مفاهيم القرآن ـ جلد السادس ::: 281 ـ 290
(281)
العيوب في الزمن المستقبل.
    هذا إذا فسّر السلام بمعنى ذي السلامة ، و أمّا لو فسّر بكونه معطي السلامة كما هو أحد الاحتمالين فالفرق بينه و بين القدّوس واضح ، فالقدّوس صفة ذات ، والسلام صفة فعل ، و لايبعد هذا المعنى بملاحظة ما ورد من الايات حول « السلام » وهو سبحانه « يدعو إلى دار السلام » و « لهم دار السلام » فاللّه سبحانه هو معطي السلامة.
    و أمّا حظّ العباد من هذا الاسم فله أن يطلب سلامة الدين و الدنيا و يتجنّب عن العيوب.
    قال سبحانه : ( وَ ذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَ بَاطِنَهُ ) ( الأنعام/120 ). و يكون ذا قلب سليم.
    قال سبحانه : ( اِلاَّ مَن اَتى اللّهَ بِقَلْب سَلِيم ) ( الشعراء/89 ).


(282)

(283)
حرف الشين
التاسع و الستون : « الشاكر »
    قدورد لفظ « الشاكر » في الذكر الحكيم مفرداً أربع مرات و وقع اسماً له سبحانه في موردين قال : ( وَ مَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَاِنَّ اللّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ ) ( البقرة/158 ) و قال : ( مَا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذابِكُمْ اِنْ شَكَرْتُمْ وَ آمَنْتُمْ وَ كانَ اللّهُ شاكِراً عَلِيماً ) ( النساء/147 ).
    و أمّا « الشكور » فقد جاء في الذكر الحكيم 12 مرّة و وقع اسماً له سبحانه في موارد.
    قال سبحانه : ( لِيُوَفِّيَهُمْ اُجُورَهُمْ وَ يَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ اِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ) ( فاطر/30 ).
    و قال سبحانه : ( اِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ) ( فاطر/34 ).
    و قال سبحانه : ( وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً اِنَّ اللّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ) ( الشورى/23 ).
    و قال سبحانه : ( اِنْ تُقْرِضُوا اللّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ وَ اللّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ ) ( التغابن/17 ).
    ترى أنّه استعمل تارة مع اسم « غفور » و اُخرى مع « حليم » و هذا يعرب عن صلة بينهما و بين « الشكور » ، و أمّا معناه فقد ذكر ابن فارس له اُصولاً أربعة نكتفي بذكر المعنى الأوّل فإنّه المناسب لهذا الاسم.
    قال : الشكر الثناء على الإنسان بمعروف يوليكه ، و يقال إنّ حقيقة الشكر


(284)
الرضا باليسير ، يقولون : فرس « شكور » إذا كفاه لسمنه العلف القليل. و قال الراغب : الشكر تصوّر النعمة و اظاهرها ، قيل و هو مقلوب الكشر أي الكشف و يضادّه الكفر وهو نسيان النعمة وسترها ، ودابّة شكور : مظهرة بسمنها اسداء صاحبها إليها ، فالشكر على هذا هو الامتلاء من ذكر المنعم ، وإذا وصف اللّه بالشكر فإنّما يعني به انعامه على عباده و جزاءه بما أقاموه من العبادة ، يقال ناقة شكرة : ممتلئة الضرع من اللبن.
    أقول : إذا كان الشكر بمعنى عرفان الاحسان فما معنى توصيفه بأنّه « شاكر » أو « شكور » و هو المحسن إلى عباده المنعم عليهم؟
    و بعبارة اُخرى : إذا كان الشكر هو الثناء على المحسن فما معنى ثناؤه سبحانه على المحسن و لامحسن سواه؟
    و بعبارة اُخرى : إذا كان الشكر هو مقابلة من أحسن اليه بالاحسان ، فكيف يصدق هذا في حقّه سبحانه فمن الذي يحسن اليه؟ و لو اُحسن اليه بشيء ، فهو ملكه لاملك المُحسِن ، و لأجل ذلك ذهب بعض المفسّرين إلى أنّ تسميته بكونه شاكراً أو شكوراً من باب المجاز ، و المراد مجازاة الشاكر بالثواب فهو سبحانه يقبل شكر الشاكر بالجزاء عليه.
    قال الصدوق : إنّه سبحانه لمّا كان مجازياً للمطيعين على طاعتهم جعل مجازاتهم شكراً لهم على المجاز كما سمّيت مكافأة المنعم شكراً (1).
    و يمكن أن يقال : إنّ الاستعمال من باب الحقيقة استلّها من قوله سبحانه : ( اِنْ تُقْرِضُوا اللّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ وَ اللّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ ).
    فكما أنّ نسبة الإستقراض عليه بنوع من التوسع فهكذا توصيفه سبحانه بكونه شاكراً أو شكوراً به أيضاً.
1 ـ توحيد الصدوق : ص 216.

