(61)
الحجاب (*)
    الحجاب هو حكم شرعي ، فرضته الشريعة الإسلامية على المرأة ، وأوجبت عليها اتباعه والالتزام به ، على الوجه الأكمل ، حسب النصوص الشرعية المستقاة من الرسالة السماوية ، ( القرآن الكريم ) والأحاديث النبوية الشريفة ، والأخبار الواردة عن الأئمة الأطهار .
    لقد فرض الإسلام الحجاب على المرأة ، ليقيها الفتنة والإغراء ، وتصون نفسها وشرفها وتتحرز من كيد الكائدين ، ومكر الماكرين ، الفسقة الذين لا يردعهم شرف ولا دين . وقد نص القرآن الكريم على حجاب المرأة ، وسترها بقوله سبحانه :
    « يا أيها النبي قل لا زواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من
(*) الحجاب في اللغة : هو الستر . وفي كتاب تاج العروس للزبيدي : باب حجب ... حجبه ... يحجبه ( حجبا وحجابا ) ستره ، وأمرأة محجوبة ، ومحجبة ( للمبالغة ) قد سترت بستر ..
    وضرب الله الحجاب على النساء ، وذكر الزبيدي في حديث الصلاة : حتى توارت بالحجاب والمراد بالحجاب ، هنا الافق ... أي حين غابت الشمس وراء الافق .
    والحجاب كل ما حال بين شيئين : قال الشاعر :
اذا ما غضبنا غضبة مضرية هتكنا حجاب الشمس أو أمطرت دما


(62)
جلابيبهن (1) ذلك أدنى ان يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيما » (2) .
    وقال سبحانه وتعالى :
    « وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن (3) على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير اولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون » (4) .
    وخلاصة معنى الآيتين الكريمتين ، أن الله سبحانه وتعالى أمر المرأة المسلمة بلبس الخمار والحجاب ، فسترها بما أمرها الله بستره عن نظر الرجال الأجانب ، وإن كانوا من عشيرتها أو أقاربها إلا ما نص عليه التنزيل ، ما هو إلا صيانة لعفتها وشرفها .
    فالله سبحانه وتعالى ، أمر المرأة بأوامر ترجع لمصلحتها الدنيوية فضلاً عن الأخروية ، لتعيش في سعادة وهناء .
   (*) عن مجمع البحرين ـ للطريحي : الجلابيب جمع جلباب وهو الثوب الواسع اوسع من الخمار ودون الرداء تلويه المرأة على رأسها . وتبقي منه ما ترسله على صدرها وقيل الجلباب هو الملحفة وكل ما يستتر به من كساء اوغيره ومعنى يدينين عليهن من جلابيبهن : أي يرخينها عليهن ويغطين بها وجوههن وأعطافهن ـ أي اكتافهن .
    (2) سورة الأحزاب ـ آية ـ 59 .
    (3) عن كتاب مجمع البحرين للطريحي : قوله : فليضربن بخمرهن ـ أي مقانعهن ـ جمع خمار وهي المقنعة ، واختمرت المرأة أي لبست خمارها وغطت رأسها .
    (4) سورة النور ـ آية 31 .



(63)
    إن الدين الإسلامي حافظ على القيم الأَخلاقية ، بجميع صفاتها ، فلم يدع مزية حسنة ، إلا حرَّض الإنسان عليها وحثه على اتباعها .

بعض الأخبار الواردة في الحجاب :
    إن الأخبار الواردة في الحجاب ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار متواترة وكثيرة لا يمكن استيعابها في هذا الفصل القصير .
    لكن لا بد لنا ونحن نكتب من ذكر بعضها ، على سبيل المثال ، او الشاهد ليتضح مدى اهتمام الشريعة الاسلامية السمحاء بالحجاب للمحافظة على القيم الأخلاقية السامية .
    في كتاب الوسائل (1) عن جابر بن عبد الله الانصاري ، قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وآله يريد فاطمة ، وأنا معه . فلما انتهينا إلى الباب وضع يده عليه ، فدفعه ، ثم قال : السلام عليكم ، فقالت فاطمة عليها السلام : وعليك السلام يا رسول الله ، قال : أأدخل ؟ قالت ليس عليَّ قناع ... فقال : يا فاطمة خذي فضل ملحفتك ، فقنعي به رأسك ... ففعلت .
    وفي كتاب مستمسك العروة الوثقى (2) عن جماعة ، مستندين في ذلك الى صحيح الفضيل قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الذراعين من المرأة . هل هما من الزينة التي قال الله تعالى : « ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتن » ؟ .
    قال : نعم ، وما دون الخمار من الزينة ، وما دون السوارين .
(1) وسائل الشيعة ـ للحر العاملي ـ ج ـ 7 ص ـ 158 .
(2) مستمسك العروة الوثقى ـ السيد محسن الطباطبائي الحكيم ـ ج ـ 12 ص ـ 21



