مفاهيم القرآن ـ جلد السادس ::: 291 ـ 300
(291)
حرف الصاد
الخامس و السبعون : « الصمد »
    قد ورد لفظ « الصمد » في الذكر الحكيم مرّة واحدة و وقع وصفاً له فيها قال سبحانه :
    ( قُلْ هُوَ اللّهُ اَحَدٌ * اللّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ * وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً اَحَدٌ ).
    قال ابن فارس : الصمد له أصلان : أحدهما القصد و الآخر الصلابة في الشيء.
    فالأوّل يقال صمدته صمداً ، و فلان صمد ، إذا كان سيّداً يقصد إليه في الاُمور. و اللّه جلّ ثناؤه الصمد لأنّه يصمد إليه عباده بالدعاء و الطلب.
    قال الشاعر :
علوته بحسام ثمّ قلت له خذها حذيف فأنت السيّد الصمد
    و قال طرفة في المصمّد :
و إن يلتقى الحي الجميع تلاقيني إلى ذروة البيت الرفيع المصمّد (1)
    و قال الراغب : الصمد : السيّد الذي يصمد إليه في الأمر ، و قيل : الصمد : الذي ليس بأجوف.
1 ـ الشعر من معلقة طرفة المشهورة.

(292)
    و قال الصدوق : الصمد معناه السيد ، و للصمد معنى ثان و هو المصمود إليه في الحوائج (1).
    و الظاهر انّ المعنى الثاني من فروع الأوّل و من لوازمه ، لأنّ من لوازم كون الرجل سيّداً مطاعاً ، كونه مقصوداً و مصموداً إليه في النوائب و الحوائج.
    و رواه في موضع آخر عن الامام الباقر ( عليه السلام ) : الصمد : السيّد المطاع الذي ليس فوقه آمر و ناه (2).
    روى الكليني عن جابر بن يزيد الجعفي قال : سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) عن شيء من التوحيد فقال : ... صمد قدّوس يعبده كلّ شيء ، و يصمد إليه كلّ شيء ، و وسع كلّ شيء علماً.
    قال الكليني و هذا المعنى الذي قال ( عليه السلام ) : إنّ الصمد هو السيّد المصود إليه هو معنى صحيح.
    قال أبوطالب في بعض ما كان يمدح به النبي ( صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ) :
و بالجمرة القصوى إذا صمدوا لها يؤمّون رضحا رأسها بالجنادل
    و قال بعض شعراء الجاهلية :
ما كنت احبّ انّ نبيّنا ظاهراً للّه في أكناف مكّة يصمد
    يعني يقصد.
    و قال ابن الزبير :
ما كان عمران ذاغشّ و لاحسد و لارهيبة إلاّ سيّد صمد

1 ـ التوحيد : ص 197.
2 ـ التوحيد : ص 90.


(293)
    و اللّه عزّ و جلّ هو السيّد الصمد الذي جميع الخلق من الجن و الانس إليه يصمدون في الحوائج ، و إليه يلجأون عند الشدائد ، و منه يرجون الرخاء و دوام النعماء ، ليدفع عنهم الشدائد (1).
    و إذا كان اللّه تعالى هو الموجد لكلّ ذي جود ممّا سواه فيقصده كلّ ما صدق عليه أنّه شيء غيره ، و يحتاج إليه في ذاته و صفاته و آثاره ، قال تعالى : ( اَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ اَلاَْمْرُ ) ( الأعراف/54 ). و قال : ( وَ اَنَّ اِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى ) ( النجم/42 ). فهو الصمد في كلّ حاجة في الوجود ، لايقصد شيء شيئاً إلاّ و هو الذي ينتهي إليه قصده ، و تنجح به طلبته ، و تقضى به حاجته.
    و إنّما دخلت اللام على الصمد لإفادة الحصر ، فهو تعالى وحده الصمد على الاطلاق لما عرفت من أنّه ينتهي إليه قصد كلّ قاصد ، و هو المقصود بالاصالة و غيره مقصود بالتبع.
    و إنّما كرّر لفظ الجلالة و قال : ( قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ * اللّهُ الصَّمَدُ ) و لم يقل هو الصمد ، أو لم يقل اللّه أحد صمد ، فلعلّه للإشارة إلى أنّ كلا من الجملتين كاف في تعريفه تعالى فالمعرفة حاصلة بكلّ واحد.
    و إنّما لم يدخل اللام على « أحد » فلعلّه لأجل ادعاء أنّه لايطلق على غيره سبحانه فليس غيره أحد فلايحتاج إلى عهد و حصر.
    و الآيتان تصفانه سبحانه بصفتي الذات و الفعل ، فالأحدية من صفات الذات و هي عينها ، و الصمدية من صفات الفعل حيث يصفه بانتهاء كلّ شيء إليه و هو من صفات الفعل.
    هذا و قدنقل العلاّمة المجلسي للفظ الصمد معاني كثيرة تناهز العشرين غير أنّ أكثرها ليست معناني متعدّدة بل يرجع إلى أنّه السيد المصمود ، و قد ذكر الصدوق
1 ـ الكافي : ج 1 ، ص 124.

