مفاهيم القرآن ـ جلد السادس ::: 331 ـ 340
(331)
و لم يوفّق الإنسان إلاّ إلى كشف بعض سطوحه بما سلّطه من أضواء كاشفة له ، فيما لاتزال أعماقه غير مكشوفة له بل لايزال القسم الأعظم من سطوحه مجهولة.
    إنّ عالم الخلقة أشبه ما يكون بهذا المحيط فإنّ الإنسان رغم ما قام به من جهود جبّارة للتعرّف على حقائقه ، و رموزه ، لم يقف إلاّ على قدر قليل من أسراره بينما لاتزال أكثرها غير معلومة له.
    يقول أحد الاختصاصيين في الطبيعة الحيوية والأبحاث النووية :
    « لقدكنت عند بدء دراستي للعلوم شديد الاعجاب بالتفكير الإنساني ، و بقوّة الأساليب العلميّة إلى درجة جعلتني اَثِقُ كلّ الثقة بقدرة العلوم على حلّ أية مشكلة في هذا الكون بل على معرفة منشأ الحياة ، و العقل و ادراك معنى كلّ شيء ، و عندما تزايد علمي و معرفتي بالأشياء من الذرة إلى الأجرام السماوية ، و من الميكروب الدقيق إلى الإنسان ، تبيّن لي أنّ هناك كثيراً من الأشياء التي لم تستطع العلوم حتّى اليوم اَنْ تجدَ لها تفسيراً أو تكشف عن أسرارها النقاب ، و تستطيع العلوم أن تمضي في طريقها ملايين السنين و مع ذلك فسوف تبقى كثير من المشكلات حول تفاصيل الذرّة و الكون و العقل كما هي لايصل الإنسان إلى حلّ لها أو الاحاطة بأسرارها » (1).
    و قال أنيشتاين ـ عندما كان واقفاً على درج مكتبته ـ : « إنّ نسبة ما أعلم إلى ما لاأعلم كنسبة هذا الدرج إلى السماء » (2).
    و يقصد بذلك : إنّه لم يتسلّق من درجات العلم و المعرفة سوى درجات معدودة جداً ، و إنّ المسافة بين معلوماته إلى مجهولاته كالمسافة بين الأرض و السماء.
    حقاً إنّ الإنسان عندما يقيس حجمه بأحجام الأجسام و الأجرام السماوية ، و
1 ـ اللّه يتجلى في عصر العلم : ص 35 ـ 36 ، بول كلارنس ابرسولد.
2 ـ رسالة الاسلام ، السنة.


(332)
ما بينها من فواصل وأبعاد ، يدرك مدى صغر حجمه وضآلة معلوماته وضحالة معارفه.
    إنّ أضخم مكتبة توصلّت البشرية إلى تأسيسها في الوقت الحاضر هي الآن في أمريكان حيث تضم عشرة ملايين كتاباً ، وما يقوم في « لينينغراد » ، وما يوجد في متاحف بريطانيا ومع ذلك فإنّ كلّ هذه الكتب لا تتجاوز معلومات البشر حول الأرض وقليل جداً من الفضاء الخارجي.
    إنّ ملاحظة كلّ جهاز بسيط أو معقد ـ كقلم أو كومپيوتر ـ يدلّنا على أنّ صانعه عالم بما يسود ذلك الجهاز من القوانين والعلاقات ، كما تدل دائرة معارف ضخمة على علم مؤلّفها وجامعها بما فيها.
    إنّ المصنوع بما فيه من اتقان ودقّة ، وتركيب عجيب ونظام بديع ، ومقادير معيّنة يحكي عن أنّ صانعه مطّلع على هذه القوانين والرموز ، عارف بما يتطلبه ذلك المصنون منمقادير وأنظمة.
    ومن هنا يشهد الكون ابتداءً من الذرّة الدقيقة إلى المجرّة الهائلة ، ومن الخليّة الصغيرة إلى أكبر نجم ، بما يسوده من أنظمة وقوانين ، وتخطيط بالغ الدقّة ، وتركيب بالغ الاتقان ، على أنّ خالق الكون عالم بكلّ ما تنطوي عليه هذه الأشياء وما يسودها من أسرار وقوانين ، وانّ من المستحيل الممتنع أن يكون جاهلاً.
    وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الدليل بقوله :
    ( أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) (1).
    وقال تعالى : ( وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَ نَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ) (2).
    ومن وقف على علم التشريح ظهر له ذلك ظهوراً تامّاً.
1 ـ الملك : 14.
2 ـ ق : 16.