(285)
    قال العلاّمة الطباطبائي : و اللّه سبحانه و إن كان محسناً قديم الإحسان و منه كل الاحسان لايد لأحد عنده ، حتى يستوجبه الشكر ، إلاّ أنّه جلّ ثناؤه عدّ الأعمال الصالحة التي هي في الحقيقة احسانه إلى عباده ، احساناً من العبد إليه ، فجازاه بالشكر و الاحسان و هو احسان على احسان.
    قال تعالى : ( هَلْ جَزاءُ الاِحْسانِ اِلاَّ الاِحْسانُ ) ( الرحمن/60 ).
    و قال تعالى : ( اِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ) ( الإنسان/22 ).
    فاطلاق الشاكر عليه تعالى على حقيقة معنى الكلمة من غير مجاز (1).

السبعون : الشكور
    قدتبيّن معناه ممّا قدّمناه في تفسير اسم « الشاكر ».
الواحد و السبعون : « شديد العقاب »
    و قدورد ذلك الاسم المركّب في الذكر الحكيم 14 مرّة و وقع في الجميع وصفاً له سبحانه ، و يستعمل تارة مجرداً عن سائر الأسماء مثل قوله : ( وَ اتَّقُوا اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ شَديدُ العِقابِ ) ( البقرة/196 ) ، و اُخرى مقترناً باسم القوي ، قال سبحانه : ( فَاَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ اِنَّ اللّهَ قَوِىٌّ شَدِيدُ العِقابِ ) ( الأنفال/52 ) ولولا كونه قوياً لما قدر على العذاب الشديد. و ثالثة مقترناً باسمي « غفور » و « رحيم » مثل قوله : ( اعْلَمُوا اِنَّ اللّهَ شَدِيدُ العِقابِ وَ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ( المائدة/98 ).فله سبحانه تجلّيات كل في موضعه ، و في دعاء الافتتاح :
    و أشدّ المعاقبين في موضع النكال و النقمة.
1 ـ الميزان : ج 1 ، ص 392 ، و كونه على الحقيقة انّما هو بعد التنزيل كما في الاستقراض.

(286)
    ورابعة مع عدّة من الصفات مثل قوله سبحانه : ( غَافِرِ الذَّنْبِ وَ قَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ ) (1). وعلى كلّ تقدير فكونه شديد العقاب ، من قبيل الوصف بحال المتعلّق ، فالشديد هو عذابه ، كما ورد في عدّة من الآيات ، قال سبحانه : ( سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللهِ وَ عَذَابٌ شَدِيدٌ ) (2).

الثاني والسبعون : « شديد العذاب »
    وقد ورد في القرآن مرّة واحدة وقع وصفاً له سبحانه قال : ( أَنَّ الْقُوَّةَ للهِ جَمِيعًا وَ أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ) (3). وهو متّحد مع الاسم السابق معنى ، ومختلف لفظاً.
الثالث والسبعون : « شديد المحال »
    وقد ورد في الذكر الحكيم مرّة واحدة ووقع وصفاً له ، قال سبحانه : ( َ هُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللهِ وَ هُوَ شَدِيدُ الِْمحَالِ ) (4).
    وهل المحال ، من « محل » (5) يقال : محل به محلاً ومحالاً : إذا أراد بسوء ، والميم ليست زائدة أو من « حول » (6) أو « حيل » والميم زائدة ، ومعناه : الكيد. على الأوّل معناه : شديد الأخذ ، وعلى الثاني : شديد المكر ، واستعماله في حقه سبحانه من قبيل المشاكلة كما هو واضح. وحيلته سبحانه هو ما جاء في قوله : ( وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ ) (7) وقال : ( فَذَرْني وَ مَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ ) (8).
1 ـ غافر : 3.
2 ـ الأنعام : 124 .
3 ـ البقرة : 165.
4 ـ الرعد : 13.
5 ـ كما عليه البيضاوي في تفسيره للآية.
6 ـ نقل الطبرسي عن ابن جني ، و نسبه الراغب الى القيل مشعراً بضعفه.
7 ـ الأعراف : 182.
8 ـ القلم : 44.


