مفاهيم القرآن ـ جلد السادس ::: 31 ـ 40
(31)
أسماؤه و صفاته
في القرآن الكريم
    قد احتلّ البحث عن أسمائه و صفاته سبحانه في كتب الكلام و التفسير المكانة العليا ، فالقدماء شرحوا معاني أسمائه و صفاته و أفعاله و المتأخّرون اكتفوا من مباحثهابالبحث عن أمرين :
    1 ـ مغايرة الاسم للمسمّى.
    2 ـ كون أسمائه توقيفية.
    و نحن في هذه الفصول نجمع بين الطريقين فنأتي بما يتعلّق بها من المباحث المفيدة و نعرض عمّا لايهمّنا جدّاً ثم نفسّر أسماءه و صفاته الواردة في الذكرالحكيم ، وبناء عليه سيقع البحث في اُمور :
1 ـ الفرق بين الاسم و الصفة
    دلّت الآيات الكريمة على أنّ له سبحانه الأسماء الحسنى كما ورد ذلك في الأحاديث أيضاً.
    قال سبحانه : ( وَ لِلّهِ الأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها ) ( الأعراف/180 ).
    و قال : ( أَيّاً ما تَدْعُوا فَلَهُ الاَسْماءُ الحُسْنى ) ( الاسراء/110 ).
    و قال : ( اَللّهُ لا اِلهَ اِلّا هُوَ لَهُ الاَسْماءُ الحُسْنى ) ( طه/8 ).


(32)
    وقال : ( هُوَ اَللّهُ الخالِقُ البارِىءُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الاَْسْماءُ الحُسْنى ) ( الحشر/24 ).
    و قال : ( وَ ذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِى اَسْمائِهِ ) ( الأعراف/180 ).
    و الاسم مشتق إمّا من « السمو » على ما ذهب إليه البصريون ، أو من « السمة » على ما اختاره الكوفيون ، و على كلّ تقدير فلو كان الملاك في تسميه اللفظ اسما هو سموّه على المعنى ، و تقدمه عليه أو كونه علامة له ، فالكلمه بأقسامها الثلاثه اسم لوجود كلاالملاكين فيها (1).
    و مع ذلك كلّه فالاسم في مصطلح النحويين يطلق على قسم واحد من أقسام الكلمة ، و عرّفوه بأنّه ما دلّ على معنى في نفسه غير مقترن بالزمان ، فالاسم بهذا المعنى يقابل الفعل و الحرف ، فالفعل يدل على معنى مستقل مقترن بالزمان ، و الحرف يدل على معنى في غيره.
    و هناك اصطلاح ثالث للاسم و هو كلّ ماهيّة تعتبر من حيث هي هي فهو أسم أو من حيث انّها موصوفة بصفه معينة فهو وصف ، فالأوّل كالسماء و الأرض و الرجل و الجدار ، و الثاني كالخالق و الرازق و الطويل و القصير. ذكره الرازي و قال : هذا هو الفرق بين الاسم و الصفة على قول المتكلّمين (2).
    يلاحظ عليه : إنّ حاصل كلامه يرجع إلى أنّ الجوامد أسماء ، و أسماء الفاعلين و نظائرها صفات مع أنّه لاينطبق على مصطلح المتكلّمين فإنّ الخالق و الرازق من أسمائه سبحانه لا من صفاته ، فكيف يعده من صفاته و مقابل أسمائه والحق أن يقال :
1 ـ اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ اطلاق الاسم على خصوص قسم من الكلمة لأجل كون معناه سامياً و مرتفعاً بين معاني سائر الكلمات أعني الفعل و الحرف فعندئذ يختص بالقسم المعروف عند النحويين.
2 ـ لوامع البينات للرازي ص 27 ( طبع القاهره ).


