(91)
بل صولتي في راحتي وتفرسي في حسن ما اسعى لخير مآب
    وقال آخر :
العلم يغرس كل فضل فاجتهد واعلم بان العلم ليس يناله فاجعل لنفسك منه حظاً وافراً فلعل يوماً ان حضرت بمجلس إلا يفوتك فضل ذاك المغرس من همه في مطعم او ملبس واهجر له طيب الرقاد واعبس كنت الرئيس وفخر ذاك المجلس
   وقال آخر :
علموا الفتيان طراً والبنات علموهم ان قدر المكرمات يدركوا من علمهم معنى الحياة فاق ما بين الورى قدر النسب
    وقال آخر :
ان البنات الناشئآت فاذا نشأن على التقى هن الدعائم للبيوت سيصرن يوماً امهات والعلم كن الكاملات وحفظ ركن العائلات


(92)
لمحة من واقع الحياة في عصرنا الحاضر :
    لا أدري ما الذي حمل بعض الناس من المتزمتين المتعصبين على الظن بان الفتاة لا تتمكن من التعلم والمحافظة على دينها وعفتها وأدبها وتهذيبها .
    ولا أدري ما الذي دفع بالمعترض على تعليم الفتاة الى هذا القول ؛ ولا أعلم ما هذا الغشاء الذي قام امام عينيه فلم يعد ينظر فوائد العلم والتهذيب ، على ضوء تعاليم الدين والايمان . هذه الفوائد التي لا ينكرها إلا من اعمى بصيرته الجهل ، وخيم فوق رأسه الغرور ، وقيده حب الذات والانانية .
    وكأني به وقد رأى الناس كل يبدي رأيه ويتكلم بما يجول بخاطره ، فأراد ان يتكلم ... ولكنه بحث في زوايا دماغه ، وفتش في مخبئات قريحته ، فلم يجد غير مذهب أبي العلاء المعرّي وأتباعه من المتزمتين ... فاتخذه برهاناً وأدلى به حجة ودليلاً .
    فهل يظن هذا المعترض الغبي ان العلم خلق للرجل ! أو ان المعرفة والأدب وقف على الرجال ؟!
    لعمرى انه في ضلال مبين ، وخطأ كبير ، وتزمت ظاهر ، وتعصب أعمى لا يوجد له مبرر .
    ان كثيراً من الناس في زماننا هذا ، وفي اكثر المجتمعات الجاهلة الذين يسمون انفسهم محافظين ، هم عن الايمان بعيدون ، هؤلاء المتعصبون اعداء المرأة ، المتزمتون المنطوون على أنفسهم ، يريدون ان تبقى المرأة ترسف في اغلال من الحرمان والحيف ، يريدون منها ان تكون جليسة البيت لاهمَّ لها إلا الأكل والشرب ، شأن الحيوان الاعجم ( همه علفه )


(93)
    فكم من امرأة عاقلة حباها الباري ، سبحانه وتعالى من المواهب والذكاء ، مالو انها حالفها الحظ ، واتيح لها الانطلاق ، ومهدت أمامها السبيل لأرتشاف العلم وانتهال معين المعرفة لتفوقت وأصبحت من الاعلام البارزين .
    وكم من النساء الموهوبات اللواتي يتحسرن على العلم والتعليم ولا يكاد يسمع لهن صوت ، ولا يتبين لهن حركة ، قد شلت منهن الهمم وتخدرت المواهب ، فهن مغمورات قد القت بهن الاقدار اما ببيئة جاهلة ... لا تقدر العلم والادب ، او عند رجال متزمتين لا يرون ان المرأة خلقت لتتعلم وتتثقف كما ذكرنا ، ولكنها خلقت لإسعاد الرجل وخدمته .
    عشرات النساء من اللواتي حصلن على نصيب من العلم والمعرفة والأدب ، وحباهن الباري سبحانه وتعالى بقسط وافر من الذكاء والفطنة ، ولكن عبس بوجههن الزمن ، وعاكسهن القدر ، فانطوين على انفسهن وراء متاعب الحياة ومعاندة الظروف ومصاعب العيش .
    وقفن حائرات متطلعات الى موكب الحياة الصاخب ... بنفوس ملتاعة حساسة ... وقلوب حية ... وشعور فياض :
ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجرى الرياح بما لاتشتهي السفن
    أجل بعد ان عبس بوجههن القدر ، وتنكرت لهن الايام وقفن ذاهلات ... متحسرات ... متألمات ... متأوهات يكبتن الحس والشعور والمواهب والذكاء والفطنة ... يواجهن حقائق الدنيا الصلدة متخاذلات متقاعدات وبما كتب الله لهن قانعات ... على امرهن مغلوبات ... وعلى جور المتعنتين والمتزمتين صابرات .
    وقانا الله شر الجهل والجور والظلم وهدانا جميعاً لسلوك طريق الصواب .


