(111)
والسلام ، والإيمان والإطمئنان يأويان منزلها ، وقد أطنب الناس بالزوجة الصالحة كما قيل :
نبغ الفتاة العاقلة الأمينة ذات الكمال العفة الرزينة
    فكم من امرأة هدمت بيت الزوجية وعشها الهنيء بسوء تصرفها ، وعدم معرفتها بالواجبات الزوجية المقدسة واستهتارها باوامر الدين .
    تلك التي يسود في بيتها الخصام والشقاق . تفر السعادة من أمامها وتكون حياتها مع زوجها عبارة عن سلسلة متصلة حلقاتها بالمرارة والويلات ، مرتبطة اجزاؤها بالمصائب والتنهدات ...
    مع انه كان بوسعها لو تتقي هذا البلاء العظيم بقليل من الصبر والتعقل ، وتعمل ما يفرضه عليها الدين والأدب من الواجبات نحو زوجها وبيتها وأطفالها .
    يجب ان تتأكد الزوجة بان سعادتها وسعادة زوجها موقوفة على محبتها ، وحقيقة ثقتها وإخلاصها له ، ومدى تفانيها في تحقيق جميع حاجاته ورغباته ضمن نطاق الشرع والدين .
    كما يجب على الزوج ان يقوم بخدمة زوجته ، يفعل كل ما يسرها ويصلح شؤونها وكما قالت تلك الإعرابية لابنتها : « كوني له أمة ... يكن لك عبداً » .
    ولا تنسى الزوجة انه من الواجب عليها ان تعمل بقلب فرح إذا لم يكن احب إلى الرجل من الزوجة البشوش ، لأن البشاشة تنير وجهها وتكسبه رونقاً وجمالاً وان يكن غير جميل وكما قيل :


(112)
ليس الجمال بمئزر ان الجمـال معادن فاعلم وان رديت بردا ومنـاقب اورثن مجدا
    ان الفتاة الجميلة المتكبرة الرعناء ، المغرورة بجمالها المتهاونة في دينها وآدابها التي تصنع بعد زواجها حنجرة كدرة ، ولساناً سليطاً ، لا يهمها إلا نفسها وزينتها ... فإن حياتها البيتية تكون جحيماً لا يطاق .
    ولا تقدر هذه الزوجة المغرورة ان تواجه اللوم إلا على نفسها ، إذا أخذ زوجها بالتبرم والتذمر . وأخذ يتغيب عن المنزل لأن من طبع الرجل كراهة الوجه العبوس المنقلب والسحنة الشكسة .
    ان اجمل حياة يحياها الإنسان ، في منزل تديره زوجة مخلصة وفية ذات دين وحياء وأدب ...
    زوجة تلاقي زوجها بوجه طلق ومحيا بشوش يزيل عنه التعب ، وتهدي اليه من مكارم أخلاقها وعذوبة ألفاظها لطفاً وحلاوة يأخذان منه بمجامع قلبه .
    تنظر اليه بألحاظ العطف والفطنة والذكاء ، فتعيره نشاطاً جديداً ، وتسهل أمامه طريق الخير لإجتياز مصاعب الحياة ومتاعب الزمن .
    اجل زوجة صالحة مثالية تشاطر زوجها همومه واتعابه ، وقد ارتسم على جبينها التعقل والحلم والرصانة وتزينت بالدين والفضل والعفاف وكريم الخلق هي أجمل ما يلقاه الإنسان في حياته :
    وعن انس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؛ قال :
   « الا اخبركم بنسائكم في الجنة ؟ » قلنا بلى يا رسول الله قال :


