الميزان في تفسير القران ـ المجلد الاول ::: 421 ـ 435
(421)
عليه اتيانه خير من تركه : فليأت الذي هو خير ولا كفارة له ، وإنما ذلك من خطوات الشيطان.
    اقول : والاحاديث كما ترى مبنية على كون المراد من خطوات الشيطان الاعمال التي يتقرب بها وليست بمقربة لعدم العبرة بها شرعا كما ذكرناه في البيان السابق نعم في خصوص الطلاق ونحوه وجه آخر للبطلان وهو التعليق المنافي للانشاء ، والمسألة فقهية ، والمراد باليمين بغير الله هو اليمين الذي يترتب عليه أثر اليمين الشرعي أو القسم بما لم يقسم به الله ولم يثبت له كرامة شيئا.
    وفي المجمع عن الباقرفي قوله تعالى : « ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق » الآية قال : أي مثلهم في دعائك إياهم إلى الايمان كمثل الناعق في دعائه المنعوق به من البهائم التي لا تفهم وإنما تسمع الصوت

    الآراء والعقائد التي يتخذها الانسان أما نظرية لا تعلق لها بالعمل من غير واسطة كالمسائل المتعلقة بالرياضيات والطبيعيات ، وما وراء الطبيعة ، وأما عملية متعلقة بالعمل بلا واسطة كالمسائل المتعلقة بما ينبغي فعله وما لا ينبغي ، والسبيل في القسم الاول هو اتباع العلم واليقين المنتهي إلى برهان أو حس ، وفي القسم الثاني اتباع ما يوصل إلى الخير الذي فيه سعادة الانسان أو النافع فيها ، وإجتناب ما ينتهي إلى شقائه أو يضره في سعادته ، وأما الاعتقاد بما لا علم له بكونه حقا في القسم الاول ، والاعتقاد بما لا يعلم كونه خيرا أو شرا فهو اعتقاد خرافي.
    والانسان لما كانت آرائه منتهية إلى اقتضاء الفطرة الباحثة عن علل الاشياء والطبيعة الباعثة له إلى الاستكمال بما هو كماله حقيقة فإنه لا تخضع نفسه إلى الرأى الخرافي المأخوذ على العمياء وجهلا إلا أن العواطف النفسانية والاحساسات الباطنية التي تثيرها الخيال ـ وعمدتها الخوف والرجاء ـ ربما أوجبت له القول بالخرافة من جهة أن الخيال يصور له صورا يستصحب خوفا أو رجاء فيحفظها إحساس الخوف أو الرجاء ، ولا يدعها تغيب عن النفس الخائفة أو الراجية ، كما أن الانسان إذا أحل


(422)
واديا ـ وهو وحده بلا أنيس والليل داج مظلم والبصر حاسر عن الادراك ـ فلا مؤمن يؤمنه بتميز المخاطر من غيرها بضياء ونحوه فترى أن خياله يصور له كل شبح يترائى له غولا مهيبا يقصده بالاهلاك أو روحا من الارواح ، وربما صور له حركة وذهابا وإيابا وصعودا في السماء ونزولا إلى الارض ، وأشكالا وتماثيل ثم لا يزال الخيال يكرر له هذا الشبه المجعول كلما ذكره وحاله حاله من الخوف ، ثم ربما نقله لغيره فأوجد فيه حالا نظير حاله ولا يزال ينتشر ـ وهو موضوع خرافي لا ينتهي إلى حقيقة ـ.
    وربما هيج الخيال حسن الدفاع من الانسان أن يضع أعمالا لدفع شر هذا الموجود الموهوم ويحث غيره على العمل بها للامن من شره فيذهب سنه خرافية.
    ولم يزل الانسان منذ أقدم أعصار حيوته مبتلى بآراء خرافية حتى اليوم وليس كما يظن من أنها من خصائص الشرقيين فهي موجودة بين الغربيين مثلهم لو لم يكونوا أحرص عليها منهم.
