مفاهيم القرآن ـ جلد الأول ::: 341 ـ 350
(341)
    ففي هذه الآية نرى ـ لو أمعنا النظر ـ كيف بيّ ـ ن القرآن الكريم المقدّمات الطبيعية لنزول المطر والثلج من السماء من قبل أن يعرفها العلم الحديث ويطّلع عليها بالوسائل التي يستخدمها لدراسة الظواهر الطبيعية واكتشاف عللها ومقدماتها.
    فقبل أن يتوصل العلم الحديث إلى معرفة ذلك ـ بزمن طويل ـ سبق القرآن إلى بيان تلك المقدمات في عبارات هي :
    1. يزجي (يحرك) سحاباً.
    2. ثم يؤلّف (ويركب) بينه.
    3. ثم يجعله ركاماً (أي كتلة متراكمة متكاثفة).
    4. فترى الودق (أي المطر) يخرج من خلاله.
    5. يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار.
    وهكذا يصرح اللّه سبحانه في كل المراحل بتأثير الأسباب والعلل الطبيعية ، غاية ما هنالك أنّ تأثير هذه العلل والأسباب بإذن اللّه ومشيئته بحيث إذا لم يشأ هو سبحانه لتعطلت هذه العلل عن التأثير.
     ( اللّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مِنْ يَشَاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ). (1)
    وأية جملة أوضح من قوله : ( فَتُثِيرُ سَحَاباً ) أي الرياح ، فالرياح في نظر
    1 ـ الروم : 48.

(342)
القرآن هي التي تثير السحاب وتسوقه من جانب إلى جانب آخر.
    إنّ الإمعان في عبارات هذه الآية يهدينا إلى نظرية القرآن ورأيه الصريح حول « تأثير العلل الطبيعية بإذن اللّه ».
    ففي هذه الجمل جاء التصريح :
    1. بتأثير الرياح في نزول المطر.
    2. وتأثير الرياح في تحريك السحب.
    3. وانبساط السحب في السماء.
    4. وتجمع السحب ـ فيما بعد ـ على شكل قطع متراكمة.
    5. ثم نزول المطر بعد هذه التفاعلات والمقدمات.
    فإذا ينسب القرآن هذه الأفاعيل إلى اللّه في هذه الآيات عند تعرضه لذكر مراحل تكون المطر ونزوله بأنّه (هو) يبسط السحاب في السماء و (هو) الذي يجعله كسفاً ، فإنّما يقصد ـ من وراء ذلك ـ التنبيه إلى مسألة « التوحيد الافعالي » الذي سنبحثه من وجهة نظر القرآن في هذا الفصل وما بعده.
    على أنّ الآيات التي تؤكد دور العلل الطبيعية وتأثيرها المباشر ، وتعتبر العالم مجموعة من الأسباب والمسببات التي تعمل بإرادة اللّه وإذنه وتكون فاعليتها فرعاً من فاعلية اللّه ، أكثر من أن يمكن إدراجها هنا ، ولكننا نرى في ما ذكرنا الكفاية لمن تدبّر.
    هذا وقال أحمد أمين المصري : إنّ من الدائر على ألسنة الأزهريين :
    ومن يقل بالطبع أو بالعلّه فذاك كفر عند أهل الملّه


(343)
    وقال الزبيدي في إتحاف السادة (1) وهو شرح لإحياء العلوم :
    ثبت مما تقدم أنّ الإله هو الذي لا يمانعه شيء وإنّ نسبة الأشياء إليه على السوية ، وبهذا أبطل قول المجوس وكل من أثبت مؤثراً غير اللّه من علة أو طبع أو ملك أو أنس أو جن ، إذ دلالة التمانع تجري في الجميع ولذلك لم يتوقف علماء ما وراء النهر في تكفير المعتزلة حيث جعلوا التأثير للإنسان.
    هذا ، وقد تقرب الإمام الأشعري إلى أهل السنّة بنسبته فعل الشر إلى اللّه تعالى لمّا تاب عن الاعتزال ، فرقى يوم الجمعة كرسياً في المسجد الجامع بالبصرة ونادى بأعلى صوته : « من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي ، أنا فلان بن فلان ، كنت أقول بخلق القرآن وانّ اللّه لا يرى بالأبصار وانّ أفعال الشر أنا أفعلها وأنا تائب مقلع معتقد للرد على المعتزلة فخرج بفضائحهم ومعايبهم ». (2)
    ولا يخفى أنّ التوحيد الافعالي بهذا المعنى أي سلب العلية والتأثير عن أي موجود سواه استقلالاً وتبعاً وبالمعنى الاسمي والمعنى الحرفي جر الويل بل الويلات على أصحاب هذا الرأي من أهل السنّة فدخلوا في عداد الجبرية وان كانوا لا يقبلون بإطلاق هذا الاسم عليهم.
    غير انّ هذا الرأي الزائف لا ينتج غير الجبر والإلجاء في أفعال الإنسان ، ولذا رأينا أنّ الإمام الأشعري قد تاب عن قول : « إنّ أفعال الشر أنا أفعلها » ، وذلك حينما دخل في عقيدة السنّة ـ حسب رأي هـ .
    1 ـ اتحاف السادة : 2/135.
    2 ـ الفهرست لابن النديم : 257.


