مفاهيم القرآن ـ جلد السادس ::: 361 ـ 370
(361)
    قال علي ( عليه السلام ) : « الحمد للّه الذي لايبلغ مدحته القائلون ، و لايحصي نعمائه العادّون ، و لايؤدّي حقّه المجتهدون ، الذي لايدركه بعد الهمم ، و لايناله غوص الفطن ، الذي ليس لصفته حدّ محدود ، و لاوقت معدود ، و لا أجل ممدود » (1).
1 ـ نهج البلاغة : الخطبة 1.

(362)

(363)
حرف الغين
الخامس و الثمانون : « غافر الذنب »
    و قد جاء « غافر الذنب » في الذكر الحكيم مرّة واحدة ، و وقع وصفاً له مع الصفات الاُخرى.
    قال سبحانه : ( تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غافِرِ الذَّنْبِ وَ قابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ العِقابِ ذِى الطَّوْلِ لاَ اِلهَ اِلّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) ( غافر/2 ـ 3 )
    فقد وصف سبحانه في الآيتين بصفات ستّ ، واستعمل « غافر » بصيغة الجمع مرّة واحدة و وقع وصفاً له سبحانه باضافة لفظ الخير إليه.
    قال سبحانه : ( فَاغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا وَ اَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ ) ( الأعراف/155 ).
    و جاء لفظ « الغفور » مرفوعاً و منصوباً 91 مرّة و وقع وصفاً له في جميع الموارد ، و استعمل مع « الرحيم » تارة و « الحليم » اُخرى و « ذي الرحمة » ثالثاً و « الشكور » رابعاً ، و « العفو » خامساً ، و « العزيز » سادساً ، و « الودود » سابعاً.
    كما أنّ « الغفّار » جاء 4 مرّات و وقع وصفاً له سبحانه و اقترن بالعزيز.
    فله أسماء ثلاثة كلّها مشتق من « الغفر ».
    1 ـ الغافر. قال تعالى : ( غافِرِ الذَّنْبِ ) ( غافر/3 ).
    2 ـ الغفور. قال سبحانه : ( وَ رَبُّكَ الْغَفُورُ ذُوالرَّحْمَةِ ) ( الكهف/58 ).
    3 ـ الغفّار. قال تعالى : ( وَ إنِّى لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ ) ( طه/82 ).


(364)
    و العبد له أسماء ثلاثة مشتقة من الظلم بالمعصية أو ما يعادله :
    1 ـ الظالم. قال تعالى : ( فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ ) ( فاطر/32 ).
    2 ـ الظلوم.قال تعالى : ( اِنَّهُ كانَ ظَلُومَاً جَهُولاً ) ( الأحزاب/72 ).
    3 ـ الظلاّم. قال تعالى : ( يا عِبادِىَ الذَّينَ اَسْرَفُوا عَلى اَنْفُسِهِمْ ) ( الزمر/53 ).
    و الاسراف على الأنفس يعادل الظلاّم و كأنّه قال : عبدي لك أسماء ثلاثة في الظلم بالمعصية و لي أسماء ثلاثة في الرحمة و المغفرة ، فإن كنت ظالماً فأنا غافر و إن كنت ظلوماً فأنا غفور و إن كنت ظلاّماً فأنا غفّار (1).
    أمّا معناه فقدقال ابن فارس : عُظم بابِه السترُ ، فالغفر : الستر ، و الغفران و الغفر بمعنىً ، يقال غفر اللّه ذنبه غفراً و مغفرة و غفراناً. قال في الغفر :
في ظلّ من عنت الوجوه له ملك الملوك و مالك الغفر
    و « المغفر » معروف و الغفارة خرقة يضعها المدهن على هامته ، و ذكر عن امرأة من العرب أنّها قالت لابنتها : اغفري غفيرك تريد غطّيه.