    ولا يزال الخواص من الانسان ـ وهم العلماء ـ يحتالون في إمحاء رسوم هذه الخرافات المتمكنة في نفوس العامة من الناس بلطائف حيلهم التي توجب تنبه العامة وتيقظهم في أمرها ، وقد أعيا الداء الطبيب فإن الانسان لا يخلو من التقليد والاتباع في الآراء النظرية والمعلومات الحقيقية من جانب ومن الاحساسات والعواطف النفسانية من جانب آخر ، وناهيك في ذلك أن العلاج لم ينجح إلى اليوم.
    وأعجب من الجميع ما يراه في ذلك إهل الحضارة وعلماء الطبيعة اليوم ! فقد ذكروا أن العلم اليوم يبني أساسه على الحس والتجربة ويدفع ما دون ذلك ، والمدنية والحضارة تبني أساسه على استكمال الاجتماع في كل كمال ميسور ما استيسر ، وبنوا التربية على ذلك.
    مع أن ذلك ـ وهو عجيب ـ نفسه من اتباع الخرافة فإن علوم الطبيعة إنما تبحث عن خواص الطبيعة وتثبتها لموضوعاتها ، وبعبارة أخرى هذه العلوم المادية إنما تكشف دائما عن خبايا خواص المادة ، وأما ما وراء ذلك فلا سبيل لها إلى نفيه وإبطاله فالاعتقاد بانتفاء ما لا تناله الحس والتجربة من غير دليل من أظهر الخرافات.
    وكذلك بناء المدنية على استكمال الاجتماع المذكور فإن هذا الاستكمال والنيل


(423)
بالسعادة الاجتماعية ربما يستلزم حرمان بعض الافراد من سعادته الحيوية الفردية كتحمل القتل والتفدية في الدفاع عن الوطن أو القانون أو المرام ، والمحرومية من سعادة الشخص لاجل وقاية حريم الاجتماع فهذه الحرمانات لا يقدم فيها الانسان إلا عن عقيدة الاستكمال ، وأن يراها كمالات ـ وليست كمالات لنفسه ـ بل عدم وحرمان لها ، وإنما هي كمالات ـ لو كانت كمالات ـ للمجتمع من حيث هو مجتمع وإنما يريد الانسان الاجتماع لاجل نفسه لا نفسه لاجل الاجتماع ، ولذلك كله ما احتالت هذه الاجتماعات لافرادها فلقنوهم أن الانسان يكتسب بالتفدية ذكرا جميلا واسما باقيا على الفخر دائما وهو الحيوة الدائمة ، وهذه خرافة ، وأي حيوة بعد البطلان والفناء غير أنا نسميه حيوة ، تسمية ليس ورائها شئ.
    ومثلها القول : إن الانسان يجب له تحمل مر القانون والصبر على الحرمان في بعض ما يشتهيه نفسه ليتحفظ به الاجتماع فينال كماله في الباقي فيعتقد أن كمال الاجتماع كماله ، وهذه خرافة ، فإن كمال الاجتماع إنما هو كماله فيما يتطابق الكمالان وأما غير ذلك فلا ، فأي موجب على فرد بالنسبة إلى كماله ، أو اجتماع قوم بالنسبة إلى اجتماع الدنيا إذا قدر على نيل ما يبتغيه من آماله ولو بالجور وفاق في القوة والاستطاعة من غير مقاوم يقاومه أن يعتقد أن كمال الاجتماع كماله والذكر الجميل فخاره ؟ كما أن أقوياء الامم لا يزالون على الانتفاع من حيوة الامم الضعيفة ، فلا يجدون منهم موطئا إلا وطئوة ، ولا منالا إلا نالوه ، ولا نسمة إلا استرقوه واستعبدوه ، وهل ذلك إلا علاجا لمزمن الداء بالافناء.
    وأما ما سلكه القرآن في ذلك فهو أمره باتباع ما أنزل الله والنهي عن القول بغير علم ، هذا في النظر ، وأما في العمل فأمره بابتغاء ما عند الله فيه فإن كان مطابقا لما يشتهيه النفس كان فيه سعادة الدنيا والآخرة وإن كان فيه حرمانها ، فعند الله عظيم الاجر ، وما عند الله خير وأبقى.
