الميزان في تفسير القران ـ المجلد الاول ::: 301 ـ 315
(301)
    واما الثاني : فلان قوله تعالى : إذ قال له ربه ، يفيد معنى الاختصاص باللطف والاسترسال في المسارة لكن أدب الحضور كان يقتضى من إبراهيم وهو عبد عليه طابع الذلة والتواضع أن لا يسترسل ، ولا يعد نفسه مختصا بكرامة القرب متشرفا بحظيرة الانس ، بل يراها واحدا من العبيد الاذلاء المربوبين ، فيسلم لرب يستكين إليه جميع العالمين فيقول : أسلمت لرب العالمين.
     الاسلام والتسليم والاستسلام بمعنى واحد ، من السلم ، وأحد الشيئين إذا كان بالنسبة إلى الآخر بحال لا يعصيه ولا يدفعه فقد أسلم وسلم واستسلم له ، قال تعالى « بلى من أسلم وجهه لله » البقرة ـ 112 ، وقال تعالى : « وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفا مسلما » الانعام ـ 79 ، ووجه الشئ ما يواجهك به ، وهو بالنسبة إليه تعالى تمام وجود الشئ فإسلام الانسان له تعالى هو وصف الانقياد والقبول منه لما يرد عليه من الله سبحانه من حكم تكويني ، من قدر وقضاء ، أو تشريعي من أمر أو نهى أو غير ذلك ، ومن هنا كان له مراتب بحسب ترتب الواردات بمراتبها.
     الاولى : من مراتب الاسلام ، القبول لظواهر الاوامر والنواهي بتلقي الشهادتين لسانا ، سواء وافقه القلب ، أو خالفه ، قال تعالى : « قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم » الحجرات ـ 14 ، ويتعقب الاسلام بهذا المعنى أول مراتب الايمان وهو الاذعان القلبي بمضمون الشهادتين إجمالا ويلزمه العمل في غالب الفروع.
     الثانيه : ما يلي الايمان بالمرتبة الاولى ، وهو التسليم والانقياد القلبي لجل الاعتقادات الحقة التفصيلية وما يتبعها من الاعمال الصالحة وإن أمكن التخطي في بعض الموارد ، قال الله تعالى في وصف المتقين : « الذين آمنوا بأياتنا وكانوا مسلمين » الزخرف ـ 69 ، وقال أيضا : « يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافه » البقرة ـ 208 ، فمن الاسلام ما يتأخر عن الايمان محققا فهو غير المرتبة الاولى من الاسلام ويتعقب هذا الاسلام المرتبة الثانية من الايمان وهو الاعتقاد التفصيلي با لحقائق الدينية ، قال تعالى : « إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون » الحجرات ـ 15 ، وقال


(302)
أيضا : « يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ، تؤمنون بالله ورسوله » : « وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم » الصف ـ 11 ، وفيه إرشاد المؤمنين إلى الايمان ، فالايمان غير الايمان.
     الثالثه : ما يلي الايمان بالمرتبة الثانية فإن النفس إذا أنست بالايمان المذكور وتخلقت بأخلاقه تمكنت منها وانقادت لها سائر القوى البهيمية والسبعية ، وبالجملة القوى المائلة إلى هوسات الدنيا وزخارفها الفانية الداثرة ، وصار الانسان يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإن الله يراه ، ولم يجد في باطنه وسره ما لا ينقاد إلى أمره ونهيه أو يسخط من قضائه وقدره ، قال الله سبحانه : « فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما » النساء ـ 65 ، ويتعقب هذه المرتبة من الاسلام المرتبة الثالثة من الايمان ، قال الله تعالى « قد أفلح المؤمنون » إلى أن قال : « والذين هم عن اللغو معرضون » المؤمنون ـ 3 ، ومنه قوله تعالى : « إذ قال له ربه أسلم ، قال أسلمت لرب العالمين » إلى غير ذلك ، وربما عدت المرتبتان الثانية والثالثة مرتبة واحدة.
     والاخلاق الفاضلة من الرضاء والتسليم ، والحسبة والصبر في الله ، وتمام الزهد والورع ، والحب والبغض في الله من لوازم هذه مرتبة.
     الرابعة : ما يلي ، المرتبة الثالثة من الايمان فإن حال الانسان وهو في المرتبة السابقة مع ربه حال العبد المملوك مع مولاه ، إذ كان قائما بوظيفة عبوديته حق القيام ، وهو التسليم الصرف لما يريده المولى أو يحبه ويرتضيه ، والامر في ملك رب العالمين لخلقة أعظم من ذلك وأعظم وإنه حقيقة الملك الذي لا استقلال دونه لشئ من الاشياء لا ذاتا ولا صفة ، ولا فعلا على ما يليق بكبريائه جلت كبريائه.