(294)
أيضاً في تفسير ( قل هو اللّه أحد ) معاني مختلفة بحسب الظاهر غير أنّ أكثرها يرجع إلى ما ذكرنا ، فروى عن عليّ ( عليه السلام ) أنّه قال : « الصمد » الذي قد انتهى سؤدده ، و الصمد : الذي لايأكل و لايشرب ، و الصمد : الدائم الذي لم يزل و لايزال.
    و روى عن محمد بن الحنفية ( رضي اللّه عنه ) أنّه كان يقول : الصمد : القائم بنفسه ، الغني عن غيره ، و قال غيره : الصمد : المتعالي عن الكون و الفساد.
    و روى عن علي بن الحسين زين العابدين ( عليه السلام ) أنّه قال : الصمد : الذي لاشريك له و لايؤده حفظ شيء و لايعزب عنه شيء.
    و روي أيضاً عنه ( عليه السلام ) أنّه قال : الصمد : الذي أبدع الأشياء فخلقها أضداداً و أشكالاً ، و أزواجاً و تفرّد بالوحدة بلاضد و لاشكل و لامثل و لاندّ.
    و لايخفى إنّ هذه المعاني ليست معاني لغوية للفظ الصمد و لانرى منها أثراً في المعاجم ، و إنّما هو من لوازم كون الشخص سيداً مصموداً لكلّ شيء ، فلازم ذلك أن ينتهي سؤدده و أن لايكون له شريك و لايؤده حفظ شيء إلى غير ذلك مما ورد في هذه التفاسير.
    نعم ربّما يفسّر بالمصمّت الذي ليس بأجوف فلايأكل و لايشرب و لاينام و لايلد و لايولد و قد ورد تفسيره به في بعض الروايات و على ذلك فيكون قوله : ( لَمْيَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ ) تفسيراً للصمد ، و هناك حديث رواه الصدوق بسنده عن الحسين بن علي ( عليهما السلام ) فمن أراد فليرجع إليه (1).
1 ـ كتاب التوحيد : باب معنى قل هو اللّه أحد ، الحديث 3 ـ 4 ـ 5 ـ 6 ـ 7 ـ 8.

(295)
حرف الظاء
السادس و السبعون : « الظاهر »
    و قد مرّ تفسيره عند تفسير اسم « الباطن » فراجع.

حرف العين
السابع و السبعون : « عالم الغيب و الشهادة »
    لم يقع لفظ « عالم » وصفاً له سبحانه في الذكر الحكيم إلاّ مضافاً تارة إلى الغيب و الشهادة ، و اُخرى إلى الغيب وحده ، و ثالثة إلى غيب السموات و الأرض ، فقد جاء « عالم الغيب و الشهادة » عشر مرّات ، و « عالم الغيب » مرّتين ، و « عالم غيب السموات و الأرض » مرّة واحدة ، و الكلّ يشير إلى علمه الوسيع لكل شيء سواء أكان مشهوداً للناس بالأدوات الحسّيّة أو كان غائباً عنهم إمّا لامتناع وقوعه في اطار الحسّ أو لضعف الحسّ.
    توضيحه : إنّ الغيب يقابل الشهود فما غاب عن حواسنا و خرج عن حدودها فهو غيب سواء أكان قابلاً للإدراك بالحواسّ كالحوادث الواقعة في غابر الزمان ، و المتكوّنة حاليّاً ، الغائبة عن حواسّ المخبر ، أم كان ممّا يمتنع ادراكه بالحسّ لعدم


