(231)
    حزن علي على فراق زوجته الزهراء (ع) :
    تقول المرويات كان علي بن ابي طالب عليه السلام يزور قبر زوجته الزهراء في كل حين ، واقبل ذات يوم فانكب على القبر ، وبكى بكاء مراً وأنشأ يقول :
مالي مررت على القبور مسلماً يا قبر مالك لا تجيب مناديـا قبر الحبيب فلم يرد جوابـي أمللت بعدي خلة الاحباب ؟
    فأجابه هاتف يقول :
قال الحبيب وكيف لي بجوابكم أكل التراب محاسنـي فنسيتكم فعليـكم منـي السلام تقطعت وانا رهيـن جنــادل وتراب وحجبت عن اهلي وعن اترابي منـي ومنـكم خلـة الاحباب
    وبات أهل المدينة والمسلمون وقد خيم عليهم الحزن وظللتهم الكآبة لفقد الزهراء بضعة الرسول .
    ماتت الزهراء بجسمها ، ولكنها بقيت بروحها ، ولا تزال حية في قلوب المؤمنين ... ورمزاً حياً للمرأة المسلمة ، وقدوة صالحة للمقتدين ...
    بقي صدى كفاحها عليها السلام ، وثباتها على الحق وجهادها في سبيل الاسلام يقضُّ مضاجع حكام السوء ، وطغاة العصور على مر الأيام والسنين .
    روت عن ابيها الرسول الأعظم (ص) الكثير من الاحاديث والروايات ،


(232)
فقد ولدت في بيت الوحي ومهد النبوة وترعرعت تحت ظل صاحب الرسالة . ورافقتها حتى آخر حياتها الشريفة .
    وعت الاسلام ووقائعه وانتصارته . وقد روى عنها ولداها الحسن والحسين ، ووالدهما علي بن ابي طالب (ع) .
    كذلك روت عنها السيدة عائشة ام المؤمنين والسيدة ام سلمة وسلمى أم رافع ، وانس بن مالك وغيرهم الكثير من كبار الصحابة ومشايخ وعلماء المسلمين الصالحين ...
    وما عساني ان اكتب عن الزهراء عليها السلام ... ولكن اكتفي بالقول ان قلمي عاجز ...
    يحق لي ان اعترف بالعجز عن الاحاطة بما كتب عن حياتها التي قضتها في الجهاد والكفاح في سبيل الاسلام والعقيدة مع ابيها النبي ... وزوجها الامام علي وولديها السبطين الحسن والحسين (ع) .
    واعترف ايضاً بالقصور عن ادراك معرفتهم ، وسبر غورهم ، والاحاطة بصفاتهم وفضائلهم ...
    « وفوق كل ذي علم عليم »
بآل محمد عرف الصـواب وهم حجج الاله على البرايا وفي ابياتهم نـزل الكتاب وبجد هم لا يستراب


(233)
   المرأة في صدر الاسلام :
    ان صدر الاسلام ليس له تحديد معين بارقام سنين لا يتعداها ، ولكننا نقصد به ذلك الزمن الذي مضى من بدء دعوة محمد (ص) عهد الرسول الكريم وخلفائه الراشدين (1) .
    ذلك العهد الذي كان الناس يتقيدون باحكام الشرع العظيم ، وتعاليم الدين القويم .
    وصدر الاسلام هو عهد انتقال من البداوة وعاداتها وتقاليدها ، وجاهليتها الى الاسلام وشريعته السمحاء ونظمه الحضارية وقوانينه المدنية .
    وقد بذل المسلمون الجهود الجمة الجبارة ، ولاقوا المتاعب والمصاعب لسلوك الطريق الافضل ، بين التقاليد الموروثة والاعتقادات والعادات القديمة ... وبين ما جاء به الاسلام من تنظيم ديني ... ومدني ... وتوحيد لله سبحانه ، بالاضافة الى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
    ونحن اذ نتكلم أو نكتب عن المرأة في صدر الاسلام وما بعده حتى الآن ، ونشرح ما اصاب المرأة واخلاقها من التبدل والتطور ، يجب ان نشير ايضاً الى الرجل وما طرأ عليه من تطور وتبدل .
    أليس كلاهما عضو فعال في الهيئة الاجتماعية الواحدة يؤثر فيها ... ويتأثر بها ؟!
(1) الخلفاء الراشدين ... حسب اصطلاح المؤرخين .


(234)
    ولا يمكننا ان نتجاهل تأثير الرجال الشديد بصورة خاصة على المجتمع النسائي .

