(51)
    فالقانون العادل والمشرِّع الحكيم ، هو الذي يعطي المرأة حسب تركيبها النفسي والجسدي ، لا يزيد على ذلك حتى لا يكون هضماً لحقوق الآخر ، وتكليفها بما لا تطيق ، أو إنقاصها من حقوقها فيكون هضماً لها وإجحافاً بحقها .
    فالهرمونات التي تفرزها الغدد الصمَّاء لدى الرَّجل تؤثر في تكوينه الفزيولوجي وتعطيه قدرات جسمانية وقوة جسدية تؤهله لممارسة أعمال شاقة مرهقة .
    وهذه الهرمونات لا تملكها المرأة ، مما أدَّى بها إلى بنية ضعيفة وإلى عدم تمكنها من مباشرة أعمال الرجل ، نظراً إلى نقصان قوتها الجسدية عنه .
    وبالمقابل حباها الباري عز وجل بحنان فياض وقلب رقيق ، يخفق لكل من يستحق العطف والشفقة ، وهذا أكثر بكثير من عطف الرجل . مما جعلها مؤهلة لأن تقوم بدور المربي للجيل الصاعد . وتكون مربية لأبنائها تعطيهم من الحنان والعطف ما لو فقدوه لأنتج المجتمع اناساً مجرمين .
    هذا الدور الذي لو فقده الاولاد من قبل الام ، لا يتمكن الرجل من القيام به ولو قصد ، وذلك لفقدان المؤهلات .
    فالمرأة قد حباها الله رسالة جليلة هي إنشاء الجيل وتوجيهه فيجب أن نعدَّها لتأدية تلك الرسالة على خير الوجوه .
    ولكي ندرك قيمة إعدادنا لها ، يجب أن نتمثل أن أبناءنا إذا نشأوا في بيئة جاهلة ، رضعوا الجهالة والخمول فلا تزداد بهم الامة إلا ضعفاً على ضعف ، والأمم لا تقاس مكانتها بعدد أبنائها وإنما تقاس بما لهم من كفاءات ومزايا وقوى في معترك الحياة .


(52)
    وما دمنا لا نعني بإعداد المرأة وتعليمها وتهذيبها وتهيأتها لإخراج الجيل الصالح ، القوي بإخلاقه ، السليم في عقله وجسمه ، فإنه لا رجاء في نهوضه . وسنبقى نعيش في فوضى ، ونسير بشق مائل نتعثر في خطانا ، ونستهدف للتداعي والسقوط .
    فلتتعاون المرأة والرجل فإنه لا خير في مجتمعٍ لا يتعاون فيه الجنسان معاً ، وليكن العمل صالحاً كل واحدٍ بحسب فطرته وطبيعته .


(53)
نزول المرأة الى ميدان العمل
    لقد اهتم الاسلام بالمرأة ، وأعطاها حقوقها كاملة غير منقوصة ، ورفعها إلى مصاف الرجال ، فهي مع الرجل في جميع ميادين الحياة .
    لم يرد في النصوص الشرعية المعتبرة ، والتي يعتمد عليها ، ما يحرم على المرأة أن تعمل وتكتسب ، ولا ما ينفي وجودها في ميادين العمل .
    ليس من التعاليم الإسلامية ولا من قوانين الشريعة السمحاء ، ابتعاد المرأة عن الحياة العملية ، وإنما هو من تضليل المضللين وإسدالهم الستار على الاحكام الشرعية الواضحة في حين لوثت العادات والتقاليد المستوحاة من المجتمعات غير الإسلامية نقاءها وصفاءها ، وأسدلت عليها نقاباً من التشويش والتشويه والتضليل .
    قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : « للرجال نصيبٌ مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسئلوا الله من فضله إن الله كان بكل شيءٍ عليماً » (1) .
    وقال سبحانه وتعالى : « هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور » (2) .
    ولكن إذا أمعنا النظر ، وتصفحنا التاريخ ، نرى أنه عندما غمر بلاد
(1) سورة النساء ـ آية ـ 32 .
(2) سورة الملك ـ آية ـ 15 .



(54)
المسلمين ( الامبراطورية الاسلامية ) طوفان الجواري والاماء ، واستخدمت هذه الجواري للهو ... والمتعة .و.و.و
    في ذلك الوقت اضطر المسلمون الأحرار إلى تمييز المرأة الجليلة الحرة بوضع اجتماعي خاص ، عز لها تدريجياً عن الحياة العملية ووضعها ضمن نطاق خاص بها ايضاً .
    أم الواقع التاريخي الذي يثبت مشاركة النساء للرجل في العمل ، فهو واضح ثابت ، من سيرة المسلمين في صدر الاسلام وبدء الدعوة وذلك حين كان المسلمون يلتزمون في حياتهم الاسس والتعاليم الاسلامية ، بشكل صحيح وغير مريب ، فكان أمامهن مجال العمل واسعاً وفسيحاً ومحاطاً بتعاليم الرسول الكريم ... وضمن نطاق الحشمة والعفة والأدب والدين .