(94)
    نظرة الشباب الطائش إلى العلم :
    ان اكثرية جيلنا المتطور يرون أن العلوم الجديرة بالبحث ، والتي يجب ان توجه اليها الانظار وأفكار الناشئة انما هي العلوم التي تصل بها الشعوب إلى غاياتها المادية من استعباد وبطش واستعمار ، واستثمار الضعفاء .
    وما عدا هذه العلوم ما هي إلا سفسطات من مخلفات الماضي ، شغل بها العلماء أوقات فراغهم .
    لقد راجت الدعاية الاجنبية ، وسلم الكثير من الناس بأن الأوروبيين هم أصحاب العلم والاختراع ، وأن علماءنا يستولي عليهم الجمود ، ليس لهم من الذكاء أو العقل المبدع ما يمكنهم من مواكبة ركب الحضارة والرقي ، لان عقول الشرقيين بسيطة ساذجة .
    وعندما تمكن أهل الأهواء والأغراض من نفث سمومهم ، وتخدرت العقليات ، وانصرف الناس عن الدين وتعاليمه السامية . وعن تراث الأجداد العظيم .
    وانصرف الناس أيضاً عن العلماء المخلصين حاملي لواء الدين والمعرفة الذين تزخر صدورهم بالعلم والفضل وإرشاد الناس إلى الصراط المستقيم .
    وبعدما رسخت هذه النظرية ( نظرية تفوق العقل الاوروبي المبدع على


(95)
العقل الشرقي الساذج ) (1) في عقول الناس عندها أصبح دعاة العلم والفضيلة لا يسمع لهم قول ولا يطاع لهم أمر كما قيل :
انادي وهل في الحي مصغ فيسمع اهم نوم أم ساحة الحي بلقع
    ربما لا يعجب هذا القول الكثير من الناس ، وقد ينعتني بعضهم بالرجعية . لأننا أصبحنا في زمان دان فيه العالم باديان مختلفة من المادة والضلال وأصبح الجيل الصاعد المتطور يسخر بالدين ... وممن يتكلم بالدين .
    ولكن ما لنا وهؤلاء الأغبياء الجهلاء ، الذين ارتكسوا في حمأة الضلال لا يفقهون ما يقولون ولا يعرفون ما يفعلون .
    فالواجب يدعونا جميعاً للتحرر من نير الدعايات الاستعمارية ، والسموم الإلحادية .
(1) يقول الدكتور جواد علي في كتابه : « المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام الجزء الأول ص 257 .
    وقد شاعت نظرية خصائص العقلية السامية في القرن التاسع عشر والقرن العشرين ، ووجدت لها رواجاً كبيراً لظهور بعض الآراء والمذاهب ، التي مجدت العقلية الاوربية ، وسبحت بحمدها وقالت بتفوق العقل الغربي الخلاق المبدع ، على العقل الشرقي الساذج البسيط .
    و رمز العقل الشرقي هو العقل السامي، فهو لذلك عقل ساذج بسيط.
    ومن أشهر مروجي هذه النظرية الفيلسوف ( رينان ) 1823 ـ 1892 م ( Ernest Renan ) وكذلك ( كراف كوبينو ) Graf Arthur Cobineau وهو من القائلين بتمايز العنصريات البشرية وبتفوق بعضها على بعض ، وسيادة العقليات الآرية على سائر العقليات ـ ومنهم أيضاً ( هوستن ستيورات شامبرلن ) : 1855 ـ 1927 م Hausten Stewart Chamberlain



(96)
    يجب ان ننهض متكاتفين لتثبيت القواعد الإسلامية في نفوس المسلمين من ناشئة وبالغين ، ونحن نملك الرصيد الروحي الكبير في صفائه ونقائه .
    وحري بالمؤمنين وعلماء المسلمين ، ودعاة الاصلاح ان يعرضوا الإسلام بطريقة غير منفرة ، تحفظ الإسلام على المسلمين ، وتحل جميع المشكلات ... ومتى حل الإسلام في النفوس صدرت الأعمال صحيحة وفقاً لتعاليمه ... وقوانينه .

