مفاهيم القرآن ـ جلد السادس ::: 401 ـ 410
(401)
بحث التوحيد الذاتي.
    و بعبارة اُخرى : إنّ مطالبة اللّه سبحانه بأن يخلق مثله مطالبة للجمع بين حالات و صفات متضادّة و متناقضة غير ممكنة الإجتماع في شيء واحد.
    فبما أنّنا نفترض إمكان تعلّق القدرة به يجب أن يكون ممكناً لا واجباً ، حادثاً لاقديماً ، و على فرض الوجود متناهياً لاغيره.
    و بما أنّ المطلوب هو خلق مثله يجب أن يكون ـ على فرض الوجود ـ واجباً لاممكناً ، قديماً لاحادثاً ، غير متناه لامتناه.
    و هذا جمع بين الامكان و الوجوب و الحدوث و القدم ، و المخلوقيّة و الخالقيّة ، و التناهي و اللاتناهي في شيء واحد ، و هو أمر محال قطعاً.
    و بذلك تتبيّن الإجابة عن السؤال الثاني فإنّ عدم تعلّق القدرة بجعل العالم الفسيح العظيم الحجم في بطن البيضة الصغيرة ليس لقصور القدرة ، و عدم سعتها ، بل لأنّ المقترح أمر غير ممكن في حدّ ذاته ، و مستلزم للمحال ، إذ من جانب أنّ العقل يحكم بالبداهة بأنّ الظرف يجب أن يكون أكبر من مظروفه ، و المظروف أصغر من ظرفه ، و من جانب آخر نطلب منه سبحانه شيئاً يكون الظرف فيه أصغر من مظروفه.
    فعلى فرض التحقّق يلزم أن يكون شيء واحد في آن واحد بالنسبة إلى شيء واحد أصغر و أكبر و هو الجمع بين النقيضين ، الممتنع بالبداهة.
    أمّا السؤال الثالث : فهو أيضاً محال أو مستلزم للمحال ، ففرض خلقه سبحانه شيئا لايقدر على إفنائه فرض يستلزم المحال.
    فبما أنّ الشيء المذكور أمر ممكن فهو قابل للافناء و لكنّه حيث قيّد بعدم الفناء يجب أن يكون واجباً غير قابل للفناء ، و هذا يعني أن يجتمع في ذلك الشيء حالتان متناقضتان هما : الإمكان و الوجوب ، و إن شئت قلت : القابلية للفناء و عدم


(402)
القابلية له ، و هو محال.
    و بعبارة اُخرى : بما أنّ الشيء المذكور في السؤال المفروض فيه أنّه مخلوق للّه سبحانه يجب أن يكون قادراً على إفنائه مع انّا قيّدناه بعدم القابلية للفناء ، فيلزم أن نفترض كونه قابلاً للافناء و غير قابل له في آن واحد.
    وممّا ذكرناه هنا يتبيّن حال كل مورد من هذا القبيل مثل أن يخلق اللّه جسماً لايقدر على تحريكه ، فإنّ هذا من باب « الجمع بين المتناقضين » إذ بما أنّ ذلك الجسم مخلوق متناه يجب أن يكون قابلاً للتحريك ، و في الوقت نفسه نفترض أنّه غير قادر على تحريكه.
    فيكون السائل في هذا السؤال قدافترض إمكان تحريكه و عدمه ، و افترض كذلك قدرته و عدم قدرته على ذلك.
    و على الجملة فهذه الفروض و أمثالها ممّا تدور على الألسن لاتضرّ بعموم القدرة ، و لاتوجب تحديداً فيها بل المفروض في كل من هذه الأسئلة أمر محال ذاتاً و هو خارج عن محل البحث.

الثامن و التسعون : « القاهر »
    و قدجاء القاهر في الذكر الحكيم مرّتين و وقع وصفاً له سبحانه في كلا الموردين.
    قال سبحانه : ( وَ هُوَ القاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَ هُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ ) ( الأنعام/18 ).
    و قال سبحانه : ( وَ هُوَ القاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَ يُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً ) ( الأنعام/61 ).