(344)
    ما معنى هذه الجملة التي ذكرها الإمام الأشعري في جملة عقائد أصحاب الحديث والسنّة إنّ سيئات العباد يخلقها اللّه عزّ وجلّ ، وإنّ العباد لا يقدرون أن يخلقوا منها شيئاً. (1)
    أو ليس هذا موجباً للغوية بعث الأنبياء والرسل ، ولغوية الحث على العمل الصالح والزجر عن غير الصالح.
    ونرى إمام الحنابلة يمشي على هذا الضوء فيفسر القضاء والقدر على نحو يساوي الجبر والحتم حيث يقول : القدر خيره وشره ، حسنه وسيئه من اللّه قضاء قضاه وقدر قدره لا يعدو واحد منهم مشيئة اللّه عز وجل والعباد صائرون إلى ما خلقهم له واقعون فيما قدر عليهم لأفعاله وهو عدل منه عزّ ربنا وجل والزناء والسرقة وشرب الخمر وقتل النفس وأكل المرء المال الحرام والشرك باللّه والمعاصي كلها بقضاء وقدر. (2)
    إنّ تفسير القضاء والقدر بهذا المعنى تشعب عن الفكرة الخاطئة من إنكار العلية والمعلولية في عالم الطبيعة مطلقاً وانّ الظواهر الطبيعية لا مصدر ولا منشأ لها إلاّ إرادته سبحانه من دون وساطة علة أو مشاركة سبب ، وهو ما عرفت بطلانه في الصفحات السابقة.
    وأمّا كشف النقاب عن حقيقة قضائه وقدره سبحانه مع شمولها لعامة الحوادث والظواهر الطبيعية والأفعال الإنسانية ، فقد أسهبنا فيه الكلام في بعض أبحاثنا الفلسفية. (3)
    1 ـ مقالات الإسلاميين : 1/321.
    2 ـ طبقات الحنابلة : 1/25.
    3 ـ راجع القضاء والقدر في العلم والفلسفة تأليف شيخنا الأُستاذ وتعريب محمد هادي الغروي طبع في بيروت 1399 هـ .


(345)
    وللعلاّمة الحجة السيد مهدي الروحاني مقال مسهب في المقام في كتابه « بحوث مع أهل السنّة والسلفية » فراجعه.

مذهب أئمة أهل البيت
    أقول : من جعل القرآن رائده وإمامه ، ونظر في آياته مجرّداً عن الميول والأفكار المسبقة ، يقف على أنّ كلا المذهبين (مذهب المعتزلة والأشاعرة) على جهتي الإفراط والتفريط ، فلا تفويض ولا جبر ، لا إشراك ولا ثنوية ولا اضطرار والجاء ، لا أنّ الممكن مستقل في فعله وتأثيره ، ولا هو منعزل عن فعله وأثره بتاتاً.
    إنّ كلا الرأيين والمذهبين لا يصدقهما القرآن ولا الدلائل العقلية الواضحة بل انّ هناك مذهباً ثالثاً أسماه أئمّة أهل البيت بالأمر بين الأمرين وهو الذي يرشدنا إليه التدبر في القرآن وبه يحافظ على التوحيد في الخالقة والفاعلية ، وانّه لا خالق مستقل إلاّ هو ، وعلى مشاركة العلل والأسباب مختارها ومضطرها في الفعل والأثر « فلا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين » وسيوافيك توضيح الفرق بين المذهبين والأمر بين الأمرين بطرح مثال بديع.
    ويمكن تلخيص التوحيد الافعالي في فصلين :
    1. انّه ليس في عالم الوجود إلاّ خالق أصيل ومستقل واحد ، وأمّا تأثير العلل الأُخرى وفاعليتها فليست إلاّ في طول خالقية اللّه وعلّيته وفاعليته ، ومتحقّقة بإذنه.


