مفاهيم القرآن ـ جلد السادس ::: 301 ـ 310
(301)
ما هي حقيقة العلم ؟
    لقد عُرِّف العلم بأنّه صورة حاصلة من الشيء على صفحة الذهن.
    وبعبارة أُخرى : هو انعكاس الخارج إلى الذهن ، عند اتصال الإنسان بالخارج.
    وهذا التعريف انتزعه الحكماء من كيفيّة حصول العلم للإنسان عند اتّصاله بالخارج ، إذ لا شكّ أنّ الخارج لا يمكن أن يقع في اُفق الذهن بنفس واقعيّته وحقيقته وعينيّته ، وإلاّ لزم أن ينتقل كلّ ما للوجود الخارجي من الأثر إلى عالم الذهن ، وإنّما ينتقل إليه بصورته المنتزعة منه عن طريق أدوات المعرفة من الحواس الخمس.
    وبالتالي : إنّ العلم هو الصورة الحاصلة من الشيء عند العقل.
    غير أنّ هذا التعريف ناقص من جهات شتّى نشير إلى بعضها :
     أوّلاً : عدم شموله لبعض أنواع العلم
    إنّ العلم ينقسم إلى قسمين : حصولي وحضوري ، وإليك بيانهما :
    لو كان الشيء حاضراً عند « العالم » بصورته وماهيّته لا بوجوده الخارجي ، فالعلم « حصولي ».
    ولو كان المعلوم حاضراً لدى « العالم » بواقعيّته الخارجيّة من دون توسيط صورة بين الواقعيّة والعالم ، فالعلم « حضوري ». (1)
1 ـ وستقف على مراتب العلم الحضوري.

(302)
    ولمزيد من التوضيح نقول : إنّ الإنسان عند ما يطلّ بنظره إلى الخارج ويلاحظ ما يحيط به في هذا الكون ، يشاهد شجراً وحجراً ، وناراً وثلجاً ، وبحراً وجبلاً ، وشمساً وقمراً ، فهناك :
    مدرِك ـ بالكسر ـ هو الإنسان وشيء في الخارج وهو المدرَك ـ بالفتح ـ وصورة متوسطة منتزعة من الشيء الخارجي تنتقل إلى مركز الإدراك ، عبر أدوات الاحساس والمعرفة.
    وبما أنّ الحاضر ـ عندنا ـ ليس هو ذات القمر والشمس أو النار والثلج بوجودهما الخارجيين ، وإنّما الحاضر ـ عندنا ـ وفي ذهننا هو « الصورة » المنتزعة الحاصلة من الخارج يسمى الشيء الخارجي « معلوماً بالعرض » والصورة الذهنية الحاكية للخارج « معلوماً بالذات » لأنّ الخارج معلوم بوساطة هذه الصورة ، ولولاها لانقطعت صلة الإنسان بالخارج ، والواقع الخارجي.
    وأمّا قولنا : بأنّ الخارج ليس حاضراً عندنا بواقعيّته الخارجيّة فهو أمر واضح لأنّ الذهن غير قادر على تقبّل الشيء بواقعيته الخارجية الحارة ، الباردة الخشنة ، الثقيلة إلى غير ذلك من الآثار المحمولة على الخارج.
    وهذا هو العلم الحصولي ، وعلى ذلك ينطبق التعريف المذكور مطلع هذا البحث.
    وهناك نوع آخر من العلم يسمّى بالعلم الحضوري وهو عبارة عن حضور نفس المعلوم بواقعيّته الخارجيّة عند الذهن لا بصورته ومفهومه.
    وعند ذلك ينقلب التثليث (1) المذكور في تعريف « العلم الحصولي » إلى تقسيم ثنائي فلا يكون ثمّة مدرِك ـ بالكسر ـ ومدرَك ـ بالفتح ـ بواقعيته الخارجية وصورة ومفهوم منها بل يكون مدرِك ـ بالكسر ـ ومدرك ، وربّما يكون اُحاديّاً كما
1 ـ الانسان المدرك و الشيء الخارجي و صورته الذهنية.

(303)
سيوافيك بيانه.