(333)
كلام للمحقق الطوسي
    ثمّ إنّ المحقّق الطوسي استدلّ على علمه سبحانه بوجوه ثلاثة نذكر منها اثنين :
    1. الإحكام.
    2. استناد كلّ شيء إليه.
    حيث قال : والإحكام واستناد كل شيء إليه من دلائل العلم.
    وقال العلاّمة في شرح الدليل الأوّل : إنّه تعالى فعل الأفعال المحكمة ، كلّ من هو كذلك فهو عالم.
    أمّا المقدّمة الأُولى فحسّية ، لأنّ العالم إمّا فلكى أو عنصري ، وآثار الحكمة والإتقان فيهما ظاهر مشاهد.
    وأمّا الثانية فضروريّة لأنّ الضرورة قاضية بأنّ غير العالم يستحيل منه وقوع الفعل المحكم المتقن مرّة بعد أُخرى.
    وقال في شرح الدليل الثاني : إنّ كلّ موجود سواه ممكن ، وكلّ ممكن فإنّه مستند إلى الواجب إمّا ابتداءً أو بوسائط ، وقد سلف أنّ العلم بالعلّة يستلزم العلم بالمعلول ، والله تعالى عالم بذاته ، فهو عالم بغيره . (1)
     جمل درّية لأئمة أهل البيت ( عليهم السلام )
    إنّ لأئمّة أهل البيت جملاً وكلماً درّية حول علمه سبحانه نقتبس منها ما يلي :
1 ـ كشف المراد : ص174 ـ 175 ـ طبعة صيدا 1353 هـ.ق ، و لاحظ : كشف الفوائد له أيضاً : ص43 ، طبعة طهران 1311 هـ.ق.

(334)
    1. قال الإمام علي ( عليه السلام ) :
    « علم ما يمضى وما مضى. مبتدع الخلائق بعلمه ومنشئها بحكمته. (1)
    2. سأل منصور بن حازم الصادق ( عليه السلام ) : أرأيت ما كان وما هوكائن إلى يوم القيامة ، أليس فيعلم الله؟ فقال : بلى قبل أن يخلق السماوات والأرض . (2)
    3. سأل الحسين بن بشار أبا الحسن علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) : أيعلم الله الشيء الّذي لم يكن ، أن لو كان كيف يكون؟ ولا يعلم إلاّ ما يكون ؟
    فقال : إنّ الله تعالى هوالعالم بالأشياء قبل كون الأشياء. قال الله عزّوجلّ : ( إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (3).
    وقال لأهل النار : ( وَ لَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) (4).
    فقد علم الله عزّ وجلّ أنّه لو ردّهم لعادوا لما نهوا عنه.
    وقال للملائكة لمّا قالوا : ( أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَ يَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ ). قال : ( قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) (5). فلم يزل الله عزّ وجلّ علمه سابقاً للأشياء قديماً قبل أن يخلقها فتبارك ربّنا تعالى علوّاً كبيراً. خلق الأشياء وعلمه بها سابق لها كما شاء كذلك لم يزل ربّنا عليماً سميعاً بصيراً. (6)
1 ـ نهج البلاغة الخطبة 191.
2 ـ التوحيد للصدوق : ص135 باب العلم الحديث 5.
3 ـ الجاثية : 29.
4 ـ الأنعام : 28 .
5 ـ البقرة : 30.
6 ـ التوحيد : ص 136 الحديث 8.


(335)
مراتب علمه سبحانه
    قد تبيّن ممّا ذكرنا انّ علمه سبحانه بالأشياء ذا مراتب هي :
    الأُولى : علمه سبحانه بالأشياء بنفس علمه بالذات ، وما عرفت من أنّ العلم بالذات علم بالحيثيّة الّتي تصدر بها المعاليل منه سبحانه ، والعلم بنفس الحيثيّة علم بنفس الأشياء.
    وقد عرفت انّ هناك بياناً آخر لعلم الله سبحانه بالأشياء في مرتبة الذات قبل الإيجاد والخلق ، ويرجع أصلها إلى القاعدة الفلسفيّة : « بسيط الحقيقة كل الأشياء » والّذي معناه أنّه جامع كل كمال وجمال ولا يشذّ عن حيطته شيء.
    الثانية : إنّ الأشياء بنفسها فعله وعلمه وانّه لا مانع من أن يكون فعل الفاعل نفس علمه ، كما أنّ الصور المرتسمة في الذهن فعل الذهن وعلمه ، وانّ القائم بوجوده الخارجي مرتبة من مراتب فعله.
    هذا كلّه حسب البراهين الفلسفيّة الكلامية غير أنّ الذكر الحكيم دلّ على أنّ لعلمه سبحانه مظاهر خاصّة ، عبّر عنه :
    تارة باللوح المحفوظ.
    وثانية بالكتاب المسطور.
    وثالثة بالكتاب المبين.
    ورابعة بالكتاب المكنون.
    وخامسة بالكتاب الحفيظ.
    وسادسة بالكتاب المؤجّل.
    وسابعة بالكتاب المطلق.
    وثامنة بالإمام المبين.