     فالانسان ـ وهو في المرتبة السابقة من التسليم ـ ربما أخذته العناية الربانية فاشهدت له أن الملك لله وحده لا يملك شئ سواه لنفسه شيئا إلا به لا رب سواه ، وهذا معنى وهبي ، وإفاضة إلهية لا تأثير لارادة الانسان فيه ، ولعل قوله تعالى : ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة لك ، وأرنا مناسكنا ، الآية ، إشارة


(303)
إلى هذه المرتبة من الاسلام فان قوله تعالى : إذ قال له ربه أسلم ، « قال أسلمت لرب العالمين » الآية ظاهره أنه أمر تشريعي لا تكويني ، فإبراهيم كان مسلما باختياره ، إجابة لدعوة ربه وامتثالا لامره ، وقد كان هذا من الاوامر المتوجهة إليه ( عليه السلام ) في مبادئ حاله ، فسؤاله في أواخر عمره مع ابنه إسماعيل الاسلام وإرائة المناسك سؤال لامر ليس زمامه بيده أو سؤال لثبات على أمر ليس بيده فالاسلام المسئول في الآية هو هذه المرتبة من الاسلام ويتعقب الاسلام بهذا المعنى المرتبة الرابعة من الايمان وهو استيعاب هذا الحال لجميع الاحوال والافعال ، قال تعالى : « ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، الذين آمنوا وكانوا يتقون » يونس ـ 62 ، فإن هؤلاء المؤمنين المذكورين في الآية يجب أن يكونوا على يقين من أن لا استقلال لشئ دون الله ، ولا تأثير لسبب إلا بإذن الله حتى لا يحزنوا من مكروه واقع ، ولا يخافوا محذورا محتملا ، وإلا فلا معنى لكونهم بحيث ، لا يخوفهم شئ ولا يحزنهم أمر ، فهذا النوع من الايمان بعد الاسلام المذكور فافهم.
     قوله تعالى : وإنه في الآخرة لمن الصالحين ، الصلاح ، وهو اللياقة بوجه ربما نسب في كلامه إلى عمل الانسان وربما نسب إلى نفسه وذاته ، قال تعالى : « فليعمل عملا صالحا » الكهف ـ 110 ، وقال تعالى : « وانكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم » النور ـ 32.
     وصلاح العمل وإن لم يرد به تفسير بين من كلامه تعالى غير انه نسب إليه من الآثار ما يتضح به معناه.
     فمنها : أنه صالح لوجه الله ، قال تعالى : « صبروا ابتغاء وجه ربهم » الرعد ـ 22 ، وقال تعالى : « وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله » البقرة ـ 272.
     ومنها : أنه صالح لان يثاب عليه ، قال تعالى : « ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا » القصص ـ 80.
     ومنها : أنه يرفع الكلم الطيب الصاعد إلى الله سبحانه قال تعالى : « إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه » فاطر ـ 10 ، فيستفاد من هذه الآثار المنسوبة


(304)
إليه : أن صلاح العمل معنى تهيؤه ولياقته لان يلبس لباس الكرامة ويكون عونا وممدا لصعود الكلام الطيب إليه تعالى ، قال تعالى : « ولكن يناله التقوى منكم » الحج ـ 37 ، وقال تعالى : « وكلا نمد هؤلاء ، وهؤلاء من عطاء ربك ، وما كان عطاء ربك محظورا » الاسراء ـ 20 ، فعطائه تعالى بمنزلة الصورة ، وصلاح العمل بمنزله المادة.
     وأما صلاح النفس والذات فقد قال تعالى : « ومن يطع الله والرسول فاؤلئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين ، والصديقين ، والشهداء والصالحين ، وحسن اؤلئك رفيقا » النساء ـ 69 ، وقال تعالى : « وأدخلناهم في رحمتنا انهم من الصالحين » الانبياء ـ 86 ، وقال تعالى حكاية عن سليمان : « وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين » النمل ـ 19 ، وقال تعالى : « ولوطا آتيناه حكما وعلما إلى قوله وأدخلناه في رحمتنا إنه الصالحين » الانبياء ـ 75 ، وليس المراد الصلاح لمطلق الرحمة العامة الالهية الواسعة لكل شئ ولا الخاصة بالمؤمنين على ما يفيده قوله تعالى : « ورحمتي وسعت كل شئ فسأكتبها للذين يتقون » الاعراف ـ 156 ، إذ هؤلاء القوم وهم الصالحون ، طائفة خاصة من المؤمنين المتقين ، ومن الرحمة ما يختص ببعض دون بعض ، قال تعالى « يختص برحمته من يشاء » البقرة ـ 105 ، وليس المراد أيضا مطلق كرامة الولاية ، وهو تولي الحق سبحانه أمر عبده ، فإن الصالحين وإن شرفوا بذلك وكانوا من الاولياء المكرمين على ما بيناه سابقا في قوله تعالى : « إهدنا الصراط المستقيم » فاتحة الكتاب ـ 6 وسيجئ في تفسير الآية لكن هذه أعني الولاية صفة مشتركة بينهم وبين النبيين ، والصديقين ، والشهداء فلا يستقيم إذن عدهم طائفة خاصة في قبالهم.
