و تقديم اسم الجلالة على ذاك الاسم أو تقديم « ربّنا » عليه لإفادة الحصر التي يفيده قولنا : ( وَ اِيّاكَ نَسْتَعِينُ ) ( الحمد/4 ). و معناه أنّه لايستعين أحد غيره إلاّ خاب عن مراده فهو المستعان لاغير. نعم هذا الحصر لاينافي الاستعانة بالغير بما أنّ أعانته منتهية إلى اللّه سبحانه فالاستعانة من الأسباب و العلل الظاهرية ، أو الإستعانة بالأرواح المقدّسة بمعنى أنّه هو الذي جعلها أسباباً و فاض عليها وصف السببية كيف و قدأمر به سبحانه إيماءً واشارةً و وضوحاً و تصريحاً. قال سبحانه حاكياً عن ذي القرنين : ( قالَ مَا مَكَّنِّى فِيهِ رَبِّى خَيْرُ فَأَعِينُونِى بُقُوَّة أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ رَدْماً ) ( الكهف/95 ).و قال سبحانه : ( اِسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصّلاةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ ) ( البقرة/153 ). و هذا أصل مطّرد في كل اسم مختص باللّه سبحانه ، فهو الواجد لكمال حقيقته و لو وصف به الغير فإنّما يوصف بتسبيب و إفاضة منه ، فهو المستعان حقيقة و استقلالاً و غيره يستعان منه بتسبيب منه ، و هو غير مستقل في الإعانة و النصر. و أمّا حظّ العبد من ذلك الاسم ، هو التعاون في التقوى و التجنّب عنه في الإثم و العدوان ، قال سبحانه : ( وَ تَعَاوَنُوا عَلى البِّرِ وَ التَّقْوى وَ لا تَعَاوَنُوا عَلى الاِثْمِ وَ العُدْوان ) ( المائدة/2 ).
و قدورد هذا اللفظ في الذكر الحكيم مرّة واحدة و وقع وصفاً له سبحانه. قال : ( هُوَ اللّهُ الخَالِقُ البَارِىءُ المُصَوِّرُ لَهُ الاَْسْماءُ الحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِى السَّمواتِ وَ الأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ( الحشر/24 ).
(462)
و « المصوّر » من الصورة و هي صورة كل مخلوق و هيئته التي خلق عليها (1). قال الراغب : « الصورة » ما ينتقش بها الأعيان و يتميّز بها عن غيرها ، و هي بين محسوس و معقول ، و المحسوس كصورة الإنسان و الفرس و الحمار بالمعاينة ، والمعقول الصورة التي اختص الإنسان بها من العقل و الرؤية و المعاني التي خصّ بها شيء بشيء. يلاحظ عليه : إنّ تقسيم الصورة إلى القسمين تقسيم فلسفي خارج عن اطار المعنى اللغوي للفظ ، و قدجرّه إلى هذا التقسيم تصحيح ما روي عن النبي أنّه قال : « إنّ اللّه خلق آدم على صورته » بناءً على أنّ الضمير المجرور يرجع إلى اللّه ، وسيوافيك تفسير الحديث بوجهين. و الظاهر أنّ المراد من المبدأ في المصوّر هو الصورة الحسّية التي اُشير إليها في كثير من الآيات. قال سبحانه : ( هُوَ الَّذِى يُصَوِّرَكُمْ فِى الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ) ( آل عمران/6 ). و قال سبحانه : ( وَ لَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لاِدَمَ ) ( الأعراف/11 ). وقال سبحانه : ( وَصَوَّرَكُمْ فَاَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ) ( غافر/64 ). نعم كان تصوير آدم على وجه الكمال ملازما لكونه ذاصورة عقليّة مدركة
1 ـ الظاهر من صاحب المقاييس انّ الصورة مأخوذة من صور ، و يؤيّده كون الواو ظاهرة في مشتقاته ك ( المصوّر ، المصور ، التصوير ، الصور ) غير أنّ الرازي قال : الصورة مأخوذة من صار يصير ، ومنه قولهم « إلى ماذا صار أمرك » ... و صورة الشيء هو الجزء الذي باعتباره يكون الشيء حاصلاً كائناً لامحالة فلاجرم كانت الصورة منتهي الأمر و مصيره ( لوامع البيّنات : ص 209 ) ولايخفى بعده و ليس من الممتنع أن يكون لمادة « صور » معان مختلفة منها الامالة و منه قوله تعالى ( فصرهنّ إليك ) و منه « أصور » بمعنى مائل العين ، و منها « الصورة » الهيئة التي يخلق الشيء عليها ).
(463)
بالبصيرة ، و هو غير كون الصورة موضوعة للأعمّ من الحسّيّة و العقليّة.
