مفاهيم القرآن ـ جلد السادس ::: 411 ـ 420
(411)
    و قال سبحانه : ( وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَىِّ الْقَيُّومِ وَ قَدْخابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً ) ( طه/111 ).
    و أمّا معناه فقدقال الراغب : « القيّوم » القائم الحافظ لكل شيء و المعطي له ما به قوامه ، و ذلك هو المعنى المذكور في قوله : ( اَلَّذِى اَعْطى كُلَّ شَىْء خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى ) ( طه/50 ).
    ففي قوله : ( اَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلُّ نَفْس بِما كَسَبَتْ ) ( الرعد/33 ).
    قال الصدوق : « القيّوم » و « القيّام » هما فيعول و فيعال من قمت بالشيء ، إذا ولّيته بنفسك و تولّيت حفظه و إصلاحه و تقديره.
    و فسّر الرازي كونه قيّوماً ب ـ « قيام الممكنات بأسرها به ، فهو قائم بالذات وغيره قائم بالغير ».
    قال العلاّمة الطباطبائي : « القيّوم من القيام ، وصف يدل على المبالغة ، والقيام هو حفظ الشيء ، و فعله ، و تدبيره ، و تربيته ، و المراقبة عليه ، و القدرة عليه ، كلّ ذلك مأخوذ من القيام بمعنى الانتصاب ، للملازمة العاديّة بين الامتثال وهذه الاُمور ، و قدأثبت اللّه تعالى أصل القيام ـ باُمور خلقه ـ لنفسه ».
    قال سبحانه : ( أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَقْس بِمَا كَسَبَتْ ).
    و قال سبحانه : ( شَهِدَ اللّهُأَنَّهُ لا اِلهَ اِلّا هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُو الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا اِلهَ اِلّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ( آل عمران/18 ).
    فأفاد أنّه قائم على الموجودات بالعدل ، فلايعطي و لايمنع شيئاً إلاّ بالعدل باعطاء كل شيء ما يستحقّه ، و إنّ القيام بالعدل مقتضى اسميه الكريمين ، فبعزّته يقوم على كل شيء ، و بحكمته يعدل.
    و بعبارة اُخرى لمّا كان تعالى هو المبدئ الذي يبتدىء منه وجود كل شيء


(412)
    وأوصافه و آثاره ، و لامبدئ سواه ، إلاّ و هو ينتهي إليه ، فهو القائم على كل شيء من كل جهة ، القيام الذي لايشوبه فتور و خلل ، و ليس ذلك لغيره قط إلاّ بإذنه ومشيئته (1).
    ثمّ إنّ كونه سبحانه قيّوماً و قائماً بكل شيء لاينافي كون الموجودات الامكانية ذا آثار و خصائص و أفعال و أعمال تنسب إليها على وجه الاضطرار كالحرارة إلى النار أو على وجه الاختيار كالافعال الاختيارية للإنسان ، فإنّ قيام هذه الاُمور بآثارها وأفعالها ليس بنفسها و إنّما هي آثار لها باذنه سبحانه و مشيئته ، و قدذكرنا غير مرّة أنّ نسبة الوجودات الإمكانية إلى الواجب ، نسبة المعاني الحرفيّة إلى الاسميّة ، فلو غضّ النظر عن المعنى الاسمي فلايبقى لها أثر في الذهن و الخارج.
    و بذلك يظهر أنّ اسم « القيّوم » اُمّ الأسماء الإضافية الثابتة له تعالى جميعاً والمراد منها الأسماء التي تدلّ على معان خارجة عن الذات كالخالق و الرازق والمبدىء و المعيد و المحيي و المميت و الغفور و الرحيم و الودود و غيرها.
    و بعبارة اُخرى : إنّما هو أمّ لصفاته الفعلية جميعاً.
    و يقول الرازي : إنّ قوله الحي القيّوم كالينبوع لجميع مباحث العلم الالهي ولعلّه يشير بذلك إلى أنّ قيام الممكنات به يستلزم حضورها عنده ، و حضورها لديه يستلزم علمه به كما يستلزم تدبيره و ...
1 ـ الميزان : ج 2 ، ص 330.