(403)
التاسع و التسعون : « القهّار »
    و قد ورد في القرآن في موارد ستّة و وقع اسماً له سبحانه فيها و قورن مع اسم « الواحد ».
    و قال سبحانه : ( أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الوَاحِدُ القَهّارُ ) ( يوسف/39 ).
    و قال سبحانه : ( قُلِ اللّهُ خالِقُ كُلِّ شَىْء وَ هُوَ الواحِدُ القَهّارُ ) ( الرعد/16 ).
    و قال سبحانه : ( وَ بَرَزُو لِلَّهِ الواحِدِ القَهّارُ ) ( إبراهيم/48 ).
    و قال سبحانه : ( قُلْ اِنَّما اَنَا مُنْذِرٌ وَ ما مِنْ اِله اِلّا اللّهُ الواحِدُ القَهّارُ ) ( سورةص/65 ).
    و قال سبحانه : ( هُوَ اللّهُ الواحِدُ القَهّارُ ) ( الزمر/4 ).
    و قال سبحانه : ( لِمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ لِلّهِ الواحِدِ القَهّارُ ) ( غافر/16 ).
    و بما أنّ الاسمين مشتقّان من مادة واحدة نبحث عنهما في مقام واحد فنقول : « القاهر » و « القهّار » من القهر.
    قال ابن فارس : « القهر » يدل على غلبة و علوّ ، و القاهر : الغالب ، وقُهر ( بصيغة المجهول ) إذا غُلب ، و قال الراغب : القهر : الغلبة و التذليل معاً ويستعمل في كل واحد منهما.
    قال عزّ وجلّ : ( فَأَما الْيَتِيمَ فَلاتَقْهَرْ ) أي لاتذلّل ، و الظاهر أنّ الذلّة تلازم الغلبة فهي مفهوم إضافي قائم بالغالب و المغلوب و القاهر و المقهور.
    قال الصدوق : « القدير » و « القاهر » معناهما أنّ الأشياء لاتطبيق الامتناع منه وممّا يريد الانفاذ فيها (1).
1 ـ التوحيد للصدوق : ص 198.

(404)
    قال العلاّمة الطباطبائي : « القهر نوع من الغلبة و هو أن يظهر شيء على شيء فيضطرّه إلى مطاوعة أثر من الغالب يخالف ما للمغلوب من الأثر كغلبة الماء على النار فيقهرها على الخمود.
    فالقاهر من الأسماء التي تصدق عليه تعالى كما تصدق على غيره ، غير أنّ بين قهره تعالى و قهر غيره فرقاً و هو أنّ غيره تعالى من الأشياء إنّما يقهر بعضه بعضاً و هما مجتمعان في مرتبة وجودها ، و الماء و النار مثلاً موجودان طبيعيان يظهر أثر الأوّل في الثاني ، و اللّه سبحانه قاهر لاكقهر الماء على النار بل هو قاهر بالتفوّق والإحاطة على الاطلاق ، فهو تعالى قاهر على عباده لكنّه فوقهم لاكقهر شيء شيئاً وهما متزاملان ، و قدجاء ذلك الاسم في كلا الموضعين في ( سورة الانعام/16 ـ 61 ) مقترناً بقوله « فوق عباده » و الغالب في موارد استعمال القهر هو أن يكون المغلوب من اُولي العقل بخلاف الغلبة » (1).
    لأجل ذلك صدَّر الآية الاُولى بقوله سبحانه : ( وَ اِنْ يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرّ فَلاكاشِفَ لَهُ اِلّا هُوَ وَ اِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْر فَهُوَ عَلى كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ ) ( الأنعام/16 ).
    كما أنّه سبحانه يقول : في ذيل الآية الاُخرى : ( حَتّى اِذا جاءَ اَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَ هُمْ لايُفَرِّطُونَ ) ( الأنعام/61 ).
    و إنّ استسلام الإنسان للخير و الضرّ و الموت آية كونه قاهراً على العباد.
    ثمّ إنّه قال سبحانه : ( القاهر فوق عباده ) و لم يقل « القاهر عباده » و سيوافيك وجهه. و من عجيب القول استدلال الحنابلة بهذه الآيات على أنّ للّه جهة و هي الفوقيّة الذاتية ، مع أنّ الملاك في كون الشيء قاهراً و الشيء الآخر مقهوراً و ذليلاً هو قهّاريّته و قدرته الواسعة ، لاكونه واقعاً في أفق عال من حيث الحسّ و الجهة ،
1 ـ الميزان : ج 7 ، ص 33 ـ 34 بتلخيص منّا.

