(81)
فغير المسلمة ترسف في حجب معنوية حبذا دونها حجابك المادي .
    لا تغرك الظواهر ، ولا تحسدي غير المسلمة إذا رأيتها سافرة ، سائرة الى جنب زوجها متكئة على ذراعه يقدمها في المجتمعات الى اصدقائه وصديقاته ، حتى إذا عادا الى منزلهما وقف أمامها وقفة قاضٍ ، يحاكمها على نظرة او ابتسامة » .
    ولقد أجاد الشاعر الرصافي في رده على الدساسين والمستعمرين الضالين . حيث يقول :
يقول في الإسلام ظلماً بأنه فإن كان ذا حقاً فكيف تقدمت وإن كان ذنب المسلم اليوم جهله هل العلم في الاسلام إلا فريضة لقد أيقظ الإسلام للمجد والعلى ودكَّ حصون الجاهلية بالهدى ألا قل لمن جاروا علينا بحكمهم يصد ذويه عن طريق التقدم وائله في عهدها المتقدم فماذا على الاسلام من جهل مسلم وهل امة سادت بغير التعلم بصائر أقوام عن المجد نوَّم وقوض أطناب الضلال المخيم رويداً فقد قارفتم كل مأثم
المرأة في ظل الاسلام (6)


(82)
فلا تنكروا شمس الحقيقة إنها لأظهر من هذا الحديث المرجم
الحجاب ... وأثره في المجتمع :
    جاء الإسلام ، فأضاء الكون بنور تعاليمه ، هادياً الى انتهاج سبيل الحق ، رادعاً للنفس البشرية من نوازع الضلال حاثاً على اتباع الهدى ، وسلوك طريق الرشاد .
    ولما ظهر الإسلام ، رأى أن الذين في قلوبهم مرض وهم أكثرية أبناء البشر قد عميت منهم البصائر ، واستمالتهم الشهوات ناهيك عن وسوسة الشيطان ... وضعف الإنسان .
    ونحن نرى الإسلام بتشريعاته السامية ، بعيداً عن كل الأهواء والميول ، حريصاً على طهارة المرأة المسلمة .
    لذلك أمرها بالحجاب لتظل محافظة على ما حباها الله ، من هالة قدسية ... ومنزلة رفيعة .. وأدب واحتشام .
    وبما أن الفتاة لا تتمكن من الصمود أمام تيارات الفسق والاستهتار إلا إذا تهذبت تحت شعاع الأخلاق السامية ، والعفة والطهارة التي جاء بها الإسلام ، والتي وضع القرآن الكريم حداً لها .
    وعندما نقرأ القرآن الكريم بتمعن وتفهم ، نجد اكثر آياته تحرض المسلمات على الحجاب والحث عليه ، والتشديد على الالتزام به حتى لا تقع المرأة المسلمة في مشاكل تكون عواقبها وخيمة .


(83)
    إن الآيات الكريمة التي وردت في القرآن الكريم بخصوص الحجاب قد نزلت آمرة المسلمين بالأخذ بها ، والعمل على طبقها ، وليست الاوامر التي وردت في القرآن الكريم هي أوامر اختيارية بل هي إلزامية .
    وها نحن نسمع الصرخات المتعالية .. ونتلقى الاحتجاجات المتتالية ، على ما وصلت اليه المرأة من التهور ، وعلى ما بلغه الرجال من فساد الاخلاق وما آلت اليه حالة المجتمع .
    ثم نرى بعض المسلمين .. والمسلمات وقد قاموا يوآزر بعضهم بعضاً . داعين إلى تمزيق حجاب المرأة وكسر قيودها وإباحة الاختلاط ... والتشبه بالأوروبيين الأجانب .
    ومما لا شك فيه ان أكثر الداعين إلى هذه الشرور ، ليس في نفوسهم حمية ... أو نخوة ... أو شرف .
    ذابت المروءة العربية والإسلامية من صدور الناس ، وتبخر الوجدان من قلوبهم .
    لقد نسي هؤلاء ان دعوتهم إلى السفور ... والاختلاط ... تزج المرأة المسلمة إلى التدهور والغرق في بحر من الظلمات وهي لم تألف السباحة في مهاوي هذه الحياة الصاخبة التي يجرونها اليها .
    هل يظن دعاة السفور ... والاختلاط ... والحرية المزعومة انهم عندما نترك الفتاة تفعل ما تريد ... وتذهب إلى حيث تشاء ... حبلها على غاربها ، هل يمكنهم من كبح جماحها ؟! وهل باستطاعتهم ارجاعها إلى سلوك طريق الصواب والحق وعدم اتباع الهوى ؟


