(241)
    إن أبا طالب كان يصنع الصنيع وتكون له المأدبة ، وكان يجمعنا على طعامه ، فكانت هذه المرأة تفضل منه كله نصيباً فأعود فيه .
    روى صاحب أعلام النساء : أن فاطمة بنت أسد لما توفيت بالمدينة ، ألبسها رسول الله (ص) قميصه ، واضطجع معها في قبرها ، فقالوا : ما رأيناك صنعت ما صنعت بهذه ؟
    فقال : إِنه لم يكن أحد بعد ابي طالب أبر بي منها ، إِنما البستها قميصي لتكتسي من حلل الجنة ، وأضطجعت معها ليهون عليها الحساب (1) .

    أروى بنت الحارث بن عبد المطلب بن هاشم :
    كانت أروى مثال المرأة المسلمة ، جاهدت في سبيل الله بلسانها وبيانها ، في كل دور من أدوار الإسلام الذي مرَّ عليها ، ولم تأل جهداً في أداء النصيحة وإرشاد الناس الى سلوك طريق العدل والانصاف ، وإرجاع كل ذي حق حقه ، بكل ما تقدر عليه ، غير هيابة ولا وجلة ، لا تأخذها في الله لومة لائم .
    ولا غرابة فقد كانت السيدة أروى فريدة زمانها ، وبليغة عصرها إذا خطبت أعجزت ، وإن تكلمت أوجزت لإنها إبنة البلاغة ومعدن الفصاحة .
    ومن جملة نصحها للإسلام ، وإرجاع الحق الى أهله ، دخولها على معاوية بن أبي سفيان وهو في أبهة سلطانه ، وشموخه بأنفه بين أعوانه .
(1) ذكر صنيع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اكثر المؤرخين وأصحاب السير ، كالسيد الامين في ايمان الشيعة وعمر رضا كحالة في أعلام النساء والسيد علي فضل الله الحسني في كتابه الاخلاق الاسلامية وغيرهم .
المرأة في ظل الإسلام (16)


(242)
    دخلت عليه تؤنبه وتقرعه لتنكبه جادة الحق ، وسلوكه طريق الباطل واغتصابه الخلافة من أهلها الشرعيين .

    حديث اروى بنت الحارث بن عبد المطلب مع معاوية :
    ذكر ابن طيفور مروياً عن أنس بن مالك قال :
    « دخلت أروى بنت الحارث بن عبد المطلب ، على معاوية بن أبي سفيان بالموسم ، وهي عجوز كبيرة ، فلما رآها قال : مرحباً بك يا عمة قالت :
    كيف أنت يا ابن أخي ، لقد كفرت بعدي بالنعمة ، وأسأت لابن عمك الصحبة ، وتسميت بغير اسمك . وأخذت غير حقك ، بغير بلاء كان منك ولا من آبائك في الإسلام .
    ولقد كفرتم بما جاء به محمد (ص) ، فأتعس الله منكم الجدود ، وأسعر منكم الخدود ، حتى رد الله الحق الى أهله ، وكانت كلمة الله هي العليا ونبينا محمد (ص) هو المنصور على من ناواه ولو كره المشركون .
    فكنا أهل البيت أعظم الناس في الدين حظاً ونصيباً وقدراً حتى قبض الله نبيه (ص) مغفوراً ذنبه مرفوعاً درجته شريفاً عند الله مرضياً ، فصرنا أهل البيت منكم بمنزلة قوم موسى من آل فرعون يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم .
    وصار ابن عم سيد المرسلين فيكم بعد نبينا بمنزلة هارون من موسى حيث يقول : « يا ابن ام إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني » ولم يجمع بعد رسول الله (ص) لنا شمل ، ولم يسهل لنا وعر ، وغايتنا الجنة ، وغايتكم النار .
    قال عمرو بن العاص : أيتها العجوز الضالة أقصري من قولك وغضي من


