مفاهيم القرآن ـ جلد السادس ::: 311 ـ 320
(311)
مصاديق واقعيّة في الخارج ، غير أنّ صلة الإنسان بالخارج توفّر له مقدرة على صنعها ، وذلك مثل كثير من المفاهيم كالمحالات والممتنعات والأرقام الرياضية بل المفاهيم الاعتبارية ـ على ما هو محقّق في محله ـ.

تعريف العلم بوجه آخر
    إنّ أصحّ التعاريف واتقنها هو أن يقال : إنّ العلم عبارة عن « حضور المعلوم دلى العالم ».
    ليس الهدف من التعريف ، التعريف الحقيقي حتّى يؤخذ عليه بأنّه مستلزم للدور لأخذ المعرِّف ، جزءاً للمعرَّف وإنّما الهدف الاشارة إلى واقعيّة العلم بوجه من الوجوه وإنّ ماهيّته حضور ما وقف عليه الإنسان عند النفس فحقيقة العلم ، حضور شيء لدى شيء.
    وهذا التعريف يشمل العلم بقسميه الحصولي والحضوري.
    غير أنّ الحاضر في الأوّل هو الصورة ، ونفس المعلوم بالذات دون المعلوم بالعرض ، أي الواقعيّة الخارجيّة.
    وفي الثاني نفس الواقعيّة ( الخارجية أو الذهنية » من دون توسّط صورة بين العالم والمعلوم ، فلا ترد الاشكالات الّتي وردت على التعريف الأوّل.
    وهذا يشمل علم الإنسان بذاته ، فإنّ ذات كلّ إنسان حاضرة لديه ، غير غائبة عنه كما هو مقرّر في أدلّة تجرّد النفس.
    فالذات بما هي واقفة على نفسها تعدّ « عالماً » ، وبما أنّها مكشوفة لنفسها غير غائبة عنها تعد « معلوماً » وبما أنّ هناك حضوراًلا غيبوبة تتحقق ثمّة واقعيّة للعلم.
    وهذا التعريف تعريف جامع يشمل كلّ أنواع العلوم الحاصلة في الممكن والواجب ، ويدخل تحته علم النفس ، بنفس الصورة الذهنية ، فإنّها بواقعيّتها الذهنيّة


(312)
حاضرة لديها بلاتوسيط صورة بينها و بين الصورة.
    إذا وقفت على هذه المقدمات فاعلم أنّ البحث في علمه سبحانه تارة يقع في علمه بذاته ، و ثانياً في علمه بالأشياء.
    فلنقدّم البحث الأوّل على الثاني.

علمه سبحانه بذاته :
    فنقول : المراد من علمه سبحانه بذاته ، ليس علمه بها على نحو العلم الحصولي ، بمعنى أخذ صورة عن الذات و مشاهدتها عن طريق الصورة ، لأنّ العلم بها عن هذا الطريق محال في حقّه سبحانه ، لأنّ انتزاع الصورة فرع التعرّف على المنتزع ، فلو كان التعرّف عليها عن طريق انتزاع الصورة لزم الدور.
    و إن قيل تقدّم الصورة الحاكية عن الذات ، يلزم تركّبه من صورة و ذيها.
    بل المراد حضور ذاته لدى ذاته و يمكن اثباته بوجهين :
    الدليل الأوّل : لاشك إنّه سبحانه مبدئ لموجودات عالمة بذواتها ، أي حاضرة لديها بنفسها كالإنسان فلابدّ أن يكون سبحانه المعطي لذلك الكمال واجداً له بأتمّ وجه و أفضله ، إذ لايمكن أن يكون معطي الكمال فاقداً له ، فهو واجد لهذه الصفة ، و ذاته حاضرة لديه بأحسن ما يكون من معنى للحضور.
    و نحن و إن كنّا لانحيط بكيفيّة علمه و خصوصيّة حضور ذاته لديه سبحانه ، غير انّا نشير إلى هذا العلم ب ـ « حضور ذاته لديه و علمه بها من دون وساطة شيء في البين أبداً ».
    و خلاصة القول بأنّه كيف يسوغ عند ذي فطرة إنسانيّة أن يكون واهب كمال ما ، و مفيضه ، قاصراً عن ذلك الكمال؟ فيكون المستوهب أشرف من الواهب ، و المستفيد أكرم من المفيد ، و حيث ثبت استناد جميع الممكنات إلى ذاته ( تعالى ) التي هي وجوب صرف و فعليّة محضة و من جملة ما يستند إليه هي الذوات العالمة ،