(336)
    و تاسعة باُمّ الكتاب.
    و عاشرة بلوح المحو و الأسباب ...
    و عن اللوح المحفوظ قال سبحانه :
    ( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِى لُوْح مَحْفُوظ ) ( البروج/21و22 ).
    و عن الكتاب المسطور قال سبحانه :
    ( وَ كِتابٌ مَسْطُورٌ * فِى رَقّ مَنْشُور ) ( الطور/2و3 ).
    و قال سبحانه :
    ( اِلّا اَنْ تَفْعَلُوا اِلى اَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِى الكِتابِ مَسْطُوراً ) ( الأحزاب/6 ).
    و قال عزّ اسمه : ( وَ لَقَدْ اَهْلَكْنا اَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر * وَ كُلُّ شَىْء فَعَلُوهُ فِى الزُّبُرِ * وَ كُلُّ صَغِير وَ كَبِير مُسْتَطَرٌ ) ( القمر/51 ـ 53 ).
    و عن الكتاب المبين قال سبحانه :
    ( وَ لا رَطْب وَ لا يابِس اِلّا فِى كِتاب مُبِين ) ( الأنعام/59 ).
    و قال سبحانه :
    ( وَ ما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّة فِى الاَْرْضِ وَ لا فِى السَّماءِ وَ لا اَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَ لا اَكْبَرَ اِلّا فِى كِتاب مُبِين ) ( يونس/61 ).
    و قال سبحانه :
    ( وَ ما مِنْ غائِبَة فِى السَّماءِ وَ الاَْرْضِ اِلّا فِى كِتاب مُبِين ) ( النمل/75 ).
    و عن الكتاب المكنون قال سبحانه :
    ( اِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِى كِتاب مَكْنُون ) ( الواقعة/77و78 ).


(337)
    و عن الكتاب الحفيظ قال سبحانه :
    ( قَدْعَلِمْنا ما تَنْقُصُ الاَْرْضُ مِنْهُمْ وَ عِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ ) ( ق/4 ).
    و عن الكتاب المؤجّل قال سبحانه :
    ( وَ ما كانَ لِنَفْس اَنْ تَمُوتَ اِلّا بِاِذْنِ اللّهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً ) ( آل عمران/145 ).
    و عن الكتاب المطلق قال سبحانه :
    ( وَ قَضَيْنا اِلى بَنِى اِسْرائِيلَ فِى الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِى الاَْرْضِ مَرَّتَيْنِ ) ( الاسراء/4 ).
    و قال سبحانه :
    ( لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِى ما اَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) ( الأنفال/68 ).
    و قال سبحانه :
    ( اَلَمْ تَعْلَمْ اَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ ما فِى السَّماءِ وَ الاَْرْضِ اِنَّ ذلِكَ فِى كِتاب ) ( الحج/70 ).
    و قال سبحانه :
    ( قالَ عِلْمُها عِنْدِى فِى كِتاب لايَضِلُّ رَبِّى وَ لايَنْسى ) ( طه/52 ).
    و قال سبحانه :
    ( ما اَصابَ مِنْ مُصِيبَة فِى الاَْرْضِ وَ لا فِى اَنْفُسِكُمْ اِلّا فِى كِتاب ) ( الحديد/22 ).
    و عن لوح « اُمّ الكتاب » قال تعالى :
    ( يَمْحُو اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتْ وَ عِنْدَهُ اُمُّ الْكِتابِ ) ( الرعد/39 ).
    ( وَ اَنَّهُ فِى اُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ ) ( الزخرف/4 ).
    و عن الإمام المبين قال تعالى :
    ( وَ كُلَّ شَىْء اَحْصَيْناهُ فِى اِمام مُبِين ) ( يس/12 ).


(338)
    و عن لوح المحو و الاثبات ، يقول سبحانه : ( يَمْحُو اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ) ( الرعد/39 ).
    ثم إنّ المفسّرين و مثلهم الحكماء اختلفوا في حقيقة هذه الكتب و خصوصيّاتها ، فذهب الحكماء إلى أنّها موجودات مجرّدة كالعقول و النفوس المستتر فيها كل صغيرة و كبيرة.
    و ذهب آخرون إلى أنّها ألواح ماديّة سطّرت فيها الأشياء بكيفيّاتها و أسبابها الموجبة لها و أوقاتها المضروبة لها.
    و قد استشكل عليه بأنّ ذلك يقتضي عدم تناهي الأبعاد ، و قدقامت البراهين العقليّة و النقليّة على خلاف ذلك ، فلابدّ من تخصيص ذلك بموجودات بعض النشآت.
    فأجاب آخرون إلى أنّ الأشياء سطرّت فيها على نحو الرمز لابالتفصيل.
    غير أنّ كل هذه المذاهب و الأقوال ممّا لايصحّ الركون إليه فالمسألة من المعارف العليا التي يجب الايمان بها و لايمكن التعرّف عليها.