نماذج من العلم الحضوري
    أ. نفس الصورة الحاصلة في الذهن ، الحاكية للواقع الخارجي ، فإنّ علم الإنسان بالخارج يتحقّق بتوسط هذه الصورة.
    أمّا نفس الصورة فهي معلومة بالذات من دون توسّط شيء بين الذهن وتلك الصورة المدركة.
    فالخارج وإن كان معلوماً عبر هذه الصورة وبواسطتها ، إلاّ أنّ نفس الصورة معلومة بذاتها لدى النفس حاضرة في حورتها.
    ب. علم الإنسان بذاته : فإنّ ذات الإنسان حاضرة بذاتها لديه ، وليست ذاته غائبة عن نفسه ، فهو يشاهد ذاته مشاهدة عقليّة ويحس بها احساساً وجدانيّاً ، ويراها حاضرة لديه من دون توسّط شيء بين الإنسان وذاته من قبيل الصورة المنتزعة عن الخارج.
    وفي هذه الحالة ينقلب التقسيم الثنائي المذكور في القسم الأوّل من « العلم الحضوري » إلى حالة احادية ، وهي وحدة العاقل والمعقول ، والعالم والمعلوم.
    فالإنسان ـ في هذه الحالة ـ هو العالم وهوالمعلوم في وقت واحد وبهذا يتّحد المدرِك والمدرَك وهذا يفيد : إنّ ذات الإنسان علم وانكشاف وليس بين الذات ونفسه أيّ إبهام وحجاب.
    قال الحكيم السبزواري في منظومته :
وحصولي كذا حضوري فأوّل صورة شيء حاصله في الذات ما الحضور بالمحصور للشيء والثاني حضورالشيء له (1)

1 ـ المنظومة قسم الفلسفة : ص 143.

(304)
    إذا وقفت على هذا عرفت بأنّ علم الإنسان بذاته علم حضوري ، إذ لاتغيب ذات الإنسان و نفسه عن نفسه.
    و بهذا تقف على ضعف ما نقل عن الفيلسوف الفرنسي « ديكارت » حيث أراد الاستدلال على وجود نفسه بكونه مفكراً إذ قال : « أنا اُفكر فإذن أنا موجود » حيث استدلّ بوجود التفكّر على وجود المفكّر و هو نفسه.
    فإنّ هذا الإستدلال خال عن الإتقان لوجهين :
    أوّلاً : إنّ علم الإنسان بوجود نفسه علم حضوري و ضروري لايحتاج إلى البرهنة عليه و الاستدلال بشيء ، فليس علم الإنسان بتفكّره أقوى و أوضح عنده من علمه بذاته و نفسه.
    و ثانياً : إنّ « ديكارت » اعترف بالنتيجة التي سعى إليها في مقدمة كلامه و جملته ، إذ قال : أنا اُفكر فإذن أنا موجود.
    فقد أخذ وجود نفسه ( التي عبر عنها ب ـ « أنا ) » أمراً مفروضاً واقعاً مسلّماً بينما هو يريد الاستدلال على وجود تلك « الأنا » و هذا من باب قبول النتيجة قبل الاستدلال عليها.
    فالحقّ هو انّ « علم الإنسان بذاته » و انّه أمر موجود و حقيقة كائنة بنحو من الانحاء لايحتاج إلى البرهنة و الاستدلال أصلاً.
    ج ـ علم الإنسان بالمشاعر النفسية : إنّ الآلام و الأفراح التي تحيط بالإنسان جميعها معلومة للإنسان بالعلم الحضوري الذاتي ، فإنّ هذه الأحاسيس و المشاعر حاضرة بوجودها الخارجي لدى الإنسان من دون حاجة إلى أحذ صورة عنها.
    د ـ علم العلة بمعلولها : إنّ علم العلّة بمعلولاتها ليس علماً حصولياً بل علم حضوري لما سيوافيك من أنّ نسبة وجود المعلول إلى العلّة كنسبة المعنى الحرفي إلى المعنى الاسمي ، و إنّ المعلول بوجوده و هويته الخارجية قائم بعلّته. و المراد من