(405)
والفوقيّة في الآية نظير ما في سائر الآيات مثل قوله : ( وَ جاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمَ الْقِيامَةِ ) ( آل عمران/55 ).
    قال : ( سَنَقْتُلُ اَبْناءَهُمْ وَ نَسْتَحْيِى نِساءَهُمْ وَ إِنّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ ) ( الأعراف/127 ). غير أنّ الفوقيّة فيهما معنوية اعتبارية ، و الفوقية في المقام تكوينيّة نابعة من كون أحدهما علّة و الآخر معلولاً.
    و لعلّ استعمال القاهر مع فوق في كلتا الآيتين لأجل الاشارة إلى أنّ القاهر والمقهور ليسا في درجة من الوجود ، بل القاهر فوق المقهور في الوجود و الكينونة ، وهو المالك للمقهور ، لما للقاهر من وجود وخصوصيّة ، فالقهر ينبع من كون أحدهما مالكاً و الآخر مملوكاً ، ملكية ناشئة من الخلق و الإيجاد ، لا الوضع و الاعتبار.
    و الظاهر أنّ « القهّار » صيغة مبالغة من « القاهر » و الفرق بينهما هو الفارق بين اسم الفاعل و صيغة المبالغة و ربّما يقال : إنّ القهّار اسم له تعالى باعتبار ذاتيّة غلبته على خلقه و استيلائه على جميع الموجودات ، و القاهر اسم له تعالى باعتبار إعمال تلك الصفة في عالم الفعل (1).
    و لم يعلم وجه هذا الفرق. قال أميرالمؤمنين عليه السلام : « يا من توحّد بالعزّ و البقاء و قهر عباده بالموت و الفناء » (2).
    و أمّا حظ العبد من هذا الاسم فالقهَّار من العباد من قهر أعدائه ، و أعدى عدوّه نفسه التي بين جنبيه فإذا قهر شهوته و غضبه فقد قهر أعدائه ، و في ذلك إحياء لروحه (3).
1 ـ شرح الأسماء الحسنى للسيد حسين الهمداني : ص 86.
2 ـ دعاء الصباح.
3 ـ لوامع البينات للرازي : ص 223.


(406)
المائة : « القدّوس »
    و قدجاء القدُّوس في الذكر الحكيم مرّتين و وقع وصفاً له سبحانه في كلا الموردين.
    قال سبحانه : ( هُوَ اللّهُ الَّذِى لا اِلهَ اِلّا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللّهِ عَمّا يُشْرِكُونَ ) ( الحشر/23 ).
    و قال سبحانه : ( يُسَبِّحُ لِلّهِ ما فِى السَّمواتِ وَ ما فِى الاَْرْضِ المَلِكُ القُدُّوسُ العَزِيزُ الحَكِيمُ ) ( الجمعة/1 ).
    كما أنّه جاء المقدَّس مذكّراً ومؤنّثاً في موارد ثلاثة ووقع وصفاً للوادي والأرض.
    قال سبحانه : ( إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ المُقَدَّسِ طُوىً ) ( النازعات/16 ).
    و قال سبحانه : ( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ اِنَّكَ بِالْوادِ المُقَدَّسِ طُوىً ) ( طه/12 ).
    و قال سبحانه : ( يا قَوْمِ ادْخُلُوا الاَْرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِى كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ ) ( المائدة/21 ). و من ملاحظة مجموع الآيات ، يعرف معناه.
    و هو كما قال ابن فارس : شيء يدلّ على الطهر ، و الأرض المقدّسة المطهّرة ، و تسمّى الجنّة حظيرة القدس ، و جبرئيل « روح القدس » و وصف اللّه تعالى ذاته بالقدّوس بذلك المعنى لأنّه منزّه عن الأضداد و الأنداد و الصاحبة و الولد. تعالى اللّه عمّا يقول الظالمون علوّاً كبيراً.
    فالظاهرممّا ورد من هذه المادة في القرآن الكريم هو الطهارة من القذارة المعنويّة و النزاهة عمّا لايناسب ساحة الشيء. قال حكاية عن الملائكة : ( وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ ) ( البقرة/30 ). و الظاهر أنّ التسبيح و التقديس في الآية بمعنى واحد ، و هو تنزيهه عن الشرك و المثل ، و كل ما يعدّ نقصاً.
    و هناك نكتة لافتة للنظر و هو أنّ اسم القُدُّس ورد بعد إسم الملك في الآيتين


