و قال سبحانه : ( فَتَعَالى اللّهُ المَلِكُ الْحَقُُّ ) ( طه/114 ). و قال سبحانه : ( اَلْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ ... ) ( الحشر/23 ). و قال سبحانه : ( مَلِكِ النّاسِ * اِلهِ النّاسِ ) ( الناس/2و3 ). فلايصحّ ترجيح واحد على الآخر بهذه الوجوه لأنّ لكل من القراءتين شاهداً قرآنياً ، فلابدّ من الترجيح بالتتبع في القراءة المرويّة عن النبي ( ص ) بطريق أصحّ.
قدورد لفظ « المبين » في الذكر الحكيم 106 مرّة و وقع وصفاً له سبحانه في آية واحدة ، قال تعالى : ( يَوْمَئِذ يُوَفِّيهِمُ اللّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَ يَعْلَمُونَ اَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ) ( النور/25 ). قال ابن فارس : « بان الشيء وأبان إذا اتّضح و انكشف ، و فلان أبين من فلان أي أوضح كلاماً منه ، و بهذا المعنى وقع وصفاً في القرآن لاُمور مثل : العدوّ ، والكتاب ، والضلال ، والبلاغ ، والسحر ، والفوز ، والثعبان ، والساحر ، والسلطان ، والقرآن ، و الشهاب ، والإمام ، والنظير ، والخصيم ، واللسان ، والخسران ، و الافك ، والشيء ، والنذير ، و البلاء ، والظالم ، والرسول ، والدخان ، والاُفق ، و الاثم ، والنور ، و الفتح. وأمّا توضيح الآية فالمراد بالدين الجزاء كما في قوله : ( مالكِ يوم الدينِ ) ( الحمد/4 ). و توفية الشيء بذله تامّاً كاملاً و المعنى أنّ اللّه يعطيهم يوم القيامة جزاءهم الحق إعطاءً تامّاً كاملاً ، و أمّا قوله : ( وَ يعْلمون اَنّ اللّه هو الحقّ المبين ) فهو من غرر الآيات القرآنية التي تفسّر معرفة اللّه و تنبىء عن أنّه تعالى هو الحق الواضح الذي يسهل الوصول إليه و التعرف عليه الذي لا سترة عليه بوجه من الوجوه ، و على أي تقدير من التقادير فهو أبده البديهيات التي لايتعلّق بها جهل ، لكن البديهي ربّما
(452)
يغفل عنه فالعلم به تعالى يرجع إلى ارتفاع الغفلة عنه الذي ربّما يعبر عنه ب ـ « العلم بالعلم » و هذا هو الذي يبدو لهم يوم الحق ( القيامة ) فيعلمون أنّ اللّه هو الحقّ المبين (1).
فاللّه سبحانه حق لايشوبه باطل ، وجوده بيّن بالفطرة التي فطر الناس عليها ، مبين بآثاره و أفعاله ، مبين بوجوده ، و في كلمات أئمّة أهل البيت درر مضيئة في هذا المجال نأتي ببعضها. قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « يا من دلّ على ذاته بذاته و تنزّه عن مجانسة مخلوقاته » (2). و قال الإمام السبط الحسين بن علي ( عليه السلام ) : « كيف يستدلّ عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك ، أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك ، متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدلّ عليك ، و متى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك ، عميت عين لاتر لك عليهارقيباً » (3). و ربّما يفسّر « المبين » بأنّه من الإبانة باعتبار إبانة خلقه كلاًّ من الآخر فصاروا أنواعاً و أصنافاً و أشخاصاً بحيث لم يكن و لايكون فردان من كل صنف متّحدين من جميع الجهات حتى يشتبه أحدهما بالآخر (4). و التفسير مبني على أخذه من « البين » بمعنى البينونة ، و هو لايلائم مفاد الآية و سياقها.