(64)
    وظاهر أن ما ستره الخمار هو الرأس والرقبة ، والوجه خارج عنه ، وان الكف فوق السوار لا دونه ، فيكونا خارجين عن الزينة ... الخ .
    وفي كتاب العروة الوثقى :
    « لا يجوز النظر الى الأجنبية ... ولا للمرأة النظر الى الأجنبي من غير ضرورة ... واستثنى جماعة الوجه والكفين ، فقالوا : في الجواز فيها مع عدم الريبة والتلذذ .
    وفي كتاب الوسائل للحر العاملي : (1) عن الفضيل قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الذراعين من المرأة ، هما من الزينة التي قال الله تعالى : « ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن » قال : نعم ؛ وما دون الخمار من الزينة . وهما دون السوارين .
    وفي صفحة 146 ـ عن أبي عبد الله عليه السلام قال : الوجه ـ والكفان والقدمان .
    وعن مسعدة بن زياد قال : سمعت جعفراً قال : وسئل عما تظهره المرأة من زينتها ، قال : الوجه والكفين .
    وفي منهاج الصالحين : يجب على المرأة ستر ما زاد على الوجه والكفين ، عن غير الزوج والمحارم ، بل يجب عليها ستر الوجه والكفين عن غير الزوج حتى المحارم مع تلذذ ... بل عن غير المحارم مطلقاً على الاحوط (2) .
(1) وسائل الشيعة ـ للحر العاملي ـ ج ـ 7 ـ ص ـ 145 .
(2) منهاج الصالحين ـ السيد ابو القاسم الموسوي الخوئي.



(65)
    وجاء في كتاب الترغيب والترهيب : « عن عائشة (رض) أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلّي اللّه عليه و آله وسلم وعليها ثياب رقاق ، فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، وقال : « يا أسماء ، إن المرأة إذا بلغت المحيض ، لم يصلح أن يرى منها إلا هذا ... وهذا ... وأشار الى وجهه وكفيه » (1) .
    وجاء في الوسائل ايضاً (2) .
    رواية عن أبي جعفر قال :
    « استقبل رجل شاب من الأنصار امرأة بالمدينة ، وكان النساء يتقنعن خلف آذانهن ، فنظر إليها وهي مقبلة ، فلما جازت نظر إليها ودخل في زقاق قد سمّاه ببني فلان فجعل ينظر خلفها ، واعترض وجهه عظم في الحائط ... او زجاجة ، فشق وجهه .
    فلما مضت المرأة ، نظر فإذا الدماء تسيل على ثوبه وصدره فقال :
    والله لآتين رسول الله صلى عليه وآ له وسلم ، ولأخبرنه ... فأتاه ...
    فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : ما هذا ؟! فأخبره ...
    فهبط جبريل عليه السلام بهذه الآية :
    « قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون » (3) .
(1) الترغيب والترهيب ـ للمنذري ـ ج ـ 4 ـ ص ـ 164 .
(2) وسائل الشيعة للحر العاملي ـ ج ـ 7 ـ ص ـ 138 .
(3) سورة النور ـ آية ـ 30 .
المرأة في ظل الأسلام (5)


(66)
    وعن عائشة (رض ) قالت : دخلت عليَّ ابنة أخي لامي ، عبدالله بن الطفيل ، مزيَّنة ، فدخل النبي صلى الله عليه و سلم ، فأعرض ، فقالت عائشة : يا رسول الله ابنة اخي وهي جارية . فقال : « إذا عركت المرأة ـ أي حاضت ـ لم يحل لها أن تظهر إلا وجهها وإلا ما دون هذا ـ وقبض على ذراع نفسه ، فترك بين قبضته وبين الكف مثل قبضة أخرى (1) .

