النظام الصحي ::: 81 ـ 90
(81)
للتأديب. وقد روي ان اميرالمؤمنين عليه السلام ضمّن ختّاناً قطع حشفة غلام (1). والاولى الاعتماد على الاجماع فقد نقله المصنّف في الشرح وجماعة ، لاعلى الرواية لضعف سندها بالسكوني ) (2).
     وأجمع فقهاء السنة على « ان الطبيب اذا اخطأ لزمته الدية ، مثل ان يقطع الحشفة في الختان وما اشبه ذلك ، لانه في معنى الجاني خطأ. وعن مالك رواية انه ليس عليه شيء ، وذلك عنده اذا كان من اهل الطب ، ولاخلاف انه اذا لم يكن من اهل الطب انه يضمن لأنه متعدّ ، وقد ورد في ذلك مع الاجماع حديث عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده ان رسول اللّه (ص) قال : ( من تطبب ولم يعلم منه قبل ذلك الطب هو ضامن ) والدية فيما اخطأه الطبيب عند الجمهور على العاقلة » (3). فالطبيب اذن « يضمن في ماله من يتلف بعلاجه. ولو ابرأه المريض او الولي ، فالوجه : الصحة لامساس الضرورة الى العلاج » (4).
     ونستلخص من هذا الرأي فوائد :
     « الاولى : انه يجوز العلاج للمراض ، اما اولاً فلو جوب دفع الضرر عن النفس عقلاً وشرعاً. واما ثانياً فلقوله (ص) : ( تداووا فان الذي انزل الداء انزل الدواء ) (5) ، وقوله (ص) : [ شفاء امتي في ثلاث : اية من كتاب اللّه [ الطب الايماني ] ، ولعقة من عسل ( الطب الغذائي ] ، ومشراط حجام
1 ـ التهذيب : ج 10 ص 234.
2 ـ شرح اللمعة : ج 10 ص 110.
3 ـ بداية المجتهد لابن رشد : ج 2 ص 454.
4 ـ شرائع الاسلام : ج 4 ص 248.
5 ـ قرب الاسناد : ص 52.


(82)
( الطب التجريبي\ الجراحي ) (1). واما ثالثاً فللا جماع على ذلك.
     الثانية : الطبيب القاصر المعرفة ضامن لما يتلف بعلاجه اجماعاً ، وكذا العارف اذا عالج صبياً او مجنوناً او مملوكاً من غير اذن من الولي والمالك ، او عالج عاقلاً حراً من غير اذن منه.
     الثالثة : العارف اذا عالج حراً عاقلاً اذنا ، او احد الثلاثة مع اذن الولي فيخطىء هل يضمن ام لا ؟ قال الشيخان والتقي وسلار : نعم ، لحصول التلف مستنداً الى فعله ولايبطل دم امرى مسلم (2). قال المصنف في النكت : الاصحاب مجمعون على ان الطبيب يضمن ما يتلف بعلاجه ، وهو الاصل في الحجة ، والاجماع المنقول بالواحد حجة عند الاكثر.
     الرابعة : لو اخذ الطبيب البراءة من المريض الحر العاقل او من ولي غيره هل يكون ذلك مسقطاً للضمان ام لا ؟ قال الشيخان واتباعهما : نعم ، لان الضرورة ماسة الى العلاج لما يتعقبه من الضمان ، وللرواية المذكورة عن الصادق (ع) عن على (ع) انه قال : ( من تطبيب او تبطير فليأخذ البراءة من وليه والاّ فهو ضامن ) (3) ، وانما ذكر الولي لانه هو المطالب على تقدير التلف. فلما شرع الابرام قبل الاستقرار لمكان الضرورة صرف الى من يتولى المطالبة بتقدير وقوع ما تقع البراءة منه. قال المصنف في النكت : لا استبعد ابراء المريض لانه فعل مأذون فيه والمجنيّ عليه اذا اذن في الجناية
العوالي : ج 2 ص 148.
2 ـ التهذيب : ج 10 ص 205.
3 ـ الكافي : ج 7 ص 364.


(83)
سقط الضمان فكيف بأذنه في المباح المأذون في فعله.
     الخامسة : الضمان المذكور في مال الطبيب لانه شبيه عمد لتحقق القصد الى الفعل لا الى القتل » (1).
     والخلاصة ، ان الطبيب مسؤول عما يتلفه بعلاجه اذا لم يكن خبيراً بالاجماع ، او كان المريض طفلاً اومجنوناً اذا لم يحصل على الاذن من وليهما ، او كان المريض بالغاً لم يأذن له بالعلاج ، ولكن يسقط ضمان الطبيب اذا اخذت البراءة من المريض.
1 ـ التنقيح الرائع للسيوري الحلي : ج 4 ص 469.