    التوعية الدينية :
    لقد كثر في بلادنا العربية عدد كبير من المرشدين والواعظين ، والخطباء ولا سيما في وقتنا الحاضر . فقد نهض الكثير من الفتيان والفتيات بقيادة بعض المرشدين المتجلبين بجلباب الدين ، وقد ضاقت بهم الاندية والمجتمعات ، واصغى الكثير إلى خطبهم الرنانة مملوءة بالحكم والمواعظ والدعوة إلى الدين وانتهاج الصراط المستقيم .
    كم سررنا لهذه الخطوة المباركة ، من أهل الاصلاح والرشاد ، الذين مسح الله سبحانه وتعالى على جباههم بزيت النباهة والنبوغ ، واقامهم جنوداً للحق والحرية والعدالة والاصلاح الاجتماعي كما يدعون .
    اليسوا هم من اولئك المجاهدين المناضلين الذين وقفوا حياتهم على خدمة الأمة والدين ؟
    ولكن يا للأسف ... اقولها ونفسي تذوب اسى ولوعة كم من القادة الهداة ... والصلحاء والدعاة قد بحت أصواتهم وانتفخت أوداجهم ، وهم يحرضون الناس على سلوك طريق الإيمان واطاعة الرحمان ، ونزع الشهوات


(97)
ومعصية الشيطان . داعين إلى انتهاج سبيل الحق ، والتخلق بالأخلاق الإسلامية السامية ، ومزايا الدين العظيم .
    ولكن لم يمض زمن طويل حتى ظهر من بعضهم الانحراف عن الاخلاص في العمل ، ولم يكن القصد من وراء أقوالهم وأفعالهم إلا المصالح الشخصية ، والغايات الذاتية ، يقولون بافواههم ما ليس في قلوبهم ... وكما قال الجرجاني :
ولو ان أهل العلم صانوه صانهم ولكن اذلوه جهاراً ودنسوا ولو عظموه في النفوس لعظما محياه بالاطماع حتى تجهما
    واستميح العذر ... إذا رددت قول الشاعر :
نحن في اية حال معكم ان سكتنا مسنا الضر ... وان لو فطنا لقضينا عجبا نحن لم نسكت اسأنا الادبا
وقانا الله وإياهم من سوء الأقوال ... وخبث النوايا ... ومضار الأفعال .
    ونسأل الله ضارعين إلى مجد عزته أن يأخذ بيد جميع العاملين في خدمة الدين ، والمشتغلين في سبيل العلم والعمل الصالح .
    قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام :
    « ما كل من رأى شيئاً قدر عليه ، ولا كل من قدر على شيء وفق له ، ولا كل من وفق له أصاب موضعاً ، فإذا اجتمعت النية والمقدرة والتوفيق والإصابة فهناك السعادة » (1) .
(1) عن مجلة العرفان .
المرأة في ظل الإسلام م ـ (7)


(98)
    الزواج ... الرابطة للاسرة :
    جعل الإسلام الزواج وسيلة لربط الرجل بالمرأة ، وقضى على فوضى الجاهلية في الأمور الجنسية ، ورفع من شأن المرأة وأبعدها عن أن تكون مجرد متعة .
    قال تعالى : « ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة » (1) .
    فقال « لتسكنوا اليها » أي لتطمئنوا ... ولم يقل « لتتمتعوا ... أو لتتلذ ذوا » فالمرأة وسيلة للطمأنينة والراحة والود الذي يجعل الرابطة قوية بين الرجل والمرأة .
    وقد أوصى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، الرجل ان يعاشر زوجته بالإحسان والمعروف فقال : « استوصوا بالنساء خيراً » وقال أيضاً : « خيركم خيركم لإهله » .
    وفي سبيل المحافظة على طهارة المرأة ، وعزتها حتى لا تكون متعة رخيصة ، يتناقلها الرجال كما كانت حالة المرأة في أيام الجاهلية قبل الاسلام فقد حرم الله الزنى ، وحض على الاحصان ، ومنع البغاء ، حيث قال : « ولا تقربوا الزنا انه كان فاحشة وساء سبيلا » (2) .
    وجعل عقوبة الزنا شديدة قاسية للرجل والمرأة . وفي مباني تكملة المنهاج
(1) سورة الروم ـ آية ـ 21 .
(2) سورة الاسراء ـ آية ـ 32 .