دعاة السفور وأثرهم السيء على الأخلاق :
    لا يخلو زمان من الأزمان ، من اناس فاسدين ، ضالين مضلين يزرعون بذور الفساد في النفوس البريئة .
    وها هم اليوم يتقولون : إن الإسلام ضرب الحجاب على المرأة لتكون رهينة البيت ، وضمن نطاق الجدران لا تصلح إلا للخدمة ، إذ لا يمكنها وهي محجبة الانسجام مع الأجيال المتطورة والمدنية الحديثة .
    وقبل كل شيء لا بد لنا من طرح بعض الأسئلة على محبذي السفور ، والخلاعة ، الذين يرونهما من أهم أسباب الحضارة والمدنية ، التي تمكن المرأة من أن تماشي التطور في عصرنا الحاضر .
    ليت شعري ... هل التطور هو أن تخرج المرأة الى الملاهي والمراقص ودور الخلاعة ؟ على شكل مناف للغيرة والحمية ، لا حياء يردعها ، ولا حجاب يسترها ؟
    ولكن أين هي المرأة المسلمة الآن من الإسلام ؟ وقد استعبدتها شياطين الانس والجان ... وهذه المدنية الزائفة التي أعمتها وأعمت بصيرتها وأوحت لها
(1) تفسير الطبري ـ ج ـ 18 ـ ص ـ 93 .


(67)
ان التقدم والرقي ، هو ترك ما كان عليه الأجداد من الدين ... والحياء ... والخلق الكريم .
    فتحررت من تراثها العظيم حتى لا تتصف بالرجعية وانحطت ، وانحدرت إلى أسفل درك بفضل الاستهتار والخلاعة والتبرج السافر .
    لو كانت الفتاة المسلمة قد راعت الاحتشام في ملبسها وتصرفاتها وحركاتها ، لو أنها اخفت زينتها ولم تعرض النهود والأرداف والأذرع والسيقان لكان اولى بها وأعف وأتقى ، وكانت في حصن حصين من ان تقع في مزالق الفوضى ، مخدوعة ببريق كلام المفسدين دعاة السفور العابثين . وما أحسن ما قيل :
أفوق الركبتين تشمرينا وما الخلخال حين الساق صارت عيون المعجبين لديك جمر فتاة الجيل مثلك لا يجاري فبالتقصير طالتنا الأعادي أبنت ( خديجة ) كوني حياء خذيها قدوة ننهض جميعاً ولا يشغلك قشر عن لباب بربك أي نهر تعبرين تطوقها عيون الناظرينا ستشعل إن أردت هوى دفينا سفيهات يبعن تقى ودين وباللذات ضيعنا العرينا كأمك تنجبي جيلاً رزينا وتبق ديارنا حصناً حصينا ولا تضلك ( صوفياهم ولينا ) (1)
    ولو أن الفتاة المسلمة لم تتفنن في تجميل وجهها بالاصباغ والمساحيق وقضاء وقت طويل في تصفيف شعرها عند المزين ( الكوافير ) لهان الخطب .
    ألم يكن الأولى بها أن ترتدي ثوب العفة والحياء ؟
(1) عن مجلة الوعي الاسلامي الكويت ـ العدد ـ 51 .


(68)
    وكما قيل :
سيري لمجدك تحت ظل عفاف ما الدر وهو مجرد عن حرزه وتجملي بمطارف الألطاف بمقدر كالدر في الأصداف
    لا أجافي الصدق ، ولا اجانب الحق إن قلت ، ان النساء في عصرنا الحاضر ، ضائعات في متاهات ، لا يدرين اي طريق سلكن وقد تقاذفتهن التيارات ، واختلطت عليهن سبل الحياة .
    نحن في القرن العشرين عصر العلم والأدب ... عصر النور والثقافة ... عصر الذرة ... عصر الصعود الى القمر والمريخ ، واكتشاف المغيبات واختراق الحجب والأجواء .
    وأيضاً عصر المستهترين الضالين ، الذين لا يعون ما يفعلون ، ولا يرعون ( وهم دعاة السفور والخلاعة ) الذين يدعون المرأة المسلمة الى التحرر من سجنها المزعوم والانطلاق من عشها المظلم وهم يهتفون بأصوات عالية ونداءات جريئة وألفاظ براقة خلابة .
    يدعونها الى خلع الحجاب عن رأسها والاسفار عن مفاتن جسمها بدعواهم ان الحجاب من مخلفات العصور المتخلفة ومن خرافات السنين الغابرة والعهود المظلمة ومن بقايا الأديان والطقوس البائدة .
    مساكين هؤلاء الذين ينادون بسفور المرأة ... ويدعونها الى ترك حجابها قد ضيعوا انفسهم ... وضيعوها ، وخدعوا انفسهم ... وخدعوها وأساؤا الفهم والتصرف ، وما دروا أي ذنب اقترفوا ؟! وفي أي هاوية أوقعوا المرأة ، وفي أي بلاء رموها ، وأي عز لها هدموا ؟!
    لقد زينوا لها السفور حتى أخرجوها من خدرها ، وعزها ، ودلالها وحشمتها ووقارها وبيتها الذي هو حصنها الحصين .