المرأة وتقدمها في العصر الحاضر :
    جاء العصر الحاضر ومن حوالي قرن أو أكثر ، أخذت أبواق الدسّاسين والمستهترين والاستعماريين والالحاديين تدق داعية المجتمعات الشرقية وخاصة العربية على المطالبة بحقوق المرأة وبدورها في المجتمعات للفوائد المزعومة .
    وكان لتلك الأبواق الأثر الفعّال على الواجهة الاجتماعية ، فتبدلت الحياة وانقلبت الامور رأساً على عقب . وإذا بالمرأة التي كانت تدير مملكتها الخاصة بها أو دائرتها ، تظهر اليوم الى المجتمع تناهض الرجل ، وتسلب منه الأعمال والأشغال .
    ونتج من جرَّاء ذلك أن توزَّعت الاعمال ، فإذا بالرجل الذي كان يدير الشؤون التي تخصه لم يجد عملاً يشغل به فراغه ، لأن الجنس اللطيف قد استلب منه شؤون عمله الخاصة به وزاحمه عليها .


(55)
    وهكذا اختلط الحابل بالنابل ، وشاعت الفوضى ، ولم يعد للمرأة العمل بشؤونها الخاصة ولا للرجل العمل بشؤونه الخاصة .
    وكان للمرأة التقدم على الرجل في ميادين ليس لها أي صلة بها . فتبدلت الامور وتغيَّرت المقاييس الاخلاقية .
    لكن لكل فعل رد ، فقد أحدثت سيطرة المرأة على الكثير من المقدرات رد فعل قوي جدّاً ، في جميع الأوساط العالمية .
    وكان من جرّاء ذلك أن تنبه الكثير من المفكرين بهذا الخطر المحدق ، من زجِّ المرأة في بعض نواحي الحياة الاجتماعية . وراحوا ينذرون بني قومهم من سوء العاقبة التي سترافق المرأة من تركها بيتها والتحاقها في معترك حياة ليس للمرأة بها أي فائدة سوى ما ينجم عنها من مضار تورث الندم والخسران .
    لا اغالي عندما أقول لبنات جنسي من أن المرأة من حيث تركيبها الجسماني لا تقوى على كأداء العيش ووعثاء الأعمال ومشاق الأشغال .
    لذلك نراها تتجه دائماً نحو الاعمال التي تتمكن من القيام بها مثل دوائر الصحة والتمريض والتربية والتعليم وأمثالها من الخدمات الانسانية كما قالت تلك الفتاة اليابانية :
أنا إن لم احسن الرمي ولم أخدم الجرحى وأقضي حقهم تستطع كفاي تقليب الظي (1) وأُواسي في الوغى من نكبا
    هذه هي الحقيقة ومن يقول غير ذلك فهو مكابر ، مضافاً إلى أن المرأة بخروجها الى معترك الحياة الشاقة يترتب عليها مضار لا يمكن لأحد انكارها .
(1) الظبي جمع ظبة : حد السيف او السنان ونحوهما ـ المنجد في اللغة .


(56)
   أولاً : تكون قد تركت اولادها عرضة للضياع والمتاهات الاخلاقية .
    ثانياً : تكون قد اهملت شؤون بيتها وإدارة مملكتها وجلبت الى نفسها متاعب هي في غنى عنها .
    ثالثاً : زاحمت الرجل في أعماله ، وعند ذلك لا يجد سبيلاً من الركون إلى البطالة ، فتعم الفوضى التي نشاهدها في كثير من البلدان ، ونسمعها من كثيرٍ من الاذاعات .
    وأعود فأناشد المرأة المعاصرة وأقول : هل عملها في مشاركة الرجل بالاعمال التي لا تتلائم مع طبيعتها مصلحة لها أو لوطنها أو لأولادها ؟
    وأقول لها : هل ان الرجل ندبها أو دعاها لمشاركته في الأشغال اليدوية الشاقة ؟
    أو دعاها إلى مساعدته في الأعمال الحربية مثلاً ؟ لأنه عاجز عن القيام بالعمل الذي يخصه ورأى المرأة أقوى منه فاستجار بها ؟
    كلا ... إنها أبواق الدسّاسين ، وسموم المستعمرين ...
    فيا اختي المسلمة المعاصرة اناشدك بالضمير والوجدان أن تتفهمي الواقع وتسيري في هذه الحياة على الوجه الصحيح ، ولا تقومي بشيءٍ من الأعمال إلا ما يوافق طبيعتك وفطرتك .
    ... مع الاحتفاظ بشرفك ودينك وكرامتك ...