السادس و الثمانون : « الغالب »
    لقدجاء الغالب مفرداً في الذكر الحكيم ثلاث مرّات و وقع في موضع اسماً له سبحانه ، قال عزّ وجلّ :
    ( وَ كَذلِكَ مَكَنّا لِيُوسُفَ فِى الأَرْضِ وَ لِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَ اللّهُ غَالِبٌ عَلى اَمْرِهِ وَ لكِنَّ اَكْثَرَ النّاسِ لايَعْلَمُونَ ) ( يوسف/21 ).
    و قال سبحانه : ( إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ ) ( آل عمران/160 ).
    و قال تعالى : ( وَ قالَ لاغالِبَ لَكُمْ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَإِنِّى
1 ـ لوامع البيّنات للرازي : ص212.

(365)
جارٌلَكُمْ ) ( الأنفال/48 ).
    و أمّا معناه فقدقال ابن فارس يدلّ على قوّة و قهر و شدّة.
    قال اللّه تعالى : ( وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلْبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ) ( الروم/3 ) و ذكر مثله « الراغب » في مفرداته : قال سبحانه : ( كَمْ مِنْ فِئَة قَلِيلَة غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرةً ) ( البقرة/249 ).
    و أمّا المراد من قوله سبحانه : ( وَ اللّه غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ) فإن كان الضمير راجعاً إلى يوسف ، فيكون المراد إنّ اللّه غالب على أمر يوسف ، يحفظه و يرزقه حتى يبلغه ما قدّر له من الملك و لايكله إلى غيره ، و على تسليم هذا الفرض فرعاية يوسف مصداق من مصاديق القاعدة الكليّة و هو غلبته سبحانه على كلّ شيء.
    و أمّاإذا قلنا أنّ الضمير يرجع إلى اللّه سبحانه فيكون المراد من الأمر هو نظام التدبير. قال تعالى : ( يُدَبِّرُ الاَْمْرَ ) ( يونس/3 ).فيكون المعنى أنّ كلّ شيء من شؤون الصنع و الايجاد ، من أمره تعالى و هو تعالى غالب عليه و هو مغلوب له يطيعه فيما شاء ينقاد له فيما أراد ليس له أن يستكبر أو يتمرّد فيخرج من سلطانه كما ليس له أن يسبقه أو يفوته.
    قال تعالى : ( اِنَّ اللّهَ بالِغُ اَمْرِهِ ) ( الطلاق/3 ).
    و بالجملة أنّ اللّه تعالى هو قاهر كلّ شيء إذ لاشيء إلاّ بأمره حدوثاً و بقاء و عند ذلك فلايتصوّر وجود شيء خارج عن إرادة اللّه و قدرته.

السابع و الثمانون : « الغفّار »
    و قدجاء اسم « الغفّار » في الذكر الحكيم معرّفاً و منكراً خمس مرّات.
    قال سبحانه : ( وَ اِنِّى لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ) ( طه/82 ).


(366)
    و قال سبحانه : ( فَقُلْتُ اِسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ اِنَّهُ كانَ غَفّاراً ) ( نوح/10 ). واستعمل مع العزيز في الموارد الثلاثة الآتية.
    قال سبحانه : ( رَبُّ السَّمواتِ وَ الاَْرْضِ وَ ما بَيْنَهُما الْعَزِيزُ الْغَفّارُ ) ( سورة ص/66 ). و قال عزّ من قائل : ( كُلٌّ يَجْرِى لاَِجَل مُسَمّىً أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الغَفّارُ ) ( الزمر/5 ).و قال تعالى : ( وَ اَنا اَدْعُوكُمْ اِلى الْعَزِيزُ الغَفّارُ ) ( غافر/42 ).
    و اللّفظ صيغة المبالغة من الغفر و قدتبيّن معناه عند البحث عن اسم « غافر الذنب ».