و كونه سبحانه هو المصوّر دون غيره لاينافي تدخّل الأسباب المادّيّة والصفات الموروثة في التصوير ، فإنّها من جنوده سبحانه تعمل بإرادته و مشيئته وتأثير الكل ينتهي إليه فهو المصوّر حقيقة ، و غيره من العلل الطوليّة و العرضيّة مصوّرة بإذنه و مشيئته. تفسير الحديث النبوي روى الفريقان عن رسول اللّه ( صلى اللّه عليه و آله و سلّم ) أنّه قال : « إنّ اللّه خلق آدم على صورته » فأخذ بظاهره المشبّهة ، فتخيّلوا أنّ للّه سبحانه صورة غير أنّ الروايات المرويّة عن أئمّة أهل البيت تفسّر الحديث بوجهين مختلفين و إليك بيانهما : 1 ـ قال « محمدبن مسلم » سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) عمّا يروون أنّ اللّه عزّ و جلّ خلق آدم على صورته ، فقال : هي صورة محدثة مخلوقة اصطفاها اللّه واختارها على سائر الصور المختلفة فأضافها إلى نفسه كما أضاف الكعبة إلى نفسه والروح إلى نفسه ، فقال سبحانه : ( بَيْتِى ) ( البقرة/125 ).و قال سبحانه : ( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِى ) ( الحجر/29 ) (1). و على هذا يرجع الضمير إلى اللّه تعالى و تكون الإضافة تشريفية. 2 ـ قال « الحسين بن خالد » قلت للرضا ( عليه السلام ) يابن رسول اللّه إنّ الناس يروون أنّ رسول اللّه ( صلى اللّه عليه و آله و سلّم ) قال : « إنّ اللّه خلق آدم على صورته » فقال : قاتهلم اللّه لقد حذفوا أوّل الحديث : إنّ رسول اللّه مرّ برجلين يتسابّان فسمع أحدهما يقول لصاحبه : « قبّح اللّه وجهك و وجه من يشبهك » فقال ( صلى اللّه عليه و آله و سلّم ) : « يا عبداللّه لاتقل هذا لأخيك ، فإنّ اللّه عزّ وجلّ خلق آدم على
1 ـ التوحيد للصدوق : باب أنّه عزّ و جلّ ليس بجسم و لاصورة ، الحديث 18 ، ص 103.
(464)
صورته » (1).
و على هذا فالضمير المجرور يرجع إلى الذي وجّه إليه السب المحذوف عن صدر الحديث ، و هناك وجوه اُخر لتفسير الحديث لاحظ « التوحيد » للصدوق و غيره من الكتب.
و قدورد لفظ « المقتدر » في القرآن 3 مرّات و وقع وصفاً له سبحانه. قال تعالى : ( كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَاَخَذْناهُمْ اَخْذَ عَزِيز مُقْتَدِر ) ( القمر/42 ). و قال سبحانه : ( اِنَّ المُتَّقِينَ فِى جَنّات وَ نَهِر * فِى مَقْعَدِ صِدْق عِنْدَ مَلِيك مُقْتَدِر ) ( القمر/54 و55 ). و قال سبحانه : ( وَ كَانَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَىْء مُقْتَدِراً ) ( الكهف/45 ). و جاء بصيغة الجمع وصفاً له سبحانه. قال سبحانه : ( اَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِى وَعَدْناهُمْ فَاِنّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ ) ( الزخرف/42 ). و هو يعادل « القادر » و « القدير » في المعنى غير أنّه أبلغ في ثبوت المبدأ كما أنّه يدل على الاختيار ، وكلا الأمرين من مقتضيات باب الافتعال. قال سبحانه : ( لَها مَا كَسَبَتْ وَ عَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ ) ( البقرة/286 ).
و قدورد في الذكر الحكيم لفظ « المقيت » مرّة واحدة وجرى وصفاً له سبحانه. قال سبحانه : ( مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَ مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً1 ـ التوحيد باب تفسير قوله ( كل شىء هالك إلاّ وجهه ) الحديث 711 ص 153.
(465)
سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَ كَانَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَىْء مُقِيتاً ) ( النساء/85 ).
و الكلمة مشتقة من « القوت » قال ابن فارس : « يدل على امساك و حفظ وقدرة على الشيء ، و من ذلك قوله تعالى : ( و كان اللّه على كل شيء مقيتا ) أي حافظاً له شاهداً عليه و قادراً على ما أراد. قال الشاعر :
و ذي ضعن كففت النفس عنه
و كنت على إسائته مقيتا
و من الباب « القوت » ما يمسك الرمق ، و إنّما سمّي قوتاً لأنّه مساك البدن وقوّته (1). فإذا كان أصله هو الامساك و الحفظ فيصحّ تفسيره بالحفيظ و الشهيد لملازمة الإمساك له ، فيكون متّحداً مع بعض أسمائه في المعنى كالحفيظ و الشهيد. قال الصدوق : « المقيت » معناه الحافظ الرقيب ، و يقال : بل هو القدير (2).