(313)
و المفيض لكلّ شيء أوفى بكلّ كمال ، لئلايقصر معطي الكمال عنه ، فكان الواجب عالماً ، و علمه غير زائد على ذاته (1).
    الدليل الثاني : لاشكّ إنّ الموجود المادي ـ بما له من وجود مادي ـ تغيب بعض أجزائه عن بعضه.
    فالمادة بما أنّها متكممة ( أي لهاكم ) ذات أبعاض و أجزاء و لايكون لها وجود جمعي لايجتمع مجموع أجزائها في مقام واحد.
    و بعبارة اُخرى : إنّ الكائن المادي بملاحظة كونه متكمِّماً متفرّق الأجزاء و لهذا تغيب بعض أجزائها عن البعض الآخر.
    كما أنّه بحكم كونه موجوداً زمانياً تدريجياً و ذا وجود سيّال ، متدرّج في عمود الزمان يقع بعضه في ما مضى من الزمان و بعضه الآخر في الحال ، و بعضه في المستقبل و لهذا لايمكن أن يحصل ذاته بجميع أبعادها و خصوصيّاتها لديه جملة واحدة.
    و بذلك تكون غيبة المادة زماناً و أبعاضاً أمراً مضاداً مع حضور الذات ، و ما ذلك إلاّ لكون المادة ـ كما أسلفنا ـ شيئاً متكمّماً ذات كمّية و ذات أجزاء و أبعاض ، أو زمانيّاً واقعاً بعضه في زمان ، و بعضه الآخر في زمان آخر.
    و هذا يعني : إنّ التبعّض ، و التدرّج موانع و حواجب تحجب الشيء عن نفسه ، و تمنع من علم الشيء بكلّ ذاته.
    و أمّا اذا كان الموجود منزّها عن عوامل الغيبة هذه ، كما لو كان مجرّداً منزّهاً عن المادة و الماديّة و عن التبعّض العنصري المكاني ، أو التدرّج الزماني بل كان وجوداً بسيطاً من غير أن يكون له أجزاء و أبعاض و أطراف ، كانت ذاته حاضرة لديه
1 ـ الاسفار : ج 6 ، ص 176.

(314)
حضوراً كاملاً ، مطلقاً.
    و ذلك مثل حضور النفس عند ذاتها و علمها بذاتها و بقواها ، فإنّ حضور ذاتنا عند ذاتنا لايراد منه حضور أبعاض جسمنا ، بعضها عند بعض ، بل المراد حضور الإنسان المعبّر عنه بلفظة ( أنا ) المجرّد عن الزمان و المكان ، المنزّه عن التكمّم و التدرّج.
    فلو فرضنا موجوداً في صعيد أعلى من التجرّد و البساطة و أتم تجرداً من النفس و عارياً عن عوامل غيبة الذات عن نفسها ، التي هي من خصائص الكائن المادي ، كانت ذاته حاضرة لديه ، و هذا يعني علم اللّه سبحانه بذاته ، فإنّه بمعنى حضور ذاته لدى ذاته بأتمّ وجه و أكمل.
    و أنت أيّها القارئ الكريم إذا أمعنت النظر في ما تلوناه عليك يسهل لك نقد ما أستدل به على عدم علمه بالذات ، و إليك بيانه :

العلم بالذات يستلزم التغاير بين العلم و المعلوم
    استدل النافون لعلمه سبحانه بذاته بأنّ العلم نسبة ، و النسبة تتحقّق بين شيئين متغايرين و هما طرفان بالضرورة ، و نسبة الشيء إلى نفسه محال إذ لاتغاير هناك.
    و قد أجاب عنه المحقّق الطوسي في التجريد بقوله :
    « و التغاير اعتباري ».
    توضيحه : « إنّ المغايرة قد تكون بالذات و قد تكون بنوع من الاعتبار ، و هاهنا ذاته تعالى من حيث إنّها عالمة مغايرة لها من حيث إنّها معلومة ، و ذلك كاف في تعلق العلم » (1).
1 ـ كشف المراد : ص 175.