الثامن و الثمانون : « الغنيّ »
    و قد جاء لفظ « الغنيّ » في الذكر الحكيم مرفوعاً و منصوباً 20 مرّة و وقع وصفاً له سبحانه في ثمانية عشر مورداً و استعمل تارة مع إسم « الحميد » و اُخرى مع « الحليم » و ثالثاً مع « الكريم ».
    قال سبحانه : ( وَ اعْلَمُوا اَنَّ اللّهَ غَنِىٌّ حَمِيدٌ ) ( البقرة/267 ). و قال تعالى : ( قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَ مَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَة يَتْبَعُها اَذىً وَ اللّهُ غَنِىٌّ حَلِيمٌ ) ( البقرة/263 ).
    و قال سبحانه : ( مَنْ كَفَرَ فَاِنَّ رَبِّى غَنِىٌ كَرِيمٌ ) ( النمل/40 ).
    و أمّا معناه فقدقال « إبن فارس » : له أصلان أحدهما يدلّ على الغاية و الآخر صوت ، فالأوّل الغنى في المال.
    و قال « الراغب » : الغناء يقال على ضروب أحدها عدم الحاجات و ليس ذلك إلاّ للّه تعالى و هو المذكور في قوله : ( إِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْغَنِىُ الْحَمِيدُ ) و الثاني قلّة الحاجات ، و هو مشار إليه بقوله : ( وَ وَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى ).
    و الظاهر أنّه ليس له إلاّ معناً واحداً و إنّما الاختلاف في المصاديق و الجري ، فالغني المطلق هو اللّه سبحانه ، و أمّا غنى الغير هو أمر نسبي.


(367)
    و أمّا كونه سبحانه غنيّاً غير محتاج إلى شيء فهو لازم كونه سبحانه واجب الوجود لذاته و واجب الوجود في صفاته و أفعاله فكان غنيّاً عن كل ما سواه. أمّا كل ما سواه فممكن لذاته فوجوده بايجاده. فكان هو الغني لاغيره.
    فله العزّ و الجمال ، و له البهاء و الكمال ، و ما للغير من الجمال ، من رشح بحر جماله ، أو له من الكمال ، فهو ظل كماله. و ما أليق بالمقام قول القائل :
أرأيت حسن الروض في آصاله أرأيت كأساً شيب صفو شمولها رأيت رائحة الخزامي (1) سحرة هذا و ذاك و كلّ شيء رائق هلك القلوب بأسرها في أسره أرأيت بدر التم عند كماله روضاً ريض خيل شماله فغمت خياشيم العليل الواله أخذ التجمّل من فروع جماله شغفا و شدّ عقولنا بعقاله (2)

التاسع و الثمانون : « الغفور »
    و قدورد ذلك اللفظ مرفوعاً و منصوباً 91 مرّة و اُستعمل مع صفات اُخر مثل « رحيم » ، « عفوّ » ، « عزيز » ، « شكور » ، « الودود » و « الحليم ».
    قال سبحانه : ( ثُمَّ يَتُوبُ اللّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ( التوبة/27 ).
    و قال سبحانه : ( وَ مَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بَغى عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللّهُ اِنَّ اللّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ) ( الحج/60 ).
    و قال سبحانه : ( إِنَّما يَخْشى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ اِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ) ( فاطر/28 ).
1 ـ الخزامي : نبت ، زهرة من أطيب الأزهار.
2 ـ شرح الاسماء الحسنى : ص40.


(368)
    و قال سبحانه : ( لَيُوَفِّيَهُمْ اُجُورَهُمُْ وَ يَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ) ( فاطر/30 ).
    و قال سبحانه : ( اِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَ يُعِيدُ * وَ هُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ) ( البروج/13 ـ 14 ).
    و قال سبحانه : ( وَ لَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ اَحَد مِنْ بَعْدِهِ اِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً ) ( فاطر/41 ).
    و اللفظ من الصفات المشبّهة بالفعل و صيغته للمبالغة و قدتبيّن معناه من ما ذكرناه في اسم « غافر الذنب ».