    اخلاق المرأة المسلمة في صدر الاسلام :
    ان شمائل المرأة العربية واخلاقها الحميدة ، لهي اجمل صفة كانت تتحلى بها ، فقد كانت بحكم البيئة والمجتمع القديم رغم تسلط الرجل عليها ، وتعسفه واستئثاره ، تحتفظ بمزايا فطرية عظيمة ونبيلة .
    كالشجاعة ... والجرأة الادبية ... والعفاف ... والكرم ... والوفاء ... وحفظ الجوار ... واغاثة الملهوف ... والعفو عن المقدرة ... الى غير ذلك من الاخلاق الفاضلة ، والمزايا الحميدة ...
    فلما جاء الاسلام أبقى على هذه المزايا والشمائل ، وتعهدها واضاف اليها صفات جديدة ...
    كالتقى والايمان ... والورع ... والتدين وكان الاسلام حريصاً على مكارم الاخلاق كما ورد في الحديث الشريف عن الرسول الاعظم (ص) « انما بعثت لأتم مكارم الاخلاق » .
    وحتى نتمكن من الاحاطة بما فعله الاسلام من تبديل وتطوير وتأثير على اخلاق المرأة وسير حياتها ، لا بد لنا من استعراض بعض مآثرها في النواحي الاجتماعية لتوضيح ما كان من سيرة حياتها في ذلك العهد .

    جهاد المرأة في الاسلام :
    لقد كانت الشجاعة في ايام الجاهلية عنوان القوم ، ومدار اهتمامهم ،


(235)
والمحور الذي تدور عليه مفاخرتهم واشعارهم وغزواتهم وحروبهم .
    ولما ظهر الاسلام بنور تعاليمه الساطعة ، انبرت المرأة للمساهمة بنصيبها الاكبر في الجهاد .
    فكانت مع الرجل جنباً الى جنب تروي ظمأه اذا عطش وتضمد جراحه اذا اصيب ، وتثير الحماس في رؤوس المقاتلين .
    واذا اضطرت للدفاع ، او تعرضت للاهوال ، وقفت وقفة الابطال ، واقبلت على محاربة الاعداء ، غير هيابة ولا وجلة ، بشجاعة وثبات ... و صلابة و عقيدة.
    في حين نرى ان بعض الرجال البارزين ، يعجز ... أو يهاب ان يقف موقفها .

    جهاد الهاشميات :
    ان جهاد بني هاشم في سبيل الاسلام معروف ومشهور لا ينكره احد .
    فكما كان للرجال جهاد ، كان للنساء مواقف سجلها التاريخ على صفحاته وفي مقدمة النساء كن الهاشميات فقد ساهمن في سبيل الدفاع عن الاسلام ، واعلاء كلمته ما وسعهن المساهمة . سواء بالشجاعة والاقدام ... او بالخطب والكلام . واولهن الصحابية الجليلة سليلة البيت الهاشمي الرفيع . « صفية بنت عبد المطلب عمة الرسول » .


(236)
صفية بنت عبد المطلب :
    لقد حدثنا التاريخ عن بطولة وجهاد سيدة عظيمة هي صفية بنت عبد المطلب بن هاشم ( عمة الرسول ) .
    ذكر ابن هشام في سيرته (2) .
    « كان رسول الله (ص) ، اذا خرج لقتال عدوه ، اصطحب بعض نسائه معه ، ففي غزوة ( الخندق ) رفع ازواجه ونساءه في حصن حسان بن ثابت ، وكان من احصن آكام المدينة .
    فمر رجل يهودي وجعل يطيف بالحصن ، وقد حاربت بنو قريظة ، وقطعت ما بينها وبين رسول الله (ص) والمسلمون في نحور عدوهم ، لا يستطيعون أن ينصرفوا الى ذلك الحصن إِن اتاه آت .
    فقالت صفية : يا حسان إن هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن ، واني والله ما آمنه ان يدل على عورتنا من ورائنا من يهود ، وقد شغل عنا رسول الله (ص) واصحابه ، فانزل اليه فاقتله .
    فقال حسان : يغفر الله لك يا بنت عبدالمطلب ! والله لقد عرفت ما انا بصاحب هذا .
(1) ذكر هذا الحديث جميع اهل التاريخ والسير ـ كالسيرة الحلبية ـ والسيرة النبوية لابن هشام ـ كتاب الدر المنثور لزينب فواز ـ اعلام النساء عمر رضا كحالة وغيرهم .


(237)
    فلما سمعت صفية كلام حسان ، قامت فأخذت عموداً ثم نزلت من الحصن الى ذلك اليهودي فضربته في العمود فقتلته .
    ثم رجعت الى الحصن فقالت : يا حسان . انزل اليه فاسلبه فإِنه لم يمنعني من سلبه إِلا أنه رجل .
    فقال لها حسان : « ما لي بسلبه من حاجة يا بنت عبد المطلب » .
    وتقول بعض المرويات : ان صفية لما قتلت اليهودي ، وقطعت رأسه ، قالت لحسان :
    « قم فأطرح رأسه على اليهود وهم أسفل الحصن » .
    فقال : والله ما أستطيع ذلك . قالت : فقمت فرميت رأسه على اليهود ، فأدهش ذلك اليهود وقالوا :
    « لقد علمن أن هذا ( محمداً ) لم يكن ليترك أهله خلواً ليس معهم أحد . فتفرقوا خائفين » .
    وهذه الراوية تشهد لصفية بنت عبد المطلب بالشجاعة الفائقة والاقدام على نصرة الاسلام .
    ولكنها لم تنقص من قدر حسان بن ثابت شاعر الرسول الأعظم (ص) ولم يكن خاملاً ...
    حسان بن ثابت ليس رجل حرب ... وليس بمقدوره مقارعة الفرسان ...
    بل إن جهاده في سبيل إِعلاء كلمة الحق ونشر راية الاسلام كان بشعره ولسانه وبيانه ... لا بسيفه ورمحه وسنانه .
    أجل إِن شاعر الرسول « حسان بن ثابت » وإن كان جباناً في القتال ،