(84)
    النظام الصحي في الاسلام
     استمر الانسان في حياته الاجتماعية منذ بداية الخليقة يتساءل ماذا اتناول من طعام حتى احافظ على حيوتي الجسمية ؟ وايهما افضل لصحتي : كثرة الطعام ام كفاية الغذاء ؟ ولو ترك الامر للناس في اختيار نوعية الطعام اساس انه نافع ، لا ختار للناس الطعام الشهي على اساس انه شهي او على الطعام النافعة لان الرغبة الشخصية للفرد هي التي تحدد نوعية الطعام الذي يأكله. فاذا اصبحت شهوة الفرد الحكم في اختيار الطعام اضحى الفرد عبداً لشهية. ولا يختلف الحيوان في ذلك عن الانسان. فيخضع الحيوان لنفس المنهج المذكور لان شهوته هي التي تحدد كمية الطعام التي يستهلكها حتى لو كان ذلك مضراً لجسمه. ولكن العلم الحديث والنظام الرأسمالي اخضعا الحيوان لطعام مصنّع يحتوي على نسبة محدّدة من الكاربوهيدرات والبروتينات والدهنيات ، حتى يستطيع المستثمر ، الذي يمتلك قطيعاً من الاغنام مثلاً جني أقصى الارباح عند بيعه تلك الحيوانات الصحيحة المتعافية ، على عكس النتيجة فيما لو باع الحيوانات المريضة ، او الحيوانات التي تستهلك علفاً لا تنفع اجسامها ، فتقل عندئذ الارباح التي يفترض جنيها من تلك الثروة الحيوانية.
     ولكن هنا يبرز سؤال مهم ، وهو كيف يستطيع الانسان اختيار طعامه الصحيح وهو جاهل بمحتويات المواد الغذائية التي يتناوله ؟ وللجواب على هذا السؤال يمكن ان يقال ان للانسان طريقين ، اما ان يختار العلم التجريبي ليدليه على المواد الغذائية التي تنفع الجسم ، وهذا ما لم يحصل


(85)
في تاريخ البشرية الاّ في القرن الأخير. واما ان يفتش عن نظام غيبي يدليه على اسرار الوقاية والغذاء حتى يتجنب الامراض النازلة بالافراد. والنظام الغيبي الذي نقصده هو الاسلام ، حيث جاء بنظام وقائي ونظام غذائي في غية الدقة والكمال. ولو ان المائة سنة الأخيرة التي بحث العلم التجريبي فيها عن اسرار الطعام ومحتويات المواد الغذائية وعلاقتها بصحة الانسان ، صرفت على احكام الاطعمة والأشربة في الاسلام لدفعت العلم البشري اشواطاً عديدة الى الامام ، ولاستغنت اوروبا وامريكا وروسيا واليابان عن ملايين الاطنان من الادوية والحقن والامصال ، التي اريد لها ان تشفي الامراض ، ولكنها لم تحقق الشفاء التام لحد اليوم.
     ولو استطرد السائل الاف الذكر مستفسراً عمّا يعمله الغذاء الجيد بجسم الانسان ؟ لأجبناه بان الفرد الذي يتبع النظام الوقائي والغذائي الذي دعا اليه الاسلام سيكون فرداً سليماً من الناحية الصيحة ، حيث ان المفترض طبياً ان يتمتع الفرد السليم بالصفات التالية :
     1 ـ ان ظهوره العام ظهور صحي مصحوب بحيوية فائقة ، وان تعبيرات الوجه ووضوح العينين ، وسرعة حركتها ، وقوة ملاحظتهما تعكس الحالة الصحية الطبيعية لذلك الفرد.
     2 ـ تركيبة العظام تركيبة جيدة. فيلاحظ ان السواعد والسيقان مستقيمة ، وان الرأس والصدور والاسنان ذات بناء قوي في المادة واعتدال في الاتجاه.
     3 ـ ان عضلات الجسم قوية ونامية بشكل صحيحة. ويظهر ذلك في القيام والجلوس والمشي ، والحركة الرياضية.