(315)
    و إن شئت قلت : « إنّ ذات الباري تعالى باعتبار صلاحيتها للمعلوميّة في الجملة مغايرة لها باعتبار صلاحيتها للعالميّة في الجملة و هذا القدر من التغاير يكفي لتحقّق النسبة » (1).
    و بعبارة ثالثة : إنّ الذات من حيث إنّها عالمة مغايرة لها من حيث هي معلومة فصحّت.
    و إلى ما ذكرنا يشير الفاضل المقداد من أنّ الصورة إنّما تعتبر في غير العلم بالذات كالعلم بالأشياء لا في العلم بالذات. (2)
    و الحاصل : إنّ التعدد و التغاير إنّما هو في العلم الحصولي ففيها الصور المعلومة غير الهوية الخارجيّة.
    و أمّا إذا كان الذات بالذات نوراً و انكشافاً و علماً و حضوراً فلايشترط فيه التعدّد و التغاير بل يصحّ اطلاق العالم و المعلوم عليه بالحيثيتين.
    فلأجل انكشاف ذاته لذاته يسمّى « علماً » و بحسب كون الذات مكشوفة تسمّى « معلوماً ».
    و إن شئت قلت : باعتبار أنّه يدرك ذاته فلاتغيب ذاته عن ذاته فهو عالم.
    و باعتبار أنّ الذات حاضرة لديه فهو معلوم.
    و إلى ذلك يشير كلام أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) : « يا من دلّ على ذاته بذاته ».
    إلى هنا تمّ الكلام في علمه سبحانه بذاته و حال حين البحث عن علمه بالأشياء و إليك البيان.
1 ـ شرح القوشجي : ص 313.
2 ـ ارشاد الطالبين : ص 201.


(316)
2. علمه سبحانه بالأشياء قبل الايجاد
    إنّ علمه سبحانه بالأشياء يتصوّر على وجهين :
    الأوّل : علمه بها قبل الإيجاد.
    الثاني : علمه بها بعد الإيجاد.
    وقد اتّفق الحكماء على علمه بها بعده ، وإنّما اختلفوا في علمه بها قبله ، فهم بين مثبت وناف ، والمثبت بين كون علمه إجمالياً لا تفصيلياً ، وكونه كشفاً تفصيليّاً في عين البساطة والاجمال وإليك براهين المثبتين :
     الدليل الأوّل : العلم بالسبب بما هو سبب ، علم بالمسبب
    العلم بالعلّء بما هي علّة ، والحيثيّة الّتي هي سبب لوجود المعلول ، لا ينفك عن العلم بالمعلول ولتقريب الدليل نمثل بأمثلة :
    أ. المنجّم العارف بالقوانين الفلكية والمحاسبات الجوية يقف على أنّ الخسوف أو الكسوف أو ما شاكل ذلك ، يتحقّق عند الوقت أو الوضع الفلاني ، وليس علمه بهذه المعلومات ناشئاً إلاّ من العلم بالعلّة من حيث هي سبب لكذا وكذا.
    ب. إنّ الطبيب العارف بحالات النبض وأنواعه ، وأحوال القلب وأوضاعه ، يقدر على التنبّؤ بما سيحدث لهذا المريض مستقبلاً إذا عرف بحالة قلبه أو وضع نبضه ، وليس هذا العلم بالمعلول إلاّ من طريق العلم بالعلّة من حيث هي علّة لكذا وكذا.
    ج. والصيدلي العارف بخصوصيّة مائع خاص وكونه سمّاً قاتلاً لا يطيق الإنسان تحمّله سوى دقائق ، يقف من العلم بهذه الخصوصيّة على أنّ شاربه سيقضي على حياته ، بشربه ذلك المائع.