(413)
حرف الكاف
المائة و الرابع : « الكافي »
    قد ورد في الذكر الحكيم مرّة و وقع وصفاً له سبحانه.
    قال تعالى : ( اَلَيْسَ اللّهُ بِكَاف عَبْدَهُ وَ يُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَ مَنْ يُضْلِلُ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هاد ) ( الزمر/36 ).
    أمّا معناه ، فقال ابن فارس : يدل على « الحسب » الذي لامستزاد فيه و هذا هو المتبادر من سائر مشتقّاته في القرآن و غيره ، و قال : ( وَ كَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَ نَصِيراً ) ( الفرقان/31 ).
    قال الراغب : الكفاية ما فيه سد الخلّة و بلوغ المراد من الأمر و هو سبحانه الكافي في اُمور العبد ، وهو يقوم بكلّ ما يحتاج إليه العبد ، ولو يخوّفونك أيّها النبي ، فاللّه هو الكافي ، قال سبحانه : ( فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ) ( البقرة/137 ).
المائة و الخامس : « الكبير »
    قدورد لفظ « الكبير » مرفوعاً و منصوباً 36 مرّة ، وقع وصفاً له سبحانه في موارد ستّة ، و إقترن باسم « المتعال » تارة و « العلي » اُخرى.
    قال سبحانه : ( عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ الْكَبِيرُ المُتَعالِ ) ( الرعد/9 ).


(414)
    و قال سبحانه : ( وَ اَنَّ اللّهَ هُوَ الْعَلِىُّ الكَبِيرُ ) ( الحج/62 ) (1).
    و أمّا معناه : فقدقال ابن فارس : يدل على خلاف الصغر ، و الكِبْر ـ بكسر الكاف و سكون الباء ـ معظم الأمر ، قوله عزّ وجلّ : ( وَ الَّذِينَ تَوَلَّى كِبَرَهُ ) ( النور/11 ) أي معظم أمره ، و أمّا الكبر ـ بضم الكاف ـ فهو القعيد ، يقال : الولاء للكبر يراد به أقعد القوم في النسب و هو الأقرب إلى الأب الأكبر.
    قال الراغب : « الكبير و الصغير من الأسماء المتضايفة التي تقال عند اعتبار بعضها ببعض و يستعملان في الكمّية المتّصلة كالأجسام و ذلك كالكثير و القليل ، و في الكميّة المنفصلة كالعدد ، و ثمّ استعير للمتعالي فيطلق على ما اعتبر فيه المنزلة و الرفعة نحو « قل أي شيء أكبر شهادة؟ قل اللّه شهيد بيني و بينكم » و نحو الكبير المتعال ، ومنه قوله : « كذلك جعلنا في كلّ قرية أكابر مجرميها » أي رؤسهائها.
    أقول : « إنّ اقتران اسم « المتعال » و « العلي » بالكبير ، يعرب عن كون الملاك في توصيفه سبحانه هو الرفعة و المنزلة ، و كل كمال يتصوّر.
    و الصدوق فسّره بالسيّد قائلاً : بأنّ سيد القوم كبيرهم ، و لكن مراده ما ذكرناه ، و قال : « الكبرياء » اسم التكبّر و التعظّم ، و قال العلامة الطباطبائي : « و الذي يناسب ساحة قدسه تعالى من معنى الكبرياء أنّه تعالى يملك كل كمال لشيء و يحيط به ، فهو تعالى كبير أي له كمال كل ذي كمال و زيادة » (2).
    و لأجل علو منزلته و رفعتها ، وقع علّة لكون الحكم له دون غيره قال : ( وَ اِنْ يُشْرِكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلّهِ العَلِىُّ الكَبِيرُ ) ( غافر/12 ).
1 ـ لاحظ أيضا ( النساء/34 ) ، ( لقمان/30 ) ، ( سبأ/32 ) ، ( غافر/12 ).
2 ـ الميزان : ج 11 ، ص 338.