(57)
متى تنزل المرأة إلى ميدان العمل وكيف ؟
    ان الفتاة لها ان تعمل وتكسب ، والمرأة المتزوجة أيضاً ، ولكن المتزوجة يجب عليها ان تحافظ على مهمتها الأساسية ، وهي بناء المجتمع الصالح والمحافظة على بيتها وأطفالها .
    ومن اجل ان تتفرغ لعملها الأساسي ، فقد أوجب الله سبحانه وتعالى النفقة لها على الزوج حتى لا تضطر إلى ترك بيتها ، وتعريض أطفالها إلى الحرمان العاطفي ، والجفاف النفسي الذي لا يتوفر إلا بحنان الأم .

« ما بقاء الكون إلا بحنان الابوين »

    لا تستطيع دور الحضانة أو المربيات أو خادمات ، ان تعوض على الطفل حنان امه وعطفها .
    إن دور الحضانة قد تربي أطفالا أصحاء جسدياً ، ولكن الأطفال ربما يعاني أكثرهم ، من اضطربات نفسية نتيجة فقدان رعاية الام الكافية .
    أما إذا اضطرت المرأة للعمل ، وذلك لإعالة نفسها ، أو اعانة زوجها أو مساعدة أولادها ، فلا حرج عليها من أن تخرج إلى العمل الشريف مع اعتبار رضى الزوج واذنه إذا كانت متزوجة .
    لم يحرم التشريع الإسلامي المرأة من ثمرة أتعابها ، فإن المال الذي تجنيه من عملها هو ملك لها وليس لزوجها أو ابيها أو أحد من الناس . فالمال الذي جنته من أتعابها بالوجه الشرعي هو لها ، تتصرف به كيف تشاء .


(58)
    « الناس مسلطون على أموالهم »
    إن كثيراً من الناس من يستثمر جهود المرأة وثمرة أتعابها كأبيها أو زوجها أو أخيها ، فهذا الاستثمار لا يقره الضمير والوجدان ، وحتى الدين إذا كان بغير رضى منها ، إلا إذا سمحت بالعطاء .
    وقد روي عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عندما جاءت اليه الصحابية السيدة ريطة بنت عبدالله بن معاوية الثقفية . وكانت ريطة امرأة ذات صنعة تبيع منها ، وليس لها ولا لزوجها ولا لولدها شيء من حطام الدنيا .
    فسألت النبي عليه السَّلام : عن النفقة عليهم فقال : « لك في ذلك أجر ما انفقتِ عليهم » .


(59)
    مدى صلاحيات المرأة في تحمل المسؤولية :
    إذا أمعنا النظر نرى ان المغرضين والدساسين ، وضعوا كثيراً من الاحاديث ، كل على حسب ميله وهواه .
    ليت شعري ... اين ذوي العقل والروية ؟ من كتاب الله وسنة رسوله ، بعد ان قررا ان المرأة مخلوق سوى ، لها الأهلية لأن تتحمل كل تكليف ، سواء كان من جهة الإيمان أو الاجتماع أو التعبد لله ، أو الجهاد أو الأخلاق (1).
    فهي كالرجل في مسيرة الحياة ، وعليها تبعات كل النتائج للأعمال التي تقوم بها من جهة الثواب والعقاب ، والسمعة في الدنيا والآخرة .
    كيف يمكن القول .. انه لا يصح ان تتحمل المرأة مسؤولية الجزاء وهي ناقصة العقل والإدراك ... فالإسلام أرفع وأجل .
    لقد قرر لها الإسلام الحق المطلق في التصرف في كل ما يدخل في يدها من مال ، مهما كان عظيم المقدار ، دون أي تدخل أو اشراف أو اذن من الرجل مهما كانت صلته بها ، إلا على سبيل المشورة ، أو المشاركة في الرأي أو النصيحة .
    والمرأة في الإسلام لها ان تبيع وتشتري ، وتستملك العقارات وتحوز الأموال من الكسب الشريف ، ولها أيضاً أن تزرع وتحصد وتستدين وتدين وتهب وتقبل الهدية ، وتوصي وتأخذ الوصية « تكون وصية على القاصرين » وتؤجر وتستأجر ... الخ .
(1) حسب ما يقره الشرع وتقتضيه الحكمة .


(60)
    وجعل الإسلام امرها بيدها ، في مسألة زواجها ان لم تكن قاصرة .
    وكانت النساء تجادل الرسول صلي اللّه عليه و آله و سلّم ... و معناها انها يجوز بل يحق لها المراجعة و الدفاع عن حقها.
    أوجب الإسلام على المرأة ، كل ما أوجب على الرجل من التفكير والتدبير ، في الأمور الدينية والزمنية ، وخاصة العلم والتعليم ، فهي كالرجل على قدم المساوات « ان المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولى ببعض » .
    واعترافاً بشخصيتها في السياسة ، في أخذ النبي البيعة من النساء مستقلة عن الرجال ، ولا يصح كل هذا الفعل إلا مع فرض الأهلية التامة للمرأة .