مفاهيم القرآن ـ جلد السادس ::: 471 ـ 480
(471)
حرف النون
المائة و السادس و العشرون : « النصير »
    و قدجاء النصير في الذكر الحكيم 24 مرّة و وقع وصفاً له سبحانه في موارد أربعة.
    قال سبحانه : ( وَ اِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ مَوْلكُمْ نِعْمَ المَوْلى وَ نِعْمَ النَّصِيرُ ) ( الأنفال/40 ).
    و قال سبحانه : ( وَ اعْتَصَمُوا بِاللّهِ هُوَ مَوْليكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَ نِعْمَ النَّصِيرُ ) ( الحج/78 ).
    و قال سبحانه : ( وَ كَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَ نَصِيراً ) ( الفرقان/31 ).
    و قال سبحانه : ( وَ اللّهُ اَعْلَمُ بِاَعْدَائِكُمْ وَ كَفى بِاللّهِ وَلِيّاً وَ كَفَى بِاللّهِ نَصِيراً ) ( النساء/45 ).
    و النصير مبالغة في النصر بمعنى العون ، قال الصدوق : « الناصر و النصير بمعنى واحد ، و النصرة حسن المعونة » (1).
    فهو سبحانه ينصر أنبيائه و أوليائه :
    قال تعالى : ( اِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا فِى الْحَياةِ الدُّنْيا ) ( غافر/51 ).
    و قال تعالى : ( وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْر وَ أَنْتُمْ اَذِلَّةٌ ) ( آل عمران/123 ).
    و قال تعالى : ( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِى مَواطِنَ كَثِيرة وَ يَوْمَ
1 ـ التوحيد : ص 214.

(472)
( حُنَيْن ... ) ( التوية/25 ). بل ينصر عباده في سبل الحياة نصراً مادّيّاً و نصراً معنوياً غير أنّ العباد بين شاكر و كافر ، و قليل من عباده الشكور.

المائة و السابع و العشرون : « النور »
    و قدجاء النور في الذكر الحكيم معرفاً و منكراً ، مضافاً و غير مضاف 41 مرّة و وقع وصفاً له سبحانه في آية واحدة و هي آية النور.
    قال سبحانه : ( اللّهُ نُورُ السَّمواتِ وَ الأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكوة فِيها مِصْبَاحٌ المِصْبَاحُ فِى زُجَاجَة الزُّجَاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَة مُبَارَكَة زَيْتُونَة لاشَرْقِيِّة وَ لاغَرْبِيَّة يَكَادُ زَيْتُها يُضِىءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُور يَهْدِى اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنّاسِ وَ اللّهُ بِكُلِّ شَىْء عَلِيمٌ ) ( النور/35 ).
    و أمّا معناه فهو حسب ما صرّح به « ابن فارس » يدلّ على الإضاءة و يطلق على الضوء المنتشر الذي يعين على الأبصار والمتبادر منه ما انتشر من الأجسام النيّرة كالقمرين و النجوم و المصابيح ، غير أنّه يستعار لكل ما يضيء طريق السعادة ، ولأجل ذلك اطلق النور على النبي الأكرم.
    قال سبحانه : ( قَدْجَاءَكُمْ مِنَ اللّهِ نُورٌ وَ كِتَابٌ مُبِينٌ ) ( المائدة/15 ).
    و على التوارة قال سبحانه : ( إِنّا أَنْزَلْنا التَّوْرَاةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ ) ( المائدة/44 ).
    و على الإيمان قال سبحانه : ( اللّهُ وَلِىُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ اِلى النُّورِ ) ( البقرة/257 ).
    و على القرآن قال سبحانه : ( يا اَيُّها النّاسُ قَدْجَاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ اَنْزَلْنا اِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً ) ( النساء/174 ).