(415)
المائة و السادس : « الكريم »
    قدورد في الذكر الحكيم مرفوعاً و منصوباً 26 مرّة و وقع وصفاً له سبحانه في موارد ثلاثة :
    قال سبحانه : ( فَتَعالى اللّهُ المَلِكُ الْحَقُّ لا اِلهَ اِلّا هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمُ ) ( المؤمنون/116 ) ، و قال سبحانه : ( وَ مَنْ كَفَرَ فَاِنَّ رَبِّى غَنِىٌّ كَرِيمٌّ ) ( النمل/40 ) ، و قال سبحانه : ( يا اَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمُ ) ( الانفطار/6 ).
    و أمّا معناه فقال ابن فارس : فهو شرف الشيء في نفسه أو شرف في خلق من الأخلاق يقال رجل كريم و فرس كريم. الكرم في الخُلق يقال هو الصفح عن ذنب المذنب. قال عبداللّه بن مسلم بن قتيبة : الكريم الصفوح و اللّه تعالى هو الكريم الصفوح عن ذنوب عباده المؤمنين.
    قال الراغب : إذا وصف اللّه تعالى به فهو اسم لإحسانه و انفاقه المتظاهر نحو قوله : ( إنَّ رَبِّىَ غَنِّىٌ كَرِيمٌ ) و إذا وصف به الإنسان فهو اسم للأخلاق و الأفعال المحمودة التي تظهر منه.
    و ما ذكره هو الظاهر في قوله : « غنيّ كريم » دون سائر الآيات ، و كيف وقدوصف اُمور كثيرة بمعنى واحد.
    و ذلك كالرزق نحو : ( وَ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمُ ) ( الأنفال/4 ) و الملك نحو : ( اِنْ هذَا اِلّا مَلَكٌ كَرِيمٌ ) ( يوسف/31 ) ، و المقام نحو : ( وَ كَنُوزٌ وَ مَقامٌ كَرِيمٌ ) ( الشعراء/58 ) ، و الرسول نحو : ( وَ رَسُولٌ كَرِيمٌ ) ( الدخان/17 ) ، و الكتاب نحو : ( اُلْقِىَ اِلَىَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ) ( النمل/29 ). و التوصيف في الجميع بمعنى واحد.
    و لذلك لجأ الصدوق إلى ذكر معنيين له ففسّره تارة بالعزيز ، يقال : فلان أكرم عليّ من فلان أي أعز منه ، و منه قوله عزّ و جلّ : ( لقرآن كريم ) و اُخرى بالجواد


(416)
المتفضّل يقال رجل كريم أي جواد.
    و الظاهر أنّ الكريم له معنى واحد و هو ما نبّه إليه ابن فارس أعني الشرف في الذات أو في الخلق ، و الأنعام و الجود من مظاهره ، كما أنّ الصفح عن العدو بعد المقدرة عليه من آثاره ، و إلى ذلك يرجع ما ذكره بعضهم في تفسيره بأنّه كون الشيء تامّاً بحسب مرتبته و اللّه سبحانه كريم باعتبار تماميّته في الوهيّته ذاتاً و صفة و فعلاً.
    و أمّا توصيف الكافر بالكريم في قوله سبحانه : ( ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الكَرِيمُ ) ( الدخان/49 ). فإنّما هو للاستهزاء تشديداً لعذابه ، فقدكان يرى في الدنيا لنفسه عزّة و كرامة لاتفارقانه كما يظهر ممّا حكى اللّه سبحانه من قوله : ( وَمَاأَظُنُّ السّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُّجِعْتُ اِلى رَبِّى اِنَّ لِى عِنْدَهُ لَلْحُسْنى ) ( فصّلت/50 ).