(305)
العلّة ، هو الفاعل الالهي أي معطي الوجود.
    و ما هو هذا حاله لايمكن غيابه عن العلّة ، و لايمكن عدم حضوره في ساحته ، و هو عبارة اُخرى عن علم العلّة بمعلوله. و سيوافيك توضيحه في محله.
    هذه هي بعض أقسام العلم الحضوري و نماذجه و قد أتينا بهذا القدر على سبيل المثال لاالحصر.
    فاتّضح ـ بما ذكرناه ـ إنّ التعريف الذي مرّ عليك في مطلع هذا البحث تعريف غير شامل لأفضل أنواع العلوم و أسناها.
     ثانياً : عدم شموله للمعقولات الثانية المنطقية
    إنّ نقص التعريف الماضي لايختصّ بما ذكر بل هناك نقص آخر و هو عدم شموله للمعقولات الثانية المنطقيّة.
    و توضيح ذلك : إنّ ما يرد إلى الذهن ينقسم إلى معقولات أوّليّة ، و معقولات ثانية (1). فكلّ مفهوم له فرد واقعي في خارج منه تؤخذ الصورة و تنتزع حتى ترد إلى حوزة النفس ، و مجال الذهن فهو معقول أوّل ، و ذلك كالألوان و ما شاكل ذلك.
    و كلّ مفهوم لانجد له فرداً خارجيا غير أنّه يقع في اُفق النفس بتعاملات ذهنيّة و ذلك مثل المفهوم الكلّي و النوع و الجنس و المعرّف و الحجّة ، و غير ذلك من المفاهيم التي تعد موضوعات للمسائل المنطقية (2).
    فإنّ كلّ واحد من هذه المفاهيم ، مفاهيم ذهنية ليس لها مصاديق في الخارج
1 ـ و المعقولات الثانية تنقسم الى معقولات ثانية منطقية و معقولات ثانية فلسفية و الكل خاص.
2 ـ قال الحكيم السبزواري :
إن كان الاتصاف كالعروض في عقلك فالمعقول بالثاني صفي

(306)
بحيث ينتزع هذا المفهوم من ذلك الشيء الخارج ، و إنّما يصفه الذهن بتعامل فكري قد أوضحه المحققون في محلّه.
    لاأقول : إنّ هذه المفاهيم من مصنوعات الذهن ، و مفتعلاته التي لاصلة لها بالخارج أبداً ، لأنّ كلّ ما في الذهن لابدّ و أن يرجع بنحو من الأنحاء إلى الخارج ولكن كون الخارج مبدأً لوقوع هذه المفاهيم في الذهن ، غير وجود مصداق خارجي له.
    و نأتي هنا بأمثلة :

أ ـ مفهوم الإنسان الكلّي :
    فإنّ هذا المفهوم المقيّد بالكلّية ليس له وجود إلاّ في محيط الذهن ، فإنّ الإنسان و إن كان موجوداً في الخارج لكنه جزئي متشخّص ، بخلاف مفهوم الإنسان الذي له سعة أن يشمل كلّ فرد من أفراده ، و المفهوم بهذه السعة غير موجود إلاّ في الذهن ، فإنّ كلّ ما في الخارج أمر جزئي متشخّص و متعيّن ، و المفهوم الكلّي الوسيع خال عن التشخّص و التعيّن ، بدليل صدقه على هذا المتشخّص ، و ذاك المتعيّن و مع ذلك فهذا المفهوم الكلّي يصنعه الذهن بمقايسة بعض الأفراد ببعض ، و انتزاع المشتركات منها.
    و على الجملة فهذا المفهوم ( أي مفهوم الإنسان الكلّي ) معلوم لنا ، و النفس واقفة عليه ، غير أنّه ليس من قبيل « الصورة الحاصلة من الشيء في الذهن » و إنّما هو من مخلوقات الذهن و مصنوعاته بعد اتّصاله بالواقع الخارجي ، و مشاهدة أفراده ومصاديقه.