(296)
وقوعه في اُفقه كذاته سبحانه وصفاته إلى غير ذلك من عوالم الغيب كالوحي و النبوّة فاللّه سبحانه عالم بالجميع من غير فرق بين المشهود و غيره (1).
    قال سبحانه : ( عالِمُ الغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ الكَبِيرُ المُتَعالُ ) ( الرعد/9 ).
    و قال سبحانه : ( قُلْ بَلى وَ رَبِّى لَتَأْ تِيَنَّكُمْ عالِمِ الغَيْبِ لايَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّة فِى السَّمواتِ وَ لا فِى الاَرْضِ وَ لا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَ لا اَكْبَرُ اِلّا فِى كِتاب مُبِين ) ( سبأ/3 ). و قال سبحانه : ( إِنَّ اللّهَ عالِمُ غَيْبِ السَّمواتِ وَ الاَْرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بذَاتِ الصُّدُورِ ) ( فاطر/38 ).
    لاشك إنّ هذه الآيات بصدد حصر العلم بالغيب و الشهادة له ، و هناك سؤال يطرح نفسه بل سؤالان :
    1 ـ كيف يصحّ حصر « العلم » بالغيب و الشهادة مع أنّ العلم بالشهادة متاح لكلّ من اُعطي واحداً من أدوات الحسّ.
    2 ـ دلّ قسم من الآيات على أنّ الأنبياء و الأولياء كانوا يعلمون الغيب ويخبرونعنه ، فهذا العلم بالغيب كيف يجتمع مع حصره في اللّه سبحانه؟
    و الجواب : إنّ ما يجري على اللّه سبحانه من صفات و نعوت يختلف عمّا يجري على غيره لابمعنى إنّ للعلم ـ مثلاً ـ معنيين مختلفين يجري على الواجب بمعنى و على الممكن بمعنى آخر فإنّ ذلك باطل بالضرورة ، و مثله الحياة و القدرة بل المراد اختلاف المحمول عند الجري على الواجب و الممكن اختلافاً في كيفيّة الجري و الإتّصاف ، فإنّ العلم منه واجب ، و منه ممكن ، و منه ذاتي ، و منه اكتسابي ، منه مطلق و مرسل عن القيود ، و منه مقيّد محدود ، منه ما هو عين الذات بلاتعدّد بين الوصف و الموصوف ، و منه ما هو زائد على الذات ، و من المعلوم أنّ
1 ـ و قدأشبعنا الكلام في حقيقة الغيب و الشهود في الجزء الثالث من هذه الموسوعة لاحظ : الفصل السادس ص 375 ـ 382.

(297)
ما يجري على الواجب ، هو القسم الأشرف و ما يجري على الممكن هو القسم الأخسّ فعند ذلك يظهر صحّة اختصاص العلم بالغيب و الشهادة باللّه سبحانه ، فإنّ العلم الواجب ، المطلق ، الذي هو عين الذات ، يختصّ به سبحانه ، سواء أتعلّق بالغيب أم بالشهادة و أمّا علم الغير بالشهادة فانّما هو علم ممكن لاواجب ، محدود لامطلق ، زائد على الذات لاعينه فلايضر ثبوته لغيره مع حصر مطلق العلم ، سواء أتعلّق بالغيب أم بالشهادة عليه سبحانه.
    و قد تقدّم في الجزء الثالث عند البحث عن اختصاص العلم بالغيب باللّه سبحانه ما يفيدك في هذا المقام (1).
    و على ذلك فالعلم المختصّ باللّه سبحانه إنّما هذا النوع من العلم لاغيره.
    و بذلك يعلم جواب السؤال الثاني فإنّ اطّلاع الأنبياء على الغيب بإذن منه سبحانه لايضرّ بحصر علم الغيب على اللّه فإنّ المحصور من العلم ، غير المشترك.

الثامن و السبعون : « عالم غيب السموات و الأرض »
    قال سبحانه : ( اِنَّ اللّهَ عالِمُ غَيْبَ السَّمواتِ وَ الاَْرْضِ اِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ) ( فاطر/38 ). و قد تقدّم تفسيره في الاسم السابق.
التاسع و السبعون : « علاّم الغيوب »
    و قد ورد في الذكر الحكيم أربع مرّات.
    قال سبحانه : حاكياً عن المسيح : ( تَعْلَمُ ما فِى نَفْسِى وَ لا اَعْلَمُ ما فِى نَفْسِكَ اِنَّكَ اَنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ ) ( المائدة/116 ).
1 ـ المصدر نفسه.