    والذي يقوله أصحاب الحس : أن اتباع الدين تقليد يمنع عنه العلم وأنه من خرافات العهد الثاني من العهود الاربعة المارة على نوع الانسان ( وهي عهد الاساطير وعهد المذهب وعهد الفلسفة وعهد العلم ، وهو الذي عليه البشر اليوم من اتباع العلم ورفض الخرافات ) فهو قول بغير علم ورأي خرافي.


(424)
    أما أن اتباع الدين تقليد فيبطله : أن الدين مجموع مركب من معارف المبدء و المعاد ، ومن قوانين اجتماعية من العبادات والمعاملات مأخوذه من طريق الوحي والنبوة الثابت صدقه بالبرهان والمجموعة من الاخبار التي أخبر بها الصادق صادقة واتباعها اتباع للعلم لان المفروض العلم بصدق مخبرها بالبرهان ، وقد مر في البحث التالي لقوله تعالى « وإذ قال موسى لقومه أن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة » البقرة ـ 67 ، كلام في التقليد فارجع.
    ومن العجيب أن هذا القول قول من ليس بيده في أصول الحيوة وسنن الاجتماع : من مأكله ومشربه وملبسه ومنكحه ومسكنه وغير ذلك إلا التقليد على العمى واتباع الهوى من غير تثبت وتبين ، نعم اختلقوا للتقليد اسما آخر وهو اتباع السنة الذي ترتضيه الدنيا الراقية فصار التقليد بذلك ممحو الاسم ثابت الرسم ، مهجور اللفظ ، مأنوس المعني ، وكان ( ألق دلوك في الدلاء ) شعارا علميا ورقيا مدنيا وعاد ( ولا تتبع الهوى فيضلك ) تقليدا دينيا وقولا خرافيا.
    وأما تقسيمهم سير الحيوة الانسانية إلى أربعة عهود فما بأيدينا من تاريخ الدين والفلسفة يكذبه فإن طلوع دين إبراهيم إنما كان بعد عهد الفلسفة بالهند ومصر وكلدان ودين عيسى بعد فلسفة يونان وكذا دين محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ وهو الاسلام ـ كان بعد فلسفة يونان وإسكندرية ، وبالجملة غاية أوج الفلسفة كانت قبل بلوغ الدين أوجه. وقد مر فيما مر أن دين التوحيد يتقدم في عهده على جميع الاديان الاخر.
    والذي يرتضيه القرآن من تقسيم تاريخ الانسان هو تقسيمه إلى عهد السذاجة ووحدة الامم وعهد الحس والمادة ، وسيجئ بيانه في الكلام على قوله تعالى : « كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين » البقرة ـ 213.
    يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون ـ 172. إنما حرم عليكم الميته والدم


(425)
ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم ـ 173 ،إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ـ 174. أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار ـ 175. ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد ـ 176.
( بيان )
    قوله تعالى : « يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم » ، خطاب خاص بالمؤمنين بعد الخطاب السابق للناس فهو من قبيل انتزاع الخطاب من الخطاب ، كأنه انصراف عن خطاب جماعة ممن لا يقبل النصح ولا يصغي إلى القول ، والتفات إلى من يستجيب الداعي لايمانه به والتفاوت الموجود بين الخطابين ناش من تفاوت المخاطبين ، فان المؤمنين بالله لما كان يتوقع منهم القبول بدل قوله : ما في الارض حلالا طيبا من قوله : طيبات ما رزقناكم ، وكان ذلك وسيلة إلى أن يطلب منهم الشكر لله وحده لكونهم موحدين لا يعبدون إلا الله سبحانه ، ولذلك بعينه قيل : ما رزقناكم ولم يقل : ما رزقتم أو ما في الارض ونحوه ، لما فيه من الايماء أو الدلالة على كونه تعالى معروفا لهم قريبا منهم حنينا رؤوفا بهم ، والظاهر أن يكون قوله : من طيبات ما رزقناكم ، من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف لا من قبيل قيام الصفة مقام الموصوف فان المعنى على الاول كلوا من رزقنا الذي كله طيب ، وهو المناسب لمعنى التقرب والتحنن الذي يلوح من المقام ، والمعنى على الثاني كلوا من طيب الرزق لا من خبيثه ، وهو بعيد المناسبة عن المقام الذي هو مقام رفع الحظر ، والنهي عن الامتناع عن بعض ما رزقهم الله سبحانه


(426)
تشريعا من عند أنفسهم وقولا بغير علم.