(346)
    2. انّه لا مدبر للعالم إلاّ « اللّه » ولا تدبير لغيره إلاّ بإذنه سبحانه وأمره.
    وأمّا القسم الأوّل فهو « التوحيد في الخالقية ».
    والقسم الثاني فهو « التوحيد في التدبير والربوبية ».
    وسيوافيك انّ « الرب » ليس بمعنى : الخالق ، بل بمعنى المدبر الذي وكل إليه أمر إصلاح فرد أو جماعة. (1)

التوحيد في الخالقية
    من مراجعة القرآن الكريم يتضح أنّ هذا الكتاب السماوي لا يعرف خالقاً مستقلاً أصيلاً إلاّ اللّه ، وأمّا خالقية ما سواه فهي في طول خالقيته وليس له استقلال في الخلق والإيجاد ، وإليك فيما يلي طائفة من الآيات التي تشهد بهذا الأمر : ( قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْء وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) . (2)
    ( اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْء وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيء وَكِيلٌ ) . (3)
    ( ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ خَالُقُ كُلِّ شَيْء لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ ) . (4)
    1 ـ قد فسر الوهابيون « الرب » بالخالق واعتبروا التوحيد في الربوبية والتوحيد في الخالقية قسماً واحداً ، في حين أنّ الربوبية لا تعني الخالقية ، بل تعني إدارة فرد أو جماعة وتدبير أُمورهم وسيأتي توضيح هذا القسم في المستقبل.
    2 ـ الرعد : 16.
    3 ـ الزمر : 62.
    4 ـ غافر : 62.


(347)
    ( ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْء فَاعْبُدُوهُ ). (1)
    ( هُوَ اللّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى ) . (2)
    ( أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْء ). (3)
    ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نَعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِق غَيْرُ اللّهِ ). (4)
    ( أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ). (5)
    ولا يمكن أن تكون هناك عبارات أوضح من هذه العبارات في إفادة المقصود وهو : أنّ كل الأشياء ـ بذاتها وآثارها ـ معلولة للّه ومخلوقة له سبحانه.
    فهو الذي خلق الشمس والقمر والنار ، وهو الذي أعطاها النور والضوء والحرارة ، وأقام ارتباطاً وثيقاً بين هذه الآثار وتلك الأشياء.
    وبالتالي فهو الذي أعطى للأسباب سببيّتها وللعلل علّيتها.
    إنّ القرآن يرى ـ بحكم نظرته الواقعية ـ بأنّ كل ما في هذه الحياة من سماء وكواكب وأرض وجبال وصحراء وبحر ، وعناصر ومعادن ، وسحاب ورعد وبرق وصاعقة ، ومطر وبرد ، ونبات وشجر ، وحجر وحيوان وإنسان ، وغيرها من الموجودات غير مستقلة في التأثير ، وإنّ كل ما ينتسب إليها من الآثار ليست لذوات هذه الأسباب ، وانّما ينتهي تأثير هذه المؤثرات إلى اللّه سبحانه.
    1 ـ الأنعام : 102.
    2 ـ الحشر : 24.
    3 ـ الأنعام : 101.
    4 ـ فاطر : 3.
    5 ـ الأعراف : 54.


(348)
    فجميع هذه الأسباب والمسببات رغم ارتباطها بعضها ببعض ـ بحكم العلية ـ فهي مخلوقة للّه جميعاً ، فإليه تنتهي العلية وإليه تؤول السببية وهو معطيها للأشياء.
    ولا شك أنّ البشر هو أيضاً ذو آثار وأفعال ، كالأكل والشرب والقيام والقعود وغيرها من الأفعال ، وكلّها مرتبطة بالإنسان نفسه ، فهي أفعاله الاختيارية التي يتعلّق بها الأمر والنهي.
    ولكنّه ليس مستقلاً في فعله وأثره ، فكما أنّ فعله يعد فعلاً له ومرتبطاً به ، فهكذا يعد فعله فعلاً للّه سبحانه ومرتبطاً به بحكم كون وجوده وما أُعطي من القوى والطاقات مستندة إلى اللّه سبحانه ، وعلى ذلك فلا يمكن أن يكون فعل العبد مرتبطاً بالعبد ومنقطعاً عن اللّه ، إذ كيف يكون ذات الشيء مرتبطاً ويكون فعله منقطعاً ، فإنّ غير المستقل بالذات غير مستقل في الفعل ، والمستقل في الذات مستقل في الفعل أيضاً.
    وبعبارة أُخرى : انّ المراد من كون أفعال العباد مخلوقة للّه ليس هو كونها فعلاً له سبحانه بلا مشاركة العبد ، بل المراد هو عدم استقلال العبد والعلل كلها في مقام الإنشاء والإيجاد وإلاّ لزم أن يكون في صفحة الوجود فاعلون مستقلون في الفعل والإيجاد وهو بمنزلة الشرك.
    وبذلك يرتفع الاستيحاش عن القول بأنّ أفعال العباد مخلوقة للّه ، إذ ليس المراد انّه سبحانه فاعل دونهم كما ليس المراد أنّها أفعال لهم دونه سبحانه ، بل هي أفعال له تعالى من جهة وأفعال لهم من جانب آخر.
    وقد أوضحه بعض المحقّقين بالمثال التالي الذي يوضح موقف كل من مذهبي الجبر والتفويض وما هو الحق من الأمر بين الأمرين ، فلنفرض أنّ إنساناً