(417)
حرف اللام
المائة و السابع : « اللطيف »
    و قدورد في الذكر الحكيم ستّ مرّات و وقع في الجميع وصفاً له سبحانه و قورن ب ـ « الخبير » تارة و « العليم الحكيم » تارة اُخرى.
    قال سبحانه : ( لاتُدْرِكُهُ الاَبْصَارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الاَبْصَارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) ( الانعام/103 ).
    و قال سبحانه : ( اِنَّ رَبِّى لَطِيفٌ لِمَا يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الحَكِيمُ ) ( يوسف/100 ).
    و قال سبحانه : ( فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ) ( الحج/63 ).
    و قال سبحانه : ( فَتَكُنْ فِى صَخْرَة أَوْ فِى السَّمواتِ أَوْ فِى الأَرْضِ يَأْتِ بِها اللّهُ اِنَّ اللّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ) ( لقمان/16 ).
    و قال سبحانه : ( اَللّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزِقُ مَنْ يَشاءُ وَ هُوَ الْقَوِىُّ العَزِيزُ ) ( الشورى/19 ).
    و قال سبحانه : ( اَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَ هُوَ الْلَّطِيفُ الخَبِيرُ ) ( الملك/14 ).
    و قال سبحانه : ( اِنَّ اللّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً ) ( الأحزاب/34 ).
    أمّا معناه فالظاهر من ابن فارس أنّ له معنيين أحدهما « الرفق » و الثاني « صغر


(418)
في الشيء » (1).
    فمن الأوّل قوله : ( اللّه لطيف بعباده ... ).
    و أمّا الثاني فالظاهر أنّ المراد من الصغر في الشيء هو كونه دقيقاً فوق الحسّ. و لأجل ذلك علّل سبحانه قوله : ( لاتدركه الأبصار ) بكونه لطيفاً كما تقدّم و ربّما يتطوّر و يستعمل في النافذ في الأشياء لأنَّ الشيء الصغير ينفذ في المجاري والفوب الصغار. و يؤيّد ذلك أنّه سبحانه علّل علمه بما خلق بكونه لطيفاً ، و قال سبحانه : ( اَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَ هُوَ الْلَّطِيفُ الخَبِيرُ ) ( الملك/14 ) و عليه فيصحّ تفسيره بكونه مجرّداً أو ما هو قريب منه و يكون كناية عن حضوره و إحاطته بباطن الأشياء و ظاهرها ، و ربّما يكنّى به عن تعاطي الاُمور الدقيقة كما في قوله سبحانه : ( فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً اِنَّ اللّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ) ( الحج/63 ) ، و عليه يحمل قولهسبحانه : ( فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْق مِنْهُ وَ لْيَتَلَطَّفْ وَ لايُشْعِرَنَّ بِكُمْ أحداً ) ( الكهف/19 ) أي يعمل بلطف و دقّة.
    هذا على القول بأنّ لمصدر « اللطيف » معنيين : الرفق و الدّقة ، و يمكن ارجاع المعنى الأوّل إلى الثاني أيضاً لأنّ الرأفة و المحبّة رهن تعاطي الاُمور الدقيقة حتى تستهوي القلوب.
    و على كل حال فاللّه سبحانه « لطيف » أي دقيق لايدرك ، و يتعاطى الاُمور الدقيقة فيخلق أشياء فوق الحواس ، لطيف أي رؤوف بأعمال الاُمور الدقيقة و هكذا ، فتوصف به الذات كما يوصف به الفعل.
    قال الرازي : « إنّ اللطيف له تفاسير أربعة :
    1 ـ إنّ الشيء الصغير الذي لايحسّ به لغاية صغره يسمّى لطيفاً ، و اللّه
1 ـ يظهر من القاموس أنه إذا أخذ « لطف » من باب « نصر » يكون بمعنى البرّ و الاحسان ، و إذا اخذ من باب « كرم » يكون بمعنى صغر و دقة.