(33)
ما هو المختار في الفرق بين أسماءه و صفاته
    « الاسم هو اللفظ المأخوذ إما من الذات بما هي هي ، أو بكونها موصوفاً بوصف أو مبدء الفعل ، فالأوّل كلفظ الجلالة له سبحانه و الرجل و الإنسان لغيره ، والثاني كالعالم و القادر ، و الثالث كالرازق و الخالق ، و أمّا الصفة فهو الدال على المبدء مجرّداً عن الذات كالعلم و القدرة و الرزق و الخلقة ولأجل ذلك يصحّ أن يقال الاسم ما يصحّ حمله كما يقال الله عالم و خالق ورحمان و رحيم ، و الصفة لايصحّ حملها كالعلم و الخلق و الرحمة ، و هذا هو المشهور بين المتكلّمين بل الحكماء والعرفاء ، فالصفات مندكة في الأسماء من غير عكس.
    يقول العلاّمة الطباطبائى : لا فرق بين الصفة و الاسم ، غير أنّ الصفة تدلّ على معنى من المعاني تتلبّس به الذات ، أعم من العينيّة و الغيريّة و الاسم هو الدال على الذات مأخوذة بوصف ، فالحياة و العلم صفتان ، و الحي و العالم اسمان (1).
    هذا كلّه على ما هو المشهور و يوافقه ظاهر الكتاب العزيز من انّ أسماءه سبحانه من قبيل الألفاظ و المعاني فيكون لفظ الجلالة و سائر الأسماء كالرحمان والرحيم ، و العالم و القادر أسماء الله الحسنى الحقيقية ، و لها معان و مفاهيم فينتقل إليها الذهن عند السماع.

الأسماء و الصفات عند اهل المعرفة
    إنّ لأهل المعرفة اصطلاحا خاصّاً فالأسماء و الصفات عند هم ليست من قبيل الألفاظ و المفاهيم بل حقيقة الصفه ترجع إلى كمال وجودي قائم بالذات ، و الاسم عبارة عن تعين الذات بنفس ذلك الكمال و الأسماء و الصفات الملفوظة ، أسماء وصفات لتلك الأسماء و الصفات الحقيقية التي سنخها سنخ الوجود و الكمال ،
1 ـ الميزان 8/369.

(34)
والتحقّق و التعيّن ، فلفظ الجلالة ليس اسماً بل اسماً للاسم ، و مثله العلم و القدرة و الحياة فليست صفات بالحقيقة ، بل مرايا لأوصافه الحقيقيّة.
    فالقولان متّفقان على أنّ الذات مع التعيّن هو الاسم ، و التعيّن بما هو هو ، هو الوصف ، و يختلفان من كونها من قبيل الألفاظ و المفاهيم أو من قبيل الحقايق والواقعيات. يقول أهل المعرفه : إنّ الذات الأحدية ، بما أنّه وجود غير متناه ، عار عن المجالي و المظاهر ، يسمّى « غيب الغيب » و إذا لوحظ في رتبة متأخّرة ، بتعيّن من التعيّنات الكماليّة كالعلم و القدرة ، فهو مع هذا التعيّن اسم ، و نفس التعيّن بلا ملاحظة الذات ، وصف.
    يقول الحكيم السبزواري : « فالذات الموجودة مع كلّ منها ( التعيّنات ) يقال لها الاسم في عرفهم ، و نفس ذلك المحمول العقلي هي الصفه عندهم » (1). و يقول في موضع آخر : « و الوجود بشرط التعيّن هو الاسم ، و نفس التعيّن هو الصفة » (2).
    و يقول أيضاً : « الاسم عند العرفاء هو حقيقة الوجود مأخوذة بتعيّن من التعيّنات الصفاتية من كمالاته تعالى ، أو باعتبار تجلّ خاص من التجليّات الإلهية » فالوجود الحقيقي مأخوذاً بتعين « الظاهرية بالذات » و « المظهرية للغير » اسم « النور » و بتعيّن كونه « ما به الانكشاف لذاته و لغيره » اسم « العليم » و بتعيّن « كونه خيراً محضا » و « عشقا صرفاً » اسم « المريد » و بتعيّن « الفياضية الذاتيه » للنورية عن علم و مشيئة ، اسم « القدير » و بتعيّن « الدراكيّة » و « الفعاليّة » اسم « الحي » و بتعيّن « الاعراب عمّا في الضمير » المخفي و المكنون العيني اسم « المتكلّم » و هكذا » (3).
1 ـ شرح الاسماء الحسنى 19.
2 ـ شرح الاسماء الحسنى 215.
3 ـ شرح الاسماء الحسنى 214.