(298)
    و قال سبحانه : ( اَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ وَ أَنَّ اللّهَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ ) ( التوبة/78 ).
    و قال سبحانه حاكياً عن الرسل : ( قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ اَنْتَ عَلامُ الغُيُوبِ ) ( المائدة/109 ).
    و قال : ( اِنَّ رَبِّى يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلّامُ الغُيُوبِ ) ( سبأ/48 ).
    و حصر هذا الاسم على اللّه سبحانه حصر حقيقي مضافاً إلى أنّ علم الواجب غير محدود كوجوده ، و علم الممكن محدود ، و إنّ علم غيره سبحانه بالغيب بما أنّه يتوقّف على اذنه سبحانه و تعلّق مصلحة عليه قليل في ذاته فضلاً عن إذا قيس إلى علم الواجب بالغيب.

الثمانون : « العليم »
    قد ورد لفظ « العليم » في القرآن 162 مرّة ، و وقع وصفاً له في الجميع إلاّ في الموارد التالية : ( إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ) ( الأعراف/109 ) ، ( يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِر عَلِيم ) ( الأعراف/112 ) ، ( قَالَ اجْعَلْنِى عَلى خَزائِنِ الاَرْضِ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ ) ( يوسف/55 ) ، ( وَ فَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْم عَلِيمٌ ) ( يوسف/76 ) ، ( قالُوا لاتَوْجَلْ إِنّا نُبَشِّرُكَ بِغُلام عَلِيم ) ( الحجر/53 ) ، ( إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ ) ( الشعراء/34 ).
    و أمّا في غير هذه الموارد ، فقد جاء وصفاً له سبحانه ، و قورن بالصفات التالية : الحليم ، الواسع ، السميع ، الشاكر ، القدير ، العزيز ، الخبير ، الفتّاح ، الخلاّق.
    و قد وقفت على معنى العلم في البحث السابق ، و بما أنّ العلم و القدرة من أبرز الصفات الثبوتيّة وجب علينا البحث عن اُمور يرجع إلى علمه سبحانه أو إلى قدرته ، فلأجل ذلك قدأسهبنا البحث في هذين الوصفين ، و آثرنا الاختصار في غيرهما ، فنقدّم فهرس البحوث الواردة فيه مستقلاًّ.


(299)
2 ـ العلم
    ما هو حقيقة العلم؟
    التعريف المعروف للعلم.
    نقد هذا التعريف من وجوه :
    أوّلاً : عدم شموله لبعض أنواع العلم.
    تقسيم العلم إلى الحضوري و الحصولي.
    نماذج من العلم الحضوري.
    أ ـ نفس الصورة العلمية.
    ب ـ علم الإنسان بذاته.
    ج ـ علم الإنسان بالمشاعر النفسية.
    د ـ علم العلّة بمعلولها.
    ثانياً : عدم شموله للمعقولات المنطقية.
    نماذج من المعقولات المنطقية.
    أ ـ مفهوم الإنسان الكلّي.
    ب ـ مفهوم الجنس و الفصل.
    ثالثاً : عدم شموله للمحالات و المعدومات.
    رابعاً : عدم شموله للأرقام الرياضية.
    نكتة هامة ليس كلّ انعكاس علماً.
    اجابة عن سؤال.
    تعريف العلم بوجه آخر ( التعريف المختار ).


(300)
    علمه سبحانه بذاته.
    الدليل الأوّل : معطي الكمال ليس فاقداً له.
    الدليل الثاني : عوامل الغيبة منتفية عن ساحته سبحانه.
    دليل النافين لعلمه سبحانه.
    علمه سبحانه بالأشياء قبل إيجادها.
    أدلّة ذلك العلم.
    الدليل الأوّل : العلم بالحيثيّة الموجبة للمعلول علم به.
    الدليل الثاني : بسيط الحقيقة كلّ الأشياء.
    علمه سبحانه بالأشياء بعد ايجادها.
    الدليل الأوّل : قيام بالاشياء بذاته لا ينفك عن علمه بها.
    الدليل الثاني : سعة وجوده دليل على علمه بالأشياء.
    الدليل الثالث : اتقان المصنوع آية على علم الصانع.
    مراتب علمه سبحانه.
    شمول علمه سبحانه للجزئيات.
    أهم الأقوال في هذا المجال.
    القول المختار ودلائله.
    التعبير القرآني الرفيع عن سعة علمه سبحانه.
    دلائل النافين لعلمه سبحانه بالجزئيات ونقدها.
مفاهيم القرآن ـ جلد السادس ::: فهرس