    نعم الاثر الخاص بالصلاح هو الادخال في الرحمة ، وهو الامن العام من العذاب كما ورد المعنيان معا في الجنة ، قال تعالى : « فيدخلهم ربهم في رحمته » الجاثية ـ 30 ، أي في الجنة ، وقال تعالى : « يدعون فيها بكل فاكهة آمنين » الدخان ـ 55 ، أي في الجنة.
     وأنت إذا تدبرت قوله تعالى : « وادخلناه في رحمتنا » الانبياء ـ 75 ، وقوله : « وكلا جعلنا صالحين » الانبياء ـ 72 ـ حيث نسب الفعل إلى نفسه تعالى لا إلى


(305)
العبد ـ ثم تأملت أنه تعالى قصر الاجر والشكر على ما بحذاء العمل والسعي قضيت بأن الصلاح الذاتي كرامة ليست بحذاء العمل والارادة وربما تبين به معنى قوله تعالى : ( لهم ما يشاؤن فيها ) وهو ما بالعمل ـ وقوله : ( ولدينا مزيد ) ـ وهو أمر غير ما بالعمل على ما سيجئ بيانه إنشاء الله في تفسير قوله تعالى : « لهم ما يشاؤن فيها » ق ـ 35.
    ثم إنك إذا تأملت حال إبراهيم ومكانته في أنه كان نبيا مرسلا وأحد اولي العزم من الانبياء ، وأنه إمام ، وأنه مقتدى عدة ممن بعده من الانبياء والمرسلين وأنه من الصالحين بنص قوله تعالى : « وكلا جعلنا صالحين » الانبياء ـ 72 ، الظاهر في الصلاح المعجل على ان من هو دونه في الفضل من الانبياء أكرم بهذا الصلاح المعجل وهو (ع) مع ذلك كله يسأل اللحوق بالصالحين الظاهر في أن هناك قوما من الصالحين سبقوه وهو يسال اللحوق بهم فيما سبقوه إليه ، وأجيب بذلك في الآخرة كما يحكيه الله تعالى في ثلاثة مواضع من كلامه حيث قال تعالى : « ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الاخرة لمن ا لصالحين » البقره ـ 130 ، وقال تعالى : « وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين » العنكبوت ـ 27 ، وقال تعالى : « وآتيناه في الدنيا حسنة وأنه في الآخرة لمن الصالحين » النحل ـ 122 ، فإذا تأملت ذلك حق التأمل قضيت بأن الصلاح ذو مراتب بعضها فوق بعض ولم تستبعد لو قرع سمعك أن إبراهيم (ع) سأل اللحوق بمحمد (ص) وآله الطاهرين (ع) فاجيب إلى ذلك في الآخرة لا في الدنيا فإنه (ع) يسأل اللحوق بالصالحين ومحمد (ص) يدعيه لنفسه. قال تعالى : « قل إن ولي الله الذي نزل الكتاب بالحق وهو يتولى الصالحين » الاعراف ـ 196 فإن ظاهر الآية أن رسول الله (ص) يدعي لنفسه الولاية فالظاهر منه أن رسول الله (ص) هو المتحقق بالصلاح الذي يدعيه بموجب الآية لنفسه وإبراهيم كان يسأل الله اللحوق بعده من الصالحين يسبقونه في الصلاح فهو هو.
     قوله تعالى : ووصى بها إبراهيم بنيه ، إي وصى بالملة.
     قوله تعالى : فلا تموتن ، النهي عن الموت وهو أمر غير اختياري للانسان ، والتكليف إنما يتعلق بأمر اختياري انما هو لرجوعه إلى أمر يتعلق بالاختيار ، والتقدير احذروا أن يغتالكم الموت في غير حال الاسلام ، أي داوموا وألزموا الاسلام لئلا يقع


(306)
موتكم إلا في هذا الحال ، وفي الآية إشارة إلى أن الدين هو الاسلام كما قال تعالى : « إن الدين عند الله الاسلام » آل عمران ـ 19.