1 ـ الميزان : ج 15 ، ص 103. 2 ـ من دعائه ( عليه السلام ) بعد طلوع الفجر المعروف بدعاء الصباح. 3 ـ من دعاء الإمام الحسين ( عليه السلام ) يوم عرفة. 4 ـ شرح الأسماء الحسنى للسيد حسين الهمداني : ص 36.
و قدورد « المتعال » في الذكر الحكيم مرّة واحدة و وقع وصفاً له سبحانه. قال : ( عالِمُ الغَيبِ و الشَّهادَة ِالكَبِيرُ المُتَعَال ) ( الرعد/9 ). وأمّا معناه فهو من العلو بمعنى السمو و الارتفاع ، يقال تعالى النهار أي ارتفع. و المتعال صفة من التعالي و هو المبالغة في العلوّ كما يدل عليه قوله : ( تَعالى عَمّا يَقُولونَ علوّاً كبيرًا ) ( الاسراء/43 ). فإنّ قوله علوّاً كبيراً مفعول مطلق لقوله سبحانه موضوع في محل قولنا تعالياً وهو سبحانه عليّ و متعال ، أمّاأنّه عليّ فلأن العلوّ هو التسلط و اللّه متسلّط على كل شيء ، و أمّا أنّه متعال فلأنّ له غاية العلو ، فهو العال غاية العلوّ. ثمّ إنّ الهدف من توصيفه سبحانه بالأسماء الثلاثة في الآية هو التركيز على أنّه سبحانه محيط بكل شيء ( عالم الغيب و الشهادة ) يملك كل كمال ( الكبير ) المتسلّط على كل شيء و لايتسلّط عليه شيء ، فهو يعلم الغيب كما يعلم الشهادة ، و لايغلبه غيب حتى يعزب عن علمه شيء ، لأنّه جامع لكل كمال ، ومتسلّط على كل شيء (1). ثمّ أنّ هناك احتمالاً آخر و هو أنّ المقصود من المتعال هو تعاليه عن كل عيب و نقص و عن كل شريك و ند ، عمّا يجول في فكر المشركين و الكافرين ، و يؤيّد ذلك انّ فعل هذا الوصف جاء في القرآن الكريم 14 مرّة و اُريد منه ذلك ، قالسبحانه : ( و خَرَقوا لَهُ بنَينَ و بَنات بغير علْم سُبحانَهُ و تعَالى عمّا يَصِفُون ) ( الأنعام/100 ) (2).
1 ـ الميزان : ج 1 ، ص 337 ـ 338.
2 ـ و في آيات : ( فتعالى اللّه عمّا يشركون ) ( الأعراف/190 ، يونس/18 ، النحل/1و3 ، المؤمنون/92 ، النمل/63 ، القصص/68 ، الروم/40 ، الزمر/67 ). و هذا المعنى يعد فرعاً للمعنى الكلّي الذي فسّر به في تفسير « الميزان ».
وقدورد ذلك اللفظ في القرآن 3 مرّات و وقع في مورد واحد وصفاً له سبحانه. قال سبحانه : ( اَلسَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللّهِ عَمّا يُشْرِكُونَ ) ( الحشر/23 ).و هو مأخوذ من الكبر ـ بسكون الباء ـ (1) بمعنى العظمة ، ومثله الكبرياء ، و معنى المتكبّر هو من تلبّس بالكبرياء و ظهر بها ، و إذا كان الكبر هو الحالة التي يوجب إعجاب المرء بنفسه و رؤية ذاته أكبر من غيره ، لاترى لذلك الوصف حقيقة إلاّ في ذاته سبحانه. قال الغزالي : « المتكبّر هو الذي يرى الكل حقيراً بالاضافة إلى ذاته ، فلايرى العظمة و الكبرياء إلاّ لنفسه ، و ينظر إلى غيره نظر الملوك إلى العبيد ، فان كانت هذه الرؤية صادقة كان التكبّر حقّاً و كان صاحبها محقّاً في ذلك التكبّر ، ولايتصوّر ذلك على الاطلاق إلاّ في حق اللّه سبحانه و تعالى ، و لئن كانت تلك الرؤية باطلة ولميكن ما يراه من التفرد بالعظمة كما يراه; كان التكبّر باطلاً مذموماً ، و قدنقل عن النبي ( صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ) حاكياً عن ربّ العزّة جلّ جلاله : « الكبرياء ردائي والعظمة إزاري ، من نازعني واحدا منهما قذفته في النار » (2) و على ذلك فالتكبّر صفة مدح و كمال في حقّه سبحانه و في حقّ غيره صفة نقص و اختلال. ثمّ إنّ بعض أهل العربية زعم أنّ باب التفعّل بمعنى التكلف دائماً ، فوقع في تفسير ذلك الاسم في حيص و بيص ، و الحق انّه ليس أصلاً دائميّاً بل ربّما يجيء بمعنى اظهار المبدأ كما هو الحال في باب التفاعل.