    قوله تعالى : واشكروا لله أن كنتم إياه تعبدون ، لم يقل واشكروا لنا بل اشكرو الله ليكون أدل على الامر بالتوحيد ولذلك أيضا قيل : إن كنتم أياه تعبدون فدل على الحصر والقصر ولم يقل إن كنتم تعبدونه.
    قوله تعالى : إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله ، الاهلال لغير الله هو الذبح لغيره كالاصنام.
    قوله تعالى : فمن اضطر غير باغ ولا عاد ، أي غير ظالم ولا متجاوز حده ، وهما حالان عاملهما الاضطرار فيكون المعنى فمن اضطر إلى أكل شئ مما ذكر من المنهيات اضطرارا في حال عدم بغيه وعدم عدوه فلا ذنب له في الاكل ، وأما لو اضطر في حال البغي والعدو كأن يكونا هما الموجبين للاضطرار فلا يجوز له ذلك ، وقوله تعالى :« إن الله غفور رحيم » ، دليل على أن التجوز تخفيف ورخصة منه تعالى للمؤمنين وإلا فمناط النهي موجود في صورة الاضطرار أيضا.
    قوله تعالى : إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ، تعريض لاهل الكتاب إذ عندهم شئ كثير من المحللات الطيبة التي حرمها كبرائهم ورؤسائهم في العبادات وغيرها ـ وعندهم الكتاب الذي لا يقضي فيه بالتحريم ـ ولم يكتموا ما كتموه إلا حفظا لما يدر عليهم من رزق الرئاسة وابهة المقام والجاه والمال.
    وفي الآية من الدلالة على تجسم الاعمال وتحقق نتائجها ما لا يخفى فإنه تعالى ذكر أولا أن اختيارهم الثمن القليل على ما أنزل الله هو أكل النار في بطونهم ثم بدل اختيار الكتمان وأخذ الثمن على بيان ما أنزل الله في الآية التاليه من اختيار الضلالة على الهدى ثم من اختيار العذاب على المغفرة ثم ختمها بقوله : فما أصبرهم على النار ، والذي كان منهم ظاهرا هو الادامة للكتمان والبقاء عليها فافهم.
( بحث روائي )
    في الكافي عن الصادق ( عليه السلام ) : في قوله تعالى فمن اضطر غير باغ ولا عاد الآية ، قال :


(427)
الباغي باغي الصيد ، والعادي السارق ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا إليها ، هي حرام عليهما ليس هي عليهما كما هي على المسلمين وليس لهما أن يقصرا في الصلوة.
    وفي تفسير العياشي عن الصادق ( عليه السلام ) قال الباغي الظالم ، والعادي الغاصب.
    وعن حماد عنه ( عليه السلام ) قال : الباغي الخارج على الامام والعادي اللص.
    وفي المجمع عن أبي جعفر ( عليه السلام ) وأبى عبد الله ( عليه السلام ) : غير باغ على إمام المسلمين ولا عاد بالمعصية طريق المحقين.
    أقول : والجميع من قبيل عد المصاديق ، وهي تؤيد المعنى الذي استفدناه من ظاهر اللفظ.
    وفي الكافي وتفسير العياشي عن الصادق ( عليه السلام ) : في قوله تعالى :« فما أصبرهم على النار » الآية. قال : ما أصبرهم على فعل ما يعلمون أنه يصيرهم إلى النار.