(317)
    والله سبحانه لمّا كان علّة للعالم إذ لا يستمدّ العالم بأجمعه وجوده من غير ذاته تعالى ، فالعلم بالذات علم بالحيثيّة الّتي هي سبب لتحقّق العالم وتكوّنه.
    فالعلم بالذات ( كما عرفت ) علم بنفس النظام لأنّ النظام معلول له وصادر منه وهذا هو معنى قولهم الشائع : « العلم بالنظام الربّاني ، نفس العلم بالنظام الكياني ».
    ويمكن توضيح البرهان ببيان مقدّمات.
    الأُولى : إنّه تعالى علّء وفاعل لما عداه بحيث تكون الممكنات بجملتها مستندة إليه من وجوداتها وماهيّاتها ، غاية الأمر استناد جميع الوجودات الممكنات إليه تعالى يكون بالذات ، واستناد الماهيّات (1) إليه بالعرض.
    الثانية : علّية شيء لشيء هي عبارة عن كونه على جهة وخصوصيّة يأبى أن لا يترتب عليه المعلول.
    وإن شئت قلت : إنّ معنى علّية شيء لشيء اشتمال الشيء الأوّل على حيثيّة وخصوصيّة توجب ـ ايجاباً قطعياً ـ وجود المعلول في الخارج ، بحيث لولا هذه الحيثيّة لما يتحقّق المعلول.
    ومن هذا يعلم انّ بين تلك الحيثيّة القائمة بالعلّة ووجود المعلول رابطة وصلة خاصة بحيث تقتضي نفس الحيثيّة ، ذلك المعلول ولولا تلك الصلة لكان نسبة المعلول إلى تلك الحيثيّة وغيرها سواسية مع أنّها ضرورية البطلان.
    وبكلمة واضحة إذا كانت النار مبدأً للحرارة بحيث لا تنفك الثانية من الأُولى نستكشف عن رابطة بين الشيئين ، وإلاّ يلزم أن تكن نسبة الحرارة إلى النار وسائر
1 ـ المراد بالماهيات هي خصوصيات الوجود و حدوده من المعدنية و النباتية و الحيوانية فالخصوصيات التي تبيّن حدا الوجود و تشخّصه خصوصيات خاصة تسمّى بالماهية المتحققة في الخارج بالوجود.

(318)
الأجسام سواسية وهذا بديهي البطلان.
    نعم تلك الحيثيّة الّتي تعدّ مبدأً للعلّية ، تكون في العلل الماديّة زائدة على الذات وفي العلل العلوية وبالأخص الحق سبحانه نفس ذاته.
    الثالثة : إنّ فاعليته تعالى لما عداه ، يكون بنفس ذاته ، لا بخصوصيّة طارئة عليه وجهة زائدة عليه فهو تعالى بنفس ذاته ، المحيط بكلّ شيء وقيّوم له ، فاعل لكلّ شيء كيف ، وإلاّ يلزم أن يكون في فاعليته مفتقراً إلى غيره (1) فيلزم أن يكون في وجوده أيضاً كذلك وهو خلف ، فالواجب فاعل في ذاته بذاته ، لا بحيثيّة متضمّة إلى ذاته تقييدية كانت أو تعليلية.
    الرابعة : إنّه تعالى عالم بذاته وإنّ علمه بذاته عين ذاته ـ كما عرفت ـ.
    إذا عرفت ذلك تقف على أنّ علمه بذاته مستلزم للعلم بمعاليله ومخلوقاته وإنّ أحد العلمين لا ينفك عن الآخر وذلك لأنّه إذا كان العلم بالحيثيّة مستلزماً للعلم بالمعلول وكانت تلك الحيثية حسب المقدمة الثالثة نفس ذاته ينتج إنّ العلم بالذات ، نفس العلم بالمعاليل والمعلومات.
    وبعبارة أُخرى :
    العلم بالجهة المقتضية للشيء الّتي هي العلّة حقيقة ( وهي في الواجب تعالى نفس ذاته ) مستلزم للعلم بما يترتّب عليها من المعلول.
    ففرض تلك الذات في العين ، يلازم لازمها في العين ، وإذا حصلت في الذهن ، يترتّب عليها في الذهن قضاء لحكم اللزوم ، فالعلم بالسبب من حيث هو سبب ، مستلزم للعلم بالمسبب المترتّب عليه وهذا الاستلزام يتصوّر على أنحاء أكملها : أن يكون العلم بالمسبّب عين العلم بالسبب فيكون العلم بالسبب عين
1 ـ قد ثبت في محله انّ الافتقار في الفعل لاينفك عن الافتقار في الذات ، و لأجل ذلك قالوا واجب الوجود بالذات واجب من جميع الجهات.

