مفاهيم القرآن ـ جلد الأول ::: 411 ـ 420
(411)
    ( لَو كانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ). (1)
    ( وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِله إذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِله بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضَهُمْ عَلَى بََعْض سُبْحَانَ اللّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) . (2)
    وإليك مجموع شقوق البرهان :
    إنّ تصوّر تعدّد المدبِّر لهذا العالم يكون على وجوه :
    1. أن يتفرد كل واحد من الآلهة المدبِّرة بتدبير مجموع الكون باستقلاله بمعنى أن يعمل كل واحد ما يريده في الكون دونما منازع ، ففي هذه الصورة يلزم تعدد التدبير لأنّ المدبِّر متعدّد ومختلف في الذات ، فيلزم تعدد التدبير ، وهذا يستلزم طروء الفساد على العالم وذهاب الانسجام المشهود ، وهذا ما يشير إليه قوله سبحانه : ( قُلْ لَو كانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ).
    2. وأمّا أن يدبِّر كل واحد قسماً من الكون الذي خلقه وعندئذ يجب أن يكون لكل جانب من الجانبين نظام مستقل خاص مغاير لنظام الجانب الآخر وغير مرتبط به أصلاً ، وعندئذ يلزم انقطاع الارتباط وذهاب الانسجام من الكون ، في حين أنّنا لا نرى في الكون إلاّ نوعاً واحداً من النظام يسود كل جوانب الكون من الذرة إلى المجرة.
    1 ـ الأنبياء : 22.
    2 ـ المؤمنون : 91.


(412)
    وإلى هذا الشق أشار بقوله : في الآية الثانية : ( إذَنْ لَذَهَبْ كُلُّ إِله بِمَا خَلَقَ ).
    3. أن يتفضّل أحد هذه الآلهة على البقية ويكون حاكماً عليهم ويوحّد جهودهم ، وأعمالهم ويسبغ عليها الانسجام والاتحاد ، وعندئذ يكون الإله الحقيقي هو هذا الحاكم دون الباقي.
    وإلى هذا يشير قوله سبحانه : ( وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض ) فتلخّص أنّ الآيتين بمجموعهما تشيران إلى برهان واحد ذي شقوق تتكفل كل واحدة منهما بيان شق خاص.
    ثمّ إنّ العلاّمة الطباطبائي اعتبر في تفسيره القيم ـ الميزان ـ الآية الثانية برهاناً مستقلاً عن الآية الأُولى وجعل كل جملة منها مشيرة إلى برهان خاص ، وإليك توضيح ما أفاده في كتابه :
توضيح البرهان الأوّل
    إذا افترضنا أنّ للكون خالقين وأنّ العالم مخلوق لإلهين ، فإنّه لا بد أن نقول ـ وبحكم كونهما اثنين ـ أنّهما يختلفان عن بعض في جهة أو جهات ، وإلاّ لما صحت الاثنينية والتعدد أي لما صح ـ حينئذ ـ أن يكونا اثنين دون أن يكون بينهما أي نوع من الاختلاف.
    ومن المعلوم أنّ الاختلاف في الذات سبب للاختلاف في طريقة التدبير والإرادة بين المختلفين ذاتاً.
    فإذا كان تدبير العالم العلوي ـ مثلاً ـ من تدبير واحد من الإلهين وتدبير العالم السفلي من تدبير إله آخر ، فإنّ من الحتمي أن ينفصم الترابط بين نظامي


(413)
العالمين ويزول الارتباط بينهما ، لأنّه من المستحيل أن يكون ارتباط ووحدة بين أجزاء عالم واحد يدار بتدبيرين متنافيين متضادين.
    وينتج من ذلك التفكك بين جزئي العالم ، وبالتالي فساد الكون بأسره من سماوات وأرض وما بينهما.
    لأنّنا جميعاً نعلم بأنّ بقاء النظام الكوني ـ حسب التحقيقات العلمية ـ ناشئ من الارتباط الحاكم على أجزاء المنظومة الشمسية بحيث لو فقد هذا الارتباط على أثر الاختلاف في التدبير ـ مثل أن تختل قوتا الجذب والدفع ـ لتعرض الكون بأسره للخلل ولم يبق للكون وجود ولا أثر.
    ولقد أشار القرآن الكريم إلى هذا البرهان بالعبارة التي يقول فيها : ( إذاً لَذَهَبَ كُلُّ إله بِمَا خَلَقَ ).
    أي أنّ كل إل هـ في صورة التعدّد ـ يدبِّر مخلوقه حسب طريقته الخاصة ، وعلى أثر تعدّد التدبير يزول الارتباط والترابط الحاكم على أجزاء الكون ، ذلك الترابط الذي هو علّة بقاء النظام الكوني وعلّة استمراره واستقامته ، وثباته على النمط الذي هو عليه.
توضيح البرهان الثاني
    إنّ في عالم الكون سلسلة من النظم والسنن الكونية الكلية والعامة التي يوجد بينها سلسلة من النظم الجزئية ، التي تدار في خلالها وأثنائها.
    فالإنسان والحيوان والنبات وما يعيش على الأرض ذوات أنظمة صغيرة محدودة خاصة بها ، وهي جزء من النظام الكلي للكرة الأرضية.


