(101)
أهلها أو اقاربها أو صديقاتها أو للتنزه والترويح عن نفسها بعيدة عن اماكن الريب مع زوجها أو ابيها ، أو أخيها ، أو غيرهم من محارمها ، أو مع صديقات لها معروفات بالحشمة والأدب والدين والأخلاق الفاضلة ، والسمعة الطيبة . وكما قيل :
صاحب أخا ثقة تحظى بصحبه والريح آخذة مما تمر ب فالمرء مكتسب من كل مصحوب نتناً من النتن أو طيباً من الطيب
    أما ان تترك المرأة بيتها وتخرج للتنزه في أماكن الريب والشبهات أو الجلوس في المقاهي « والكازينوهات » أو التجول في الأسواق والطرقات ، لغير حاجة أو ضرورة ، تلين القول لهذا ، وتمازح ذاك ، وتبش في وجه آخر وقد نهى الله تعالى عن ذلك : « فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً » (1) .
    وهذا الفعل لم يأذن به الله سبحانه ، ولا يرضاه من عنده أدنى ذرة من شرف النفس ، والشهامة والإباء والغيرة .
    كما لا ترضى به حرة ، تؤمن بالله واليوم الآخر ، أو عندها من كريم الخلق ما يربأ بها ، ان ترد هذه الموارد .
    ومن الواجب على المرأة الفاضلة العاقلة ، إذا خرجت من بيتها لحاجة أو لضرورة ، أو للترويح عن النفس ، تخرج في حشمة وادب ، يحوطها الخلق
(1) سورة الأحزاب آية ـ 32 .
وفي مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي ( فلا تخضعن بالقول ) أي لا ترققن القول ولا تلن ( هكذا وردت والمفروض ولا تلين ) الكلام للرجال ولا تخاطبن الأجانب مخاطبة تؤدي الى طمعهم ( وقلن قولا معروفاً ) اي مستقيماً جميلا ، يريئاً من التهمة بعيداً عن الريبة ، موافقاً للدين والإسلام .



(102)
الطيب ، والتربية الحسنة متأدبة في مشيتها ، غاضة من طرفها ، غير مبدية زينتها ، ولا متكسرة ، ولا متثنية في خطواتها ، ولا لافتة اليها أنظار الجهلة والمستهترين . وليس الأمر بان تلازم المرأة دارها خاصاً بالإسلام ، كما يتوهم أو يظن البعض ، فقد جاء في رسالة بولس (1) إلى طيطس (2) في موضوع كلام عن النساء قال يجب عليهن بان يكن متعقلات ، ملازمات لبيوتهن ، خاضعات لرجالهن .
    وقال مخاطباً ( ثيموثاوس ) : لست آذن للمرأة ان تتعلم ، ولا تتسلط على الرجل ، تكون في سكون دائم ، لأن آدم جبل أولاً ثم حواء .

    الرجال قوامون على النساء :
    نحن نرى أعداء الدين وأصحاب الأهواء قد انكروا على الإسلام قيام (3) الرجل على المرأة ، وراحوا ينفخون في أبواق الفتنة قد اتخذوا من الآيات الكريمة مادة للطعن بعدما فسروها على العكس ، وحسب ما يريدون ويفندون .
    ان القرآن لا يعلم تأويله إلا الله ورسوله ولا يفهم معناه إلا الراسخون في العلم ، فتبصروا يا اولي الألباب .
    قال تعالى : « الرجال قوّامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما
(1) بولس الرسول هو أحد تلامذة السيد المسيح عليه السلام ومن الحواريين .
(2) طيطس هو أحد المخلصين الذين ساعدوا السيد المسيح على نشر الكتاب المقدس .
(3) القيام : بمعنى المحافظة والاصلاح كما عن تاج العروس للزبيدي .