(86)
     4 ـ ان الانسجة الشحمية تحت الجلد تغطي العظام والعضلات بشكل كاف بحيث يكوي مظهر جسم الانسان مظهراً طبيعياً.
     5 ـ ان وظائف الجسم تعمل بكفاءة ، فيؤدي الجهاز الهضمي وظيفته في الهضم وامتصاص المواد الغذائية واخراج الفضلات ، وكذلك الجهاز التنفسي ، وان الفرد ينام باطمئنان ويستيقظ بنشاط.
     وانسان بهذه الصفات يعتبر من الناحية الطبية كائنا طبيعياً وصحياً. فالفرد لايحتاج الى كمية كبيرة من الطعام حتى يكون قادراً على تأدية دوره الحياتي ، بل انه ـ اذا وضع الشهوة الجامحة بأكل اللذيذ من الطعام جانباً ـ يحتاج الى الاساسيات حتى يستطيع القيام بدوره الفعال في الحياة الاجتماعية ، فهو يحتاج الى كمية كافية من البروتينات لاصلاح انسجة الجسم ، وكمية كافية من المعادن والاملاح لتنمية العظام والاسنان ، وكمية كافية من الكاربوهيدرات للطاقة ، وكمية كافية من الفيتامينات لا عطاء حيوية للاعصاب والدماغ وحفظ بقية الانسجة ، وكمية قليلة من الدهنيات للحفاظ على ظاهر الجسم. وعندما يتم اكتمال بناء الجسم في العشرينات من عمر الانسان ، تصبح كثرة الطعام من هذه المواد بمثابة حقن الجسم بالسموم. ولذلك فان الرسل (ص) والائمة (ع) كانوا يكتفون بالخبز والتمر واللبن احياناً في وجباتهم الغذائية ، لان الخبز ـ وهو يحتوي على الكاربوهيدرات ـ يمنح الجسم الطاقة. والتمر ـ وهو يحتوي على سكر واملاح وفيتامينات ـ يحفظ حيوية الدماغ والاعصاب. واللبن ـ وهو يحتوي على بروتينات وفيتامينات ـ يصلح الانسجة ويحافظ على حيويتها. وهذا المقدار من الطعام يكفي لتنشيط الجسم الانساني ودفعه


(87)
لاداء اعماله الحياتية الطبيعية. اما بقية الحبوب والفاكهة والخضار فقد ورد استحباب اكلها ، لانها تحوي على كل هذه المواد النافعة لجسم الانسان. وورد التأكيد على الاعتدال في اكل اللحوم ، خصوصاً الحمراء. وهذه المواد الغذائية البسيطة ، هي الاساس في تقوية الجسم وتحريكه ، وما عداها زائد ليست له قيمة حقيقية في بناء جسم الفرد صحياً.
     ومن اعظم الاخطار الصحية التي جلبها التطور الصناعي في الدول الرأسمالية على الافراد هو تبديل النظام الغذائي الذي واكب التقدم الصناعين والزراعي في القرنين الماضيين. فاصبح الفرد سجين نظام غذائي فد يجلب له الضرر او المرض ، حيث يستند هذا النظام الغذائي على عوامل خمسة معارضة تماما للنظام الصحي الاسلامي في الاصل ، وهي :
     1 ـ ازدياد كمية الطعام المتناول من قبل الافراد ، لان كثرة الخيرات وعدم وجود نظام اخلاقي يهذب طريقة الفرد في التعامل مع الغذاء ، ادت الى زيادة شره الافراد نحو تناول الطعام. فمن نتائج هذه الزيادة ان الفرد اصبح يخزن الشحوم الزائدة عن حاجته ، مما يسبب عطلاً في الوظائف البيولوجية للخلايا الجسمية. وقد ورد عن الامام الميرالمؤمنين (ع) قوله : ( لو ان الناس قصدوا في الطعام لاعتدالت ابدانهم ) (1).
     2 ـ تناول الطعام بين الواجبات الغذائية. وهو يسبب زيادة في خزن الشحوم ايضاً وارباكاً لنظام الجهاز الهضمي الذي صمم على اساس الوجبات الاساسية. وقد ورد في الرواية عن الامام الصادق (ع) : ( تغدّ وتعش ولا تأكلن بينهما شيئاًً فان فيه فساد البدن ، اما سمعت اللّه تبارك
1 ـ المحاسن : ص439.

