( اللّهُ لا اِله اِلّا هُوَ الحَىُّ القَيُّومُ ) ( آل عمران/2 ). و قال سبحانه : ( وَ عَنَتِ الوُجُوهُ لِلْحَىِّ القَيُّومِ وَ قَدْخابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً ) ( طه/111 ). و قال سبحانه : ( وَ تَوَكَّلْ عَلى الحَىِّ الَّذِى لايَمُوتُ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِهِ ) ( الفرقان/58 ). و قال سبحانه : ( هُوَ الْحَىُّ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) ( غافر/65 ). و أمّا معناه فقد قال ابن فارس : ل ـ ِ « الحي » أصلان أحدهما خلاف الموت و الاخر الاستحياء الذي هو ضدّ الوقاحة ، فأمّا الأوّل فالحياة و الحيوان و هو ضدّ الموت و الموتان و يسمّى المطر حيّاً لأنّ به حياة الأرض ، و الأصل الآخر قولهم استحييت منه استحياء (1). و قد ذكر الراغب انّ الحياة تستعمل على أوجه : 1 ـ القوّة النامية الموجودة في النبات و الحيوان. 2 ـ القوّة الحسّاسة و به سمّي الحيوان حيواناً. 3 ـ القوّة العاملة العاقلة. 4 ـ ارتفاع الغمّ ، و استشهد لذلك بقول الشاعر :
ليس من مات و استراح بميّت
إنّما الميّت ، ميّت الأحياء
5 ـ الحياة الاخروية الأبدية. 6 ـ الحياة التي يوصف بها البارئ فإذا قيل فيه تعالى « هو حيّ » فمعناه لايصحّ عليه الموت و ليس ذلك إلاّ للّه عزّ و جلّ. (2)1 ـ المقاييس : ج 2 ، ص 122. 2 ـ المفردات : ص 138 ـ 139.
(202)
و الظاهر أنّ للحيّ معنى واحداً و الخصوصيّات تعلم من الخارج و إليك توضيحه.
الحياة و مراتبها لاشك انّ كلّ واحد منّا يميّز بين مادة حيّة و مادة غير حيّة ، و بين جسم حيّ ، و جسم ميّت إلاّ انّه رغم ذلك لايستطيع أحد إدراك مفهوم الحياة في الموجودات الحيّة ، فالحياة أشدّ الحالات ظهوراً و لكنّها أصعبها مراساً على الفهم ، و أشدها استعصاء على التحديد. و بعبارة اُخرى : الحياة ضدّ الموت ، و هي و إن كانت أظهر الأشياء مفهوماً لكنّها من أخفاها حقيقة ، و لهذا اختلف في تفسير و تبيين حقيقتها ، و ذهب العلماء فيه مذاهب شتّى. إلاّأنّها حسب نظر علماء الطبيعة هو ما يلازم آثاراً أربعة في المتّصف بها و هي : 1 ـ الجذب و الدفع. 2 ـ النمو و الرشد. 3 ـ التوالد و التكاثر. 4 ـ الحركة وردّة الفعل. بينما ذهب آخرون مذهباً آخر في تعريف الحياة فقالوا : هي قدرة الوحدة العضوية على مباشرة الوظائف الضروريّة لحفظ الذات ، و وظيفة التكاثر ، و على كلّ حال فإنّ هذه التعاريف تعاريف بخصائص الحياة ، و آثارها و لوازمها و ليست لبيان ما تقوم به حقيقة الحياة لما نرى من البعد الشاسع بين الحياة النباتية و الحياة البشرية.
(203)
و إلاّ فإنّ خصائص الحياة و الأحياء لاتنحصر في ما ذكر ، فإنّ للحياة مراتب و درجات تتفاوت حسب شدّتها و ضعفها. فالنبات الحيّ ما تجتمع فيه الخصائص الأربع المذكورة. و لكنّ الحياة في الحيوان تزيد على ذلك بالحسّ و الشعور ، فالحيوان كائن حيّ بمعنى أنّه يملك مضافاً إلى الخصائص الأربع خصيصة اضافية و هي خصيصة الشعور و الحس بشكل واضح و ملموس (1). و هذا الكمال الزائد المتمثّل في الحسّ و الشعور لايجعله مصداقاً مغايراً للحياة بل يعدّ مصداقاً أكمل لها. غير أنّ خصائص الحياة لاتقتصر على هذا بل هناك حياة أعلى و أشرف و هو أن يتملّك الكائن الحيّ مضافاً إلى الخصائص الخمس خصيصة الادراك العلمي و العقلي و المنطقي ، فهو حيّ على الوجه الأتمّ و الأبسط. و بعبارة اُخرى : إنّ ما ذكروه من الخصائص إنّما حاولوا بها ادخال جميع الكائنات الحيّة حتى النباتات تحت عنوان واحد ، و ليس شيء من هذه الخصائص بمقوّم لواقع الحياة و مكوّن لحقيقتها. أضف إلى ذلك انّ هذه التعاريف صدرت من علماء الطبيعة الذين لاهدف لهم إلاّ التعريف بالحياة في الموجودات الحيّة الطبيعية في عالمي النبات و الحيوان ، و لأجل ذلك نجدهم يعرّفون الحياة و الأحياء بتلك التعاريف ، و لاعتب عليهم في ذلك لأنّ مهمّتهم ليس هو التعريف الفلسفي للحياة حتى يعمّ جميع مراحلها. فهذه التعاريف مع أنّها تعريف بالخصائص دون المقوّمات تعريف لقسم خاص من الحياة الموجودة في عالم الطبيعة.
1 ـ و إن أثبت العلم الحسّ و الشعور في النباتات لكن لابشكل عام بل في بعض الأنواع.
(204)
و على كلّ تقدير فهذه التعاريف تنفعنا في فهم حقيقة الحياة على وجه الاجمال. أمّا التعريف الجامع للحياة الذي يشمل جميع مراتبها من النبات إلى الإنسان فهو أن يقال : إنّ الحياة حقيقة واقعيّة أثرها هو وجود ما يشبه بالحسّ و الحركة في الموجود الحيّ. فالحركة في النبات عبارة عن أعمال الجذب و الدفع و الرشد و النمو ، و التوالد و التكاثر و ما شابهها. و أمّا الحسّ و الشعور فهو أثر محسوس في الحيوان و ثابت في بعض أصناف الأشجار حسب التجربة و هاتان الخصيصتان توجدان في الإنسان بنحو أقوى و آكد و أكمل ، فالحركة فيه تتجلّى مضافاً إلى ما في النبات و الحيوان في أنّه مبدأ الأفعال و صنائع عجيبة و غريبة تحيّر العقول ، و تدهش الألباب. كما أنّه مضافاً إلى أنّه حاسّ ذوشعور ـ يمتلك قدرة عقليّة ـ و فكراً رفيعاً يقدر به على درك رموز الخلق ، و قوانين الكون و على حلّ المعادلات و غير ذلك. فعند ذلك يقف الإنسان على أنّ ما هو ملاك الحياة مع الغضّ عن أنّ لها مفهوماً خاصاً في كلّ مرتبة ـ هو كون الموجود درّاكا (1). و فعّالاً ، و هي موجودة في عامّة المراتب ، غير أنّ تلك الحقيقة تتجلّى في كلّه مرتّبة بشكل. ففي النبات بالجذب و الدفع و النمو و الرشد و التوالد و التكاثر مع الحسّ النباتي الذي أثبته العلم و التجربة. و في الحيوان يتجلّى في الأفعال المذكورة مع الشعور الخاصّ الذي ربّما يكون في البعض أكمل من البعض.
1 ـ ليس المراد منه هو الادراك الموجود في الانسان و مافوقه بل المراد حقيقة الدرك و الوقوف على الحقائق أو ما شئت فعبّر.
(205)
و في الإنسان مضافاً إلى الخصائص الموجودة في الدرجات السابقة يتجلّى في أفعاله العجيبة و الغريبة و صنائعه البديعة مع ادراكه المسائل العقلية و الفلسفية. فالناظر إلى حقيقة الحياة في جميع الدرجات إذا غضّ النظر عن خصائص كلّ مرتبة و عن التعريف بالمرتبة ينتقل إلى أنّ الحيّ هو الموجود المدرك الفعال ، فاذا كانت هذه هي حقيقة الحياة فاللّه تبارك و تعالى حيّ بأكمل حياة. و إن شئت قلت : إذا أردنا تعريف الحياة الموجودة في كلّ مرتبة من المراتب فلايمكن إطلاقها على اللّه سبحانه. و أمّا إذا نظرنا إلى « حقيقة الحياة » الموجودة في جميع هذه المراتب ، المجرّدة من خصائص تلك المراتب و خصوصيّاتها ، انتزع العقل مفهوماً كلّيّاً ينطبق على جميع المراتب ، و هو كون الشيء فاعلاً و مدركاً أو فعّالاً و درّاكاً ، و إن كان تجلّي ذلك يختلف من مرتبة إلى اُخرى حسب ضعف المرتبة و قوتها. و هذه المسألة حقيقة ثابتة في كثير من الأسماء ، فإنّ لفظة « المصباح » يوم وضعت كانت تطلق على الضوء الحاصل من اشتعال غصن شجر ، غير أنّ هذه الحقيقة تكاملت حسب تكامل الحضارة و التمدّن فصارت تطلق على المصباح الزيتي و النفطي و الغازي و الكهربائي بمفهوم واحد وسيع. و ما ذلك إلاّ لأنّ الحقيقة المقوّمة لصحة إطلاق تلك الكلمة هي كون الشيء منوّراً لما حوله ، فهذه الحقيقة مع اختلاف مراتبها موجودة في جميعها ، و في المصباح الكهربائي على نحو أتمّ. إنّ من الوهم أن يتوقّع إنسان مفكّر تحديد حياته سبحانه من خلال ما نلمسه من الحياة الموجودة في النبات أو الحيوان أو الإنسان. كما أنّ من الوهم أن يتوقع أن تكون حياته تعالى رهن فعل و انفعال كيمياوي أو فيزياوي.
(206)
فإنّ كلّ ذلك ليس دخيلاً في حقيقة الحياة و إن كان دخيلاً في تحقّق الحياة في درجة خاصّة إذ لولا هذه الأفعال في النبات و الحيوان و الإنسان لامتنعت الحياة ، لكن دخلها في مرتبة خاصّة لايعدّ دليلاً على كونه دخيلاً في حقيقة الحياة ، كما أنّ اشتعال المصباح بالفتيلة لايعدّ كون الفتيلة مقوّما للمصباح ، و إنّما هو مقوّم لدرجة خاصّة ، و عندئذ نخرج بالنتيجة التاليه و هي : إنّ ما هو المقوّم للحياة هو كون الموجود مدركاً و فاعلا أو ما يضاهي هذه الكلمات. و إن شئت قلت : فعّالاً و درّاكاً حسب درجته و مرتبته فالفعل و الدرك في الحيوان و النبات يتنزّل إلى حد الحس و الحركة ، و يتجلّى بهما ، و لكنّه في الإنسان و ما فوقه إلى أن يصل إلى مبدأ الوجود و الحياة بشكل آخر الذي ربّما يعبّر عنه بالفعل و الدرك و الخلق و العلم و ما يقوم مقامهما. و قال الامام الباقر ( عليه السلام ) : « انّ اللّه تبارك و تعالى كان و لاشيء غيره نوراً لاظلام فيه ، و صادقاً لاكذب فيه و عالماً لاجهل فيه و حيّاً لاموت فيه و كذلك هو اليوم و كذلك لايزال أبداً (1). و قال الامام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) : « إنّ اللّه لاإاله إلاّ هو كان حيّاً بلاكيف و لاأين و لاكان في شيء و لاكان على شيء ... كان عزّ وجلّ إلهاً حيّاً بلاحياة حادثة و بلاكون و صوت و لاكيف محدود و لاأين موقوف و لامكان ساكن بل حيّ لنفسه » (2). و في الختام نقول : إنّ حياته تعالى كسائر صفاته الكمالية صفات واجبة
1 ـ توحيد الصدوق : ص 141. 2 ـ المصدر نفسه : ص 141.
(207)
لا يتطرّق اليها العدم و لايعرض لها النفاد و الانقطاع ، لأنّ تطرّق ذلك اليها يضادّ وجوب الوجود و ضرورته فهو حيّ لايموت كما يقول سبحانه عن نفسه :
( وَ تَوَكَّلْ عَلَى الحَىِّ الَّذِى لايَمُوتُ ) ( القرفان/58 ).