(69)
    أخرجوها الى الشارع سافرة تفتن الناظرين بجمالها ، لتسحر الناس بانوثتها ، وهم لا يبالون ولا يردعهم رادع من ضمير او دين .

الحرية المزعومة :
    إن طبيعة الإنسان ، والنفس البشرية ، منذ ان فطرها الله سبحانه وتعالى واحدة لا تتغير ، أمّارة بالسوء ، داعية الى المنكر ، تهفوا الى الشهوات اذا انطلقت من عقالها ، وحصلت على الحرية المطلقة ، بدون اي قيد من القيود الانسانية ، والدينية والخلقية .
    نريد أن ينظر المجتمع الى المرأة ، كإنسان لها كرامتها ، لأنه كلما سطعت إنسانية المرأة صانت نفسها .
    منذ أقدم العصور والمرأة الفاضلة العاقلة ، تستطيع أن ترغم المجتمع على احترامها ، إذ ظهرت على مسرح الحياة ، كإنسان لها كرامتها واحترامها ، لا كأنثى لها جاذبيتها ... ونعومتها ...
    وباسم الحرية ... المزعومة انجرَّت المرأة المسكينة الى الويلات والمزالق حتى صارت تستخدم للدعاية والإعلام وترويج البضائع وتكثير الارباح واستجلاب الزبائن في المكاتب والمحلات والنوادي على اختلاف انواعها واتجاهاتها .
    وبالحرية المزعومة استخدموها ، لتكون جسراً لمطامعهم وزيادة أرباحهم لا لمنحها مكرمة او فضيلة .
    وإني أتمنى على كل امرأة ، أن تتجلبب بالحياء والعفاف حتى تصون نفسها من ذئاب المجتمع الفاسد ... وما أحسن قول الشاعر :


(70)
صوني جمالك بالحيا ليقيك من نزق الشبا هل انت إلا خمرة أخشى عليك فان في ءإذا تجنبتِ الحجابا ب كما يقي الدر النقابا تغري بنشوتها الشبابا وادي الهوى أجماً وغابا
    ليت شعري : هل الحضارة والمدنية أن تراقص المرأة الرجل الأجنبي وتقضي السهرات العامرة المجونية خارج بيتها حتى الصباح ؟؟ كما يقول دعاة الحرية والسفور !!
    وإن كانت ذات أطفال ، ما يكون حال هؤلاء الأطفال وهم ينشؤون على أخلاق الخدم ؟ إن كان هناك خدم وإلا على أخلاق « الشارع » .
وهل يرجى من الأبناء خير إذا نشؤوا بحضن الجاهلات
    أجل : ومما لا شك فيه ، سوف يترعرعرن على سيرة امهن فيمشين على منوالها إن كن اناثاً ... وتموت الغيرة ، والحمية من أنفسهم ، إن كانوا ذكوراً ، وتكون العاقبة وخيمة تؤثر على المستوى الاخلاقي في الجيل الجديد .
    ولكن ويا للأسف ، إن كثيراً ممن يزعمون أنهم أنصار المرأة لا يروقهم الحجاب ، ولا يعجبهم إلا أن تكون المرأة غرضاً لسهامهم ، وصيداً لحبائلهم وأن تكون تابعة لأهوائهم ، نازلة على حكم ميولهم ، ترتع في مراتعهم وتنغمس معهم ، ثم لا يبالون بعد ذلك ما تقع فيه من سبة ، لهم غنمها ، وعليها غرمها .
    ما رأيت أضعف حجة ، من هؤلاء الناس ، الذين ينادون بتحرير المرأة المسلمة من قيود الحجاب ... لأن الحجاب يسبب حرمانها من الانطلاق والترقي والتعليم ... ووو .
    ما هذه المغالطات ، وما هذه الافتراءات ؟!