    وفي المجمع عن علي بن ابراهيم عن الصادق ( عليه السلام ) قال : ما أجرأهم على النار.
    وعن الصادق ( عليه السلام ) : ما أعملهم بأعمال أهل النار.
    اقول : والروايات قريبة المعاني ففي الاولى تفسير الصبر على النار بالصبر على سبب النار ، وفي الثانية تفسير الصبر على النار بالجرئة عليها وهي لازمة للصبر ، وفي الثالثة تفسير الصبر على النار بالعمل بما يعمل به أهل النار ومرجعه إلى معنى الرواية الاولى.
    ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلوة وآتى الزكوة والموفون بعهدهم إذا


(428)
عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون ـ 177.
( بيان )
     قيل : كثر الجدال والخصام بين الناس بعد تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة وطالت المشاجرة فنزلت الآية.
    قوله تعالى : ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ، البر بالكسر التوسع من الخير والاحسان ، والبر بالفتح صفة مشبهة منه ، والقبل بالكسر فالفتح الجهة ومنه القبلة وهي النوع من الجهة ، وذووا القربى الاقرباء ، واليتامى جمع يتيم وهو الذي لا والد له ، والمساكين جمع مسكين وهو أسوأ حالا من الفقير ، وابن السبيل المنقطع عن أهله ، والرقاب جمع رقبة وهي رقبة العبد ، والبأساء مصدر كالبؤس وهو الشدة والفقر ، والضراء مصدر كالضر وهو أن يتضرر الانسان بمرض أو جرح أو ذهاب مال أو موت ولد ، والبأس شده الحرب.
    قوله تعالى : ولكن البر من آمن بالله ، عدل عن تعريف البر بالكسر إلى تعريف البر بالفتح ليكون بيانا وتعريفا للرجال مع تضمنه لشرح وصفهم وإيماء إلى أنه لا أثر للمفهوم الخالي عن المصداق ولا فضل فيه ، وهذا دأب القرآن في جميع بياناته فانه يبين المقامات ويشرح الاحوال بتعريف رجالها من غير أن يقنع ببيان المفهوم فحسب.
    وبالجملة قوله ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر ، تعريف للابرار وبيان لحقيقة حالهم ، وقد عرفهم أولا في جميع المراتب الثلاث من الاعتقاد والاعمال والاخلاق بقوله : (من آمن بالله ) وثانيا بقوله : (أولئك الذين صدقوا ) وثالثا بقوله : (وأولئك هم المتقون ).
    فأما ما عرفهم به أولا فابتدء فيه بقوله تعالى : من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين ، وهذا جامع لجميع المعارف الحقة التي يريد الله سبحانه من عباده الايمان بها ، والمراد بهذا الايمان الايمان التام الذي لا يتخلف عنه أثره ، لا


(429)
في القلب بعروض شك أو اضطراب أو اعتراض أو سخط في شئ مما يصيبه مما لا ترتضيه النفس ، ولا في خلق ولا في عمل ، والدليل على أن المراد به ذلك قوله في ذيل الايه ( أولئك الذين صدقوا ) فقد أطلق الصدق ولم يقيده بشئ من أعمال القلب والجوارح فهم مؤمنون حقا صادقون في إيمانهم كما قال تعالى : « فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك في ما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما » النساء ـ 68 ، وحينئذ ينطبق حالهم على المرتبة الربعة من مراتب الايمان التي مر بيانها في ذيل قوله تعالى : « إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت » البقرة ـ 131.
    ثم ذكر تعالى نبذا من أعمالهم بقوله : وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلوة وآتى الزكوة ، فذكر الصلوة ـ وهي حكم عبادي ـ وقد قال تعالى : « إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر » العنكبوت ـ 45 ، وقال : « وأقم الصلوة لذكرى » طه ـ 14 ، وذكر الزكوة ـ وهي حكم مالي فيه صلاح المعاش ـ وذكر قبلهما إيتاء المال وهو بث الخير ونشر الاحسان غير الواجب لرفع حوائج المحتاجين وإقامة صلبهم.