(99)
عن أبي عبدالله (ع) قال : ( الحر و الحرة إذا زنيا جلد كل واحد منهما مائة جلدة ، فأما المحصن والمحصنة فعليهما الرجم ) (1) .
    وجاء في الوسائل (2) ان المرأة اقرَّت عند أمير المؤمنين عليه السلام بالزنا أربع مرَّات ، فأمر قنبر فنادى بالناس فاجتمعوا ، وقام أمير المؤمنين عليه السلام ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس إن امامكم خارج بهذه المرأة الى هذا الظهر ، ليقيم عليها الحد انشاء الله ، فعزم عليكم أمير المؤمنين لمَّا خرجتم وانتم متنكرون ، ومعكم أحجاركم ، لا يتعرف منكم أحد الى احد ، فانصرفوا الى منازلكم انشاء الله .
    قال : ثم نزل ، فلما أصبح الناس بكرة خرج بالمرأة وخرج الناس معه متنكرين متلثمين بعمائهم وبأرديتهم والحجارة في ارديتهم وفي اكمامهم حتى انتهى بها والناس معه الى الظهر بالكوفة فأمر ان يحفر لها حفيرة ثم دفنها فيها .
    ثم ركب بغلته وأثبت رجله في غرز الرِّكاب ثم وضع أصبعيه السبابتين في أذنيه ونادى باعلى صوته :
    أيها الناس إن الله عهد الى نبيه صلى الله عليه وآله عهداً عهده محمد صلى الله عليه وآله وسلم الي بأنه لا يقيم الحد من لله عليه حد فمن كان لله عليه مثل ما له عليها فلا يقيم عليها الحد .
   قال : فانصرف الناس يومئذ كلهم ما خلا أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام . فأقام هؤلاء الثلاثة عليها الحد يومئذ وما معهم غيرهم .
(1) مباني تكملة المنهاج الصالحين لحجة الاسلام السيد الخوئي ـ ج 1 ـ ص 197 .
(2) كتاب وسائل الشيعة ـ للحر العاملي ـ ج ـ 18 ـ ص ـ 341 .



(100)
    حول استقرار المرأة في بيتها :
    أسئلة تتردد ، طبل لها وزمر كثير من الفتيات والفتيان ، وقالوا : كيف يكون الإسلام انصف المرأة وكيف اعطاها حقوقها وحريتها ؟ والقرآن الكريم قد امر المرأة كما في قوله تعالى : ( وقرن في بيوتكن ) (1) ، فما هذا السجن الدائم للنساء ، ايصح ان يجعل الإسلام المرأة حبيسة البيت ، رهينة الجدران .
    والجواب : هذا افتراء على الإسلام وزعم فاسد ، يدل على شيئين : أما عدم فهم المراد من الآية الكريمة ... وأما الجهل باللغة وأساليبها .
    لقد أمر الله سبحانه وتعالى المرأة في جميع الشرائع السماوية ان تقر في بيتها للقيام بشؤونه ، والعناية بأمور الأسرة ، وتربية الأولاد ، والإشراف على مملكتها الصغيرة .
    ان المرأة المسلمة ، هي التي تعمل بما أمرها الإسلام به ، وما أوجبه عليها من حقوق ، شأنها في ذلك شأن كل فتاة تربت تربية فاضلة ، مستمدة من روح الدين ، وحقيقة الإيمان ما يجعلها قدوة لنساء العالم .
    فهي تعرف كيف تعني بترتيب منزلها ، وتربية أولادها وسعادة زوجها .
    لم يجعل الإسلام المرأة في سجن كما يفندون ، بل أباح لها بعد ان تتم واجباتها المنزلية ، ان تخرج من بيتها بطلب علم ينفعها ، في دينها ودنياها ، أو لزيارة
(1) سورة الأحزاب ـ اية ـ 33 ـ وفي مجمع البيان في تفسير القرآن ( وقرن في بيوتكن ) أمرها بالاستقرار في بيوتهن ، والمعنى اثبتن في منازلكن والزمنها ـ أو كن أهل وقار وسكينة .