(35)
2 ـ هل الاسم نفس المسمّى أو غيره
    من المباحث التي شغلت بال القدماء و المتأخّرين ، هو مسألة اتحاد الاسم و المسمّى و هو بحث لايحتاج إلى التفصيل ، يقول الرازي : إنّ هذا البحث ممّا لايمكن النزاع فيه بين العقلاء ، فإن كان المراد من الاسم هو اللفظ الدال على الشيء بالوضع ، و كان المسمّى عبارة عن نفس ذلك الشيء ، فالعلم الضروري حاصل بأنّ الاسم غير المسمّى و إن كان الاسم عبارة عن ذات الشيء ( المدلول ) و المسمّى ايضاً ذات الشيء كان معنى قولنا الاسم نفس المسمّى هو أن ذات الشيء نفس ذات الشيء فثبت أن الخلاف الواقع في هذه المسألة إنّما كان بسبب أنّ التصديق ما كان مسبوقاً بالتصوّر و كان اللائق بالعقلاء أن لايجعلوا هذا الموضع مسألة خلافية (1).
    هذا و ان شيخ مذهبه « أباالحسن الأشعري » قد زاد في الطين بلّة فعاد يفصّل فيها و يقول : إنّ الاسم ( يريدمدلوله ) عين المسمّى أي ذاته من حيث هي هي نحو اللّه فإنّه اسم للذات من غير اعتبار معنى فيه ، و قد يكون غيره نحو الخالق و الرازق ممّا يدل على نسبته إلى غيره ، و لاشك انّ تلك النسبة غيره و قد يكون لاهو و لاغيره كالعليم و القدير مما يدل على صفة حقيقية قائمة بذاته (2).
    و لايخفى إنّ صحّة كلامه يتوقف على تسليم اصطلاح خاص له.
    ففي الشق الأوّل الذي يدعى فيه انّ الاسم عين المسمّى يريد من الاسم المدلول لا اللفظ المتكلّم به و هو اصطلاح جديد لم نسمعه إلاّ منه و من أمثاله.
    كما أنّ حكمه بأنّ الخالق و الرازق غيره ، مبني على كون المشتق بمعنى المبدء أي الخلق و الرزق ، و انّ معنى المشتق هو نسبة المبدء إلى الذات على نحو خروج الذات عن مدلول المشتق.
1 ـ لوامع البينات للرازي ص 18.
2 . شرح المواقف ج 8 ص 207.


(36)
    و أمّا الثالث فهو نظرية أخرى بين القول بإتحاد صفاته الذاتية مع الذات و مغايرته ، فالمعتزله على الأوّل و أهل الحديث على الثاني ، و لمّا لم ينجح الشيخ في القضاء الحاسم بين النظريتين إختار قولاً ثالثاً و هو أنّه لاهو و لاغيره ، و هو بحسب ظاهره أشبه بارتفاع النقيضين إلاّ أن يفسّر بوجه يرفع ذلك الاشكال.
    و الشيخ الأشعري يصّر في كتاب « الابانة » على أنّ الاسم نفس المسمّى و لايذكر وجهه (1).
    و ما ذكرنا من المبني ( مراده من الاسم المدلول ) لتوجيه كلامه فإنّما ذكره اتباع مذهبه ك ـ « الايجي » في المواقف و « التفتازاني » في المقاصد و شرحه ، و السيد الشريف في شرحه على المواقف.
    يؤاخذ على الشيخ بأنّه أي حاجة في جعل هذا الاصطلاح أي اطلاق الاسم و ارادة المدلول منه حتى نحتاج إلى هذه التوجيهات.
     ثم إنّ القائلين بالاتحاد استدلّوا بوجوه :
    1 ـ قالوا : إنّ اللّه تعالى أمر بتسبيح اسمه و قال : ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الاَْعْلى ) ( الاعلى/1 ). و دلّ العقل على أنّ المسبّح هو اللّه تعالى لاغيره و هذا يقتضي انّ اسم اللّه تعالى هو هو لاغيره.
    2 ـ و قالو : إنّه سبحانه أخبر انّ المشركين عبدوا الأسماء و قال : ( ما تَعْبِدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها اَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ ) ( يوسف/40 ).
    و القوم ما عبدوا إلاّ تلك الذوات فهذا يدل على أنّ الاسم هو المسمّى.
1 ـ وراجع مقالات الاسلاميين ، ص 290 ـ الطبعة الثالثة الفصل الخاص لبيان عقيدة أهل الحديث و السنّة.