(84)
    ولقد صدق الازري بقوله :
اكـريـمة الـزوراء لا يذهب بك لا يـخدعنـك شــاعر بخيــالـه حصروا علاجك في السفور وما دروا أو لـم يـروا ان الفتـاة بطبعها من يكفل الفتيات بعد بروزها ومن الذي ينهى الشبيبة رادعاً هذا الخداع ببيئة الزوراء ان الخيال مطية الشعراء ان الذي وصفوه عين الداء كالماء لم يحفظ بغير اناء مما يجيش بخاطر العذراء عن خدع كل خريدة حسناء


(85)
المرأة في رحاب العلم
    لنلقي نظرة شاملة على الوضع الحاضر للمرأة في زماننا هذا ونتساءل ... هل ان الحجاب الذي فرضه الدين الإسلامي على المرأة المسلمة منع من تطورها او سيرها في مضمار المدنية ؟
    وهل ان الحجاب منعها من العلم والتعلم ... والسير قدماً نحو الكمال ؟
    أو منعها من ان تكون المرأة الفاضلة المهذبة الراقية ، ربة البيت وسيدة المجتمع كما يتقول ذلك دعاة الخلاعة والسفور ، الذين اعمى بصيرتهم الجهل وقتلهم الغرور .
    لقد رفع الإسلام من مستوى المرأة كما ذكرت سابقاً ، وجعل فيها من النشاط والإقدام ما هيأها للمسير على طريق الهدى والكرامة ، ونحو المثل العليا ، مرتكزة على أساس دينها القويم ، ومعتمدة على إيمانها العظيم .
    فالحجاب لم يمنع الفتاة المسلمة من إرتشاف العلم ، ولم يقف حجر عثرة في يوم من الأيام في سبيل تعليمها ... وتهذيبها .
    ولقد صدق الشاعر الازري حيث يقول :
ليس الحجاب بمانع تعليمها أو لم يسع تعليمهن بغير ان فالعلم لم يُرفع على الازياء يملأن بالاعطاف عين الرائي


(86)
    لقد احسن الشاعر الازري إلى المرأة و أدرك الحقيقة ونطق بالصواب ، حيث ان الحجاب لم يمنع المرأة من إرتشاف العلم والمعرفة ، وكان نصير الحق على عكس ما قاله : عدو المرأة أبوالعلاء المعري في شعره ، حيث انه يريد للمرأ'ة ، ان تبقى متخبطة في دياجير الجهل .
    قال أبو العلاء المعري :
علموهن الغـزل والنسج والرون فصلاة الفتاة بالحمد والاخلاص وخلـــوا كتابـة وقـراءة تغنـي عن يونـس وبـراءة
    لقد تعصب أبو العلاء المعري وجار بحكمه على المرأة ، وغاب عن فكرة ان الفتاة المتعلمة ، تزهو بحسن اخلاقها ، وتهذيبها ، و تستغنى بعلمها وثقافتها ، عن أرفع الجواهر ولو أن ملبسها بسيطاً من القماش كما قيل :
زيني النفس بعلم ولتكن هذه الدرار فجمال الجسم يغني وجمال النفس يبقى وعفـــاف وأدب يعقد زينات العرب مثلما تغني الزهور زاهراً مر الدهور
تأثير العلم على المرأة :
    الفتاة المتعلمة ، تسمو بعلمها وأدبها ، وان كان ملبسها بسيطاً كما قالت عائشة التيمورية :
ان العلوم لاصل الفخر جوهرة فوجودها في درج مهجة فاضل يسمو بها قدر الوضيع ويشرف من حـازها بين الأنام مشرف


(87)
    لقد اهتم الدين الإسلامي بالنواحي الاجتماعية ، وحرض المسلمين على العمل طبق ما تقتضيه الشريعة السمحاء ، ونهى عن كل ما يفسد الأخلاق ، وحث على السير نحو المثل العليا ، في مقدمتها طلب العلم ، كما ورد ( اطلب العلم ولو في الصين ) . ولم يحرم المرأة من هذا المورد العذب الذي ينعش الروح ويهذب النفس ( اكسير الحياة ) بل أباح لها ان تنهل من مورد العلم ما ينعش نفسها وخلقها ، ويجعلها في المستوى الذي تحمد عقباه . فالفتاة المتعلمة ، الكاملة المهذبة ، تعرف كيف تشق طريقها في خضم الحياة الصاخب بعكس الفتاة الفقيرة إلى العلم ، الخالية الوفاض من الثقافة .
ان المصابيح ان افعمتها دسماً وان خـلا زيتها جفت فتائلها أهدت لوامعها في كـل مقتبس ين الضياء لخيط غير منغمس
    فبالعلم المتوج بالدين ، والثقافة المحاطة بالأدب والتهذيب تتمكن المرأة من إدارة مملكتها الصغيرة ، وتنشئة أولادها على الاخلاق الفاضلة وتخدم قومها وبلادها حين تخرج إلى عالم الوجود شعباً حياً يعيش الحياة المثلى .
    ولا ننسى ان المرأة التي تهز السرير بيمينها تهز العالم باسره بيسارها إذ ان تربية الناشئة مهمة جليلة ، في غاية الصعوبة . فالوليد الصغير ابن المدرسة الأولى وهي الأم كما قيل :
الأم مدرسة إذا أعددتها الأم استاذ الاساتذة الأولى الأم روض ان تعهده الحيا شعباً طيب الاعراق شغلت مآثرها مدى الآفاق بالريّ أورق ايما ايراق