(414)
    ولكن النظام الكلي للكرة الأرضية هو بدوره يعد جزءاً من النظام الكلي للعالم ، وبهذه النسبة يكون وضع نظام المجموعة الشمسية إذا ما قورن إلى نظام المجرة.
    فإذا كان النظام العالي الكلّي للكون مرتبطاً بأحد الإلهين ومحكوماً لتدبيره دون الآخر ، ففي هذه الصورة سيتعالى مدبّر النظام الكلي على مدبِّر النظام الذي يندرج فيه بحيث إذا ذهب وانتفى النظام الكلي لم يبق للنظام الجزئي المندرج فيه أي أثر.
    فمثلاً إذا بطل نظام الكرة الأرضية ، فإنّه يبطل ـ بالضرورة ـ نظام الإنسان والحيوان وبقية الأحياء ويتعرض أمرهم للزوال والفناء والخطر ، بحكم التبعية والارتباط بينهما.
    وإذا تعرض النظام الكلي للمنظومة الشمسية للخلل فإنّ من القطعي أن يختل كذلك النظام الجزئي للمنظومة مثل نظام الكرة الأرضية على أثر ذلك ، ولا يصح العكس طبعاً (1).
    وفي هذه الحالة يصح (بحكم تفوق النظام العالي الكلي على النظام الجزئي السفلي) أن يقال أنّ مدبِّر النظام العلوي يتفضّل ويستعلي ويتفوّق على مدبِّر النظام السفلي الجزئي ، وتكون نتيجة هذا الفرض أن يستغني مدبِّر النظام العلوي الكلي عن مدبِّر النظام السفلي الجزئي ، بينما يستلزم أن يكون مدبّر النظام السفلي الجزئي محتاجاً في إرادته وتدبيره لمخلوقه للمدبِّر الأعلى.
    لأنّ الفرض أنّ النظام السفلي مرتبط ـ كمال الارتباط ـ بالنظام العلوي
    1 ـ لأنّ فساد الكل يستتبع فساد الجزء.

(415)
ويستمد من الأخير دائماً ، ومعلوم أنّ نتيجة هذا الاستمداد هو أن لا يكون موجد النظام السفلي ، مستقلاً في تأثيره وتدبيره ، بل يكون معتمداً على غيره دائماً وأبداً.
    ومن البديهي أنّ الموجود المحتاج إلى غيره في التدبير والإيجاد لا يمكنه أن يكون « الإله الغني ».
    إنّ القرآن الكريم يشير إلى هذا النحو من الاستدلال بالجملة التالية : ( وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض ).
    وعلّة هذا العلو والاستعلاء هو اعتماد تدبير أحدهما على تدبير الآخر بحيث لو اختل أو انتفى التدبير الكلي العلوي لانتفى التدبير السفلي الجزئي ولم يعد له أثر ولا خبر ، ولا ريب أنّ تفوق التدبير مستلزم لتفوق المدبِّر وعلوه. (1)

سؤال وجواب
    نرى في قوله سبحانه : ( وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وإنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً * مَا أَصابَكَ مِنْ حَسَنَة فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَة فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً ). (2)
    إنّ الآية الأُولى تنسب كلاّ من الحسنة والسيئة إلى اللّه ، وفي الوقت نفسه
    1 ـ قد تقدم في صفحة 403 الاستدلال بمضمون الآية الأُولى على « وحدة المدبر » غير أنّ الاستدلال هنا يكون بنفس هذه الآية منضمة إلى آية أُخرى ، وجعل الآيتين بمنزلة برهان واحد ذي شقوق تتكفل الآيتان بيان شقوق البرهان.
    2 ـ النساء : 78 ـ 79.