(37)
    3 ـ قالوا : اسم الشيء لو كان عبارة عن اللفظ الدال عليه لوجب ان لايكون للّه تعالى في الأزل شيء من الأسماء إذ لم يكن هناك لفظ و لالافظ و ذلك باطل.
    4 ـ قالوا : إذا قال القائل : محمد رسول اللّه فلو كان اسم محمد غير محمد لكان الموصوف بالرسالة غير محمد.
    5 ـ قالوا : إنّ لبيد يقول : « اسم السلام » و يريد نفس السلام حيث قال :
    « إلى الحول ثم اسم السلام عليكما و من يبكِ عاماً كاملاً فقد اعتذر » (1).
    و هذه الحجج التي نقلها الرازي تعرب من أنّ للمستدل كالشيخ الأشعري إصطلاح خاص في الاسم ، فهو كلّما يطلق الاسم إنّما يريد المدلول لا اللفظ الدال.
    و على ضوء ذلك فنقول :
    أمّا الدليل الأوّل : فلأنّ الظاهر أنّ الآية تحثّ على تسبيح الإسم و تقديسه و تنزيهه لاعلى تنزيه المسمّى و ذلك لأنّه كما يجب تنزيه المدلول يجب تنزيه الدال ، و ذلك بأن لايسمّى به غيره ، فيكون ذلك نهياً عن دعاء غيراللّه تعالى باسم من أسماء اللّه فإنّ المشركين كانوا يسمّون الصنم باللات و كانوا يسمّون أوثانهم آلهة.
    و يمكن أن يكون المراد تفسيره بما لايليق بساحته و لايصحّ ثبوته في حقه سبحانه.
    و هناك وجه ثالث و هو أن تصان أسماء اللّه عن الإبتذال و الذكر لا على وجه التعظيم.
    و وجه رابع و هو أنّه يمكن أن يكون تسبيح الاسم كناية عن تسبيح الذات كما في قولهم سلام على المجلس الشريف و الجناب المنيف إلى غير ذلك من الوجوه التي يمكن أن تكون باعثة لتسبيح الاسم نفسه.
1 ـ لوامع البينات للرازي ص21 ـ 22.

(38)
    أمّا الدليل الثاني : فلأنّ المراد من قوله سبحانه : ( ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ اِلاّ أسْماء سَمَّيْتُمُوها ) إنّه ليس لها من الألوهية إلاّ التسمية و هي أسماء بلامسميات ، وهذا كما يقال لمن سمّى نفسه باسم السلطان انّه ليس له من السلطنة إلاّ الاسم وكذا هنا و على ذلك فالمراد من قوله : ( ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ اِلاّ أَسْماء سَمَّيْتُمُوهَا ) اي إلاّ أشخاصاً أنتم سمّيتموها آلهة و ليسوا بآلهة.
    و أمّا الدليل الثالث : فلامحذور أن لايكون له اسم ملفوظ في الأزل غير أنّ فقدان هذه الأسماء لايلازم فقدان المدلولات ، فاللّه سبحانه كان جامعاً لكمالات هذه الأسماء و مداليلها ، و إن لم يكن هناك اسم على النحو اللفظي.
    و أمّا الدليل الرابع : فساقط جداً لأنّ المبتدأ أعني قولنا : محمد يمثّل طريقاً إلى المدلول ، و الحكم على ذي الطريق لاعلى نفس الطريق ، و هذا حكم كلّ لفظ موضوع اسما كان أو فعلاً أو حرفاً.
    و أمّا الدليل الخامس : فهو تمسّك بشعر شاعر علم بطلانه ببديهة العقل ومن المحتمل جدا انّ اقحام لفظة اسم في البيت لأجل الضرورة و إلاّ فلاوجه للعدول من « السلام عليكما » إلى « اسم السلام عليكما » (1).
    و الرازي مع أنّه جعل المسألة بديهية ، أخذ في الاستدلال على أنّ الاسم غير المسمّى لاقناع غيره الذي وقع في الشبهة مقابل البديهية ، فقال : الذي يدل على أنّ الاسم غير المسمّى وجوه :
    منها : إنّ أسماء اللّه كثيرة و المسمّى ليس بكثير.
    منها قوله تعالى : ( وَ لِلّهِ الاَْسْماء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِها ) حيث أمرنا أن ندعواللّه تعالى بأسمائه ، و الشيء الذي يدعي مغاير للشيء الذي يدعى به ذلك المدعو.
    إلى غير ذلك من الوجوه التي لاتحتاج إلى الذكر و البيان.
1 ـ لاحظ لوامع البينات للرازي ص 21 ـ 22 ، و شرح المواقف ج 8 ص207 ـ 208 ، و شرح المقاصد للتفتازاني ج 2 ص 69 ـ 70.