(243)
طرفك ، قالت : ومن أنت لا أمَّ لك قال : عمرو بن العاص . قالت : يا ابن اللخناء النابغة ، اتكلمني ..! اربع على ظلعك ، وأعن بشأن نفسك ، فوالله مما أنت من قريش في اللباب من حسبها ، ولا كريم منصبها ، ولقد ادعاك ستة من قريش كلهم يزعم أنه ابوك ، ولقد رأيت امك أيام منى مع كل عبد عاهر ( أي فاجر ) فأتمَّ بهم فإنك بهم أشبه .
    فقال مروان بن الحكم : أيتها العجوز الضالة ، ساخ بصرك مع ذهاب عقلك ، فلا تجوز شهادتك ، قالت : يا بني أتتكلم ! فوالله لأنت إلى سفيان بن الحارث بن كلدة أشبه منك بالحكم ، وإنك لشبهه في زرقة عينيك وحمرة شعرك مع قصر قامته ، وظاهر دمامته ، لقد رأيت الحكم ماد القامة ظاهر اللامة سبط الشعر ، وما بينكما من قرابة إلا كقرابة الفرس الضامر من الأتان المقرب ، فاسأل امك عما ذكرت لك فإنها تخبرك بشأن ابيك إن صدقت .
    ثم التفتت إلى معاوية فقالت : والله ما عرضني لهؤلاء غيرك ، وإن أمك القائلة في يوم أحد في قتل حمزة رحمة الله عليه :
نحـن جزينـاكم بيـوم بـدر ما كان عن عتبة لي من صبر شفيت وحشـي غليل صدري فشكر وحشـي علي عمـري والحرب يوم الحرب ذات سعر أبـي وعمي وأخي وصهري شفيت نفسي وقضيت نـذري حتى تغيب أعظمي في قبري
    فأجبتها بقولي :
يا بنت رقّاع عظيم الكفر صبحك الله قبيل الفجـر بكل قطاع حسام يفـري خزيت في بدر وغير بدر بالهاشميين الطوال الزهـر حمزة ليثي وعلي صقري


(244)
إذ رام شبيب وأبوك غدر هتَّكَ وحشي حجاب الستر أعطيت وحشياً ضمير الصدر ما للبغايـا بعدها مـن فخـر
    فقال معاوية لمروان وعمرو : ويلكما أنتما عرضتماني لها ، وأسمعتماني ما أكره .
    ثم قال لها : يا عمة اقصدي قصد حاجتك ، ودعي عنك أساطير النساء . قالت : تأمر لي بألفي دينار ، وألفي دينار ، وألفي دينار .
    قال : ما تصنعين يا عمة بألفي دينار ؟ قالت : أشتري بها عيناً خرخارة ، في أرض خوارة تكون لولد الحارث بن عبد المطلب .
    قال : نعم الموضع وضعتها ، فما تصنعين بألفي دينار ؟ قالت : ازوج بها فتيان عبد المطلب من أكفائهم ...
    قال : نعم الموضع وضعتها ، فما تصنعين بألفي دينار ؟
    قالت: أستعين بها على عسر المدينة ، وزيارة بيت الله الحرام .
    قال : نعم الموضع وضعتها ، هي لك نعم وكرامة .
    ثم قال : أما والله لو كان علي ما أمر لك بها ..
    قالت : صدقت إن علياً أدَّى الأمانة ، وعمل بأمر الله وأخذ به ، وأنت ضيعت أمانتك وخنت الله في ماله ، فأعطيت مال الله من لا يستحقه وقد فرض الله في كتابه الحقوق لأهلها ، وبينها فلم تأخذ ، ودعانا ( أي علي ) الى أخذ حقنا الذي فرض الله لنا . فشغل بحربك عن وضع الامور مواضعها ، وما سألتك من مالك شيئاً فتمنَّ به ، إنما سألتك من حقنا ، ولا نرى أخذ شيء غير حقنا .
    أتذكر علياً فضَّ الله فاك ... وأجهد بلاءك ، ثم علا بكاؤها وقالت :


(245)
ألا يا عيـن ويحك أسعدينـا رزينا خير من ركب المطايا ومن لبس النعال او احتذاها إذا استقبلت وجه ابي حسن ولا واللّه لا أنسى عليــاً أفي الشهر الحرام فجعتمونا ألا وابكـي أمير المؤمنينـا وفارسها ومن ركب السفينا ومن قرأ المثاني والمئينـا رأيت البدر راع الناظرينـا وحسن صلاته في الراكعينا بخير الناس طرّاً أجمعينـا (1)
    وفي رواية : قال لها معاوية : عفا الله عما سلف يا خالة ، هاتِ حاجتك .
    قالت : مالي إليك حاجة ، وخرجت عنه .
    فقال معاوية لأصحابه : والله لو كلمها من في مجلسي جميعاً ، لأجابت كل واحد بغير ما تجيب به الآخر . وإِن نساء بني هاشم لأفصح من رجال غيرهم .