     قوله تعالى : وإله آبائك إبراهيم وإسمعيل وإسحق ، في الكلام إطلاق لفظ الاب على الجد والعم والوالد من غير مصحح للتغليب ، وحجة فيما سيأتي إنشاء الله تعالى في خطاب إبراهيم لآزر بالاب.
     قوله تعالى : إلها واحدا ، في هذا الايجاز بعد الاطناب بقوله : إلهك وإله آبائك ( إلخ ) دفع لامكان إبهام اللفظ أن يكون إلهه غير إله آبائه على نحو ما يتخذه الوثنيون من الآلهة الكثيرة.
     قوله تعالى : ونحن له مسلمون ، بيان للعبادة وأنها ليست عبادة كيفما اتفقت بل عبادة على نهج الاسلام وفي الكلام جملة أن دين إبراهيم هو الاسلام والموروث منه في بني إبراهيم كإسحق ويعقوب وإسمعيل ، وفي بني إسرائيل ، وفي بني إسمعيل من آل إبراهيم جميعا هو الاسلام لا غير ، وهو الذي أتى به إبراهيم من ربه فلا حجة لاحد في تركه والدعوة إلى غيره.
( بحث روائي )
    في الكافي عن سماعة عن الصادق (ع) الايمان من الاسلام بمنزلة الكعبة الحرام من الحرم قد يكون في الحرم ولا يكون في الكعبة ولا يكون في الكعبة حتى يكون في الحرم.
    وفيه عن سماعة أيضا عن الصادق (ع) قال : الاسلام شهادة أن لا إله إلا الله والتصديق برسول الله ، به حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث وعلى ظاهره جماعة الناس ، والايمان الهدى وما يثبت في القلوب من صفة الاسلام.
    أقول : وفي هذا المضمون روايات أخر وهي تدل على ما مر بيانه من المرتبة الاولى من الاسلام والايمان.
     وفيه عن البرقي عن علي ( عليه السلام ) : قال الاسلام هو التسليم والتسليم هو اليقين ، وفيه عن كاهل عن الصادق لو أن قوما عبدوا الله ـ وحده لا شريك له ـ وأقاموا الصلوة


(307)
وآتوا الزكوة ، وحجوا البيت ، وصاموا شهر رمضان ثم قالوا لشئ صنعه الله أو صنعه رسول الله ألا صنع بخلاف الذي صنع أو وجدوا ذلك في قلوبهم لكانوا بذلك مشركين الحديث.
     أقول : والحديثان يشيران إلى المرتبة الثالثة من الاسلام والايمان.
    وفي البحار عن إرشاد الديلمي ـ وذكر سندين لهذا الحديث ، وهو من أحاديث المعراج ـ وفيه : قال الله سبحانه : يا أحمد هل تدري أي عيش أهني وأي حيوة أبقي ؟ قال : اللهم لا ، قال : أما العيش الهنئ فهو الذي لا يفتر صاحبه عن ذكري ولا ينسى نعمتي ، ولا يجهل حقي ، يطلب رضائي في ليله ونهاره ، وأما الحياة الباقية ، فهي التى يعمل لنفسه حتى تهون عليه الدنيا ، وتصغر في عينه ، وتعظم الآخرة عنده ، ويؤثر هواي على هواه ويبتغي مرضاتي ، ويعظم حق نعمتي ، ويذكر عملي به ، ويراقبني بالليل والنهار عند كل سيئة أو معصية ، وينقي قلبه عن كل ما أكره ، ويبغض الشيطان ووساوسه ، ولا يجعل لابليس على قلبه سلطانا وسبيلا ، فإذا فعل ذلك أسكنت قلبه حبا حتى أجعل قلبه وفراغه واشتغاله وهمه وحديثه من النعمة التي أنعمت بها على أهل محبتي من خلقي وأفتح عين قلبه وسمعه ، حتى يسمع بقلبه وينظر بقلبه إلى جلالي وعظمتي ، و اضيق عليه الدنيا ، وابغض إليه ما فيها من اللذات ، واحذره من الدنيا وما فيها كما يحذر الراعى على غنمه مراتع الهلكة ، فإذا كان هكذا يفر من الناس فرارا ، وينقل من دار الفناء إلى دار البقاء ، ومن دار الشيطان إلى دار الرحمن ، يا أحمد ولازيننه بالهيبة والعظمة فهذا هو العيش الهنئ والحياة الباقية ، وهذا مقام الراضين فمن عمل برضاي ألزمة ثلاث خصال اعرفه شكرا لا يخالطه الجهل ، وذكرا لا يخالطه النسيان ، ومحبة لا يؤثر على محبتي محبة المخلوقين ، فإذا أحبني أحببته وأفتح عين قلبه إلى جلالي ، ولا أخفى عليه خاصة خلقي واناجيه في ظلم الليل ونور النهار ، حتى ينقطع حديثه مع المخلوقين ، ومجالسته معهم ، واسمعه كلامي وكلام ملائكتي واعرفه السر الذي سترته عن خلقي ، وألبسه الحياء ، حتى يستحيي منه الخلق كلهم ، ويمشي على الارض مغفورا له ، واجعل قلبه واعيا وبصيرا ولا أخفي عليه شيئا من جنة ولا نار ، وأعرفه ما يمر على الناس في القيمة من الهول والشدة وما أحاسب به الاغنياء والفقراء والجهال والعلماء ، وأنومه في قبره ، وأنزل عليه منكرا