    ثم ذكر سبحانه نبذا من جمل أخلاقهم بقوله : والموفون بعدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس ، فالعهد هو الالتزام بشئ والعقد له ـ وقد أطلقه تعالى ـ وهو مع ذلك لا يشمل الايمان والالتزام بأحكامه كما توهمه بعضهم ـ لمكان قوله إذا عاهدوا ، فان الالتزام بالايمان ولوازمه لا يقبل التقيد بوقت دون وقت ـ كما هو ظاهر ـ ولكنه يشتمل بإطلاقه كل وعد وعده الانسان وكل قول قاله التزاما كقولنا : لافعلن كذا ولاتركن وكل عقد عقد به في المعاملات والمعاشرات و نحوها ، والصبر هو الثبات على الشدائد حين تهاجم المصائب أو مقارعة الاقران ، وهذان الخلقان وإن لم يستوفيا جميع الاخلاق الفاضلة غير أنهما إذا تحققا تحقق ما دونهما ، والوفاء بالعهد والصبر عند الشدائد خلقان يتعلق أحدهما بالسكون والاخر بالحركة وهو الوفاء فالاتيان بهذين الوصفين من أوصافهم بمنزلة أن يقال : إنهم إذا قالوا قولا أقدموا عليه ولم يتجافوا عنه بالزوال.
    وأما ما عرفهم به ثانيا بقوله : أولئك الذين صدقوا ، فهو وصف جامع لجمل فضائل العلم والعمل فان الصدق خلق يصاحب جميع الاخلاق من العفة والشجاعة


(430)
والحكمة والعدالة وفروعها فان الانسان ليس له إلا الاعتقاد والقول والعمل ، وإذا صدق تطابقت الثلاثة فلا يفعل إلا ما يقول ولا يقول إلا ما يعتقد ، والانسان مفطور على قبول الحق والخضوع له باطنا وإن أظهر خلافه ظاهرا فإذا أذعن بالحق وصدق فيه قال ما يعتقده وفعل ما يقوله وعند ذلك تم له الايمان الخالص والخلق الفاضل والعمل الصالح ، قال تعالى : « يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين » التوبة ـ 120 ، والحصر في قوله أولئك الذين صدقوا ، يؤكد التعريف وبيان الحد ، والمعنى ـ والله أعلم ـ إذا أردت الذين صدقوا فاولئك هم الابرار.
    وأما ما عرفهم به ثالثا بقوله : وأولئك هم المتقون ، الحصر لبيان الكمال فان البر والصدق لو لم يتما لم يتم التقوى.
    والذى بينه تعالى في هذه الآية من الاوصاف الابرار هي التي ذكرها في غيرها. قال تعالى : « إن الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا. عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا. ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا. إنما نطعمكم لوجه الله ـ إلى أن قال ـ وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا » الدهر ـ 12 ، فقد ذكر فيها الايمان بالله واليوم الآخر والانفاق لوجه الله والوفاء بالعهد والصبر ، وقال تعالى أيضا : « كلا إن كتاب الابرار لفى عليين وما أدريك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون. إن الابرار لفي نعيم ـ إلى أن قال ـ يسقون من رحيق مختوم ـ إلى أن قال ـ عينا يشرب بها المقربون » المطففين ـ 28 ، بالتطبيق بين هذه الآيات والآيات السابقة عليها يظهر حقيقة وصفهم ومآل أمرهم إذا تدبرت فيها ، وقد وصفتهم الآيات بأنهم عباد الله وأنهم المقربون ، وقد وصف الله سبحانه عباده فيما وصف بقوله : « إن عبادي ليس لك عليهم سلطان » الحجر ـ 42 ، ووصف المقربين بقوله : « والسابقون السابقون. أولئك المقربون في جنات النعيم » الواقعة ـ 12 ، فهؤلاء هم السابقون في الدنيا إلى ربهم السابقون في الآخرة إلى نعيمه ، ولو أدمت البحث عن حالهم فيما تعطيه الآيات لوجدت عجبا.