(238)
لكن له مواقفه الجليلة ، حيث يصنع اللسان ما يعجز عنه السنان .
    ومما يروى عن الرسول الأعظم (ص) ، انه كان ينصب المنبر لحسان بيده الشريفة ويقول : « اللهمَّ أيد حساناً بروح القدس ... ما دافع عن رسولك » .
    ولحسان بن ثابت أشعار كثيرة في تأييد الرسول (ص) والرسالة وتأييد الوصية لعلي بن أبي طالب (ع) فمن ذلك قوله في يوم غدير خم .
ينـاديهم يوم الغديـر نبيهم فقال فمـن مولاكم ونبيـكم إلهك مولانـا وأنت نبينـا فقال له : قم يا علـي فإِنني فمن كنت مولاه فهذا وليـه هناك دعا اللهمَّ وال وليـه بخـم واسمـع بالنبـي مناديـا فقالوا ولم يبدوا هنـاك التعاميـا ولم تلق منا في الولايـة عاصيا رضيتك من بعدي إماماً وهادياً فكونوا له أتبـاع صدق مواليـا وكن للذي عادى علياً معاديـا
    « وشهدت صفية ( عمة الرسول ) غزوة ( أحد ) ولما انهزم المسلمون قامت وبيدها رمح تضرب في وجوه الناس وتقول :
    انهزمتم عن رسول الله ؟!
    فلما رآها رسول الله (ص) قال لابنها الزبير بن العوام : إلقها فارجعها حتى لا ترى ما بشقيقها الحمزة بن عبد المطلب . فلقيها الزبير فقال لها : يا أماه ... إِن رسول الله (ص) يأمرك أن ترجعي ، فقالت : ولمَ ؟.. فقد بلغني أنه مثل بأخي « حمزة » وذلك في الله عز وجل قليل ، فما أرضانا بما كان من ذلك . لأحتسبن ولأصبرن إنشاء الله تعالى .
    فلما جاء الزبير رسول الله (ص) فأخبره بذلك قال : خل سبيلها .


(239)
فأتت صفية الحمزة ، فنظرت اليه ، وصلت عليه ، واسترجعت ، واستغفرت له .
    ثم أمر رسول الله (ص) به فدفن (1) وقالت تبكي أخاها الحمزة وترثيه .
أسائلة أصحاب أحـد مخـافـة دعاه إله الحق ذو العرش دعوة فواللّه لا أنساك ماهبت الصبا فيا ليت شلوي عند ذاك واعظمي بنات ابي مـن أعجـم وخبيـر الـى جنـة يحيـا بها وسرور بكاء وحزناً محضري ومسيري لدى أضبع تعتـادنـي ونسـور
    كانت صفية شجاعة مقدامة ، عملت جهدها في سبيل نصرة الاسلام والمسلمين ، وتوفيت رحمها الله في سنة عشرين للهجرة ، ودفنت في البقيع .

(1) أمر رسول الله (ص) بدفن عمه الحمزة رضي الله عنه حيث قتل ولا يزال قبره الى الآن عند جبل احد .
    وأحد ـ جبل قرب المدينة المنورة . دارت قربه المعركه المشهورة ـ بوقعة احد .



(240)
فاطمة بنت اسد بن هاشم
    سيدة جليلة حافظت على رسول الله (ص) حفاظ الصدر على جنانه ، والطرف على إِنسانه ، كانت تؤثره عليه الصلاة والسلام على أولادها ، وترعاه بعناية تامة ، وتحنو عليه أكثر من حنو الوالدة على رضيعها .
    لذلك نرى النبي (ص) قابل صنيعها الجميل ، وما قامت به من خدمات أحسن مقابلة .
    روي عن الرسول (ص) لما توفيت فاطمة بنت اسد بن هاشم (1) زوجة أبي طالب ، ووالدة علي أمير المؤمنين (ع) كفنها رسول الله (ص) في قميصه وصلى عليها ، وكبر عليها سبعين تكبيرة ، ونزل في قبرها فجعل يومي في نواحي القبر كأنه يوسعه ، ويسوي عليها ، وخرج من قبرها وعيناه تذرفان . وجثا في قبرها ، فلما ذهب قال له عمر بن الخطاب :
    يارسول الله رأيتك فعلت على هذه المرأة شيئاً لم تفعله على أحد ؟ فقال : يا عمر إن هذه المرأة كانت بمنزلة امي التي ولدتني .
(1) ذكر السيد الامين في كتابه أعيان الشيعة ـ أن فاطمة بنت اسد سبقت الى الاسلام وهاجرت الى المدينة في أول الهجرة . وروى الحاكم في المستدرك قال : كانت فاطمة بنت اسد اول هاشمية ولدت من هاشمي ، وكانت بمحل عظيم من الإيمان ، في عهد رسول الله وتوفيت في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .