اللائقبه ، فرزق البدن ما به نشوؤه و كماله ، و رزق الحسّ ، ادراك المحسوسات ، ورزق الخيال ، ادراك الخياليات من الصور و الأشباح المجرّدة عن المادة دون المقدار ، و رزق الوهم ، المعاني الجزئيّة ، و رزق العقل ، المعاني الكلّية و العلوم الحقّة من المعارف المبدئيّة و المعاديّة ، فالرزق في كل بحسبه (1).
قال الصدوق : « معناه انّه عزّ و جلّ يرزق عباده برّهم و فاجرهم » (2). و على كلّ تقدير فالرزّاق اسم خاص للّه سبحانه ، يقال لخالق الرزق و معطيه و مسببه ، و كونه سبحانه رازقاً بالتسبيب يجتمع مع كون العباد يرزق بعضهم بعضاً أيضاً. قال سبحانه : ( وَ ارْزُقُوهُمْ فِيها وَ اكْسُوهُمْ ) ( النساء/5 ) لأنّ كل ما في يد العبد فهو للّه سبحانه فهو ينفق ممّا آتاه اللّه ، و بذلك يعلم أنّ المفاضلة في قوله سبحانه : ( خير الرازقين ) على هذا الأساس. و قال الرازي : إنّ رزق الأبدان بالأطعمة ، و رزق الأرواح بالمعارف و هذا أشرف الرزقين ، فإنّ ثمرتها حياة الأبد و ثمرة الرزق الظاهر قوّة الجسد إلى مدّة قرببة الأمد ، و من أسباب سعة الرزق الصلاة. قال تعالى : ( وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَ اصْطَبِر عَلَيْهَا لاََسْئَلُكَ رِزْقاً نْحْنُ نَرْزُقُكَ ) ( طه/132 ). و أمّا حظ العبد من هذا الاسم فهو أن يجعل يده خزانة لربّه فكل ما وجده أنفقه على عباده على غرار قوله سبحانه : ( وَ الَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً ) ( الفرقان/67 ).
1 ـ شرح الأسماء الحسنى الواردة في الدعاء المعروف بالجوشن الكبير : ص 6. 2 ـ التوحيد : ص 204.
و قد ورد في الذكر الحكيم مرّة و وقع وصفاً له. قال سبحانه : ( رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُوالعَرْشِ يُلْقِى الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ ) ( غافر/15 ). و قد وصف سبحانه في هذه الاية بصفات ثلاث : 1 ـ رفيع الدرجات. 2 ـ ذوالعرش. 3 ـ يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق. و في الأوّل احتمالات : منها : إنّ الرفيع بمعنى الرافع أي رافع درجات الأنبياء و الأولياء في الجنّة (1). و منها : رافع السماوات السبع التي منها تصعد الملائكة. و منها : إنّه كناية عن رفعة شأنه و سلطانه. أمّا الثاني : أعني « ذوالعرش » فقد مرّ في تفسير اسم « رب العرش ». و أمّا الثالث : فالظاهر أنّ المراد من الروح هو الوحي بقرينة قوله : ( عَلَى مَنْ يَشَاءَ مِنْ عِبَادِهِ ) و المراد منهم رسله سبحانه المصطفون بالرسالة ، و المراد من الإلقاء هو إلقاء الوحي في القلب. و احتمال كون المراد من « الروح » جبرئيل أو غيره ، لايناسب مع قوله : « يلقي » فهو بإلقاء المعاني أنسب و بذلك فسّرنا قوله سبحانه : ( وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا اِلَيْكَ رُوحاً 1 ـ بل رافع درجة كل موجود نازل الى درجة رفيعة ، كرفعة درجة التراب و النبات الى أعلى منهما ، فلانسان كان تراباً و الحيوان كان بناتاً فرفع درجتهما.
(273)
مِنْ اَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِى ما الكِتابُ وَ لا الإِيمانُ وَ لكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِى بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا و اِنَّكَ لَتَهْدِى اِلى صِراط مُسْتَقِيم ) ( الشورى/52 ).
جاء « الرقيب » في الذكر الحكيم 5 مرّات و وقع وصفاً له سبحانه في موارد ثلاث. قال سبحانه حاكياً عن المسيح : ( فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِى كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ) ( المائدة/117 ). و قال سبحانه : ( اِنَّ اللّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) ( النساء/1 ). و قال سبحانه : ( وَ كانَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَىْء رَقِيباً ) ( الأحزاب/52 ). أمّا معناه فقد قال ابن فارس : له أصل واحد مطّرد يدلّ على انتصاب لمراعاة شيء و من ذلك الرقيب و هو الحافظ ، و المرقب : المكان العالي يقف عليه الناظر (1). و أمّا « الراغب » : فجعل الأصل له الرقبة و أنّه اشتق منها سائر المعاني ، قال الرقبة : اسم للعضو المعروف ، و الرقيب : الحافظ و ذلك إمّا لمراعاته رقبة المحفوظ و إمّا لرفعة رقبته ، قال : ( وَ ارْتَقِبُوا إِنِّى مَعَكُمْ رَقِيبٌ ). و على أي تقدير فالرقيب و الشهيد بمعنى واحد أو متقاربي المعنى. قال سبحانه : ( وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمّا تَوَفَّيْتَنِى كُنْتَ اَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَ اَنْتَ عَلى كُلِّ شَىْء شَهِيدٌ ) ( المائدة/117 ).
1 ـ مقاييس اللغة ج 2 ص 427.
(274)
و المراد شهادته سبحانه أعمال الاُمّة و حفظه لها. قال سبحانه : ( وَ مَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّة فِى الأَرْضِ وَ لاَ فِى السَّمَاءِ ) ( يونس/61 ). و قال سبحانه : ( يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِى الأَرْضِ وَ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَ مَا يَعْرُجُ فِيهَا وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُمْتُمْ وَ اللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) ( الحديد/4 ). قال الصدوق : « الرقيب معناه الحافظ بمعنى فاعل ، و رقيب القوم حارسهم » (1).
1 ـ التوحيد : ص 204.
و قد ورد « سريع الحساب » في الذكر الحكيم في ثمانية موارد و وقع الكل وصفاً له سبحانه. قال سبحانه : ( اُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمّا كَسَبُوا وَ اللّهُ سَرِيَعُ الحِسابِ ) ( البقرة/202 ). و قال : ( وَ مَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللّهِ فَاِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الحِسابِ ) ( آل عمران/19 ). و قال : ( أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الحِسابِ ) ( آل عمران/199 ). قال سبحانه : ( لِيَجْزِىَ اللّهُ كُلَّ نَفْس ما كَسَبَتْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الحِسابِ ) ( إبراهيم/51 ) (1). و قد جاء هذا الاسم في ثنايا البحث عن جزاء أعمال العباد سواء أكان خيراً أو شراً ، و لايختصّ بالثاني لما في قوله سبحانه : ( أُولئِكَ لَهُمْ اَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ اِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الحِسابِ ) و الحساب في اللّغة بمعنى العد ، تقول حسبت الشيء أحسبه حَسْباً و حُسباناً. قال تعالى : ( اَلشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ بِحُسْبان ).
1 ـ لاحظ : المائدة/4 ، و الرعد/41 ، و النور/ 39 ، و غافر/17.
(276)
و من هذا الباب الحَسَب الذي يعدّ من الإنسان ، قال أهل اللّغة معناه أن يعدّ آباءاً أشرافاً (1). و قال الراغب : « الحساب إستعمال العدد ، قال تعالى : ( لَتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الحِسَابِ ) هذا ما يرجع إلى الحساب ، و امّا ما يرجع إلى المضاف أعني سريع فالسرعة ضد البطء. قال تعالى : ( وَ سارِعُوا اِلى مَغْفِرَة مِنْ رَبِّكُمْ ). ( وَ يُسارِعُونَ فِى الخَيْراتِ ) (2). ثمّ إنّ توصيفه بسريع الحساب إمّا لأجل نفوذ إرادته و تحقّق كلّ شيء بعد مشيئته بلابطء و سكون. قال سبحانه : ( اِنَّما اَمْرُهُ اِذا اَرادَ شَيْئاً اَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) ( يس/82 ). أو كونه مجرداً بل فوقه ، و جميع الأمكنة و المكانيات سواء ، و كل حاضر لديه ، و ليس هناك ماض و لااستقبال ، « لايشغله شأن عن شأن » فيسرع في وصول الجزاء لكيلا يمنع الحقّ عمّن له الحقّ. و سئل أمير المؤمنين عن محاسبة اللّه فقال : « يحاسب الخلائق كلهم دفعة واحدة كما يرزقهم دفعة » (3). فسريع الحساب اسم من أسماء اللّه الحسنى و هو عامّ شامل للدنيا و الآخرة معاً ، و قدعرفت أنّ ملاك السرعة هو تحقّق كل ما أراد بلافصل.و حضور الكل لديه دفعة واحدة. قال سبحانه : ( وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ اَحَداً ) ( الكهف/49 ).
1 ـ مقاييس اللغة ج 2 ، ص 60. 2 ـ المفردات : ص 230. 3 ـ شرح الأسماء الحسنى : ص 47.
(277)
و قال سبحانه : ( يَوْمَ تَجِدُ كُلَّ نَفْس ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْر مُحْضَراً وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوء ) ( آل عمران/30 ). فكأنّهم يرون أنفسهم مشتغلين بالصلاة و غيرها من الحسنات أو مكتسبين للسيئات فيرون ما كانوا يرتكبونها من السيئات ، فلايمكن لهم إنكار شيء من صغير وكبير فيحاسب كل نفس بسرعة. أضف إلى ذلك الشهود و أخصّ بالذكر صحيفة الأعمال التي لاتغادر صغيرة و لاكبيرة. قال سبحانه : ( وَ كُلَّ اِنْسان أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِى عُنُقِهِ وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً * إِقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ اليَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ) ( الاسراء/13و14 ). و يقول سبحانه : ( وَ وُضَعَ الكِتابُ فَتَرى المُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَ يَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذا الكِتابِ لايُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلّا أَحْصيها ) ( الكهف/49 ). و مع هذه الشهود لايبقى للعبد أي ريب في حسابه و جزائه فهو حقّاً « أسرع الحاسبين ». نعم شهوده سبحانه على العباد أزيد ممّا ذكرنا ، و من أراد التفصيل فليرجع إلى الفصل الذي خصّصناه به عند البحث عن المعاد. و بذلك علم معنى اسمه الاخر « أسرع الحاسبين » و قدمرّ في محلّه. نعم ليس المراد من الحساب الجزاء و لاالعقاب و إن كان الحساب لغاية الجزاء ، و بذلك يعلم الفرق بين « سريع الحساب » و « سريع العقاب » فالفرق بينهما كالفرق بين الغاية و ذيها.
و قدجاء في الذكر الحكيم في موردين و وقعا إسماً له سبحانه. قال سبحانه : ( وَ هُوَ الَّذِى جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الاَْرْضِ وَ رَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْض دَرَجات لِيَبْلُوَكُمْ فِى ما آتيكُمْ اِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ العِقابِ وَ اِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) ( الأنعام/165 ). و قال سبحانه : ( وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ اِلى يَوْمِ القِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ اِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ العِقابِ وَ إِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) ( الأعراف/167 ). أمّا السرعة فقد مضى معناه و أمّا العقاب فعن الخليل أنّه قال : كلّ شيء يعقب شيئاً فهو عقيبه ، و لأجل ذلك يطلق على الليل و النهار العقيبان ، و إنّما سمّيت العقوبة عقوبة لأنّها تكون آخراً و ثاني الذنب (1) و كأنّ الذنب يخلف العقاب و يعقبه ، قال الراغب : العقب مؤخّر الرجل ، و العقوبة و المعاقبة تختصّ بالعذاب. قال سبحانه : ( فَحَقَّ عقاب ـ شديد العقاب ـ وَ اِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ ) و التعقيب أن يأتي بشيء بعد آخر. و كونه سبحانه « شديد العقاب » ليس بمعنى كونه كذلك دائماً و إنّما يختصّ ذلك بموارد يستوجب سرعة العقاب ، كطغيان العبد و عتوّه فيسرع إليه العقاب ويأخذه بأشدّه. و لأجل عدم كونه فعلاً له سبحانه على الدوام; ضمّ إليه في الآيتين الاسمين الآخرين و قال « إنّه لغفور رحيم » و لو كان فعلاً له سبحانه على نحو الاستمرار لما صحّ الجمع بين الاسمين ، يقول سبحانه : ( وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَ لَوْلاَ أَجَلٌ مُسَمَّى لَجَاءَهُمُ العَذَابُ وَ لَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَ هُمْ لاَيَشْعُرُونَ * يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالعَذَابِ وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ) ( العنكبوت/53و54 ).
1 ـ معجم مقاييس اللغة ج 4 ص 77 ـ 78 بتلخيص.
(279)
و بذلك يتّضح كون العقاب على قسمين : قسم يعمّ الظالم في العاجل و قسم يشمله في الآجل كل ذلك لحكمة خاصّة هو واقف عليها ، غير أنّ رحمته و غفرانه سبقا غضبه و عقابه. قال سبحانه : ( وَ لَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلْنّاسِ الشَّرَ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِىَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لايَرْجُونَ لِقاءَنا فِى طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) ( يونس/11 ).
قد ورد لفظ « السلام » في الذكر الحكيم معرّفاً سبع مرّات و منكراً خمس وثلاثون مرّة و وقع في مورد واحد اسماً له سبحانه ، و قال : ( هُوَ اللّهُ الَّذِى لا اِلهَ اِلاَّ هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللّهِ عَمّا يُشْرِكُونَ ) ( الحشر/23 ). أمّا السلام لغة ، فقد قال ابن فارس : معظم بابه من الصحّة و العافية ، فالسلامة أن يسلم الإنسان من العاهة و الأذى ، قال أهل العلم : اللّه جلّ ثناؤه هو السلام ، لسلامته ممّا يلحق المخلوقين من العيب و النقص و الفناء. قال اللّه جلّ جلاله : ( وَ اللّهُ يَدْعُو إِلى دَارِ السَلاَمِ ). و قال الراغب : السلامة : التعرّي من الآفات الظاهرة و الباطنة قال : « بقلب سليم » أي متعرّ من الدغل و هذا في الباطن ، و قال تعالى : ( مُسَلَّمَةٌ لاَشِيَةَ فِيهَا ) وهذا في الظاهر ، و قال تعالى : ( لَهُمْ دَارِ السَّلاَمِ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) أي السلامة ، والسلامة الحقيقيّة ليست إلاّ في الجنّة إذ فيها بقاء بلافناء ، و غنى بلافقر ، و عزّ بلاذلّ ، و صحّة بلاسقم ، و قيل « السلام » اسم من أسماء اللّه تعالى وصف بذلك حيثلاتلحقه العيوب و الآفات التي تلحق الخلق (1).
1 ـ المفردات : ص 239.
(280)
و لمّا كان السلام من السلامة دعا سبحانه في حقّ يحيى بقوله : ( وَ سَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَ يَوْمَ يَمُوتُ وَ يَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً ) ( مريم/15 ) ، و إنّما خصّ المواطن الثلاثة بالدعاء لأنّ أوحش ما يكون الخلق فيه هو يوم ولد ، و يوم يموت ، و يوم يبعث. ففي الأوّل يرى نفسه خارجاً عمّا كان فيه ، و في الثاني يرى قوماً لم يكن عاينهم ، و في الثالث يرى نفسه في محشر عظيم ، فأكرم اللّه يحيى في هذه المواضع الثلاثة و خصّه بالسلامة من آفاتها ، و المراد أنّه سلّمه من شرّ هذه المواطن و اَمنه من خوفها (1). أقول : لاشكّ انّ السلام من أسماء اللّه سبحانه كما هو صريح آية سورة الحشر كما عرفت ، و ترديد الراغب فيه لاوجه له ، إنّما الكلام في معناه فهناك احتمالان : 1 ـ أن يكون المراد من السلام إنّه ذوالسلام و وصف به مبالغة في وصف كونه سليماً من النقائص و الآفات كما يقال رجل عدل. 2 ـ أن يكون المراد من السلام كونه معطياً للسلامة و هو تعالى خلق الخلق سويّاً و قال : ( مَا تَرَى فِى خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفَاوُت ) ( الملك/3 ) ، و قال : ( رَبُّنا اَلَّذِى اَعْطى كُلَّ شَىْء خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى ) ( طه/50 ). إنّما الكلام في الفرق بينه و بين « القدّوس » الوارد في الآية أيضاً. قال سبحانه : ( هُوَ اللّهُ الَّذِى لا اِلهَ اِلاَّ هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ ) فما هو الفرق بين الاسمين و يحتمل كون القدّوس من صفات الذات ، و السلام من صفات الفعل فهو منزّه ذاتاً و فعلاً عن النقص. و يحتمل أن يكون القُدُّوس أكثر مبالغة في التنزيه من السلام فهو يشير إلى براءته سبحانه عن جميع العيوب في الماضي و الحاضر و المستقبل ، و عن العيب الظاهر و الباطن ، و لكن السلام أضيق دلالة من هذا ، فلعلّه مختص بالبراءة عن
1 ـ لوامع البينات للرازي : ص 187 ، نقلاً عن سفيان بن عيينة.