(113)
    « الا اخبركم بنسائكم في الجنة ؟ » قلنا : بلى يا رسول الله قال : « كل ودود ... ولود ... إذا غضبت أو أسيئ اليها ، أو غضب زوجها لحقّ ... قالت : هذه يدي في يدك لا اكتحل بغمض حتى ترضي ..» (1) .
    وقد تغنى الشعراء بأوصاف المرأة الصالحة قال بعضهم :
وأول احساني اليكم تخيري لما جدة الأعراق بادٍ عفافها
    وقال بعضهم لبنيه : (2) .
   « قد أحسنت اليكم صغاراً ، وكباراً ، وقبل ان تولدوا » . قالوا له : « وكيف أحسنت الينا قبل ان نولد ؟ » فأجاب : « اخترت لكم من الأمهات من لا تسبون بها » .
    وقيل ان فاطمة بنت الخرشب رمت نفسها من الهودج حين أسرت ، فماتت لساعتها وهي تقول : « المنية ... ولا الدنية » . وقال احدهم : لا أتزوج امرأة حتى انظر الى ولدي منها ، قيل له : كيف ذلك ؟ قال : أنظر الى أبيها وأمها . فإنها تجر بأحدهما .
وأول خبث الماء خبث ترابه وأول خبث القوم خبث المناكح
   وفي الحديث الشريف عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم قال :
1 ـ الترغيب والترهيب للمنذري ج ـ 4 .
2 ـ عيون الاخبار لابن قتيبة .
المرأة في ظل الإسلام م ـ (8)


(114)
    « ثلاث من سعادة المرء ، ان تكون زوجته صالحة ... واولاده ابراراً ... وخلطاؤه صالحين » .
    وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي (ص) قال :
    «خيركم ... خيركم لأهله ، وأنا خيركم لاهلي » (1) .
    وعن عائشة ( رض ) قالت : عن النبي صلي اللّه عليه و سلّم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ان من أكمل المؤمنين إيماناً ، احسنهم خلقاً وألطفهم بأهله » (2) .
    وعن انس بن مالك ( رض ) قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : « من تزوج امرأة لعزها ، لم يزده الله إلا ذلاً ، ومن تزوج امرأة لمالها لم يزده الله إلا فقراً ، ومن تزوج امرأة لحسبها لم يزده الله إلا دناءة ، ومن تزوج امرأة لم يرد بها إلا ان يغض بصره ، ويحصن فرجه أو يصل رحمه ، بارك الله له فيها ... وبارك لها فيه » .
    وفي رواية « ذات دين وايمان وورع ... فأظفر بذات الدين تربت يداك » (3) .
    عن عيون الأخبار أن رجلاً من بني أسد قال : ضلَّت إبل لي ، فخرجت في طلبهن ، فهبطت وادياً ، وإذا أنا بفتاة اعشى نور وجهها نور بصري ، فقالت لي : يافتى ما لي أراك مدلّها ؟
    فقلت : ضلّت إبل لي ، فأنا في طلبها ، فقالت : أفأدلك على من هي عنده ، وان شاء اعطاكها ... قلت : نعم . ذلك ولكِ أفضلها ...
1 ـ الترغيب والترهيب ـ للنذري ج ـ 4 .
(2) الترغيب والترهيب ـ للمنذري ج ـ 4 .
   « تربت يداك » كلمة معناها الحت ، والتحريض .. والترغيب ... والمراد : هنا اظفر بذات الدين ، ولا تلتفت الى حطام الدنيا من مال وجاه وغيره .