1 ـ لامن الكبر ـ بفتح الباء ـ و هو الهرم و الطعن في السن. 2 ـ معنى الحديث أنّ العظمة له سبحانه و الكبرياء عبارة عن إراءتها كما هو الحال في المتكبّر.
(455)
و أمّا حظ العبد من ذلك الاسم فهو أن يتكبّر عمّا سوى الحق تعالى فلايطلب في عمله سواه حتى يكون هو الغاية دون غيره. ثمّ إنّ رأس المعاصي و مبدأها هو التكبّر على الحق سواء كان هو اللّه سبحانه أم كان أنبيائه و رسله أم كتبه و زبره ، فلايعصي العاصي إلاّ عن طغيان و تكبّر و إن لميحس به في نفسه و هو أوّل ما عصى به الرحمان. قال سبحانه : ( إلا اِبْلِيسَ اَبى وَ اِسْتَكْبَرَ وَ كَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) ( البقرة/34 ). و قال سبحانه : ( وَ اسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِى الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ) ( القصص/39 ). وللإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كلمة في الكبر نأتي بها ، قالعليهالسلام : « الحمد لله الذي لبس العزّ و الكبرياء و اختارهما لنفسه دون خلقه و جعلهما حمى و حرماً على غيره ، و اصطفاهما لجلاله ، و جعل اللعنة على من نازعه فيهما من عبادة ، ثم اختبر بذلك ملائكته المقرّبين ليميّز المتواضعين منهم من المستكبرين ... ( إلى أن ذكر إبليس فقال ) ... اعترضته الحمية فافتخر على آدم بخلقه و تعصّب عليه لأصله ، فعدو اللّه إمام المتعصبين و سلف المستكبرين الذي وضع أساس العصبية ، و نازع اللّه رداء الجبرية ، و ادّرع لباس التعزّز ، و خلع قناع التذلّل ، ألا ترون كيف صغّره اللّه بتكبّره ، و وضعه بترفّعه ، فجعله في الدنيا مدحوراً وأعدّ له في الآخرة سعيراً » (1).
1 ـ نهج البلاغة : خطبة 192.
و قدورد المتين في الذكر الحكيم 3 مرّات و وقع في مورد واحد وصفاً له سبحانه. قال سبحانه : ( مَا اُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْق وَ مَا اُرِيدُ اَنْ يُطْعِمُونِ * اِنَّ اللّهَ هُوَ الرزَّاقُ ذُوالْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) ( الذاريات/57 و58 ). و « المتين » من المتن قال ابن فارس : و هو في الأصل بمعنى الصلابة في الشيء مع امتداد و طول ، و المتنان من الإنسان مكتنفاً الصلب من عصب و لحم. و الظاهر أنّ الامتداد و الطول ليس جزء لمعناه و إنّما هو من لوازم الجري حيث يطلق على الأرض الصلبة أو على ما يكتنف الصلب من عصب و لحم ، فلو اطلق على الحبل المستحكم « المتين » فهو من هذا الباب. و جعل الرازي الأصل للمتن هو الظهر ، قال : أمّا المتين فهو الشديد واشتقاقه من المتانة و هي الصلابة لغة ، مأخوذاً من المتن و هو الظهر لأنّ استمساك أكثر الحيوان أن يكون بالظهر ، و لهذا سمّيت القوّة باسم الظهر و باسم المتين. قال تعالى : ( وَ لَو كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض ظَهِيراً ) ( الإسراء/88 ) و يقال كلام متين إذا كان قوّياً (1). و على كل تقدير فسواء كان الأصل هو الصلابة كما عليه ابن فارس أو الظهر كما عليه الرازي ، فلايصحّ توصيفه سبحانه بواحد من المعنيين ، فوجب حمله على لازمه و هو الموجود الذي لايتأثّر بالغير. و قدعرفت أنّ القوّة لاترادف القدرة المطلقة بل المراد المرتبة الشديدة منها فعلى ذلك يكون القويّ في الآية مرادفاً لقوله : ( ذو القوّة ) كما يكون المتين تأكيداً له بمعنى أنّه لايغلب و لايتأثّر من غيره فيكون مرادفاً لقولنا واجب الوجود لذاته.