(287)
الرابع و السبعون : « الشهيد »
    قد ورد لفظ « الشهيد » في الذكر الحكيم معرّفاً و منكراً 35 مرّة و وقع وصفاً له سبحانه في 20 مورداً.
    قال سبحانه : ( لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللّهِ وَ اللّهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ ) ( آل عمران/98 ).
    و قال سبحانه : ( اِنَّ اللّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القِيامَةِ اِنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَىْء شَهِيدٌ ) ( الحج/17 ) (1).
    و أمّا معناه فقد قال ابن فارس : إنّه أصل يدلّ على حضور و علم و اعلام من ذلك : الشهادة ، و المشهد محضر الناس.
    و قال الراغب : الشهود و الشهادة : الحضور مع المشاهدة أمّا بالبصر أو بالبصيرة و قديقال للحضور مفرداً ، قال : « عالم الغيب و الشهادة » ، و يقال للمحضر مشهد ، و للمرأة التي يحضرها زوجها مشهد ، و جمع مشهد مشاهد و منه مشاهدالحج و هي مواطنه الشريفة التي يحضرها الملائكة و الأبرار من الناس.
    أقول : الظاهر إنّ الشهادة موضوعة للحضور و افادتها العلم ، لأنّها تلازمه و يدلّ على ذلك قوله سبحانه : ( لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ ) ( الحجّ/28 ). و ( وَ لْيَشْهَدْ عَذابَهُما ) ( النور/2 ). ( وَ الَّذِينَ لايَشْهَدُونَ الزُّورَ ) ( الفرقان/72 ).
    فمعنى كونه سبحانه « شهيدا » على كل شيء أنّه لايخفى على اللّه منه شيء كما صرّح و قال : ( فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَ وَ أَخْفَى ) ( طه/7 ) و مع ذلك لأنّه ليس بينه و بين
1 ـ لاحظ النساء/33 و 79 و 166 ، المائدة/113 و 117 ، الأنعام/19 ، يونس/29و46 ، الرعد/43 ، الإسراء/96 ، العنكبوت/52 ، الأحزاب/55 ، سبأ/47 ، فصّلت/53 ، الاحقاف/8 ، الفتح/28 ، المجادلة/6 ، البروج/9.

(288)
خلقه حجاب ، فحقيقة الشهادة عبارة عن فقدان الحجاب بين الشاهد و المشهود واحاطته به.
    و بذلك يظهر : إنّ تقسيم الأشياء إلى الغيب و الشهادة ، تقسيم نسبي بالنسبة إلينا ، و أمّا بالنسبة إليه فالأشياء كلّها مشهودات فلأجل ذلك يقول : ( إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَىء شَهِيدٌ ) و الشهادة أمر اضافي له نسبة إلى الشاهد ، و نسبة إلى المشهود ، فلو كان شهيداً على كل شيء لكان الكل مشهوداً لاغائباً.
    و بذلك يظهر أنّ ما نقل عن الكفعمي أحسن من غيره حيث يقول : « هو الذي لايغيب عنه شيء أي كأنّه الحاضر الشاهد الذي لايعزب عنه شيء ، و كونه شاهداً لكل شيء ، فوق كونه عالماً به ، فإنّ العلم يتحقّق بحضور صورة الشيء عند العالم دون حضور نفسه ، و لكن الشهادة أقوى و أوثق من العلم ، بل المتبادر منها حضور الأشياء بوجودها الخارجي لدى الباري ، و كيف و العالم فعله سبحانه و ليس فعله غائباً عن ذاته ».
    و هذا أولى ممّا نقل عن الغزالي و قال : يرجع معنى الشهادة إلى العلم مع خصوص اضافة فإنّه عالم الغيب و الشهادة ، و الغيب عبارة عمّا يطلب ، و الشهادة عمّا ظهر و هو شاهد كليهما ، فإذا اعتبر العلم مطلقاً فهو العليم ، و إذا اُضيف إلى الغير و الامُور الباطنة فهو الخبير ، و إذا اُضيف إلى الاُمور الظاهرة فهو شهيد ، وقديعتبر مع هذا أن يشهد على الخلق يوم القيامة بما علم و شاهد منه.
    هذا و الأولى ما ذكرنا من أنّ توصيفه سبحانه بكونه عالماً للغيب و الشهادة بملاك كونه شهيداً على كل شيء و عدم غيبوبة شيء عن ذاته بملاك آخر.
    و إلى ما ذكرنا صرّح بعض المحقّقين و قال : « إنّ الشاهد المدرك يرى ما لايرى الغائب ، و الحاضر المعاين المطّلع ، يعلم ما لايعلمه الغائب ، و ليس ذلك إلاّ لأن معلوماته كلّها حاضرة عنده ، مشاهدة معاينة مدركة له غير غائبة عنه ، ففي


(289)
اطلاق هذا الاسم عليه تعالى اشارة إلى أنّ علمه عزّ و جلّ بما سواه بالمشاهدة والحضور و الادراك و ليس شيء مما سواه من الأزل إلى الأبد غائباً عنه بل الكل حاضر عنده.
    مع أنّ شيئاً ممّا سواه ليس معه مطلقاً من الأوّل إلى الأبد ، و هذا ستر مستور. لايعلمه إلاَّ هو و من هو ملهم بإلهام اللّه تعالى شأنه ، و الغيب و الشهادة إنّما يكونان بالنسبة إلى المخلوقات و عليه يحمل قوله عزّ و جلّ : ( عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ) وإلاّ فلاغيب و لاغائب عنده جلّ شأنه (1).
1 ـ كاشف الاسماء في شرح الاسماء الحسنى ، و قداشبعنا الكلام في الجزء الثالث عند البحث عن علم الغيب فلاحظ : ص 377 ـ 381.
مفاهيم القرآن ـ جلد السادس ::: فهرس