(115)
    قالت : الذي أعطاكهن أخذهن ، وإن شاء ردهن فسله من طريق اليقين ، لا من طريق الاختبار .
   فأعجبني ما رأيت من جمالها ، وحسن كلامها ، فقلت : ألك بعل ؟ قالت : قد دعي فأجاب : فأعيد إلى ما خلق منه .
    قلت : فما قولك في بعل ، تؤمن بوائقه ولا تذم خلائقه ؟ .. فرفعت رأسها ، وتنفست وقالت :
كنا كغصنين في أصـل غداؤهما فاجتثَّ خيرهما من جنب صاحب وكان عاهـدني إن خاننـي زمن وكنت عـاهدته إن  خـانه زمن فلـم نـزل هكذا والوصل شيمتنا فاقبض عنـانك عمن ليس يردعه ماء الجداول فـي روضات جنات دهـر يكـر بفرحـات وترحـات إلا يضـاجـع انثــى بعد مثواتي ألا أبوء ببـعل  طــول محيـاتي حتـى توفــى قريبـاً من سنياتي عـن الوفـــاء خـلاف بالتحيات
    هذه قصة امرأة ذات وفاء وإيمان ، غرسه الاسلام في نفسها مع التقوى ...
    وأروع من هذه ما ذكر عن نهاية الأرب في فنون الأدب قال : « إن سليمان ابن عبد الملك ، خرج ومعه يزيد بن المهلب إلى بعض جبابين الشام ، وإذا بامرأة جالسة عند قبر تبكي .
    فجاء سليمان ينظر إليها ... فقال لها يزيد : ـ وقد عجب سليمان من حسنها ...
    يا أمة الله هل لك في أمير المؤمنين حاجة ؟ فنظرت إليهما . ثم نظرت إلى القبر وقالت :


(116)
فان تسألاني عن هواي فإنه وإني لأستحييه والترب بيننا بحوماء هذا القبر يا فتيان كما كنت أستحييه حين يراني (1)
إلى أين المصير :
    يشكو هذا البلد من حب أبنائه للتقليد ، فما أن تظهر ( موضة ) أو تطل علينا ( تقليعة ) جديدة من الخارج ، حتى تتلقفها بلادنا ونكون أول المستوردين .
    وهكذا أصبحت بلادنا ذات الماضي العريق ، سوقاً رحبة لجميع الأزياء ( البيكني ... والميني ... والميكر و ... الخ ) .
    وبتأثير هذه النزعة ، كان بلدنا أسرع البلدان الشرقية إلى التخلي عن تقاليد الشرق المحافظ ، والأخذ بنمط الحياة الحديثة ، من لباس كاشف ... ورقص مزدوج ... واستحمام مختلط وما إليها من خلاعات جاء بها المستعمر من بلاده وتركها لنا فتمسكنا بها وكأنها ارث من تراثنا العظيم .
    ورغم التأثير السيء ، والإنكار والاستنكار الذي تركه هذا التقليد في بادئ الأمر ، في أوساط القديم ، ورجال الدين ، ودعاة الإصلاح وهداة الفضيلة والعفاف . فقد انتهى الأمر أخيراً إلى التسليم بأن هذه الأشياء ، هي


(117)
موجة عارمة من موجات العصر الحديث ، وتيار جارف من تيارات الحضارة والمدنية التي ينبغي أن نسايرها ، لأن الزمان ... والعصر ، يفرض طابعه على الجميع .
    وعلى مر الأيام والليالي ، طورت عقلية الأكثرية الساحقة من الناس ، فلم تعد ترى في هذه المظاهر ما كانت تراه في بادئ الأمر ، من شناعة أو قبح .. أو خلاعة أو فضائح ، بل أصبحت تجدها اموراً عادية ، لا تختلف عن أي أمر عادي من مؤلوفات الحياة .
    إن قواعد الاخلاق والفضيلة ، لم تتجاهلها إلا المجتمعات المنحلة ، التي كان ابتعادها عن عمود الدين والاخلاق سبب انحلالها .
    لنتساءل ... هل نضرب نحن صفحاً عن جميع هذه الحقائق لننساق في غمرات النزوات ؟
    وهل نتغاضى ونعمل ما تمليه عليه رغباتنا ؟ وما يزين الشيطان من سوء الاعمال ؟
    ناهيك بمشاعر الشرف والغيرة لدى الانسان ، وهي المتصلة أوثق الاتصال بحسن الرجولة والكرامة .
    فعندما يهون الشرف يهون العرض ، ويموت الإحساس بالرجولة والغيرة ، هناك الذلة والمهانة والعار .
    فإلى متى هذا الاستهتار ؟ وما معنى الروايات الخلاعية المتزايدة الانتشار ؟ والصور الإباحية العارية ... ألن تحتل غلافات الكتب والمجلات ... ؟ ... وما معنى الفضائح المخجلة التي نقف عليها كل يوم ؟ والحوادث التي تدل على انهيار خلقي مريع لدى الشبان والفتيات ؟