القضاء من مراتب علمه
    ثم إنّه ربّما يعد من مراتب علمه سبحانه « القضاء ».
    و القضاء عندهم عبارة عن الوجود الإجمالي لجميع الأشياء ، كما أنّ القدر عبارة عن الوجود التفصيلي لها.


(339)
    فبما أنّ الصادر الأوّل حاو لكلّ كمال موجود في الكائنات و الموجودات التالية ، هو قضاء اللّه سبحانه عندهم و من مراتب علمه تعالى ، فالعلم به ، بجميع ما دونه من المراتب ، كما أنّ القدر عبارة عن الوجود التفصيلي للأشياء سواء كانت بصورها العلميّة القائمة الموجودات المجرّدة ، أم بوجودها الخارجي الشخصي.
    فهذه مراتب علمه سبحانه ، غير أنّ الغور و التعمّق في بيان حقائقها من الاُمور العويصة التي لايتمكن الإنسان من الوقوف عليها و التطلّع إليها من خلال هذه العلم.
    نعم ، القضاء و القدر من المعارف العليا التي نطق بها القرآن الكريم ، و سنبحث عنها لدى الحديث عن عدله سبحانه سواء أصحّ تفسيرهما بالوجود الاجمالي للأشياء ، أو بالوجود التفصيلي لها أم لا.
    و أخيراً نقول : إنّ هذه التعابير العشرة الواردة في القرآن الكريم ، يمكن ارجاع بعضها إلى البعض الآخر ، كما يمكن عدّ كل منها مرتبة مستقلة من مراتب علمه ، و يظهر ذلك بالغور في الآيات الواردة في هذا المجال.

شمول علمه تعالى للجزئيات
    إنّ للباحثين في علمه سبحانه بالأشياء مذاهب شتّى حتّى إنّ بعضهم أنكره من أصله.
    كما أنّ للمثبتين آراء مختلفة أنهاها المحقق السبزواري إلى أحد عشر رأياً نشير إلى بعضها هنا :
    الأوّل : إنّ له تعالى علماً بذاته دون معلولاتها لأنّ الذات المتعالية أزليّة ، و كل معلول حادث ، فلايمكن أن يكون الحادث معلوماً في الأزل.
    و قدعرفت بطلان هذا الرأي من وجوه مختلفة ، منها :


(340)
    1. إنّ العلم بالذات من الجهة الّتي تنشأ عنها المعلولات علم بنفس المعلول ، وقد أوضحنا هذاالبرهان في ما سبق.
    2. إنّ بسيط الحقيقة كل الأشياء وإنّ العلم بالذات علم إجمالي بنفس المعاليل قبل الايجاد ، وقد أوضحنا هذا الدليل أيضاً.
    الثاني : ما ينسب إلى شيخ الاشراق وتبعه فيه جمع من المحقّقين بعده ، هو إنّ الأشياء أعمّ من المجرّدات ، والماديات حاضرة بوجودها العيني لديه سبحانه وغير غائبة عنه تعالى ولا محجوبة ، وهو علمه التفصيلي بالأشياء بعد الإيجاد.
    وقد عرفت اتقان هذا القول ، غير أنّ علمه سبحانه بالأشياء لا يختصّ بهذا القسم إذ هوعلم بالأشياء بعد الايجاد بالعلم الحضوري.
    الثالث : إنّ ذاته المتعالية علم تفصيلي بالمعلول الأوّل ، واجمالي بما دونه ، وذات المعلول الأوّل علم تفصيلي بالمعلول الثاني ، وإجمالي بما دونه وعلى هذا القياس.
    وقد عرفت إنّ خلو الذات الالهية المقدّسة عن كمال العلم بما دون المعلول الأوّل غير تامّ ، كيف وهو وجود صرف لا يسلب عنه كمال.
    الرابع : ما ينسب إلى المشائيين من أنّ له علماً حضورياً بذاته المتعالية ، وعلماً تفصيلياً حصولياً بالأشياء قبل ايجادها ، بحضور ماهيّاتها ( الصورة المرتسمة ) على النظام الموجود في الخارج لذاته تعالى ، وهذه الماهيّات قائمة به سبحانه نحو قيامها بأذهاننا فهوعلم عنائي له.
    وفيه أنّ لازم ذلك خلو الذات عن العلم بالأشياء في مرتبة الذات. وقد عرفت ثبوته بالبرهانين المتقدّمين.
    الخامس : إنّ علمه سبحانه بالمعلول الأوّل حضوري لحضور هويته الخارجية
مفاهيم القرآن ـ جلد السادس ::: فهرس