1 ـ لوامع البينات : ص 295.
و قد ورد كل من المجيب و المجيبين مرّة واحدة و وقعا وصفين له سبحانه. قال سبحانه : ( فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا اِلَيْهِ اِنَّ رَبِّى قَرِيبٌ مُجِيبٌ ) ( هود/61 ). و قال سبحانه : ( وَ لَقَدْ نادَانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ المُجِيبُونَ ) ( الصافّات/75 ). و هو من « الجوب » و هو في الأصل بمعنى خرق الشيء ، و لعلّ استعماله في الجواب و الإجابة بما انّه خرق للسكوت ، و لكن « ابن فارس » قال : له أصل ( معنى ) آخر و هو مراجعة الكلام ، يقال كلّمه فأجابه جواباً. و على كل تقدير فهو وصف فعل للّه سبحانه فهو يجيب سؤال عبيده ليس إجابته بالكلام و إنّما هو باعطاء سؤلهم ، فهو اسم له تعالى باعتبار إعطائه طلب السائلين : قال سبحانه : ( وَ اِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَاِنِّى قَرِيبٌ اُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ اِذَا دَعَانِ ) ( البقرة/186 ). نعم للإجابة شروط مقرّرة في أبحاث الدعاء فليس الإجابة محرّرة من كلشرط.
المائة و السادس عشر : « المجيد »
قدورد « المجيد » في الذكر الحكيم 4 مرّات و وقع في موردين اسماً له سبحانه كما أنّه وقع في موردين آخرين وصفاً للقرآن الكريم. قال سبحانه : ( رَحْمَةُ اللّهِ وَ بَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ اَهْلَ الْبَيْتِ اِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ) ( هود/73 ). و قال : ( وَ هُوَ الغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو العَرْشِ المَجِيدُ ) ( البروج/14و15 ). و قال في وصف القرآن : ( ق * وَ الْقُرْآنِ المَجِيدِ ) ( ق/1 ). و قال : ( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِى لَوْح مَحْفُوظ ) ( البروج/21و22 ).
(458)
و أمّا معناه فقد قال ابن فارس : فهو في الأصل يدل على بلوغ النهاية و لايكون إلاّ في محمود منه « المجد » بلوغ النهاية في الكرم ، و اللّه « الماجد » و « المجيد » لاكرم فوق كرمه ، و تقول العرب : « ماجد فلان فلاناً : فاخره ». و قال الراغب : « المجد » السعة في الكرم و الجلال و لو وصف به القرآن الكريم فلأجل كثرة ما يتضمّن من المكارم الدنيويّة و الاُخروية ، و بما أنّ كثرة المباني تدلّ على كثرة المعاني فيكون المجيد مبالغة في المجد ، فالمجيد اسم له تعالى باعتبار رفعة ذاته و صفاته أو سعة كرمه و إحسانه حيث لايتمكّن أحد من بلوغ تلك الرفعة.