(307)
ب ـ مفهوم الجنس و النوع :
    إنّ المنطق يبحث عن مفاهيم ، مثل النوع و الجنس ، و المعرّف ، و الحجّة ، و غير ذلك من المفاهيم التي تعد موضوعات لذلك العلم.
    فالنوع عبارة عن مفهوم يحكي عن القدر المشترك بين أفراد متّحدة الحقيقة كالإنسان و الجنس عبارة عن تمام الحقيقة المشتركة بين الجزئيات المتكثّرة بالحقيقة في جواب ما هو كالحيوان.
    و من المعلوم أنّ القدر المشترك ، سواء أكان قدراً مشتركاً لمتّفقة الحقيقة أو لمختلفها لايمكن أن يكون له مصداق في الخارج ، لأنّ الخارج طرف للتعيّن و التشخّص ، فما لزيد من الإنسانيّة فهو يختصّ به ، و ما لعمرو منها فهو له خاصّة أيضاً ، و لايعد كلّ ما يختصّ قدراً مشتركاً ، و إنّما القدر المشترك هو المفهوم الذهني الذي لايتشخّص ، و لايتقرّر بعنوان فرد من الأفراد ، و لأجله يقدر أن يحكي عن كلاالفردين ، بسعة مفهومه و عموميّة معناه.
    فلأجل ذلك لايوجد لهذه المفاهيم موطن إلاّ الذهن ، و ليس له مصداق إلاّ فيه ، و مع ذلك فهو يحكي بنحو من الأنحاء عن الخارج ، و يؤخذ منه بشكل من الاشكال ، لكن الحكاية عن الخارج ، غير كون الخارج مصداقاً له ، كما أنّ أخذه من الخارج بمقايسة الأفراد بعضهم ببعض غير كونه مأخوذاً من الخارج مباشرة ...
    و بذلك يعلم أنّ المعرِّف بما هو أمر كلّي يعرف أمراً كلّياً ليس له موطن إلاّ في الذهن كالحيوان الناطق المعرّف للإنسان ، و هكذا الحجّة بما هو قضايا كلّيّة يستدلّ بها على قضية كلّية اُخرى لاموطن لها إلاّ الذهن.
    فإنّ الاستدلال عبارة عن الانتقال عن العلّة إلى معلوله أو منه إلى علّته أو من اللازم إلى اللازم فكلّ هذه الاُمور قضايا كلّية تهدينا إلى قضية كلّية اُخرى.


(308)
    فقولنا : العالم متغيّر وكلّ متغيّر حادث ، حجّة على قولنا : العالم حادث. فتحصل إنّ هناك علوماً ذهنيّة ليست صوراً متّخذة من الخارج ، ولا حاصلة منه.
    وعلى هذا يجب أن يعرّف « العلم » بنحو يشمل هذا النوع أيضاً ، وإلاّ كان ناقصاً كما عرفت.
     ثالثاً : عدم شموله للمحالات والمعدومات
    لاشكّ إنّ النفس كثيراً ما تتصوّر مفاهيم ممتنعة ، وتقضي بأنّها لا يمكن أن تتحقّق في الخارج أبداً ، وذلك مثل الدور ، والتسلسل ، واجتماع النقيضين ، والضدّين.
    فهذه معلومات نفسانيّة يقف عليها الإنسان ، مع أنّها ليست صوراً متّخذة من الخارج ولا منتزعة من شيء في الواقع الخارجي ، وإلاّ يلزم عدم امتناعها.
     رابعاً : عدم شموله للأرقام الرياضية
    إنّ الإنسان يتصوّر أرقاماً بعد الواحد إلى المئات والاُلوف ، وهذه مفاهيم علميّة للنفس تستخدمها في العلوم الرياضيّة والهندسيّة مع أنّها ليست منتزعة من الخارج كما تؤخذ صورة زيد عن وجوده الخارجي.
    فإنّ الموجود في الخارج هو الآحاد ، وأمّا العشرة أو المائة أو الألف بهذه المفاهيم المتكثّرة فهي ممّا تصنعه النفس.
    فإنّ النفس تصنع هذا المركّب بعد مشاهدة الأفراد من دون أن يكون للمركّب مصداق وراء الآحاد فلو حضر في البيت عشرة رجال ، فالموجود ـ في الحقيقة ـ هو الآحاد ، وليس وراء ذلك ، أيّ موجود باسم المركّب ، وإلاّ كانت العشرة أحد عشر.