(407)
و لعلّه لبيان أنّ كونه تعالى ملكاً يفارق كون غيره ملكاً ، فالملوكيّة جُبِلت على الظلم والتعدّي و الإفساد.
    قال سبحانه : ( اِنَّ الْمُلُوكَ اِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَ جَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً ) ( النمل/34 ).
    وقال سبحانه : ( وَ كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخِذُ كُلَّ سَفِينَة غَصْباً ) ( الكهف/79 ).
    فذكره مع اسم « القدُّوس » لتبيين نزاهته من كل ما ينسب إلى الملوك من الأفعال و الصفات ، ثمّ إنّ اسم القدُّوس يدلّ على تعاليه عن كل مالايناسب ساحته فيندرج تحته الصفات السلبية التي ذكرها المتكلّمون في كتبهم و هي :
    1 ـ واحد ليس له نظير و لامثيل.
    2 ـ ليس بجسم و لا في جهة و لا في محلّ و لا حالّ و متحد.
    3 ـ ليس محلاً للحوادث.
    4 ـ لاتقوم اللَّذة و الألم بذاته.
    5 ـ لاتتعلّق به الرؤية.
    6 ـ ليست حقيقته معلومة لغيره بكنهه و بالتالي ليس جوهراً و لاعرضاً.
    و قدبرهن المتكلّمون على نفي هذه الصفات عن ساحته ببراهين رصينة من أراد فليرجع إليها (1).
1 ـ لاحظ « الالهيات » : ص 453 ـ 487 محاضراتنا بقلم الفاضل الشيخ حسن مكي العاملي.

(408)
المائة و الواحد : « القريب »
    و قداستعمل القريب مرفوعاً و منصوباً في الذكر الحكيم 26 مّرة و وقع وصفاً له سبحانه في موارد ثلاثة.
    قال سبحانه : ( وَ اِذا سَأَلَكَ عِبادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ اِذا دَعانِ ) ( البقرة/186 ).
    و قال سبحانه : ( فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّى قَرِيبٌ مُجِيبٌ ) ( هود/61 ).
    و قال سبحانه : ( وَ اِنْ اهْتَدَيْتَ فَبِما يُوحِى إِلىَّ رَبِّى اِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ) ( سبأ/50 ).
    و لأجل المناسبة بين قربه سبحانه و سماع دعاء العبد ضمّ إليه وصف المجيب تارة و السميع اُخرى و قدمرّ تفسير ذلك الاسم عند البحث عن اسم « الأقرب » فلاحظ.
المائة و الثاني : « القويّ »
    و قدجاء لفظ « القويّ » في الذكر الحكيم معرّفاً و منكراً 11 مرّة و وقع وصفاً له سبحانه في 8 موارد.
    قال سبحانه : ( إِنَّ اللّهَ قَوِىٌّ شَدِيدُ العِقابِ ) ( الأنفال/52 ).
    و قال سبحانه : ( اِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِىُّ الْعَزِيزُ ) ( هود/66 ).
    و قال سبحانه : ( وَ لَيَنْصُرَنَّ اللّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ اِنَّ اللّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ ) ( الحج/40 ).
    إلى غير ذلك من الآيات (1).
    و قداستعمل تارة مع اسم « العزيز » و اُخرى مع « شديد العقاب ».
1 ـ لاحظ ( غافر/22 ) ، ( الشورى/19 ) ، ( الحديد/25 ) ، ( المجادلة/21 ) ، ( الاحزاب/25 ).