(419)
سبحانه لما كان منزّها عن الجسميّة و الجهة لم يحسّ به ، فأطلقوا اسم الملزوم على اللازم ، فوصفوه تعالى بأنّه لطيف أي غير محسوس ، و كونه لطيفاً بهذا الاعتبار يكون من صفات التنزيه.
    2 ـ اللطيف هو العالم بدقائق الاُمور و غوامضها ، و على هذا التفسير يكون اللطف عبارة عن سعة علمه فيكون من الصفات الذاتية.
    3 ـ اللطيف هو البر بعباده الذي يلطف بهم من حيث لايعلمون و يهيء مصالحهم من حيث لايحتسبون ، و منه قوله سبحانه : ( اللّه لطيف بعباده يرزق منيشاء ).
    4 ـ اللطيف من يعلم حقائق المصالح و غوامضها ثم يسلك في إيصالها إلى مستحقها سبيل الرفق دون العنف.
    فإذا اجتمع هذا العلم و هذا العمل تم معنى اللطف » (1).
    و لايخفى أنّ ما ذكره من المعاني الأربعة من لوازم معنى اللطيف و هو الدقيق أو من يتعاطى الأعمال الدقيقة و اللّغة العربية خصيصتها التطوّر و اشتقاق معنى من معنى بمناسبة فطرية أو ذوقيّة ، فمعنى اللطيف و إن لم يمكن تحديده بوجه كامل ، ولكن المراد منه واضح في الآيات.
    و أمّا حظ العبد من هذا الاسم فلو فسّر اللطيف بالرفق فحظّه الرفق بعباد اللّه كاللطف بهم في الدعوة إلى اللّه كما قال سبحانه : ( فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً ) ( طه/44 ).
    فإن فسّر بتعاطي الأعمال الدقيقة فحظّه هو الدقة في الأعمال و الأقوال و ترك التساهل و المسامحة.
1 ـ لوامع البينات : ص 246.

(420)
كلام في رؤيته سبحانه
    قدوقفت على أنّه سبحانه علّل قوله : ( لاتُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ ) بكونه لطيفاً خبيراً ، فاللطيف تعليل للحكم السلبي ، و الخبير تعليل للحكم الإيجابي ، و على ذلك فاللّه سبحانه فوق أن يكون مرئيّاً للأبصار ، محاطاً بالجهة والمكان ، فمن كان هذا خصيصته ، لايرى في الدنيا و الآخرة.
    و لكن الأسف إنّ هذا الأصل العقلي قدوقع مورد نقاش بين المسلمين فذهبت طائفة إلى امكان رؤيته في الدنيا و الآخرة كما ذهبت طائفة اُخرى إلى التفصيل و هو أنّه سبحانه لايرى في الدنيا و يرى في الآخرة تبعاً للحديث النبوي : « إنّكم سترون ربّكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر » (1) و إليك التفصيل.
    اتّفقت العدلية على أنه سبحانه ليس جسماً و لا له جهة ، و بالتالي لايمكن رؤيته لا في الدنيا و لا في الاخرة ، و أمّا غيرهم فالمجسّمة الذين يصفون اللّه سبحانه بالجسم و يثبتون له الجهة جوّزوا رؤيته في الدارين.
    و أمّا الأشاعرة فهم يعدّون أنفسهم من أهل التنزيه و لكنّهم يقولون بالرؤية يوم القيامة فقط (2).
    وقدذكر الإمام أبوالحسن الأشعري أقوالاً في الرؤية تربو على تسعة عشر قولاً ، غير أنّ أكثرها سخافات و من عجيب ما جاء في خلال تلك الأقوال : إنّ « ضراراً » و « حفصا الفرد » يقولان : إنّ اللّه لايرى بالأبصار ، و لكن يخلق لنا يوم القيامة حاسّة سادسة غير حواسّنا فندركه بها.
    قال الحسين النجّار : إنّه يجوز أن يحوّل العين إلى القلب و يجعل لها قوّة
1 ـ مسند أحمد : 3/16
2 ـ المواقف : ج 2 ، ص 368.
مفاهيم القرآن ـ جلد السادس ::: فهرس