(369)
حرف الفاء
التسعون : « الفاطر »
    قدورد اسم الفاطر في الذكر الحكيم 6 مرّات و وقع في الجميع اسماً له سبحانه.
    قال سبحانه : ( اَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فاطِرِ السَّمواتِ وَ الاَْرْضِ ) ( الأنعام/14 ).
    و قال سبحانه : ( فاطِرَ السَّمواتِ وَ الاَْرْضِ اَنْتَ وَلِىِّ فِى الدُّنْيا وَ الاْخِرَةِ ) ( يوسف/101 ).
    و قال عزّ من قائل : ( قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِى اللّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّمواتِ وَ الاَْرْضِ ) ( إبراهيم/10 ).
    و قال سبحانه : ( الْحَمْدُ لِلّهِ فاطِرِ السَّمواتِ وَ الاَْرْضِ جاعِلِ المَلائِكَةِ رُسُلاً ) ( فاطر/1 ) (1).
    و قداستعمل ذلك الاسم في جميع الموارد مضافاً إلى السموات و الأرض نعم استعمل « فطر » متعدّياً إلى الناس.
    قال سبحانه : ( فِطْرَةَ اللّهِ الَّتِى فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها لاتَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّهِ ) ( الروم/30 ).
1 ـ لاحظ الزمر/46 ـ الشورى/11.

(370)
    و أمّا معناه فقدقال « ابن فارس » : يدلّ على فتح شيء و ابرازه و من ذلك « الفطر » بالكسر من الصوم و منه « الفطر » بفتح الفاء و هو مصدر فطرت الشاة فطراً إذا حلبتها ، ثمّ قال و الفطرة الخلقة ، و قال الراغب : أصل الفطر : الشق طولاً ، قال : ( هَلْ تَرَى مِنْ فُطُور ) ( المُلك/3 ) أي اختلال ، و قال تعالى : ( السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً ) ( المزّمل/18 ) ، و فطرت الشاة : حلبتها باصبعين ، و فطرت العجين إذا عجنته و خبزته من وقته ، و منه الفطرة ، و فطر اللّه الخلق و هو إيجاده و ابداعه على هيئة مترشّحة لفعل من الأفعال.
    و المحصّل من كلامهما : إنّ الفطر بمعنى الفتح و الشق حتى إنّ نسبة الفطر إلى العجين لأجل أنّه يحتاج إلى البسيط و القبض حتى يكون قابلاً للطبخ.
    إنّما الكلام في استعماله في الايجاد و الابداع و الظاهر أنّ وجه استعماله فيهما هو إنّ الخلقة يشبهها بشق العدم و فتحه و إخراج الشيء إلى ساحة الوجود.
    يقول العلاّمة الطباطبائي ( ره ) في تفسير قوله : ( فاطر السموات و الأرض ) : أخرجها من ظلمة العدم إلى نور الوجود (1).
    و قال في موضع آخر : « إنّ اطلاق الفاطر عليه تعالى بعناية استعارية كأنّه شقالعدم فأخرج من بطنه السموات و الأرض. فمحصّل معناه إنّه موجد السموات والأرض ايجاداً ابتدائيّاً من غير مثال سابق ، فيقرب معناه من معنى « البديع » و « المبدع » ، و الفرق بين الابداع و الفطر ، إنّ العناية في الابداع متعلّقة بنفي المثال السابق ، و في الفطر بطرد العدم و إيجاد الشيء من رأس لاكالصانع الذي يؤلّف موادّاً مختلفة فيظهر به صورة جديدة فقوله : ( فاطر السموات و الأرض ) من أسمائه تعالى أجرى صفة للّه ، و المراد بالوصف الاستمرار دون الماضي فقط ، لأنّ الإيجاد مستمر و فيض الوجود غير منقطع و لو انقطع لانعدمت الأشياء » (2).
1 ـ الميزان : ج 7 ، ص 29.
2 ـ المصدر السابق : ج 17 ، ص 6.
مفاهيم القرآن ـ جلد السادس ::: فهرس