    وقد بان مما مر أن الابرار أهل المرتبة العالية من الايمان ، وهي المرتبة الرابعة على ما مر بيانه سابقا ، قال تعالى : « الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الامن وهم مهتدون » الانعام ـ 82.


(431)
    وقوله تعالى : والصابرين في البأساء ، منصوب على المدح إعظاما لامر الصبر ، وقد قيل إن الكلام إذا طال بذكر الوصف بعد الوصف فمذهبهم ان يعترضوا بين الاوصاف بالمدح والذم ، واختلاف الاعراب بالرفع والنصب.
( بحث روائي )
    عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من عمل بهذه الآية فقد استكمل الايمان.
    أقول : ووجهه واضح بما بيناه ، وقد نقل عن الزجاج والفراء إنهما قالا : إن الآية مخصوصة بالانبياء المعصومين لان هذه الاشياء لا يأتيها بكليتها على حق الواجب فيها إلا الانبياء انتهي ، وهو ناش من عدم التدبر فيما تفيده الت يات والخلط بين المقامات المعنوية ، وقد أنزلت آيات سورة الدهر في أهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وسماهم الله فيها أبرار وليسوا بأنبياء.
    نعم خطرهم عظيم ، وقد وصف الله حال اولي الالباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والارض ، ثم ذكر مسألتهم أن يلحقهم الله بالابرار ، قال : « وتوفنا مع الابرار » آل عمران ـ 193.
    وفي الدر المنثور ، أخرج الحكيم الترمذي عن أبي عامر الاشعري قال : قلت : يا رسول الله ما تمام البر ، قال أن تعمل في السر ما تعمل في العلانية.
    وفي المجمع عن أبي جعفر وأبي عبد الله ( عليه السلام ) : ذوي القربي قرابع النبي.
    اقول : وكأنه من قبيل عد المصداق بالنظر إلى آية القربى.
    وفي الكافي عن الصادق ( عليه السلام ) الفقير الذي لا يسأل الناس والمسكين أجهد منه والبائس أجدهم.
    وفي المجمع عن أبي جعفر ( عليه السلام ) : ابن السبيل ، المنقطع به.
    وفي التهذيب عن الصادق ( عليه السلام ) سئل عن مكاتب عجز عن مكاتبته وقد أدى بعضها ، قال ( عليه السلام ) : يؤدي عنه من مال الصدقة فإن الله عزوجل يقول : وفي الرقاب.
    وفي تفسير القمي : في قوله : ( والصابرين في البأساء والضراء قال : ( عليه السلام ) في الجوع والعطش والخوف ، وفي قوله وحين البأس قال : قال ( عليه السلام ) ، عند القتال.


(432)
    يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى با لانثى فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ـ 178. ولكم في القصاص حيوة يا أولي الالباب لعلكم تتقون ـ 179.
( بيان )
    قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر ، في توجيه الخطاب إلى المؤمنين خاصة إشارة إلى كون الحكم خاصا بالمسلمين ، وأما غيرهم من أهل الذمة وغيرهم فالآية ساكتة عن ذلك.
    ونسبة هذه الآية إلى قوله تعالى : « أن النفس بالنفس » المائدة ـ 48 ، نسبة التفسير ، فلا وجه لما ربما يقال ، إن هذه الآية ناسخة لتلك الآية فلا يقتل حر بعبد ولا رجل بمرأة.
    وبالجملة القصاص مصدر ، قاص يقاص ، من قص أثره إذا تبعه ومنه القصاص لمن يحدث بالآثار والحكايات كأنه يتبع آثار الماضين فتسمية القصاص بالقصاص لما فيه من متابعة الجاني في جنايته فيوقع عليه مثل ما اوقعه على غيره.