و قدورد لفظ « الملك » في الذكر الحكيم 11 مرّة و وقع وصفاً له سبحانه في 5موارد. قال سبحانه : ( فَتَعَالى اللّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَ لاتَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ اَنْ يُقْضى اِلَيْكَ وَحْيُهُ وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِى عِلْماً ) ( طه/114 ). و قال سبحانه : ( فَتَعَالى اللّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا اِلهَ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ) ( المؤمنون/116 ). وقال سبحانه : ( هُوَ اللّهُ الَّذِى لا اِلهَ اِلّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ المُؤْمِنُ1 ـ مقائيس اللغة : ج 5 ، ص 36. 2 ـ التوحيد : ص 213.
(466)
الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبّارُ الْمُتَكَبِّرُ ) ( الحشر/23 ) (1).
و قدتقدّم الكلام في معنى الملك عند البحث عن اسم « مالك الملك » فلاحظ. و قال نقلاً عن ملكة سبأ : ( قَالَتْ إِنَّ المُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا ) ( النمل/34 ). نعم هذه الملازمة غالبية ، و هناك ملوك يعرّفهم القرآن بالقدس و النزاهة قال سبحانه : ( اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَ جَعَلَكُمْ مُلُوكاً ) ( المائدة/20 ). و المراد من الملوك في الآية ، الأنبياء الذين ملكوا الأمر و تسلّموه بأمر من اللّه و تسنّدوا على منصّة الحكم كداود و سليمان ( ع ) و لابأس بتوصيف اُمّة بني اسرائيل بهذا الوصف باعتبار انّ بعضهم كانوا ملوكاً تسرية لحكم البعض إلى الكل.
و قدجاء لفظ المولى في الذكر الحكيم 18 مرّة و وقع وصفاً له سبحانه في 12مورداً. قال سبحانه : ( وَ اِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا اَنَّ اللّهَ مَوْلكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَ نِعْمَ النَّصِيرُ ) ( الأنفال/40 ). وقال سبحانه : ( وَ اعْتَصِمُوا بِاللّهِ هُوَ مَوْلكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَ نِعْمَ النَّصِير ) ( الحج/78 ). و قال سبحانه : ( ذلِكَ بِاَنَّ اللّهَ مَوْلى الَّذِينَ آمَنُوا وَ اَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ ) ( محمّد/11 ).
1 ـ لاحظ : الجمعة/1 ، الناس/2.
(467)
وقال سبحانه : ( بَلِ اللّهُ مَوْليكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النّاصِرِينَ ) ( آل عمران/150 ) (1). و أمّا معناه فقدذكر « ابن فارس » إنّ معنى ( الولي ) هو القرب ، يقال : « تباعد بعد ولي » أي قرب ، و يطلق « المولى » على المعتق ـ بالكسر ـ و المعتق و الصاحب والحليف و ابن العم و الناصر و الجار كل هؤلاء من الولي و هو القرب ... و فلان أولى بكذا أي أحرى به و أجدر. و الظاهر أنّ قرب أحد من أحد يكون سبباً لأولوّية أحدهما بالآخر ، و على ذلك فليس للمولى إلاّ معنى واحد و هو الأحرى و الأجدر و له مصاديق مختلفة. ثمّ إنّ بعض من تكلّم في مفاد « حديث الغدير » المشتمل على لفظ « المولى » أراد التشكيك في دلالته قائلاً بأنّ المولى يستعمل مضافاً إلى معنى « الأولى » و « الولي » في معان اُخرى ، كالرب و العم ، و ابن العم و المعتِق ، و المعتَق و العبدُ ، و المالُ و الحليفُ ، و الجار و التابع و ...
و عند ذلك يكون الحديث غير صريح الدلالة ، و قدخفي عن المشكّك أنّه ليس للمولى إلاّ معنى واحد و هو الأولى الذي هو الولي بمعنى واحد ، و أمّا غيره فإنّما هو من مصاديقه و موارده ، و أوّل من نبّه بذلك « ابن البطريق » في عمدته (2). و تبعه شيخنا « الأميني » في غديره و بذلك خرج لفظ « المولى » عن كونه مشتركاً بين سبعة و عشرين معنى إلى كونه ذامعنى واحد ، قال « الأميني » : الذي نرتأيه بعد الخوض في غمار اللغة و مجاميع الأدب و جوامع العربية ، إنّ المعنى الحقيقي من معاني المولى ليس إلاّ الأولى بالشيء ، و هو الجامع لهاتيك المعاني جمعاء ومأخوذ في كل منها بنوع من العناية ، و لم يطلق لفظ المولى على شيء منها إلاّ
1 ـ لاحظ : البقرة/286 ، الأنفال/40 ، الأنعام/62 ، التوبة/51 ، الحج/78 ، التحريم/2و4. 2 ـ راجع العمدة : 112 ـ 113.