(39)
بيان آخر لوحدة الاسم و المسمّى
    نعم هناك بيان آخر لتوحيد الاسم مع المسمّى غير معتمد على اصطلاح الأشعري من تفسير الاسم بالمدلول الذي هو متّحد مع المسمّى ، و هذا الوجه هو ما أشار إليه علماء العرفان من انّ كلاًّ من العالم و القادر و الخالق ليس اسماً للذات المقدسة بل اسم للاسم ، و الاسم للذات المقدسة هو الذات المنكشفة بحقيقة العلم أو القدرة.
    توضيح ذلك : إنّه قد يطلق الأسم على اللفظ الدال على الذات المتّصفة بوصف الكمال ، دلالة بالجعل و المواضعة و عندئذ يكون الاسم من قبيل الألفاظ والمسمّى من قبيل الأمر الخارجي ، و على ذلك فلامسوّغ للبحث عن الاتحاد.
    و قد يطلق على الذات المنكشفة ، بوصف من صفاته الكمالية و ذلك لأنّ ذاته سبحانه مبهمة في غاية الإبهام غير معروفة لأحد من خلقه ، و إنّما تعرف عن طريق صفاته الجمالية ، ولولا الصفات لما عرف سبحانه بوجه ، و على ذلك يكون المراد من الاسم هو الحقيقية الخارجية المبهمة غاية الابهام ، المنكشفة لنا بواحد من صفاته و على هذا يكون المراد من الاسم الذات المنكشفة ، و المراد من الوصف نفس الكمال الواقعي ، و الاسم و الوصف بهذا المعنى ليسا من الأمور الملفوظة أو الذهنية بل من الاُمور الواقعيّة الحقيقيّة العينيّة و عندئذ يكون ألفاظ الحي ، و القادر ، و العالم أسماء للاسم ، كما يكون الحياة ، و القدرة ، و العلم أوصافاً للوصف لاأسماء وصفاتاً لذاته سبحانه ، فالاسم نفس المسمّى لكن اسم الاسم غيره ، و هذا المعنى الدقيق العرفاني لايقف عليه إلاّ من له قدم راسخ في الأبحاث العرفانية و أين هو من تفسير الشيخ ، الاسم بالمدلول و الحكم بأنّ المدلول نفس المسمّى؟
    و على أيّ تقدير فالظاهر من الروايات أنّ القول بالاتحاد كان ذائعاً في عصر أئمّة أهل البيت و ما ذكره الشيخ الأشعري كان توجيهاً لتلك العقيدة الباطلة و إن كان أصحابها غافلين عن ذلك التوجيه ، و إليك ما روي عنهم ( عليهم السلام ) في


(40)
ذلك الباب :
    1 ـ روى الكليني عن عبدالاعلى ، عن أبي عبداللّه ( عليه السلام ) قال : « اسم اللّه غيره ، و كلّ شيء وقع عليه اسم شيء » (1) فهو مخلوق ما خلااللّه ، فأمّا ما عبّرته الألسن أو ما عملت الأيدي فهو مخلوق ـ إلى أن قال ـ : و اللّه خالق الأشياء لا من شيء كان ، واللّه يسمى بأسمائه و هو غير أسمائه و الأسماء غيره (2).
    2 ـ روي الكليني عن علي بن رئاب ، عن أبي عبداللّه ( عليه السلام ) قال :
    « من عبداللّه بالتوهّم فقد كفر.
    و من عبد الاسم دون المعنى فقد كفر.
    و من عبد الاسم و المعنى فقد أشرك.
    و من عبد المعنى بايقاع الأسماء عليه بصفاته التي وصف بها نفسه فعقد عليه قلبه ، و نطق به لسانه في سرائره و علانيته ، فأولئك أصحاب أميرالمؤمنين حقّاً » (3).
    ترى أنّه ( عليه السلام ) يقسّم العابد حسب اختلاف المعبود إلى أقسام :
    الف ـ فمن عابد للّه سبحانه لكن بالتوهّم و الشك فهو كافر باللّه لأنّ الشك كفرٌبه.
    ب ـ و من عابد للاسم أي الحروف أو المفهوم الوضعي معرضاً عن المعنى المعبّر عنه فقد كفر أيضا لأنّه لم يعبد المعبّر عنه بالاسم لأنّ الحروف و المفهوم غير الواجب الخالق للكلّ فإنّما الاسم بلفظه و مفهومه تعبير عن المعنى المقصود.
1 ـ أي لفظ « الشيء ».
2 ـ الكافي ج 1 باب حدوث الأسماء ص 112 الحديث 4 ، و توحيد الصدوق باب أسماء اللّه ص 192 الحديث 5.
3 ـ الكافي ج 1 باب المعبود ص 87 الحديث1.
مفاهيم القرآن ـ جلد السادس ::: فهرس