(319)
العلم بالمسبب ، وذلك بناء على أن يكون المسبب بعينه موجوداً بعين وجود السبب على ما هو مقتضى بساطته. (1)
    وقد أشار إلى هذا البرهان طائفة من المتكلّمين والحكماء نذكر بعض كلماتهم :
    1. قال العلاّمة الحلّي في كشف المراد : إنّ كلّ موجود سواه ممكن ، وكلّ ممكن فإنّه مستند إلى الواجب إمّا ابتداءً أو بوسائط ، وقد سلف : إنّ العلم بالعلّة يستلزم العلم بالمعلول ، والله تعالى عالم بذاته على ما تقدّم فهوعالم بغيره.
    وقد أوضح العلامة الحلّي في المسألة السابعة من الفصل الخامس ( بحث الأعراض ) كيفيّة استلزام العلم بالعلّة العلم بالمعلول إذ قالما هذا توضيحه : إنّ العلم بالعلّة يقع على ثلاثة أنواع :
    أ. العلم بذات العلّة لا بالحيثيّة الّتي تستند إليه الأشياء ، فمثل هذا لا يستلزم العلم بالمعلول.
    ب. العلم بها بما أنّها مستلزم لشيء آخر ومثل هذا العلم يلازم العلم بالمعلول لكن علماً غير تام بعامّة خصوصيّات المعلول.
    ج. العلم بالعلّة بتمام خصوصيّاتها وذاتها ولوازمها وملزوماتها ، وعوارضها ومعروضاتها ، وما لها في ذاتها ومالها بالقياس إلى الغير.
    وهذا هو العلم التام بالعلّة ، وهو يستلزم العلم التام بالمعلول فإنّ المعلول وحقيقته ، لازم للعلّة بهذه الحيثيّة.
    فلو تعلّق العلم بالعلّة بهذه الحيثية يستلزم العلم بالمعلول. (2)
1 ـ درر الفوائد : ج 1 ، ص 485 ـ 467 ).
2 ـ كشف المراد راجع المقصد الاول الفصل الخامس المسألة السابعة عشرة و المقصد الثالث المسألة الثانية.


(320)
    و اللّه سبحانه بما أنّه بسيط من كلّ الجهات فالعلم بالذات البحث البسيط ، هو عين العلم بالحيثيّة التي تصدر بها عنه الاشياء ، فمثل هذا العلم يلازم العلم بعامّة معلولاته على الترتيب الذي يصدر عنه.
    2 ـ و قال صدر المتألّهين : إنّ ذاته سبحانه لمّا كان علّة للأشياء ـ بحسب وجودها ـ و العلم بالعلّة يستلزم العلم بمعلولها على الوجه الذي هو معلولها ، فتعلّقها من هذه الجهة لابد أن يكون على ترتيب صدورها واحداً بعد واحد (1).
    و هذه العبارة تفيد : إنّ علمه سبحانه بالأشياء قبل الخلقة محقّق حتى على الترتيب الذي توجد به الأشياء في نظام الأسباب و المسبّبات.
    3 ـ و قال الحكيم الالهي السبزواري نظماً :
و عالم بغيره إذا استند بالسبب العلم بما هو السبب إليه وهو ذاته لقد شهد علم بما هو مسبّب به وجب
    ثمّ قال شارحاً ذلك :
    و حاصله : إنّ الأشياء في ذواتها مستندة إليه تعالى و هو تعالى علم بذاته ، و العلم بالعلّة بما هي علّة يقتضي العلم بالمعلول ، فهو تعالى ينال الكلّ من ذاته.
    ثمّ التقييد بقولنا : « بما هو السبب » إشارة إلى أنّ المراد من العلم بالسبب : العلم بالجهة المقتضية للمسبب سواء كانت عين ذاته أو زائدة.
    و لاشك إنّها عين حيثيّة ترتب المسبب على السبب إذ التخلف عن السبب التام محال ، كما أشرنا إليه بقولنا : « به وجب ».
    فكلّما حصلت « الحيثية » في ذهن أو خارج حصل ذلك المسبّب فيه ، إذ
1 ـ الاسفار : ج 6 ، ص 275 و غيره مفصلاً و مختصراً.
مفاهيم القرآن ـ جلد السادس ::: فهرس