(103)
أنفقوا من أموالهم » (1) .
    إذا امعنا النظر نجد ان الإسلام ، حفظ للمرأة جميع حقوقها غير منقوصة وانها في ظل الإسلام ارتفع وضعها وجعلها شريكة للرجل في جميع مرافق الحياة وهي مساوية له ، لها انسانيتها وكرامتها كما أسلفنا .
    لقد جعل الله سبحانه للرجل حق القيام باصلاح المرأة ليس تقليلاً من كرامتها ، واحتقاراً لها كما يدعي المغرضون ولم يبخسها حقاً مقرراً في الحياة الاجتماعية ... بل العكس .
    لقد قيد الإسلام الرجل بواجبات النفقة والرعاية ، من توجيه وتعليم وإدارة ، وهو مسؤول عن كل خطأ أو تقصير .
    ففي الحديث الشريف ( كلكم راع وكل مسؤول عن رعيته ) وبما أن الرجل مسؤول عن أهل بيته ، فقد جعل الله له هذا الحق ، وهي الرعاية وحسن الإدارة ، والتوجيه الديني ، والتأديب الخلقي ، قال تعالى يمدح النبي إسماعيل عليه السلام : ( وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضياً ) (2) .
    وقال تعالى : ( وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسالك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى ) (3) .
(1) سورة النساء ـ آية ـ 34
   ففي مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي ( الرجال قوامون على النساء ) اي قيمون على النساء مسلطون عليهن في التدبير والتأديب والرياضة والتعليم ، وعن مجمع البحرين في اللغة للطريحي : علل هذه الآية بقوله لهم عليهن قيام الولاء والسياسة .
(2) سورة مريم ـ آية ـ 55 .
(3) سورة طه ـ آية ـ 132 .



(104)
    لقد فضل الله سبحانه الرجل على المرأة ، وجعل له القيمومة وقيده بهذه المسؤولية والتبعات ، وأمره ان يتحملها صاغراً وهو عنها مسؤول .
    ولكن هل حفظ كرامتها ؟ .. هل رعاها بكل لطف وحنان ؟ .. هل قام بواجباته الدينية ، والخلقية تجاهها ؟ .. وأدى دور القيمومة التي خولها له الإسلام في دائرة النصح والإرشاد والتوجيه والإعالة ؟ .
    كلا ... لقد أخذ بعض الرجال الغرور والكبرياء والجهل فاتخذ من القيمومة أداة للتسلط على المرأة وإذلالها واضطهادها واذيتها . وكما قيل :
إذا كان ذنب المسلم اليوم جهل فماذا على الإسلام من جهل مسلم
    يقول الشيخ محمد عبده في كتابه المنار (1) :
    « المراد بالقيام هنا هو الرئاسة التي يتصرف فيها المرؤوس بارادته و اختياره وليس معناها أن يكون المرؤوس مقهوراً مسلوب الإرادة ، لا يعمل عملاً إلا ما يوجهه اليه رئيسه فإن كون الشخص قيما على آخر ، هو عبارة عن ارشاده والمراقبة عليه في تنفيذ ما يرشده اليه ، أي ملاحظته في أعماله وتربيته » .
    فالرجل قوام على المرأة للمحافظة عليها وكفايتها كل ما تحتاج اليه من مأكل وملبس ، وجميع مصاريفها ، كل على حسب استطاعته وسعته ، وبحسب وضع المرأة الاجتماعي .
    فالقوامون هم الرعاة ، ومن قام على أمر كان له حافظاً وراعياً .
(1) تفسير المنار ـ للشيخ محمد عبده ـ ج 5 ـ ص ـ 68 .


(105)
    وهل قيام الرجل على اهل بيته إلا للمحافظة عليها من كل مكروه ، ورعايتها من كل اذية تصدر عن أهل السوء قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
    « كلكم راعٍ ، وكلكم مسؤول ، فالامام راع وهو مسؤول ، والرجل راعٍ على اهله وهو مسؤول ، والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسؤولة ، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول ».
    تقول الدكتورة بنت الشاطئ (1) : « ويحضرني الآن حديث لعمر بن الخطاب ، استجلي فيه ملامح الزوج الرسول وضاءة مشرقة ، وآراه صادق الدلالة على شخصية محمد الرجل الانسان .
    قال عمرو ( رض ) « والله انا كنا في الجاهلية ما نعدّ للنساء امراً حتى انزل الله تعالى فيهن ما انزل ، وقسم لهن ما قسم » .
    فبينما أنا في أمر ائتمره اذ قالت لي امرأتي : لو صنعت كذا ... وكذا ؟ ...
   فقلت لها : ومالك انتِ ؟ ولما ها هنا ؟ وما تكلفك في أمرٍ اريده ؟
    فقالت لي : عجباً يا ابن الخطاب ! ما تريد أن تراجع أنت ... وان ابنتك لتراجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يظل يومه غضبان ...!
    قال : فأخذت ردائي ، ثم انطلقت حتى ادخل على حفصة فقلت لها : يا بنية انك لتراجعين رسول الله حتى يظل يومه غضبان ؟ .
1 ـ تراجم سيدات بيت النبوة الدكتورة بنت الشاطئ .