(473)
    إلى غير ذلك ممّا استعمل فيه النور ، و استعير لغير النور الحسّي لاشتراكهما في الأثر ، و هذا هو الأصل في الاستعارة و التوسّع في الاستعمال.
    و لاشك إنّ المراد من كون سبحانه نوراً ليس هو النور الحسّي بضرورة العقل والكتاب قال سبحانه : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ ) ( الشورى/11 ). و إنّما المراد هو النور غير الحسّي.
    بيان : إنّ الوجود سواء كان واجباً أو ممكناً نور لكون الوجود في كلتا المرتبتين ظاهراً بنفسه و مظهراً لغيره.
    أمّا الوجود الامكاني فيظهر به الماهيات فتحقّق به الإنسانية و الحيوانية والنباتية و الجمادية ، كما أنّ الوجود الواجب ـ مع كونه ظاهراً بنفسه لأجل كونه وجوداً ـ مظهر لغيره ، فانّ العوالم الامكانية متحقّقة به.
    و على ضوء ذلك فينطبق حد النور الحسّي ( الظاهر بنفسه ، المظهر لغيره ) على الوجود في جميع مراتبه و درجاته ، غير أنّه كما أنّ للنور الحسّي مراتب ودرجات فهكذا للنور المعنوي أي الوجود مراتب ودراجات ، فإنّ نسبة العوالم الامكانية إلى وجود الواجب كنسبة المعاني الحرفية إلى المعنى الاسمي ، فلو كان للمعنى الحرفي مفهوم في الذهن و تحقّق في الخارج و دلالة في عالم الوضع فإنّما هو ببركة المعنى الاسمي في المراحل الثلاث ، و مثله الوجود الامكاني فلو كان له ظهور بنفسه واظهار لغيره أعني الماهيات ، فإنّما هو بفضل صلته و قوامه بالواجب ، و لولا تلك الصلة لكانت العوالم الامكانية و المعدومات سواسية ، فعليه فاللّه سبحانه نور السموات و الأرض بالحق و الحقيقة لابالمجاز ، و من فسّره بمنوّر السموات فقدسلب عنه البلاغة العليا و أدرجه في العاديات من الكلام.
    قال « العلاّمة الطباطبائي » : « و إذا كان وجود الشيء هو الذي يظهر به ( نفسه ) لغيره من الأشياء كان مصداقاً تامّاً للنور ، ثم لمّا كانت الأشياء الممكنة الوجود إنّما


(474)
هي موجودة بايجاد اللّه تعالى كان هو المصداق الأتمّ للنور ، فهناك وجود و نور يتّصف به الأشياء و هو وجودها و نورها المستعار المأخوذ منه تعالى ، و وجود و نور قائم بذاته يوجد و تستنير به الأشياء ، فهو سبحانه نور تظهر به السموات و الأرض وهذا هو المراد بقوله : ( اللّهُ نُورُ السَّمواتِ و الأَرْضِ ) حيث اُضيف النور إلى السموات و الأرض ثمّ حمل على اسم الجلالة ، و من ذلك يستفاد أنّه تعالى غير مجهول لشيء من الأشياء إذ ظهور كل شيء لنفسه أو لغيره إنّما هو بإظهاره تعالى ، فهو الظاهر بذاته له قبله ، و إلى هذه الحقيقة يشير قوله تعالى بعد آيتين : ( اَلَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِى السَّمواتِ وَ الاَْرْضِ وَ الطَّيْرُ صَافَّات كُلٌّ قَدْعَلِمَ صَلاتَهُ وَ تَسْبِيحَهُ ) ( النور/41 ) إذ لامعنى للعلم بالتسبيح و الصلاة مع الجهل بمن يصلّون له و يسبّحون ، فهو نظير قوله : ( وَإِنْ مِنْ شَىْء اِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لاتَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) ( الاسراء/44 ) (1).
    و قال الإمام الطاهر أبوالشهداء الحسين بن علي ( عليهما السلام ) : « أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك ... ».
1 ـ الميزان : ج 15 ، ص122.