(118)
    كل هذا في بلاد الإسلام يحصل باسم الحرية التي يتغنى بها الجيل الجديد ، الذي يدَّعي التمدن والتطور .
    ولكن .. ويا للأسف إذا تأملنا ورجعنا إلى حكم العقل ، نراها معكوسة ، إذ هي القيد والتقهقر .
    إنها ليست حرية بالمعنى الصحيح ، بل هي حرية الفوضى ، حرية الشعب السائر على هواه ، دون أي ضابط أو قيد . دون أي رادع أو مانع ، حرية اللصوصية ... حرية القتل ... والسرقة التي انتشرت واستمرت حتى لم تعد حوادثها فردية ، بل غدت ذات طابع عام ، وخصوصاً حرية الفجور والخلاعة والاستهتار التي باتت تهدد مجتمعنا ... ووطننا الحبيب .
    فإلى أين نحن سائرون ... ومتى نعود إلى وعينا وإدراكنا ... وقانا الله من الزلات . ورحم الله الشبيبي حيث يقول في قصيدته العصماء :
إلا ليت شعري ما ترى روح احمد وأكبر ظني لو أتانا محمد عدلنا عن النور الذي جاءنا به إذن لقضى : لا منهج الناس منهجي دعوت إلى التوحيد يجمع شملكم إذا طالعتنا من علٍ أو أطلت للاقى الذي لأقاه من أهل مكةِ كما عدلت عنه قريش فضلتِ ولا ملة القوم الأواخر ملتي ولم أدع للشمل البديد المشتت


(119)
وجئت رسولاً للحياة ولا أرى ويسرت شرعاً ما تعنَّت نافعا وحرمت في الإسلام من بعد حلها بكم غير حي في مدارج ميت وسرعان ما ملتم به للتعنّتِ مساوئ عادت بعد حين فحلت (1)

(1) هذه الأبيات من قصيدة الشيخ الشبيبي العصماء ( روح الرسول )


(120)
المرأة في بدء الدعوة الاسلامية
    من الدستور الإلهي ، ومن التشريع الإسلامي ، ومن سنا الأنظمة الحكيمة ، والقوانين العادلة التي جاءت بها دعوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، تنسمت المرأة روح الحرية .
    ما أروع هذا الكون في تنظيمه ، وأروع ما فيه هذا الناموس الإسلامي العظيم ، الذي جعل لكل فرد من عالم الأحياء القدرة على أن يبرز القوى المادية والمعنوية ، التي تستلزم بقاء الحياة ، فلا قيود ... ولا ظلم ولا تعسف .
    استيقظت المرأة من سباتها العميق ، فهبت تنفض عن وجهها غبار السنين ، تسابق الرجال في شتى الميادين ، وتسرع إلى التوحيد والإيمان مصدقة بكلمة الرحمان .
    هو الإسلام الذي جعل النساء أخوات الرجال ، كما قال تعالى : « يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى ... » أكسب المرأة المسلمة صفات جديدة لا عهد لها بها في العصر الجاهلي ، فضلاً عن أنه أثار فيها عواطف التدين والإيمان ، والتطلع إلى حياة اخرى ، هي خير وأبقى .
    أجل لقد أستيقظت المرأة ، وانبعثت مواهب النساء وبرزت كفا آتهن التي كانت مطمورة ترزح تحت أثقال فادحة من قوانين المجتمع الخاطئة ، وتصعدات