(106)
    فقالت : « إنا والله لنراجعه »
    قال : « ثم خرجت حتى دخلت على أم سلمة لقرابتي منها فكلمتها فقالت لي :
    « عجباً لك يا بن الخطاب !... قد دخلت في كل شيء حتى تبتغي ان تدخل بين رسول الله صلى الله عليه وآله ... وازواجه ؟! »
    فأخذتني اخذاً كسرتني به عن بعض ما كنت أجد .. »
    كثير من الناس لا يزالون من قديم الزمان الى عصرنا الحاضر ، قد اعمتهم الانانية وحب الذات لا يعرفون من أمر هذه الدنيا سوى جلب المنفعة لأنفسهم وارضاء شهواتها ، ولو على حساب الضعفاء . وهم في كل أمة ... وفي كل مكان .
    فلو اسقطنا الوصاية ... والوكالة عن الرجال والقيمومة على النساء ، لرأينا عجباً من الفوضى ، والاضطربات الاجتماعية ، وارتكاب المنكرات .
    ويجب على كل رجل ان يقوم بواجباته ، وبما القي عليه من التبعات ، كالانفاق على عياله ومعاشرتهم بالحسنى ، وتعليم أهل بيته أمور دينهم من الحلال ، ونهيهم عن الحرام ، لجعلهم من عباد الله الصالحين ، وابعادهم عن سبيل الشر ، وأهل السوء .
    إذ لا نجاة من النار وغضب الجبار ، إلا باطاعة الله وتفهم الدين ، وتنفيذ احكامه . قال تعالى :


(107)
    « يا ايها الذين آمنوا قوا انفسكم واهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون (1) » .

    نظام الاسرة في الاسلام :
    ينثبق نظام الاسرة في الاسلام من معين الفطرة ، واصل الخلقة ، وقاعدة التكوين الأولى للاحياء جميعاً وللمخلوقات ، ( ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ) (2) .
    فالأسرة هي نواة المجتمع الصالح ، الذي فرضته الشرائع السماوية ، لاستمرار الوجود ، وليكون الملجأ الوحيد لنظام الاسرة ( بيت الزوجية ) .
    نرى ان دستور الاسرة هو جانب من التنظيم للقاعدة التي تقوم عليها الجماعة المسلمة ، والمجتمع الاسلامي ، هذه القاعدة التي احاطها الاسلام برعايته ، وبذل الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم في تنظيمها وحمايتها وتطهيرها من فوضى الجاهلية ، وشوائب العادات والتقاليد جهداً كبيراً .
1 ـ سورة التحريم ـ آية ـ 6 ـ .
2 ـ سورة الذاريات ـ آية ـ 49 .



(108)
    ثم ان القرآن الكريم ، أخذ يبحث على الاستقرار ، واقامة البيوت لتركيز دعائم الاسرة . قال سبحانه وتعالى :
    ( يا أيها الناس أتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام ان الله كان عليكم رقيباً ) (1) .
2 ـ سورة النساء ـ آية ـ 1 ـ
    وفي مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي ـ قيل ان المراد به بيان كمال قدرته قال الذي قدر على خلقكم من نفس واحدة ، فهو على عقابكم اقدر ، فيحق ، عليكم ان تتركوا مخالفته ، وتتقوا عقوبته ، وقوله ( الذي خلقكم من نفس واحدة ) المراد بالنفس هنا آدم عند جميع المفسرين ( وخلق منها زوجها ) يعني حواء عليها السلام ، ذهب اكثر المفسرين الى انها خلقت من ضلع من اضلاع آدم ، ( بث منهما رجالاً كثيراً ) أي نشر وفرق من هاتين النفسين على وجه التناسل رجالاً ونساء ، وانما من علينا تعالى بان خلقنا من نفس واحدة ، لأنه اقرب الى ان يعطف بعضاً على بعض ، ويرحم بعضنا بعضاً ، لرجوعنا جميعاً الى اصل واحد وذلك ابلغ في القدرة وادل على العلم والحكمة .



