ، يضرب احداهما مع العامل في الانتاج بتزويده بالمال اللازم والاختيار التام في الانتاج ، ويتوسط الثاني في عقد هذه المضاربة.
    أما في المصارف الحديثة ، المقرر أن يقسم الربح بين المنتج وصاحب رأس المال بتوسط البنوك .. وكيفيته أن يأخذ صاحب المال من الربح الحاصل من الانتاج شيئاً مقرراً مقابل كل مئة من الرأسمال. ويتردد ذلك غالباً فيما بين 3 ـ 4% ، وقلما يتفق أن يتجاوز هذين الحدين.
    ويأخذ صاحب العمل ما بقي من الربح ، بعد إخراج حق المصرف في العمالة من أصل الربح ... هذا في حالة الربح.
    أما لو تضررت المؤسسة الانتاجية ، فلا ريب أن البنك لما لم يكن له دخل في أصل الشركة ليتحمل شيئاً من الضرر ، والرأسمالي أيضاً يطالب ـ من غير شفقة ـ أصل ماله مضافاً اليه أرباحه في هذه المدة فإن الخسارة تبقى على عاتق العامل؛ فيضطره ذلك إلى أن يهجر الانتاج ويعتزل التجارة. وبذلك يقل الإقبال على الإنتاج والتصنيع ، وتضعف الحركات التجارية والصناعية من جانب الرأسماليين وأصحاب الأعمال على السواء.
    أما من جانب أصحاب الرأسمال ، فلأنه يرى الأصلح لنفسه أن يودع أمواله في البنوك ، ويطمئن إلى ربح خالص على


(116)
الدوام ، بدلاً من أن يعرضها لخطر التلف أو التضييع والتضرر في عمليات الاستيراد والتصنيع.
    أما من جانب أصحاب الأعمال ، فلأنهم يرون أن الربح ينبسط دائماً على العمل والرأسمال على قرار بينهم والخسارة تخصهم دون الرأسمال. فيحجمون عن الإنتاج ويقل النشاط الاقتصادي.
    أما الطريقة الإسلامية ، فهي أن يخفف العبء عن العامل ويحمل جانب الرأسمال لتنشيط العمليات الانتاجية في البلاد.
    وهذا الاسلوب في تسيير الأعمال المصرفية أصلح لحاجة البلاد الاقتصادية ، وأقرب إلى مفهوم العدالة الاجتماعية.
    ذلك كله فيما يخص الإنتاج.
    أما ربا الاستهلاك ، فهو من أبشع أنواع الاختلاس والسرقة ، ولا تبيحه الشريعة الإسلامية في حال (1).
    وبهذا الشكل يبدو أن تطوير أجهزة المصارف الحديثة بهذا الشكل ، وإجراء تعديل بسيط في صيغة عمل المصارف الحديثة فيما يتعلق بحقل القروض ، كفيل أن يجنب المجتمع من كثير من المشاكل النابعة من المؤسسات المالية والمصرفية الحديثة وأن يعطي صفة المشروعية لهذه المؤسسة المالية.
    فالمصرف ـ بعد إجراء هذا التعديل ـ لا يبقى مؤسسة
1 ـ نشر هذا البحث من جانب كاتب هذه السطور سنة 1381 هجري في مجلة الإخاء الايرانية العدد ( 23 ) السنة الثانية 23 / 7.

(117)
للإقراض وتقديم القروض في قبال فائدة مالية كالمعتاد ، وإنما يتحول إلى مؤسسة للوساطة .. والتعريف بين العامل وصاحب المال ، ويتلقى أجراً إزاء هذه الوساطة.
    ويقسط الربح في هذه الحالة بين العامل والرأسمالي على قرار يتفقان عليه ، وبعد طرح حق المصرف في الوساطة ، بينما يتحمل صاحب رأس المال كل الخسارة ولا يخسر العامل شيئاً غير ما خسر من جهد وعمل ، بعد التأكد طبعاً من صدق العامل عن طريقة ضبط السجلات بصورة رسمية ودقيقة.
    وفي هذه الحالة يتحول المصرف إلى جهاز إنساني ـ مالي يعمل في تطوير وإنعاش حركة الإنتاج والتجارة والزراعة والتصنيع ، ويقدم خدمات مالية إلى أصحاب المشاريع الإنتاجية ويعمل في إسهام رؤوس الأموال المعطلة في الإنتاج ، دون أن يأخذ المصرف أو الرأسمالي صفة الاستغلال والاستثمار.
    وأما في النظام المصرفي القائم فعلاً ، فالمصارف أجهزة مالية استثمارية تعمل في أن يجني أكبر حد ممكن من الربح ، ولا يهمها أن يكون العامل قد ربح فعلاً في الإنتاج أو خسر ... فإن المصرف على كل حال يطالب بالنسبة المقررة من الفائدة.
    2 ـ خصم « الكمبيلات » والسندات المالية :
    وهو وجه آخر من أهم وجوه النشاط المصرفي ، ويجوزه بعض الفقهاء باعتبار قيام البنك بشراء هذه الأوراق بقيمة دون