(88)
وتعالى يقوم : ( وَ لَهُم رِزقُهُم فِيها بُكرةً وَ عَشِيّاً ) (1) (2). 3 ـ كثرة تناول السكّريات والمنتجات المتعلقة بها ، التي تحرم جسم الانسان من توازن الكمية الداخلة في الانسجة والخارجة منها ، فيما لو تناول الفرد الحبوب والفاكهة والخضار. وكثرة السكريات تسبب سرعة تسوّس السنان ايضاً. والاصل هنا هو قاعدة الاعتدال ، المتسالم بين العقلاء ، في تناول المواد الغذائية.
     4 ـ تناول الاطمعة المحفوظة ، حيث يحفظ الطعام في علب معدنية ، ثم تضاف اليه بعض المواد الكيميائية لحفظ خلال فترة النقل ، والخزن ، والبيع. ولماكان الماء وبعض الاملاح والفيتامينات الموجودة طبيعياً في داخل هذه الاطعمة ، تعجّل في تلف هذه المواد فانها تسحب خلال عملية التعليب ويعوض عنها بمواد كيميائية غير غذائية هدفها حفظ المادة المعلّبة من التفسخ. وهذا يؤدي الى انخفاض النسبة الغذائية في هذه المواد. وقد ورد في الروايات ما يشير الى اهمية الاطمعة الطازجة ، منها قوله (ع) : ( عليكم بالفوا في اقبالها ، فانها مصحة للابدان ).
     5 ـ اهمال تناول الفطور في الصباح ، لان الفرد في المجتمع الصناعي يفضل ـ تحت ضغط الاقتصادية ـ الاسراع للعمل ، فيهمل تناول الفطور. وتناول الافطار الصباحي مهم لان الجسم يستهلك طاقته الحيوية خلال الليل ، ومع مجيء يوم جديد فان حاجات الجسم ينبغي ان تلبى قبل ان يتحرك من جديد لتأدية عمله اليومي الشاقّ. ولم يقتصر الاسلام على
1 ـ مريم : 62.
2 ـ الكافي : ج 6 ص 288.


(89)
التأكيد على تناول الفطور ، بل اكد على ضرورة تناول العشاء ايضا على نفس مبدأ تناول الفطور لقوله تعالى : ( وَ لَهُم رِزقُهُم فِيها بُكرةً وَ عَشِيّاً ) (1) ، وقوله (ص) : ( لاتدعوا العشاء ولو على حشفة. اني اخشى على امتي من ترك العشاء الهرم. فان العشاء قوة الشيخ و الشاب ) (2).
     والاخطار الصحية الناتجة عن اتباع وممارسة النظام الغذائي الرأسمالي تستهلك من واردات النظام الاجتماعي الكثير على المستوى الصحي والانتاجي للافراد. ولكن نظاماً كالنظام الاسلامي عالج هذه المشكلة الانسانية من الصميم ، فأحدث نظاميه الوقائي والغذائي للحفاظ على حيوية الافراد.
1 ـ مريم : 62.
2 ـ المحاسن : ص 421.


(90)
    اولاً : النظام الوقائي
     ويعالج النظام الوقائي الحالة المرضية قبل وقوعها. فاذا كانت كثرة الطعام تسبب آلاماً في الجهاز الهضمي مثلأ ، فمن الوقاية ان يجتنب الفرد كثرة الاكل. وهذه القاعدة الصحية البسيطة لها تأثير فعّال على صحة الافراد ، لان كمية الطعام ونوعيته مرتبطة بعدد كبير من الامراض التي تصيب الانسان. واذا نظرنا من وجهة نظر طبية ونفسية للتحريم الذي اوجبه الشارع على المأكولات تبين لنا ان للتحريم ، اضافة الى المعنى التعبدي ، نتائج وقائية على مستوىً عظيم من الاهمية.
     فقد حرّمت الشريعة اصنافاً عديدة من المأكولات ومنها ، اولاً : الحيوانات المحرم اكلها بالذات كالدم ، والميتة ، ولحم الخنزير ، وما اهلّ لغير اللّه. ثانياً : التحريم بالواسطة كالمغصوب والمتنجس. ثالثاً : التحريم بالذات ولكنه احلّ بالواسطة كأكل الميتة للمضطر. يقول تعالى : ( قُل لا أجِدُ فيما اُوحِيَ اِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِم يَطعَمُهُ اِلاّ اَن يَكُونَ ميتَةً اَو دَماً مَسفُوحاً اَو لَحمَ خنزيرٍ فَاِنَّهُ رِجسٌ اَو فسقاً أهِلَّ لِغَيرِ اللهِ فَمَن اضطُرَّ غَيرَ باغٍ وَلا عادٍ فَاِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحيمٌ ) (1). وفي المشروبات حرمت الشريعة الخمور ، والدماء ، والاعيان النجسة والمتنجسة ، وألبان الحيوانات المحرم اكلها. وأحلّت اكل البهائم الاهلية كالغنم والبقر ، والبهائم البرية كالغزلان ، والطيور غير المخالبية ذات الدفيف التي لها حواصل وقوانص وصيص ،
1 ـ الانعام : 145.
النظام الصحي ::: فهرس