(468)
بمناسبة هذا المعنى :
1 ـ فالربّ سبحانه هو أولى بخلقه من أي قاهر عليهم.
2 ـ و العمّ أولى الناس بكلاءة ابن أخيه و الحنان عليه و هو القائم مقام والده. 3 ـ و ابن العمّ أولى بمعاضدة ابن عمه لأنّهما غصنا شجرة واحدة. 4 ـ و المعتق ـ بالكسر ـ أولى بالتفضّل على من أعتقه من غيره. 5 ـ و المعتق ـ بالفتح ـ أولى بأن يعرف جميل من أعتقه و يشكره بالخضوع والطاعة. 6 ـ و العبد أولى أيضاً بالانقياد لمولاه من غيره و هو واجبه الذي نيطت سعادتهبه. 7 ـ و المالك أولى بكلاءة مملوكه و التصرّف فيه. 8 ـ و التابع أولى بمناصرة متبوعه ممّن لايتبعه. 9 ـ و الجار أولى بالقيام بحفظ حقوق الجوار من البعداء. 10 ـ و الحليف أولى بالنهوض بما حالفه ودفعه عادية الجور عنه ... (1). فإذا كان الأمر كذلك فالأولويّة لاتتحقّق إلاّ بوجود ملاك يصحّ معه توصيفه بها حسب اختلاف الموارد ، فاللّه سبحانه أولى بالمؤمنين و جميع عباده لأجل كونه خالقاً لهم ، مخرجاً لهم من العدم إلى الوجود ، فله الولاية الحقيقية ، كما أنّ النبي والولي أولى بالمؤمنين من أنفسهم لكونهما منصوبين من جانب من له الولاية الحقيقية حيث نصبا لصيانة العباد عمّا يخالف ولايته سبحانه على العباد. فقال سبحانه : ( اِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ويُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَ هُمْ رَاكِعُونَ ) ( المائدة/55 ).
1 ـ الغدير : ج1 ، ص 369.
(469)
فالرسول و من جاء بعده خلفاءه تعالى في الولاية لاشركاءه ، سبحانه أن يكون له ولي من الذلّ تعالى اللّه عن ذلك علوّاً كبيراً. و بذلك يظهر وضع سائر المِلاكات و المناطات من اللحمة و الجوار ، والخدمة و الإحسان و الوحدة في الدين. قال سبحانه : ( وَ المُؤْمِنُونَ وَ المُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءَ بَعْض ) و لأجل عدم وجود هذا الملاك بين المؤمن و الكافر نفى الولاية بينهم و قال سبحانه : ( يَا اَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاتَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَ النَّصَارى اَوْلِياءَ ) ( المائدة/51 ). و على ذلك فالولاية الحقيقية التكوينية القائمة بالخلق و الإيجاد للّه سبحانه وغيرها ولاية تشريعية إلهية أو عقلائية ، و لكن ليس ثبوت الولاية فوضى بل يتبع ملاكاً تكوينياً أو إعتبارياً نابعاً من التكوين.
و قدورد لفظ « المهيمن » في الذكر الحكيم مرّتين و وقع وصفاً له سبحانه في آية و للقرآن في آية اُخرى. قال سبحانه : ( اَلْمَلِكُ القُدُوسُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبّارُ المُتَكَبِّرُ ) ( الحشر/23 ). و قال سبحانه : ( وَ اَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَ مُهَيْمِنا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا اَنْزَلَ اللّهُ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً ... ) ( المائدة/48 ). و يتخيّل في بادي النظر أنّ اللفظ مشتق من « همن » مع أنّه ليس كذلك إذ لميرد في اللغة العربية « همن » و إنّما هو مشتق من أمن فبدّل الهمزة هاء. قال الطبرسي : « أصل مهيمن : مؤيمن فقلبت الهمزة هاء كما قيل : في أرقت
(470)
الماء « هرقت » ، و قدصرف و قيل هيمن الرجل إذا ارتقب و حفظ و شهد ، و يهيمن هيمنة ، و على هذا يكون وزنه مفعيل مثل « مسيطر » و « مبيطر » ، و على هذا فيكون معنى « المهيمن » موجد الأمن و الأمان ، فيكون ملازماً للرقابة و الحفظ و الشهادة فلوفسّر بالشاهد و الحفيظ و الرقيب كان تفسيراً باللازم.
و على ذلك فاللّه سبحانه هو الفائق المسيطر على العباد كما أنّ القرآن مسيطر على الكتب السماوية عامّة إذ به يعرف صدق ما في الكتب السماوية الاُخرى. قال سبحانه : ( اِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِى اِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِى هُمْ فِيْهِ يَخْتَلِفُونَ ) ( النمل/76 ).