(1) بلاغات النساء لابن طيفور والعقد الفريد لابن عبد ربه الاندلسي وغيرهما .


(246)
مساهمة المرأة في نصرة الاسلام
    لقد سارعت المرأة إلى نصرة الإسلام ، مندفعة بكل ما تملكه من شجاعة وإقدام وتضحية في سبيل الدين والعقيدة .
    ولا بأس بأن نذكر بعض النساء اللواتي ساهمن مساهمة فعالة ، في نصرة الحق والدفاع عنه ، بما يتلاءم مع كيانهن وطبيعتهن ، وذلك ضمن نطاق الحشمة والأدب والشرع الشريف .

أم رعلة القشيرية :
    « سيدة من ربات الفصاحة والبلاغة . وفدت على النبي (ص) فقالت : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ... أنا من ذوات الخدور ، ومحل ازر البعول ، ومربيات الأولاد ، وممهدات المهاد ، ولا حظّ لنا في الجيش الأعظم ، فعلمنا شيئاً يقربنا من الله عز وجل .
    فقال لها النبي (ص) : عليكن بذكر الله عز وجل آناء الليل وأطراف النهار ، وغض البصر وخفض الصوت .
    ثم أقبلت بعد وفاة النبي (ص) الى المدينة فحزنت عليه حزناً شديداً وأخذت بالحسن والحسين تطوف بهما بأزقة المدينة ، وهي تبكي بكاءً مراً ، وترثيه برثاءٍ مؤلم منه :


(247)
يا دار فاطمة المعمور ساحتها هيجت لي حزناً حييت من دار
فهاجت المدينة لمأتمها ، فلم يبق دار من دور الأنصار إلا وأهلها يبكون (1) .

ام ورقة بنت عبد الله بن الحارث الانصارية :
    كانت من فواضل نساء عصرها ، وكان رسول الله (ص) يزورها ويسميها الشهيدة . ولما غزا رسول الله بدراً قالت له : إِيذن لي أن اخرج معكم ، أداوي جراحكم ، وأمرض مرضاكم ، لعل الله يهدي إِلي الشهادة .
    فقال لها رسول الله (ص) : إن الله يهديك الشهادة ، وقري في بيتك فإنك شهيدة ...
    وكانت جمعت القرآن فأمرها النبي (ص) أن تؤم أهل دارها ، وكان لها مؤذن ... وكانت تؤم أهل دارها ، حتى قتلت ... فقالوا : صدق رسول الله ... إِنها شهيدة (2) .

سبيعة بنت الحرث الاسلمية :
    قال ابن عباس : (3) صالح رسول الله (ص) بالحديبية مشركي مكة ، على من اتاه من اهل مكة ، رده عليهم ، ومن اتى اهل مكة من اصحاب رسول الله (ص) فهو لهم ، ولم يردوه عليه . وكتبوا بذلك كتاباً ، وختموا عليه .
    فجاءت سبيعة بنت الحرث الأسلمية ، مسلمة بعد الفراغ من الكتاب ،
(1) الاصابة لابن حجر ـ وأعلام النساء لعمر رضا كحالة وغيرهما .
(2) طبقات ابن سعد الكبرى ـ تهذيب التهذيب لابن حجر .
(3) عن مجمع البيان في تفسير القرآن ـ للطبرسي .



(248)
والنبي (ص) بالحديبية ، فأقبل زوجها مسافر من بني مخزوم قال مقاتل هو « صيف بن الراهب » في طلبها وكان كافراً فقال :
    يا محمد اردد علي امرأتي ... فإِنك قد شرطت لنا ، ان ترد علينا من اتاك منا ، وهذه طينة الكتاب لم تجف بعد ... فنزلت الآية :
    « يا أيها الذين آمنوا إِذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإِيمانهن فإِن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن الى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إِذا آتيتموهن اجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا ما انفقتم وليسألوا ما انفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم » (1) .
    قال ابن عباس : إِذا جاءكم المؤمنات مهاجرات من دار الكفار ، الى دار الإسلام ، فامتحنوهن ... امتحانهن أن يستحلفن ، ما خرجت من بغض زوج ، ولا رغبة عن ارض الى ارض ، ولا التماس دنيا ، وما خرجت إلا حباً لله ورسوله .
    فاستحلفها رسول الله (ص) : ما خرجت بغضاً لزوجها ، ولا عشقاً لرجل منا ، و لا خرجت إلا رغبة في الإسلام .
    فحلفت ... بالله الذي لا إله إلا هو ... على ذلك فأعطى رسول الله (ص) زوجها مهرها ، وما أنفق عليها ، ولم يردها عليه .