(475)
حرف الواو
المائة و الثامن و العشرون : « الواحد »
    قدورد لفظ الواحد في الذكر الحكيم 30 مرّة و وقع وصفاً له سبحانه في 21 مورداً.
    قال سبحانه : ( وَاِلهُكُمْ اِلهُ واحِدٌ لا اِلهَ إلاّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ ) ( البقرة/163 ).
    و قال سبحانه : ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ ثالِثُ ثَلاثَة وَ ما مِنْ اِله اِلّا اِلهٌ واحدٌ ) ( المائدة/73 ).
    و قال سبحانه : ( أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَم اللّهُ الواحِدُ القَهّارُ ) ( يوسف/39 ).
    و قال تعالى : ( لاتَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اِثْنَيْنِ اِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ ) ( النحل/51 ).
    و أمّا معناه فقدقال « ابن فارس » : يدل على الإنفراد من تلك الوحدة و هو واحد قبيلته إذا لم يكن فيهم مثله ، قال :
يا واحد العرب الذي ما في الأنام له نظير
    و يستفاد من الإمعان في الآيات المذكورة أنّ الواحد يهدف إلى نفي النظير و المثل و الكثرة العددية بشهادة قوله سبحانه : ( لاتتّخذوا إلهين اثنين انّما هو إله واحد ) و مثله قوله : ( لقدكفر الذين قالوا انّ اللّه ثالث ثلاثة و ما من اله إلاَّ إله واحد ) و بذلك يعلم صحّة التفريق بين « الواحد » و « الأحد » و انّ « الواحد » بمعنى نفي الكثرة العددية و « الأحد » بمعنى نفي التركيب.


(476)
    ثمّ إنّ للتوحيد مراتب تربو على تسع.
    1 ـ التوحيد في الذات بمعنى أنّه واحد ليس له نظير و مثيل.
    2 ـ التوحيد في الذات بمعنى أنّه بسيط لاجزء له خارجاً و لاذهناً.
    3 ـ التوحيد في الصفات بمعنى أنّه صفاته عين ذاته لا زائدة عليه.
    4 ـ التوحيد في الخالقية بمعنى أنّه لاخالق سوى اللّه.
    5 ـ التوحيد في الربوبيّة بمعنى أنّه المدبّر للكون و الإنسان.
    6 ـ التوحيد في الحاكمية بمعنى أنّه لاولاية لأحد على أحد إلاّ للّه سبحانه.
    7 ـ التوحيد في الطاعة بمعنى أنّ حق الطاعة منحصر في اللّه سبحانه و لامطاع غيره.
    8 ـ التوحيد في التشريع بمعنى انحصار حق التقنين و التشريع في اللّه سبحانه.
    9 ـ التوحيد في العبادة بمعنى أنّه لامعبود سوى اللّه سبحانه (1).
    و هل توصيفه بالواحدية في هذه الآيات تهدف إلى الجميع أو أنّها تهدف إلى المرتبة الاُولى و هي كونه بحيث لانظير له ، و الإذعان بواحد من الأمرين يتوقّف على إمعان النظر في جميع الاي ات التي ورد فيها توصيفه بهذا الوصف حتى تنصرف حسب القرائن إلى واحد منها أو إلى جميعها.
    إنّ لجميع مراتب التوحيد أدلّة عقلية و آيات قرآنية تثبتها بوضوح ، و يمكن أن يقال : إنّ توصيفه سبحانه بالواحد في الآيات الواردة لرد مزعمة النصارى تهدف إلى التوحيد بمعنى نفي المثيل و النظير و ما ورد في مجال التفدية و الأصنام و الأوثان ، أو نفي التدبير عن غيره سبحانه يهدف إلى التوحيد في العبادة أو الربوبية و التدبير ،
1 ـ قدبسطنا الكلام حول هذه المراتب في الجزء الاول من هذه الموسوعة فلاحظ.

(477)
غير انّا نبحث في المقام عن معنى كونه واحداً لانظير له على وجه الإجمال.