(308)
ونكيرا حتى يسألاه ، ولا يرى غم الموت ، وظلمة القبر واللحد ، وهول المطلع ، ثم أنصب له ميزانه ، وأنشر ديوانه ، ثم أضع كتابه في يمينه فيقرأه منشورا ، ثم لا أجعل بيني وبينه وترجمانا فهذه صفات المحبين ، يا أحمد اجعل همك هما واحدا واجعل لسانك لسانا واحدا واجعل بدنك حيا لا يغفل ابدا من يغفل عني لم ابال في أي واد هلك.
    وفي البحار عن الكافي و المعاني ونوادر الراوندي بأسانيد مختلفة عن الصادق والكاظم ( عليه السلام ) ـ و اللفظ المنقول هيهنا للكافي ـ قال : استقبل رسول الله : حارثة بن مالك بن النعمان الانصاري فقال له : كيف أنت يا حارثة بن مالك النعماني ؟ فقال : يا رسول الله مؤمن حقا ، فقال له رسول الله : لكل شئ حقيقة فما حقيقة قولك ؟ فقال يا رسول الله عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي ، وأظمات هواجرى ، وكأني انظر إلى عرش ربي وقد وضع للحساب ، وكأني انظر إلى اهل الجنة يتزاورون في الجنة وكأني اسمع عواء اهل النار في النار ، فقال رسول الله (ص) : عبد نور الله قلبه أبصرت فاثبت.
     اقول : والروايتان تحومان حوم المرتبة الرابعة من الاسلام والايمان المذكورتين وفي خصوصيات معناهما روايات كثيرة متفرقة سنورد جملة منها في تضاعيف الكتاب إنشاء الله تعالى والآيات تؤيدها على ما سيجئ بيانها ، واعلم ان لكل مرتبة من مراتب الاسلام والايمان معنى من الكفر والشرك يقابله ، ومن المعلوم ايضا ان الاسلام والايمان كلما دق معناهما ولطف مسلكهما ، صعب التخلص مما يقابلهما من معنى الكفر أو الشرك ، ومن المعلوم ايضا ان كل مرتبة من مراتب الاسلام والايمان الدانية ، لا ينافي الكفر أو الشرك من المرتبة العالية ، وظهور آثارهما فيها ، وهذان أصلان.
     ويتفرع عليهما : أن للآيات القرآنية بواطن تنطبق على موارد لا تنطبق عليها ظواهرها وليكن هذا عندك على إجماله حتى يأتيك تفصيله.
    وفي تفسير القمي في قوله تعالى : ولدينا مزيد ، قال ( عليه السلام ) النظر إلى رحمة الله.
    وفي المجمع عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يقول الله : اعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
     اقول : والروايتان قد اتضح معناهما عند بيان معنى الصلاح ، والله الهادي.


(309)
    وفي تفسير العياشي في قوله تعالى : « ام كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت » الآية ، عن الباقر (ع) انها جرت في القائم.
     اقول : قال في الصافي : لعل مراده انها في قائم آل محمد فكل قائم منهم يقول : ذلك حين موته لبنيه ، ويجيبونه بما أجابوا به.
     وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتد وا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ـ 135. قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والاسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ـ 136. فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ـ 137. صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون ـ 138. قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون ـ 139. أم تقولون إن إبراهيم وإسمعيل وإسحق ويعقوب والاسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون ـ 140. تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ـ 141.