(109)
    صفات الزوجة الصالحة :
    من امعن فكره ونظر بنبراس عقله ، تحقق لديه ان معظم الشقاء والتعاسة والآلام التي تصادفها أكثرية الناس في حياتها صادرة عن جهل النساء اللواتي يفتقرن إلى المعرفة ، والآداب النفسية ، وحسن التدبير .
    فكم من امرأة هدمت بيتها بسوء تدبيرها ، وقلة معرفتها ، وجهلها .
    وما نفع ابي العائلة إذا جد وسعى ، ومهما انتج ، إذا كانت عنده امرأة تبدد أمواله ، وتفسد تربية أطفاله ، لعدم تعقلها ، وسوء تدبيرها .
    فمن الواجب تعليم الفتيات المبادئ الصالحة ، وتزيين عقولهن بالحكمة ، وحملهن على حب الفضيلة .
    ان الزوجة الصالحة ، هي التي تمتاز بدينها وأدبها ، وبافكارها الطاهرة الشريفة ، وبشعورها بالمسؤولية ، الملقاة على عاتقها وباخلاقها الكريمة ، الانيسة ، وبصبرها الجميل على تقلبات الدهر ونكبات الزمن ، وعريكتها الليّنة ، وعفتها النقية ، وسياستها الحكيمة .
    ترى الزوجة الصالحة ، الرشيدة العاقلة ، مرتدية ثوب النظافة واللياقة ، تتمشى على حدود الاعتدال والاقتصاد علىجميع متطلبات الحياة ، فتحمل زوجها ونفسها على العمل وترك الكسل ، وطرد التشاؤم .
    والزوجة الصالحة ، هي التي تنهض في الصباح الباكر ، متسربلة بالقوة


(110)
والنشاط ، لترتيب أشغال النهار ، والقيام بمهام منزلها ومسؤولياتها ، فتكون ينبوع سعادة زوجها ، وفخر أولادها الذين يسمعون أناشيد مدحها من أبيهم وأقاربهم وجيرانهم فيهيمون طرباً ، ويزيدون من اكرامها وتعظيمها .
    هذه هي الزوجة التي ترفع شأن الإنسانية الصحيحة وتعمل في دفع عجلة التقدم والرقي . وتقدم للبشرية اجل خدمة وأشرف عملاً . فانها بتربيتها الصالحة المقرونة بالدين والإيمان ، تستطيع أن تؤثر على المجتمع أكثر من الخطب الرنانة والمحاضرات الضخمة والإنذار والتوبيخ . وبدون جهودها الجبارة لا تفيد وسائل التقدم والحضارة ما دام غشاء الجهل قد اعمى الكثيرين وخيم فوق رؤوسهم الغرور .

واجبات الزوجة ... الصالحة :
    إن واجب الزوجة نحو زوجها فرض مقدس ، سنة من قبل الخالق سبحانه وتعالى ، واهمال هذا الواجب وعدم القيام به يعود على المرأة بشقاء مستمر ، إذ أنها فضلاً عن التقصير الديني تخسر محبة زوجها ، وإخلاصه لها وثقته بها . ويالعظم الخسارة ...
    يصرف الزوجان حياتهما في نكد وخصام ، بخلاف ما إذا قامت الزوجة بواجباتها الاجتماعية والدينية ، وما يتطلبه مركزها كربة بيت ... وسيدة اسرة .
    فإذا أدت واجبها باخلاص وأمانة ، فإن السعادة تظللها بأجنحتها والبركة