معنى كونه واحداً
الوحدة على قسمين :
    1 ـ الوحدة العددية : و هي عبارة عن كون الشيء واقعاً تحت مفهوم عام وجد منه مصداق واحد ، و ذلك مثل مفهوم الشمس الذي هو مفهوم وسيع قابل للإنطباق على كثير ، غير أنّه لم يوجد في عالم الحسّ منه إلاّ مصداق واحد مع إمكان وجود مصاديق كثيرة له ، و هذا هو المصطلح عليه ب ـ « الواحد العددي ».
    2 ـ الوحدة الحقيقة : و هي عبارة عن كون الموجود لاثاني له ، بمعنى أنّه لايقبل الاثنينيّة و لا التكرّر و التكثّر و ذلك كصرف الشيء المجرد عن كل خليط ، مثلاً الوجود المطلق عن كل قيد ، واحد بالوحدة الحقّة ، لأنّه لاثاني له لأنّ المفروض ثانياً بما أنّه لايتميّز عن الأوّل لايمكن أن يعد شيئاً آخر بل يرجع إلى الوجود الأوّل.
    و على ضوء ذلك ، فالمراد من كون الشمس واحدة هو أنّها واحدة لا اثنتان ولاثلاثة و ... و لكن المراد ، من كون الوجود المطلق ، منزّهاً عن كل قيد واحد ، أنّه لاثاني له و لامثيل و لاشبيه و لانظير ، أي لاتتعقّل له الاثنينيّة و الكثرة لأنّ ما فرضته ثانياً ، بحكم أنّه منزّه عن كل قيد و خليط يكون مثل الأوّل ، فلايتميّز و لايتشخّص.
    و المراد من كونه سبحانه واحداً ، هو الواحد بالمعنى الثاني ، أي ليس له ثان ، و لاتتصوّر له الاثنينيّة و التعدّد.
    و لأجل ذلك يقول سبحانه في تبيين هذه الوحدة ( وَ لمْ يَكُنْ لهُ كُفواً أحد ) أي واحد لانظير له.
    و العجب إنّ الإمام أمير المؤمنين علياً ( عليه السلام ) قام بتفسير كونه تعالى


(478)
واحداً ، عندما كان بريق السيوف يشد إليه العيون ، و ضربات الطرفين تنتزع النفوس و الأرواح في معركة ( الجمل ) ، فأحسّ ( عليه السلام ) بأنّ تحكيم العقيدة و صرف الوقت في تبيينها ليس بأقل أهميّة عن خوض المعارك ضد أهل الباطل :
    روى الصدوق أن ّأعرابياً قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقال : يا أمير المؤمنين أتقول : إنَّ اللّه واحد ، قال فحمل الناس عليه ، و قالوا : يا أعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسّم القلب ، فقال أمير المؤمنين : « دعوه ، فإنَّ الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم » ... ثمّ قال شارحاً ما سأل عنه الأعرابي : « و قول القائل واحد ، يقصد به باب الأعداد ، فهذا ما لايجوز ، لأنَّ ما لا ثاني له لايدخل في باب الأعداد ، أما ترى أنَّه كفر من قال « ثالث ثلاثة ».
    ثم قال : « معنى هو واحد : أنّه ليس له في الأشياء شَبَه ، كذلك ربّنا. و قول القائل : إنّه عزّ و جلّ أحَدِيُّ المعنى يعني به أنّه لاينقسم في وجود و لا عقل و لا وهم ، كذلك ربّنا عزّ و جلّ » (1).
    فالإمام ( عليه السلام ) لم يكتف ببيان المقصود من توصيفه سبحانه بأنّه واحد ، بل أشار إلى معنى آخر من معاني توحيده و هو كونه أحَدِيّ الذات ، الذي يهدف إلى كونه بسيطاً لاجزء له في الخارج و الذهن. و هذا المعنى هو الذي نطرحه على بساط البحث في القسم الثاني من التوحيد الذاتي.
    إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى بيان البراهين العقليّة على توحيده سبحانه بمعنى كونه واحداً لاثاني له.
1 ـ توحيد الصدوق : ص 83 ـ 84.