(310)
( بيان )
    قوله تعالى : وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا ، لما بين تعالى أن الدين الحق الذي كان عليه أولاد إبراهيم من إسماعيل وإسحاق ويعقوب وأولاده كان هو الاسلام الذي كان عليه إبراهيم حنيفا ، استنتج من ذلك أن الاختلافات والانشعابات التي يدعو إليها فرق المنتحلين من اليهود والنصارى ، امور إخترعتها هوساتهم ، ولعبت بها أيديهم لكونهم في شقاق ، فتقطعوا بذلك طوائف وأحزابا دينية ، وصبغوا دين الله سبحانه ـ وهو دين التوحيد ودين الوحدة ، بصبغة الاهواء والاغراض والمطامع ، مع أن الدين واحد كما أن الاله المعبود بالدين واحد وهو دين إبراهيم ، وبه فليتمسك المسلمون وليتركوا شقاق أهل الكتاب.
    فإن من طبيعة هذه الحيوة الارضية الدنيوية التغير والتحول في عين الجرى والاستمرار كنفس الطبيعة التي هي كالمادة لها ويوجب ذلك أن تتغير الرسوم والآداب والشعائر القومية بين طوائف الملل وشعباتها ، وربما يوجب ذلك تغييرا وانحرافا في المراسم الدينية ، وربما يوجب دخول ما ليس من الدين في الدين ، أو خروج ما هو منه والاغراض والغايات الدنيوية ربما تحل محل الاغراض الدينية الالهية ( وهي بلية الدين ) ، وعند ذلك ينصبغ الدين بصبغة القومية فيدعو إلى هدف دون هدفه الاصلي ويؤدب الناس غير أدبه الحقيقي ، فلا يلبث حتى يعود المنكر ( وهو ما ليس من الدين ) معروفا يتعصب له الناس لموافقته هوساتهم وشهواتهم والمعروف منكرا ليس له حام يحميه ولا واق يقيه ويؤل الامر إلى ما نشاهده اليوم من.
     وبالجملة فقوله تعالى : وقالوا كونوا هودا أو نصارى ، إجمال تفصيل معناه وقالت اليهود كونوا هودا تهتد ، وقالت النصارى كونوا نصارى تهتدوا ، كل ذلك لتشعبهم وشقاقهم.
     قوله تعالى : قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ، جواب عن قولهم أي قل ، بل نتبع ملة إبراهيم حنيفا فإنها الملة الواحدة التي كان عليها جميع


(311)
أنبياؤكم ، إبراهيم ، فمن دونه ، وما كان صاحب هذه الملة وهو إبراهيم من المشركين ولو كان في ملته هذه الانشعابات ، وهي الضمائم التي ضمها إليها المبتدعون ، من الاختلافات لكان مشركا بذلك ، فإن ما ليس من دين الله لا يدعو إلى الله سبحانه ، بل إلى غيره وهو الشرك ، فهذا دين التوحيد الذي لا يشتمل على ما ليس من عند الله تعالى.
     قوله تعالى : قولوا آمنا بالله وما أنزل الينا ، لما حكى ما يأمره به اليهود والنصارى من اتباع مذهبهم ، ذكر ما هو عنده من الحق ( والحق يقول ) وهو الشهادة على الايمان بالله والايمان بما عند الانبياء ، من غير فرق بينهم ، وهو الاسلام وخص الايمان بالله بالذكر وقدمه وأخرجه من بين ما انزل على الانبياء لان الايمان الله فطري ، لا يحتاج إلى بينة النبوة ، ودليل الرسالة.
    ثم ذكر سبحانه ما انزل إلينا وهو القرآن أو المعارف القرآنية وما انزل إلى إبراهيم واسماعيل وإسحاق ويعقوب ، ثم ذكر ما أوتي موسى وعيسى وخصهما بالذكر لان المخاطبة مع اليهود والنصارى وهم يدعون إليهما فقط ثم ذكر ما أوتي النبيون من ربهم ، ليشمل الشهادة جميع الانبياء فيستقيم قوله بعد ذلك : لا نفرق بين أحد منهم.
     واختلاف التعبير في الكلام ، حيث عبر عما عندنا وعند إبراهيم وإسحاق ويعقوب بالانزال وعما عند موسى وعيسى والنبيين بالايتاء وهو الاعطاء ، لعل الوجه فيه أن الاصل في التعبير هو الايتاء ، كما قال تعالى بعد ذكر إبراهيم ، ومن بعده ومن قبله من الانبياء في سورة الانعام : « أؤلئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة » الانعام ـ 89 ، لكن لفظ الايتاء ليس بصريح في الوحي والانزال كما قال تعالى : « ولقد آتينا لقمان الحكمة » لقمان ـ 12 ، وقال : « ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة » الجاثية ـ 16 ، ولما كان كل من اليهود والنصارى يعدون إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والاسباط من إهل ملتهم ، فاليهود من اليهود ، والنصاري من النصارى ، واعتقادهم أن الملة الحق من النصرانية ، أو اليهودية ، هي ما أوتيه موسى وعيسى ، فلو كان قيل : وما اوتي إبراهيم وإسماعيل


(312)
لم يكن بصريح في كونهم بأشخاصهم صاحب ملة بالوحي والانزال وإحتمل أن يكون ما أوتوه ، هو الذي أوتيه موسى وعيسى ( عليهما السلام ) نسب إليهم بحكم التبعية كما نسب إيتائه إلى بني اسرائيل ، فلذلك خص إبراهيم ومن عطف عليه باستعمال لفظ الانزال وأما النبيون قبل أبراهيم فليس لهم فيهم كلاحتى يوهم قوله : وما أوتي النبيون شيئا يجب دفعه.