(409)
    و أمّا معناه فقدذكر ابن فارس له معنيان فقال : « يدل أحدهما على شدّة وخلاف ضعف ، و الآخر على خلاف هذا و على قلّة خير ، فالأوّل القوّة و القوي خلاف الضعيف » (1).
    و قال الراغب : القوّة تستعمل تارة في معنى القدرة نحو قوله : ( خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّة ) و تارة للتهيّؤ الموجود في الشيء نحو أن يقال : النوى بالقوّة نخل أي متهيّؤ و مترشح أن يكون منه ذلك.
    الظاهر أنّ القوّة لاترادف القدرة المطلقة بل المراد هو المرتبة الشديدة ، سواء أريد منه القوّة البدنيّة نحو قوله : ( وَ قَالُوا مَنْ أَشَدُّ مَنَّا قُوَّةً ) أو القدرة القلبية مثل قوله ( يَا يَحْيَى خُذِ الكِتَابَ بِقُوَّة ) أي بقوّة قلب ، أو القوّة الخارجيّة ، مثل قوله ( لَو أَنَّ لِىَ بِكُمْ قُوَّة ).
    و المراد المال و الجند و قال : ( نَحْنُ أُولُو قُوَّة وَ أُولُو بَأْس شَدِيد ) ، و على هذا يعود معنى القوّة إلى القدرة التامّة التي لايعارضها شيء ، و لأجل ذلك قورن مع « شديد » تارة و « العزيز » اُخرى ، فمعنى قوله : ( قوّى شَديدُ العِقاب ) : أنّه سبحانه قوّي لايضعف عن أخذهم ، شديد العقاب إذا أخذ.
    قال الصدوق : « القويّ معناه معروف وهو القويّ بلامعاناة و لااستعانة » (2).
    قال الرازي : « اتّفق الخائضون في تفسير أسماء اللّه على أنّ القوّة هنا عبارة عن كمال القوّة ، كما أنّ المتانة عبارة عن كمال القوّة فعلى هذا ، « القوّة المتينة » اسم للقدرة البالغة في الكمال إلى أقصى الغايات ».
    ثمّ قال : « و عندي أنّ كمال حال الشيء في أن يؤثّر ، فيسمّى قوّة و كمال حال
1 ـ الأصل نادر الاستعمال.
2 ـ التوحيد : ص 210.


(410)
الشيء أن لايقبل الأثر من الغير فيسمّى أيضاً قوّة ، و ذلك لأنّ الإنسان الذي يقوى على أن يصرع الناس يسمّى قوّياً شديداً و الإنسان الذي لاينصرع من أحد يسمّى أيضاً قوياً ، و بهذا التفسير يسمّى الحجر و الحديد قوّياً » (1).
    أقول : الظاهر أنّ ما ذكره من التفصيل للقوّة تحليل فلسفي ، و المتبادر من القوّة هو القدرة التامّة. نعم لازم كونه كذلك أن يكون مؤثّراً في الممكنات ، و أن لايؤثّر فيه شيء ، لأنّ التأثّر من الغير آية الضعف ، فهو المؤثّر في كل شيء ، و لايتأثّر من كل شيء ، و الظاهر أنّ اطلاق القوّي على اللّه في الآيات بالاعتبار الأوّل.
    يقول سبحانه : ( إِنَّ اللّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) ( الذاريات/58 ).
    و يقول سبحانه : ( اِنَّ اللّهَ قَوِىٌّ شَدِيدُ العِقابِ ) ( الأنفال/52 ).
    فإنّ شدّة العقاب آية التأثير في الغير و قال : ( وَ كَفى اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً ) ( الأحزاب/25 ). فالغلبة في القتال آية القوّة.

المائة و الثالث : « القيُّوم »
    قدورد لفظ « القيّوم » في الكتاب العزيز 3 مرّات و وقع وصفاً له سبحانه في جميع الموارد.
    قال سبحانه : ( اللّهُ لا اِلهَ اِلّا هُوَ الحَىُّ الْقَيُّومُ لاتَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلانَوْمٌ ) ( البقرة/255 ).
    و قال : ( أَللّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ الحَىُّ القَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ بِالْحَقِّ ) ( آل عمران/2و3 ).
1 ـ لوامع البينات : ص294.
مفاهيم القرآن ـ جلد السادس ::: فهرس