(479)
أدلّة الوحدانية
1 ـ التعدّد يستلزم التركيب

    لو كان هناك واجب وجود آخر لتشارك الواجبان في كونهما واجبي الوجود ، و لابدّ من تميّز أحدهما عن الآخر بشيء وراء ذلك الأمر المشترك ، كما هو الحال في كل مِثْلين ، و ذلك يستلزم تركّب كل منهما من شيئين : أحدهما يرجع إلى ما به الإشتراك ، و الآخر إلى ما به الإمتياز ، و المركّب بما أنّه محتاج إلى أجزائه لايكون متّصفاً بوجوب الوجود ، بل يكون ـ لأجل الحاجة ـ ممكناً ، و هو خلاف الفرض.
    و باختصار ، لو كان في الوجود واجبان للزم إمكانهما و ذلك أنّهما يشتركان في وجوب الوجود فإن لم يتميّزا لم تحصل الإثنينيّة ، و إن تميّزا لزم تركّب كل واحد منهما ممّا به المشاركة و ما به الممايزة ، و كل مركّب ممكن فيكونان ممكنين ، و هذا خلاف الفرض.
    و هناك شبهة لابن كمّونة أحد المتفلسفة يقول : و العقل لايأبى بأوّل نظرة أن يكون هناك هويّتان بسيطتان مجهولتا الكنهه ، مختلفتان بتمام الذات البسيطة و يكون حمل وجوب الوجود عليهما قولاً عرضيّاً (1).
    و قد اُجيب عنه بأجوبة كثيرة أحدها ما ذكره صدر المتألّهين في المبدأو المعاد و غيرهما : إن ّمصداق حمل مفهوم واحد و مطابق بالذات ، و بالجملة ما منه الحكاية ، و بذلك المعنى مع قطع النظر عن أيّة حيثيّة كانت ، لا يمكن أن تكون حقائق متخالفة بما هي متخالفة.
    و بالجملة : الاُمور المتخالفة من حيث كونها متخالفة بلاحيثيّة جامعة فيها لاتكون مصداقاً لحكم واحد ، و محكياً عنها به. نعم يجوز ذلك إذا كانت الاُمور متماثلة من جهة كونها متماثلة كالحكم على زيد و عمرو بالإنسانيّة من جهة
1 ـ يريد العرض بمعنى الخارج المحمول ، لا المحول بالضميمة.

(480)
اشتراكهما في تمام الماهية لا من حيث عوارضها المختلفة (1). فما فرضه ابن كمّونة ، فرض محال.

2 ـ الوجود اللامتناهي لايقبل التعدّد
    هذا البرهان مؤلّف من صغرى و كبرى ، و النتيجة هي وحدة الواجب و عدم إمكان تعدّده. و إليك صورة القياس حتى نبرهن على كل من صغراه و كبراه.
    وجود الواجب غير متناه.
    و كل غير متناه واحد لايقبل التعدّد.
    فالنتيجة : وجود الواجب واحدٌ لايقبل التعدّد.
    و إليك البرهنة على كل من المقدّمتين.
    أمّا الصغرى : فإنَّ محدودية الموجود ملازمة لتلبُّسه بالعدم. و لأجل تقريب هذا المعنى لاحظ الكتاب الموضوع بحجم خاص ، فإنّك إذانظرت إلى أي طرف من أطرافه ترى أنّه ينتهي إليه و ينعدم بعده ، و لافرق في ذلك بين صغير الموجودات و كبيرها ، حتى إنَّ جبال الهملايا مع عظمتها محدودة لانرى أي أثر للجبل بعد حدّه. و هذه خصيصية كل موجود متناه زماناً أو مكاناً أو غير ذلك ، فالمحدوديّة و التلبّس بالعدم متلازمان.
    و على هذا الأساس لايمكن اعتبار ذاته سبحانه محدودة ، لأن ّلازم المحدوديّة الإنعدام بعد الحد كما عرفت ، و ما هو كذلك لايكون حقّاً مطلقاً مئة بالمئة بل يلابسه الباطل و الإنعدام ، مع أنَّ اللّه تعالى هو الحق المطلق الذي لايدخله باطل ، و القرآن الكريم يصف وجوده سبحانه بالحق المطلق و غيره بالباطل ، و ما هذا إلاّ لأنّ وجود غيره وجود متلبّس بالعدم والفناء و أمّا وجود اللّه
1 ـ شرح الأسماء الحسنى : ص128.
مفاهيم القرآن ـ جلد السادس ::: فهرس