ام كلثوم بنت عقبة :
    قال الجبائي : (2) إن ام كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ، جاءت مسلمة ،
(1) سورة الممتحنة ـ آية ـ 10 .
(2) مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي .



(249)
مهاجرة من مكة ، فجاء اخواها الوليد ... وعمارة ، الى المدينة فسألا رسول الله ردها عليهما .
    فقال رسول الله (ص) ان الشرط بيننا في الرجال لا في النساء . فلم يردها عليهما .
    قال الجبائي : وإنما لم يجر هذا الشرط في النساء ، لأن المرأة إذا اسلمت ، لم تحل لزوجها الكافر !! فكيف ترد عليه وقد وقعت الفرقة بينهما .

زينب بنت رسول الله (ص) :
    قال الشعبي : (1) كانت زينب بنت رسول الله (ص) امرأة أبي العاص بن الربيع ، فأسلمت ، ولحقت بالنبي (ص) في المدينة .
    وأقام ابو العاص مشركاً بمكة ، ثم أتى الى المدينة فأمنته زينب ، ثم أسلم فردها عليه رسول الله (ص) .
    وقال الجبائي : لم يدخل في شرط صلح الحديبية ، إلا رد الرجال دون النساء المسلمات ، ولحقن بالرسول (ص) ، أمثال : أروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، وأميمة بنت بشر وغيرهن كثيرات مما يضيق المجال عن ذكرهن .

ام رميثة بنت عمر بن هاشم بن عبد المطلب :
    مجاهدة جليلة ، وسيدة عاقلة ، اسلمت ، وبايعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتح خيبر ، وأطعمها رسول الله أربعين وسقاً تمراً وخمسة اوسق شعير (2) .
(1) مجمع البيان في تفسير القرآن ـ للطبرسي .
(2) سيرة ابن هشام ـ تاريخ الطبري ـ الإصابة لابن حجر .



(250)
ام حكيم بنت الحارث المخزومية :
    مجاهدة جليلة ، أسلمت يوم الفتح ، واستأمنت لزوجها عكرمة بن ابي جهل ، فأمنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخرجت في طلبه وقد هرب الى اليمن فأدركته في ساحل من سواحل تهامة وقد ركب البحر . فجعلت تصيح إليه وتقول :
    يا ابن عم ، جئتك من أوصل الناس ، وأبر الناس ، وخير الناس ، لا تهلك نفسك ، وقد استأمنت لك منه ، فأمنك . فقال : أنتِ فعلت ذلك ؟ قالت : نعم أنا كلمته فأمنك . فرجع معها .
    ولما وصل عكرمة ، وانتهى الى باب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وزوجته معه ، فسبقته ، فاستأذنت على الرسول ، فدخلت وأخبرت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقدوم عكرمة ، فدخل عكرمة وأسلم .
    وشهدت أم حكيم وقعة اليرموك (1) وأبلت فيها بلاءً حسناً فقاتلت فيها أشد القتال .
    وفي وقعة مرج الصغر ، خرجت بعمود الفسطاط ، فقتلت سبعة من الروم (2) .

    ام حبيب بنت العاص القرشية :
    مجاهدة جليلة ، أدركت عصر النبي ، ولها صحبة ، وشهدت اليرموك ، وحرضت الرجال على القتال ، لما شدَّ طرف من الروم على عمرو بن العاص ، فانكشف هو وأصحابه ، حتى دخلوا أول المعسكر وهم في ذلك يقاتلون ويشدون .
(1) اليرموك : وادٍ بناحية الغور ـ ومرج الصغر واقع بنواحي دمشق .
(2) تاريخ الطبري ـ طبقات ابن سعد ـ سيرة ابن هشام .