     قوله تعالى : والاسباط ، الاسباط في بني إسرائيل كالقبائل في بني إسماعيل والسبط كالقبيلة الجماعة يجتمعون على أب واحد ، وقد كانوا اثنتي عشرة أسباطا أمما وكل واحدة منهم تنتهي إلى واحد من أولاد يعقوب وكانوا اثنى عشر ، فخلف كل واحد منهم أمة من الناس.
    فإن كان المراد بالاسباط الامم والاقوام فنسبة الانزال إليهم لاشتمالهم على أنبياء من سبطهم ، وإن كان المراد بالاسباط الاشخاص كانوا أنبياء أنزل إليهم الوحي وليسوا بإخوة يوسف لعدم كونهم أنبياء ، ونظير الآية قوله تعالى : « وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والاسباط وعيسى » النساء ـ 163.
     قوله تعالى : فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا ، الاتيان بلفظ المثل مع كون أصل المعنى ، فإن آمنوا بما آمنتم به ، لقطع عرق الخصام والجدال ، فإنه لو قيل لهم أن آمنوا بما آمنا به أمكن أن يقولوا كما قالوا ، بل نؤمن بما أنزل علينا ونكفر بما ورائه ، لكن لو قيل لهم ، إنا آمنا بما لا يشتمل إلا على الحق فآمنوا على الحق مثله ، لم يجدوا طريقا للمراء والمكابرة ، فإن الذي بيدهم لا يشتمل على صفوة الحق.
     قوله تعالى : في شقاق ، الشقاق النفاق والمنازعة والمشاجرة والافتراق.
     قوله تعالى : فسيكفيكهم الله ، وعد لرسول الله بالنصرة عليهم ، وقد أنجز وعده وسيتم هذه النعمة للامة الاسلامية إذا شاء ، واعلم : ان الآية معترضة بين الآيتين السابقة واللاحقة.
     قوله تعالى : صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ، الصبغة بناء نوع من الصبغ


(313)
أي هذا الايمان المذكور صبغة إلهية لنا ، وهي أحسن الصبغ لا صبغة اليهودية والنصرانية بالتفرق في الدين ، وعدم إقامته.
     قوله تعالى : ونحن له عابدون ، في موضع الحال ، وهو كبيان العلة لقوله : صبغة الله ومن أحسن.
     قوله تعالى : قل أتحاجوننا في الله ، إنكار ، لمحاجة أهل الكتاب ، المسلمين في الله سبحانه وقد بين وجه الانكار ، وكون محاجتهم لغوا وباطلا ، بقوله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون ، وبيانه : أن محاجة كل تابعين في متبوعهما ومخاصمتهما فيه انما تكون لاحد أمور ثلاثه : اما لاختصاص كل من التابعين بمتبوع دون متبوع الآخر ، فيريدان بالمحاجة كل تفضيل متبوعه وربه على الآخر ، كالمحاجة بين وثني ومسلم ، واما لكون كل واحد منهما أو احدهما يريد مزيد الاختصاص به ، وابطال نسبة رفيقه ، أو قربه اوما يشبه ذلك ، بعد كون المتبوع واحدا ، واما لكون أحدهما ذا خصائص وخصال لا ينبغي أن ينتسب إلى هذا المتبوع وفعاله ذاك الفعال ، وخصاله تلك الخصال لكونه موجبا ، لهتكه أو سقوطه أو غير ذلك ، فهذه علل المحاجة والمخاصمة بين كل تابعين ، والمسلمون وأهل الكتاب انما يعبدون الها واحدا ، وأعمال كل من الطائفتين لا تزاحم الاخرى شيئا والمسلمون مخلصون في دينهم لله ، فلا سبب يمكن أن يتشبث به أهل الكتاب في محاجتهم ، ولذلك أنكر عليهم محاجتهم اولا ثم نفى واحدا واحدا من اسبابها الثلاثة ، ثانيا.