الرابع و الثلاثون « الخالق » قد ورد لفظ الخالق في الذكر الحكيم ثماني مرّات و وقع اسماً له في آيات سبع كما أنّه ورد لفظ « الخلاّق » مرّتين و سمّي سبحانه به في كلاالموردين. قال سبحانه : ( ذلِكُمْ اللّهُ رَبُّكُمْ لا اِلهَ اِلاّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَىْء فَاعْبُدُوهُ ) ( الأنعام/102 ). و قال سبحانه : ( هُوَ اللّهُ الخالِقُ البارِىءُ المُصَوِّرُ لَهُ الاَسماءُ الحُسْنى ) ( الحشر/24 ). إلى غير ذلك من الايات. و قال سبحانه : ( اِنَّ رَبَّكَ هُوَ الخَلاّقُ العَلِيمُ ) ( الحجر/86 ). و قال سبحانه : ( بَلى وَ هُوَ الخَلاّقُ العَلِيمُ ) ( يس/81 ). و قد مرّ معنى الخلق في الاسم الحادي عشر أعني « أحسن الخالقين » فلاحظ ، غير انّا نركّز هنا على نكتة و هو انّ هناك آيات صريحة في حصر الخالقيّة فيه سبحانه و إنّه لاخالق سواه. و يقول سبحانه : ( قُلِ اللّهُ خالِقُ كُلِّ شَىْء وَ هُوَ الواحِدُ القَهّارُ ) ( الرعد/16 ). و قال سبحانه : ( هَلْ مِنْ خالِق غَيْرُ اللّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّماءِ وَ الاَْرْضِ لا اِلهَ اِلاّ هُوَ فَأَنَّى تُؤفَكُونَ ) ( الفاطر/3 ). و في الوقت نفسه يصف نفسه
(210)
( أحسن الخالقين ) ( المؤمنون/14 ) و ينسب الخلق إلى غيره و يقول : ( أَنِّى اَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَاَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِاِذْنِ اللّهِ ) ( آل عمران/49 ). و يقول سبحانه : ( وَ اِذْ تَخْلُقُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِاِذْنِى ) ( المائدة/110 ) ثمّ إنّ الأشاعرة و العدلية اختلفوا في تفسير هاتين الطائفتين من الايات فالطائفة الأولى حصروا الخالقية فيه سبحانه و أنكروا السببية للأسباب الطبيعية كما انكروا تأثير الإنسان في أفعاله ، و قالوا : إنّه سبحانه يخلق الجواهر و الأعراض و أفعال الإنسان و الحيوان و النبات بنفسه مباشرة ، فإذا أراد الإنسان فعلاً يسبقه سبحانه إلى إيجاد الفعل المطلوب له من دون أن يكون للإنسان و إرادته و اختياره فيه تأثير حتى أنّهم أنكروا تأثير العلل الطبيعية على وجه الاطلاق و ذهبوا إلى أنّ الاحراق فعل اللّه عند تكوّن النار و لاصلة له بها ، كما أنّ التبريد يوجد به سبحانه مباشرة عند تحقّق الماء من دون ارتباط بينهما و قس على ذلك الكائنات الجوية و الظواهر الأرضية فأنكروا النظم الطبيعية كلّ ذلك حرصاً على حفظ ظواهر الايات. قال الدكتور البوطي (1) : إنّ من أسماء اللّه عزّ و جلّ « القيّوم » و معناه القائم باُمّ المخلوقات على الدوام و الاستمرار ، و قد فصل هذا المعنى في مثل قول اللّه عزّ وجلّ في مثل : ( إِنَّ اللّهَ يُمْسِكُ السَّمواتِ وَ الاَْرْضَ أَنْ تَزُولاً ) ( الفاطر/41 ).
1 ـ إنّ الدكتور « محمد سعيد رمضان البوطي السوري » في كتابه « السلفية مرحلة زمنية مباركة لامذهب اسلامي » أدى حقّ الموضوع و أثبت انّ اتباع السلف ليس بمعنى الانحباس في حرفية الكلمات التي نطقوا بها أو المواقف الجزئيّة التي اتّخذوها. ( السلفية مرحلة زمنية مباركة : ص12 ). لكنّه مع الأسف قدحبس نفسه و فكره في اطار الفكر الاشعري و قبله الحنبلي ، و لم يخلص نفسه عنه و نظر إليها نظر تقديس و تنزيه و كأنّ منهجهم قدافرغ من رصاص أو نحاس لايقبل الخداش ، و من الموارد التي تبع الدكتور ذلك المنهج بحرفيته مسألة سلب التأثير للفواعل الطبيعية والعلل المادّيّة.