و قدجاء المحيط في القرآن الكريم 9 مرّات و وقع وصفاً له في موارد ثمانية. قال سبحانه : ( وَ اللّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ ) ( البقرة/19 ). و قال سبحانه : ( اِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ) ( آل عمران/120 ). و قال سبحانه : ( بَل الَّذِينَ كَفَرُوا فِى تَكْذِيب * وَ اللّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ ) ( البروج/19و20 ). و الكلمة من الحوط و هو الإطافة بالشيء ، و يطلق الحائط على الجدار الذي يحوط بالمكان ، و المراد من هذا الوصف سعة وجوده سبحانه حيث لايحدّه شيء بل كل شيء محاط له و قدأحاط بكل شيء علماً. ثمّ إنّ الظاهر من الايات أنّه سبحانه بذاته و وجوده محيط بالأشياء ، كما أنّه محيط بعلمه أيضاً ، غير أنّ من يثبت للّه سبحانه جهة فوق العرش يؤوّل هذه الآيات بالاحاطة العلمية ، و قدذكرنا كلمة « أحمدبن حنبل » عند البحث عن اسم « القريب ». قال سبحانه : ( وَ اللّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ ) ( البقرة/19 ).
(459)
و قال سبحانه : ( اَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْء مُحِيطٌ ) ( فصّلت/54 ). و العجب أنّ الرازي يفسّر الآية الثانية بقوله أنّه أحاط بكل شيء علماً (1).
و قدورد في الذكر الحكيم مرتين و وقع وصفاً له فيهما. قال سبحانه : ( فَانْظُر إِلى آثَارِ رَحْمَتِ اللّهِ كَيْفَ يُحْيِى الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها اِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِى المَوْتى وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ ) ( الروم/50 ). و قال سبحانه : ( وَ مِنْ آياتِهِ اَنَّكَ تَرى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَاِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْماءَ اِهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ اِنَّ الَّذِى اَحْيَاهَا لَمُحْيِى المَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ ) ( فصّلت/39 ). و على ذلك فالمحيي من صفات الفعل ، فهو يحيي الأرض بعد موتها كما يحيي الإنسان يوم القيامة كذلك. و قدعطفت الإحياء على الإماتة في غير واحد من الآيات. وقال سبحانه حاكياً عن إبراهيم : ( وَ الَّذِى يُمِيتُنِى ثُمِّ يُحْيينِ ) ( الشعراء/81 ). وقال سبحانه : ( وَ كَنْتُمْ اَمْواتاً فَاَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ) ( البقرة/28 ). ثمّ إنّ الإحياء و الإماتة منصرفان إلى الجسمانية منهما ، و ربّما يطلق عليغيرها. قال سبحانه : ( اَوَمَنْ كَانَ مَيِّتاً فَاَحْيَيْناهُ ) ( الأنعام/122 ). و قال سبحانه : ( وَ لايَسْتَوِى الأَحْياءُ وَ لاَ الأَمْواتُ ) ( فاطر/22 ). و على ذلك فالإحياء و الإماتة باقسامهما من اللّه سبحانه يفاضان منه إلى عباده
1 ـ لوامع البيّنات : ص 358.
(460)
و مخلوقاته عن طريق الأسباب و العلل ، فالاعتراف بأنّه هو المحيي و المميت ليس انكاراً لقاعدة السببية و العلّية ، فاللّه سبحانه كما هو المميت ، فملك الموت أيضاً مميتٌ و كذلك الملائكة.
قال سبحانه : ( قُلْ يَتَوَفّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِى وَ كِّلَ بِكُمْ ) ( السجدة/11 ). كما أنّ هناك رسلاً غيبيّة يقومون بهذا العمل. قال سبحانه : ( حَتَّى اِذَا جَاءَتْهُمْْ رُسُلُنا يَتَوَفَّونَهُمْ ) ( الأعراف/37 ). و قدذكرنا ذلك غير مرّة. و أمّا حظ العبد من هذا الاسم فهو أن يحيي قلبه بذكره و عبادته و إماتة الغزائز العادية بكبح جماحها.