(416)
تنسب الآية الثانية الحسنة إليه سبحانه والسيئة إلى نفس الإنسان ، فكيف تجتمع هاتان النسبتان؟
    والخطاب في الآية الثانية وإن كان للنبي إلاّ أنّ الغاية منه أعم ، فهو وإن كان قد خوطب بالكلام ، ولكن المقصود الناس جميعاً ، وعندئذ ينطرح هذا السؤال : إذا كان المؤثر الحقيقي في العالم هو اللّه سبحانه وكان تأثير غيره منوطاً بإذنه ومشيئته وقدرته وأقداره ، كما يفيده قوله سبحانه : ( قُلْ كُلٌّ مِنْ عِندِ اللّهِ ) ، لأجل أنّ للحسنة والسيئة عوامل وعللاً تنتهي إلى اللّه سبحانه وتقوم به ، فيكون الكلّ مستنداً إليه ، ومعه كيف يستدرك في الآية الثانية ويقرن بين الحسنة والسيئة فينسب الأُولى إلى اللّه والثانية إلى نفس النبي وبالنتيجة إلى مطلق الإنسان ويقول : ( ومَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَة فَمِنْ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِئَة فَمِنْ نَفْسِكَ ) ؟ فهل هذا إلا تفكيك في الحوادث وجعل بعضها منتهياً إلى اللّه دون البعض الآخر.
الجواب
    إنّ المقصود من الحسنة في الآية ، الأُمور التي تلائم وتنطبق مع المزاج والمصالح البشرية بينما تكون السيئة عكس ذلك ، كما في قوله سبحانه : ( إِنْ تَمسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُم سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ). (1)
    وليس المراد منها الطاعة والمعصية ولا الثواب والعقاب بل الحوادث التي تعد خيراً أو شراً للإنسان طيلة حياته.
    إنّ بعض المنضمين إلى صفوف المؤمنين كانت ألسنتهم طويلة وعملهم
    1 ـ آل عمران : 120.

(417)
قليلاً ، فكانوا يتفلسفون ، فإنْ حصل نصر قالوا : هو من عند اللّه ، وإن كانت هزيمة قالوا إنّ سوء القيادة هو سبب الهزيمة.
    وبعبارة أُخرى قد كان المنافقون ـ لجهلهم بمعارف الكتاب العزيز ـ يعدون الظفر والغلبة في الحروب كحرب بدر ـ مثلاً ـ من اللّه ، والانكسار والهزيمة كحرب أُحد من النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ).
    ولم يكن هذا النوع من التفسير بجديد ، فقد سبقهم في ذلك أعداء موسى ، فقد كان منطقهم ، على شكل آخر ، فكانوا ينسبون الحسنة إلى أنفسهم والسيئة إلى موسى ومن معه.
    فإذا واجهوا نعمة كانوا يرون أنّ ذلك نتيجة صلاحيتهم ، وإذا واجهوا نقمة أو بلاء تشاءموا بموسيعليه السَّلام وتطيّروا به ، واعتبروا وجوده ووجود جماعته المؤمنين سبباً لنزول ذلك البلاء ، كما يقول سبحانه : ( فَإِذَا جَاءَتْهُمْ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هِذِهِ وِإنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَن مَعَهُ ). (1)
    ولكنَّ القرآن الكريم يواجه هذا الزعم الأعوج الذي تنسب فيه « الحسنات » تارة إلى اللّه و « السيئات » إلى النبي وأُخرى تنسب الحسنات إلى أنفسهم ، والسيئات إلى موسى ( عليه السَّلام ) ، فكأنّ هناك مؤثرين مستقلين في عالم الكون ، لكل واحد منهما خالق خاص ينافي الآخر ويقول في قبال هذا المنطق : ( قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ ).
    لأنّه ليس للعالم ـ بحكم التوحيد في الخالقية ـ إلاّ خالق واحد لا أكثر ،
    1 ـ الأعراف : 131.

(418)
وكل ما يحدث في هذا العالم من انتصارات أو هزائم وانكسارات ونزول نعم أو نقم ـ من حيث وجودها في الخارج ـ تكون من اللّه ، وليس من الصحيح أبداً أن نعتبر بعضها من جانب اللّه ، والبعض الآخر من جانب النبي أو غيره ، ولأجل هذا يقول القرآن ( قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ ).
    إلى هنا اتضح مفاد الآية الأُولى ، وبقي الكلام في الآية الثانية وإنّهكيفتعود فتنسب الحسنة إلى اللّه والسيئة إلى النبي ، والمراد منه مطلق الإنسان؟
    غير انّ الإجابة عنه واضحة ، بعد الوقوف على موضوع البحث فيهما فإنّ الآية الأُولى تركز على أنّ وجود الحسنة والسيئة من اللّه سبحانه ، ولا خالق ولا مؤثر في الوجود إلاّ هو ، وأمّا الآية الثانية فهي تركز على مناشئ الحسنة والسيئة ومنابعهما ، فتفرّق بين مناشئ الحسنة ومنابع السيئة بأنّ منشأ الأُولى هو اللّه سبحانه ، إذ هو مبدأ لكل خير وإليه يرجع كل فضل ومنه يفاض إلى الغير ، كما أنّ منابع السيئة هي الإنسان وأفعاله وخصاله التي يمشي عليها في حياته. إذا عرفت ذلك فنقول :
    السيئة ـ كالزلازل والبلايا والمصائب ـ بما أنّها ظاهرة طبيعية فوجودها من جانب اللّه سبحانه ، ولأجل ذلك نسبها القرآن إلى اللّه فقال : ( كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ ) وبما أنّ أعمالنا مؤثرة في نشوء تلك الظاهرة ، وكل إنسان مأخوذ بفعله فأعمالنا مبادئ لهذه الظواهر والطوارئ فنسب السيئة إلى نفس الإنسان فقال : ( وما أصابك من سيئة فمن نفسك ).
    ويؤيد ذلك قوله سبحانه : ( قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِى إِلَيَّ رَبِّي