(118)
قيمتها الاسمية.
    وهو من بيع الدين بأقل منه. فإن ورقة الكمبيالة تمثل ديناً لحاملها على محررها بمبلغ من المال فيبيعها حامل الكمبيالة على المصرف بمبلغ أقل منه.
    وبيع الدين بأقل منه جائز ، من الناحية الفقهية ، إذا لم يكن الدين من المكيل والموزون.
    أما لو كان الدين من المكيل أو الموزون كالحنطة والشعير والذهب والفضة فلا يجوز بيعه بأقل منه لأنه من الربا في البيع.
    فيجوز إذن خصم الكمبيالة ، فيما لو كان الدين من غير المكيل والموزون ، أو كان من المكيل والموزون وبيع بشيء آخر من غير نوعه.
    هذا في خصم الكمبيالات فيما لو كان الدين حقيقياً.
    أما في كمبيالات ( المجاملة ) فله وجه آخر لسنا بصدده الآن.
    3 ـ التحويل :
    وهو وجه آخر من وجوه النشاط المصرفي. ولا بأس به من الناحية الشرعية. والفضل الذي يتقاضاه المصرف في هذه الحالة عمولة مشروعة إزاء قبول المصرف الحوالة ، ودفع المبلغ إلى المحتال بأمر المحيل ، فيما إذا لم يكن للمحيل رصيد في البنك المحال عليه ، فإن المصرف حجة بريئة في هذه الحالة ، ولا ملزم


(119)
لها بتقبل الحوالة ، ودفع المبلغ إلى الجهة التي يأمر بها المحيل ، فيجوز لها تقاضي عمولة خاصة إزاء ذلك.
    وأما حينما يكون البنك مديناً للمحيل فلا شك أن البنك غير ملزم بدفع المبلغ المؤشر إليه في الحوالة إلى غير المحيل نفسه ـ صاحب الحق ـ ولا يجب عليها الدفع إلى الجهة التي يريدها المحيل. فيجوز لها تقاضي عمولة خاصة على ذلك.
    وليست هذه العمولة من الربا المحرم في شيء.
    4 ـ فتح الاعتماد :
    وجه آخر من وجوه النشاط المصرفي المشروع ، والفضل الذي يأخذه المصرف عمولة مشروعة للمصرف لقيامه بالوساطة في تعريف المؤسسة التجارية المستوردة للشركات المصدرة وضمانته لوصول الثمن إليها حين وصول البضاعة.
    ولا بأس من الناحية الشرعية بهذا الوجه من وجوه النشاط المصرفي ، بقدر ما يتعلق بعمولة المصرف فيما بذله من جهد في هذا المجال ، وأما ما يتقاضاه المصرف كفائدة عن المال الذي يدفعه إلى الشركات المصدرة ، بعد وصول البضاعة ، وذلك عند عدم وجود رصيد للمشتري فهو من الربا المحرم.
    ذلك ، بصورة إجمالية ، صورة عن النشاط المصرفي المشروع


(120)
في المجتمع الإسلامي.
    وقد رأينا أن التشريع الإسلامي لا يضيق صدراً بهذه المؤسسة المالية ، وإنما يقوم بتعديل هذه المؤسسة إلى الصورة الصحيحة التي تلائم شكل المجتمع الإسلامي ، ولا تؤدي إلى حصول تضخم مالي لصالح المؤسسات المالية وبورصات المال ، وعلى حسلاب الطبقة الفقيرة والعاملة من المجتمع.
    هذا وللتفصيل في هذا البحث مجال آخر من الكتب الفقهية وقد حاولنا في هذه الدراسة إعطاء ملامح عن النشاط المصرفي المشروع ، تاركين التفصيل للكتب الفقهية المعدة لهذا الموضوع.
النِظام المَالي وتداول الثّروة في الإسْلام ::: فهرس