(309)
نكتة يجب التنبيه إليها
    إن مجرد انعكاس الصورة من الخارج في الذهن ، سواء قلنا بمادّيتها أو بتجرّدها عن الماديّة ، لا يعادل العلم ، ولا يساوقه ، وإلاّ لكانت الصورة المنعكسة في المرايا علماً ، والمرآة عالمة ، بل يجب أن يكون هناك أمر آخر وهو لزوم نوع وحدة بين الصورة وحاملها وعينيّة بين العلم بالذات والعالم ، بحيث تعد الصورة من مراتب وجود العالم ، ومظهراً من مظاهر وجوده.
    وهذه الحقيقة هي الّتي حقّقها الفلاسفة في البحث عن اتّحاد العاقل والمعقول ، والمراد من العاقل هو الإنسان العالم بالشيء ، ومن المعقول هو الصورة الذهنيّة.
    فيجب أنيكون وجود الصورة بوجه يتّحد مع النفس ، اتّحاد العرض مع جوهره في الوجود ، وإلاّ فلو عدّت النفس ظرفاً للصورة ، والصورة شيئاً موجوداً فيه ، كانت أشبه شيء بالصورة المنعكسة في المرايا.
     اجابة عن سؤال :
    لقد اتّضح ممّا ذكرنا : إنّ الصور الذهنية على نوعين :
    1. صور منتزعة من الخارج ، ومأخوذة عنها مباشرة.
    2. صور غير منتزعة من الخارج ، وإنّما تعدّ من صنائع النفس ومخلوقاته ، وعلى هذا فينطرح السؤال التالي :
    إنّ الله سبحانه يقول : ( وَ اللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الأَبْصَارَ وَ الأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (1).
    والآية صريحة في أنّ مفاتيح العلم ، وصيرورة الإنسان غير العالم عالماً هو « الحواس » ومع ذلك فكيف يمكن أن يقال إنّ هناك مفاهيم وصور معلومة للإنسان
1 ـ النحل : 78.

(310)
غير واردة إلى الذهن من الخارج عند اتّصاله به.
     الجواب :
    لاشك انّ كلّ ما يقف عليه الإنسان وليد صلته بالخارج وارتباطه به ، فلو ولد الإنسان فاقداً لحواسّ تربطه بالخارج ، لما انقدح ولا ظهر في ذهنه شيء ، ولأجل ذلك يقول الفيلسوف الإسلامي « أبو علي » : « من فقد حسّاً فقد علماً ». (1)
    ويقول « جون لاك » : « ليس في العقل شيء إلاّ وقبله في الحسّ شيء آخر ».
    ومع هذا فإنّ المفاهيم على قسمين :
    1. ما تؤخذ مباشرة من الخارج ، ويكفي في هذا القسم مجرّد الارتباط ، كالصورة الواردة إلى الذهن ، من الحجر والشجر ، والقلم ، والمنضدة وما شاكل ذلك.
    2. ما لا يؤخذ من الخارج بهذا النحو ، غير أن ارتباط الإنسان بالخارج واتّصاله به يهيئه ويعطيه استعداداً لأن يصنع هذه المفاهيم الكلّية ، بحيث لولا تلك الصلة لما استطاعت النفس البشرية أن تصنع تلكم المفاهيم.
    وهذا مثل تصوّر « الإنسان الكلّي » ، فهذا المفهوم وإن لم يكن منتزعاً من الخارج كانتزاع صورة القلم عنه ، غير أنّ صلة الإنسان بهذا الفرد من البشر ، وذاك الفرد يعطيه قدرة لأن يصنع في محيط الذهن « مفهوماً كلّياً » قابلاً لأن يحكي عن كلّ ما يمكن أن يعدّ قدراً مشتركاً.
    وبهذا الشكل يستطيع الإنسان أن يأخذ كثيراً من المفاهيم الّتي ليس لها
1 ـ قد استفيض نقل هذا الكلام عن الشيخ الرئيس.
مفاهيم القرآن ـ جلد السادس ::: فهرس