(349)
أعطى لأحد سيفاً مع علمه بأنّه يقتل به نفساً ، فالقتل إذا صدر منه لا يكون مستنداً إلى المعطي بوجه ، فإنّه حين صدوره يكون أجنبياً عنه بالكلية غاية الأمر أنّه هيّأ بإعطائه السيف مقدمة إعدادية من مقدمات القتل ، وهذا واقع التفويض.
    كما أنّه لو شد آلة جارحة بيد الإنسان المرتعش بغير اختيار ، فأصابت الآلة من جهة الارتعاش نفساً فجرحته ، فالجرح لا يكون صادراً من ذاك الإنسان المرتعش ، بإرادته واختياره ، بل هو مقهور عليه في صدوره منه ، وهذا واقع الجبر وحقيقته.
    وإذا فرضنا أنّ يد الإنسان مشلولة لا يتمكّن من تحريكها إلاّ مع إيصال الحرارة إليها بالقوة الكهربائية ، فأوصل رجل القوة إليها بواسطة سلك يكون أحد طرفيه بيد المولى ، فاختار ذلك الإنسان قتل نفس والموصل يعلم بذلك ، فالفعل بما انّه صادر من الإنسان المشلول باختياره يعد فعلاً له ، وبما أنّ السلك بيد الموصل وهو الذي يعطي القوة للعبد آناً فآناً فالفعل مستند إليه ، وكل من الإسنادين حقيقي من دون أن يكون هناك تكلّف أو عناية ، وهذا هو واقع الأمر بين الأمرين ، فالأفعال الصادرة من المخلوقين بما أنَّها تصدر منهم بالإرادة والاختيار ، فهم مختارون في أفعالهم; وبما أنّ فيض الوجود والقدرة والشعور من مبادئ الفعل يجري عليهم من قبل اللّه تعالى آناً فآناً ، فأفعالهم منتسبة إلى خالقهم. (1)
    إنّ هناك طائفة من الآيات القرآنية تبيّن هذه الحقيقة بنحو آخر وهو أنّه ليس اللّه تعالى خلق الأشياء فقط ، بل هو الذي قدر تأثير كل شيء وخلق له
    1 ـ أجود التقريرات : 1/90.

(350)
« حدوداً » خاصة ، وغايات معينة مثل قوله تعالى : ( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْء فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ). (1)
    ( رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْء خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) . (2)
    ( الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ). (3)
    هذه الآيات وما قبلها تبيّن « التوحيد الخالقي » بوضوح ولا تعترف بخالق أصيل ومستقل إلاّ اللّه ، كما أنّها لا تعترف بمقدّر أصيل للأشياء وهاد واقعي لها غيره سبحانه.

ما هو معنى الخالقية؟
    ماذا يراد من أنّ اللّه سبحانه هو الخالق الوحيد وانّ الذوات والأشياء وما يتبعها من الأفعال والآثار حتى الإنسان وما يصدر منه ، مخلوقات للّه سبحانه بلا مجاز ولا شائبة عناية؟
    إنّ الوقوف على تلك الحقيقة القرآنية يتوقف على تحليل معنى الخلق لغة واستعمالاً.
    إنّ لفظة « الخلق » تارة يراد منها « التقدير » وأُخرى الإبداع والإيجاد ، والميزان في ذلك هو إنّه إذا قيل : خلق هذا من ذاك وذكرت معه المادة القابلة للصياغة والتصوير و النحت و التكوين يراد منه التقدير ، قال سبحانه حاكياً عن سيدناالمسيح ( عليه السَّلام ) : ( أَنِّي أخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهِيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً
    1 ـ الفرقان : 2.
    2 ـ طه : 50.
    3 ـ الأعلى : 2 ـ 3.
مفاهيم القرآن ـ جلد الأول ::: فهرس