(419)
إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ). (1)
    إنّه تعالى يأمر نبيه بأن يعترف بأنّ ضلالته من جانب نفسه وهدايته من جانب وحيه سبحانه ، وليس ذلك إلاّ لأنّ الضلالة مما ينشأ من موقف الإنسان نفسه في حياته ، فلأجل ذلك هي أولى بأن تنتسب إلى نفس الإنسان ، وأمّا الهداية فهي كالحسنة أولى بأن تنتسب إلى اللّه سبحانه.
    وليس هذا مخصوصاً بالحوادث الطارئة في عالم الطبيعة ، المذكورة ، بل كل إنسان رهين بآثار عمله ، فإنّ الشاب المدمن على الخمر ـ مثلاً ـ يجب بالبداهة أن ينتظر سلسلة من البلايا والمصائب والمحن ، والمدينة التي لا تبني السدود في وجه السيول يجب حتماً أن تنتظر الدمار والخراب ، والبيوت التي لا تبنى على أساس مقاومة الزلازل يجب حتماً أن تنتظر الخراب والدمار على أثر الزلازل.
    إنّ مثل هذه المجتمعات التي تقصر في هذه الأُمور لابد أن تكون في معرض المصائب والمحن والم آسي.
    ولهذا قال تعالى في الآية الثانية : ( مَا أَصابَكَ مِنْ حَسَنَة فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَة فَمِنْ نَفْسِكَ ) وهو بذلك يشير إلى ما قلناه.
    لقد كان الأنبياء ( عليهم السَّلام ) يذمّون من يتطيّر بهم ويتشاءم من وجودهم ويقولون : ( قَالُوا (أي الأنبياء) طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُم ) . (2)
    وهم بذلك يشيرون إلى أنّ علّة المحن والمصائب كامنة في نفس العصاة والمنكوبين ، وهو أمر ناشئ منهم ونابع من أعمالهم هم ، وأنّ داءهم فيهم ومنهم إن
    1 ـ سبأ : 50.
    2 ـ يس : 19.


(420)
كانوا يبصرون ويتذكرون.
    ولأجل أن نعرف أنّ أعمال الإنسان هي صانعة مصيره يكفي أن نجد القرآن يخبرنا في آيات أُخرى بأنّ أعمال البشر وحالاته وسوابقه هي التي تكون علّة للمصائب والمحن والتحوّلات والتغيّرات التي تطرأ على حياته ، إذ يقول : ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَة فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِير ). (1)
    ويقول في آية أُخرى : ( إِنَّ اللّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْم حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفِسِهِمْ ). (2)
    ويقول أيضاً : ( ذِلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْم حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ). (3)
    وقد أُشير إلى هذا الجمع الذي ذكرناه في روايات أئمة أهل البيت ( عليهم السَّلام ) ، فعن الإمام الرضا ( عليه السَّلام ) ناقلاً عن الحديث القدسي :
    « ابن آدم ! بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء وتقول ، وبقوتي أديت إلي فرائضي ، وبنعمتي قويت على معصيتي ، ما أصابك من حسنة فمن اللّه ، وما أصابك من سيئة فمن نفسك ، وذاك أنّي أولى بحسناتك منك ، وأنت أولى بسيئاتك مني ». (4)
    وفي حديث آخر عنه ( عليه السَّلام ) :. « فما أصابك من حسنة فمن عندي وبتوفيقي وقوتي ، وما أصابك من سيئة فمن سوء اختيارك وغواية نفسك ». (5)
    1 ـ الشورى : 30.
    2 ـ الرعد : 11.
    3 ـ الأنفال : 53.
    4 ـ بحار الأنوار : 5/56 و 5 وقد نقل في الأخير بصورة مبسوطة.
    5 ـ بحار الأنوار : 5/56 و 5 وقد نقل في الأخير بصورة مبسوطة.
مفاهيم القرآن ـ جلد الأول ::: فهرس