(88)
    الحجاب والعلم :
    الحجاب هو ستار شرف وعفاف ، يصون المرأة ولا يمنعها من العلم والرقي وما يضير الفتاة المسلمة ، ان تتحجب الحجاب الشرعي ، وتتلقى من العلوم ما شاءت وكيف شاءت .
    والرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، حث على طلب العلم بقوله كما ورد في الحديث الشريف ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ) .
    وعلى هذا لم يمنع الإسلام الفتاة من أن تتلقى العلوم وتتزود بالمعرفة - ولم يمنع الحجاب المسلمة من أن تذهب إلى المدرسة ، وقد غطت رأسها ، وسترت جسمها بالحجاب الشرعي المحتشم ، تذهب إلى حيث تريد بدون تبذل واستهتار ترشف مناهل العلم وتنير بصيرتها بنور المعرفة .
    ومما لا شك فيه ، ان كل عالم ومدرك ، يوافقني على وجوب توعية الفتاة وتهذيبها ، وتعليمها وتثقيفها حتى لا تبقى جاهلة بعيدة عن الإدراك بنتائج الأحوال وعواقب الأمور .
    يأخذ العجب والغرور ، فلا ترى إلا الإنشغال بنفسها وزينتها وتستعين على إظهار جمالها ، بزخرف المعادن والأحجار ، وتتخيل انها زادت بسطة في الحسن ... ورفعة في الجاه .
    وكما قالت السيدة عائشة التيمورية تصف إحدى الجاهلات :


(89)
قد زينت بالدر غرة جبهة وتطوقت بالعقد يبهج جيدها وتوشحت بخمار جهل أسود والجهل يطمس كل فضل امجد (1)
    وقال آخر :
ما العز لبسك أثواب فخرت بها والجهل من تحتها ضاف على الجسد
    لا يخفى على كل ذي عقل ولب أن العلم ضروري للفتاة ، لأنه لا تصلح العائلات إلا بتعليم وتهذيب البنات ، وتثقيفهن وتربيتهن على العفة والفضيلة .
    وبما ان الأم هي المدرسة الأولى كما أسلفنا ، وهي المعلم الأول يجب عليها أن تكون على جانب من العلم والثقافة والتهذيب حتى يتسنى لها أن توجه أولادها نحو الفضيلة والكمال ، بعكس المرأة الجاهلة التي يكون ضررها على المجتمع وخيماً ورحم الله شوقي حيث يقول :
واذا المعلم ساء لحظ بصيرة وإذا اتى الإرشاد من سبب الهوى وإذا أصيب القوم في اخلاقهم جاءت على يده البصائر حولاً ومن الغرور فسمه التضليلا فاقم عليهم مأتماً وعويلاً

(1) الدر المنثور في طبقات ربات الخدور - زينب فواز .


(90)
    ولكن أكثر فتيات العصر الحاضر الجاهلات ، ليس لهن من هم سوى حب الظهور ، والتفاخر بالمال والجاه ، وقد غاب عنهن ان أحسن حلية هي حلية الأدب ، وأفضل رصيد هو رصيد العلم ، واجمل مزية هي حسن الخلق ، واعظم ذخيرة .... ذخيرة العمل الصالح .
    وما أحسن قول الشاعرة السيدة عائشة التيمورية :
بيد العفاف اصون عز حجابي وبفكرة وقادة وقريحة ولقد نظمت الشعر سيمة معشر وبعصمتي اسمو على اترابي نقادة قد كملت آدابي قبلي ذوات الخدر والاحساب
    الى ان تقول :
فجعلت مرآتي جبين دفاتر كم زخرفت وجنات طرسي انملي ولكم اضا شمع الذكا وتضوعت وجعلت من نقش المداد خضابي بعذار خط اواهاب شبابي بعبير قولي روضة الاحباب
    الى ان تقول :
ما ضرني أدبي وحسن تعلمي ما ساءني خدري وعقد عصابتي ما عاقني خجلي عن العليا ولا عن طي مضمار الرهان اذا اشتكت لا بكوني زهرة الالباب وطراز ثوبي واعتزاز رحابي سدل الخمار بلمتي ونقابي صعب السباق مطامع الركاب