     قوله تعالى : أم تقولون ان ابراهيم إلى قوله كانوا هودا أو نصارى ، وهو قول كل من الفريقين ، ان ابراهيم ومن ذكر بعده منهم ، ولازم ذلك كونهم هودا أو نصارى أو قولهم صريحا انهم كانوا هودا أو نصارى ، كما يفيده ظاهر قوله تعالى « يا اهل الكتاب لم تحاجون في ابراهيم وما أنزلت التوراة والانجيل الا من بعده أفلا تعقلون » آل عمران ـ 65.
     قوله تعالى : قل أأنتم أعلم أم الله ، فإن الله اخبرنا واخبركم في الكتاب أن موسى وعيسى وكتابيهما بعد ابراهيم ومن ذكر معه.


(314)
قوله تعالى : ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله ، أي كتم ما تحمل شهادة أن الله أخبر بكون تشريع اليهودية أو النصرانية بعد إبراهيم ومن ذكر معه ، فالشهادة المذكورة في الآية شهادة تحمل ، أو المعنى كتم شهادة الله على كون هؤلاء قبل التوراة والانجيل ، فالشهادة شهادة أداء ، المتعين هو المعنى الاول.
     قوله تعالى : تلك أمة قد خلت ، أي ان الغور في الاشخاص وأنهم ممن كانوا لا ينفع حالكم ، ولا يضركم السكوت عن المحاجة والمجادلة فيهم ، والواجب عليكم الاشتغال بما تسألون غدا عنه ، وتكرار الآية مرتين لكونهم يفرطون في هذه المحاجة التى لا تنفع لحالهم شيئا ، وخصوصا مع علمهم بأن إبراهيم كان قبل اليهودية والنصرانية ، وإلا فالبحث عن حال الانبياء ، والرسل بما ينفع البحث فيه كمزايا رسالاتهم وفضائل نفوسهم الشريفة مما ندب إليه القرآن حيث يقص قصصهم ويأمر بالتدبر فيها.
( بحث روائي )
    في تفسير العياشي في قوله تعالى قل : « بل ملة إبراهيم حنيفا » الآية ، عن الصادق ( عليه السلام ) قال إن الحنيفية في الاسلام.
    وعن الباقر ( عليه السلام ) ما أبقت الحنيفية شيئا ، حتى أن منها قص الشارب وقلم الاظفار والختان.
    وفي تفسير القمي ، أنزل الله على إبراهيم الحنيفية ، وهي الطهارة ، وهي عشرة : خمسة في الرأس وخمسة في البدن ، فأما التي في الرأس فأخذ الشارب وإعفاء اللحى وطم الشعر والسواك والخلال ، وأما التي في البدن فأخذ الشعر من البدن والختان وقلم الاظفار والغسل من الجنابة ، والطهور بالماء وهي الحنيفية الطاهرة التي جاء بها إبراهيم فلم تنسخ ولا تنسخ إلى يوم القيامة.
     اقول : طم الشعر ، جزه ، وتوفيره وفي معنى الرواية أو ما يقرب منه احاديث كثيرة جدا روتها الفريقان في كتبهم.
    وفي الكافي وتفسير العياشي عن الباقر ( عليه السلام ) في قوله تعالى ، قولوا آمنا بالله


(315)
الآية ، قال إنما عنى بها عليا وفاطمة والحسن والحسين وجرت بعدهم في الائمة الحديث.
     اقول : ويستفاد ذلك من وقوع الخطاب في ذيل دعوة إبراهيم ومن ذريتنا أمة مسلمة لك الآية ولا ينافي ذلك توجيه الخطاب إلى عامة المسلمين وكونهم مكلفين بذلك ، فإن لهذه الخطابات عموما وخصوصا بحسب مراتب معناها على ما مر في الكلام على الاسلام والايمان ومراتبهما.
    وفي تفسير القمي عن أحدهما ، وفي المعاني عن الصادق ( عليه السلام ) : في قوله تعالى صبغة الله الآية ، قال الصبغة هي الاسلام.
     اقول : وهو الظاهر من سياق الآيات.
    وفي الكافي والمعاني عن الصادق ( عليه السلام ) قال صبغ المؤمنين بالولاية في الميثاق.
     اقول : وهو من باطن الآية على ما سنبين معناه ونبين أيضا معنى الولاية ومعنى الميثاق إنشاء الله العزيز.
     سيقول السفهاء من الناس ما وليهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ـ 142. وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا قبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم ـ 143. قدى نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضيها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم
الميزان في تفسير القران ـ المجلد الأول ::: فهرس