    قوله تعالى : فمن عفي له من أخيه شئ ، المراد بالموصول القاتل ، والعفو للقاتل إنما يكون في حق القصاص فالمراد بالشئ هو الحق ، وفي تنكيره تعميم للحكم أي أي حق كان سواء كان تمام الحق أو بعضه كما إذا تعدد أولياء الدم فعفى بعضهم حقه للقاتل فلا قصاص حينئذ بل الدية ، وفي التعبير عن ولي الدم بالاخ إثارة لحس المحبة والرأفة وتلويح إلى أن العفو أحب.


(433)
    قوله تعالى : فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ، مبتدء خبره محذوف أي فعليه أن يتبع القاتل في مطالبة الدية بمصاحبة المعروف ، من الاتباع و پعلى القاتل أن يؤدي الدية إلى أخيه ولي الدم بالاحسان من غير مماطلة فيها إيذائه.
    قوله تعالى : ذلك تخفيف من ربكم ورحمة ، أي الحكم بانتقال القصاص إلى الدية تخفيف من ربكم فلا يتغير فليس لولي الدم أن يقتص بعد العفو فيكون اعتداء فمن اعتدى فاقتص بعد العفو فله عذاب أليم.
    قوله تعالى : ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب لعلكم تتقون ، إشارة إلى حكمة التشريع ، ودفع ما ربما يتوهم من تشريع العفو والدية وبيان المزية والمصلحة التي في العفو وهو نشر الرحمة وإيثار الرأفة ان العفو اقرب إلى مصلحة الناس ، وحاصله أن العفو ولو كان فيه ما فيه من التخفيف والرحمة ، لكن المصلحة العامة قائمة بالقصاص فإن الحيوة لا يضمنها إلا القصاص دون العفو والدية ولا كل شئ مما عداهما ، يحكم بذلك الانسان إذا كان ذا لب وقوله لعلكم تتقون ، أي القتل وهو بمنزلة التعليل لتشريع القصاص.
    وقد ذكروا : أن الجملة أعني قوله تعالى : ولكم في القصاص حيوة الآية على اختصارها وإيجازها وقلة حروفها وسلاسة لفظها وصفاء تركيبها من أبلغ آيات القرآن في بيانها ، وأسماها في بلاغتها فهي جامعة بين قوة الاستدلال وجمال المعنى ولطفه ، ورقة الدلالة وظهور المدلول ، وقد كان للبلغاء قبلها كلمات في القتل والقصاص تعجبهم بلاغتها وجزالة اسلوبها ونظمها كقولهم : قتل البعض إحياء للجميع وقولهم : أكثروا القتل ليقل القتل ، وأعجب من الجميع عندهم قولهم : القتل أنفى للقتل غير أن الآية أنست الجميع ونفت الكل : ولكم في القصاص حيوة فإن الآية أقل حروفا واسهل في التلفظ ، وفيها تعريف القصاص وتنكير الحيوة ليدل على أن النتيجة أوسع من القصاص وأعظم وهي مشتملة على بيان النتيجة وعلى بيان حقيقة المصلحة وهي الحيوة ، وهي متضمن حقيقة المعنى المفيد للغاية فإن القصاص هو المؤدي إلى الحيوة دون القتل فإن من القتل ما يقع عدوانا ليس يؤدي إلى الحيوة ، وهي مشتملة على أشياء اخر غير


(434)
القتل يؤدي إلى الحيوة وهي أقسام القصاص في غير القتل ، وهي مشتملة على معنى زائد آخر ، وهو معنى المتابعة التي تدل عليها كلمة القصاص بخلاف قولهم القتل أنفى للقتل ، وهي مع ذلك متضمنة للحث والترغيب فإنها تدل على حيوة مذخورة للناس مغفول عنها يملكونها فعليهم أن يأخذوا بها نظير ما تقول : لك في مكان كذا أو عند فلان مالا وثروة ، وهي ذلك تشير إلى أن القائل لا يريد بقوله هذا إلا حفظ منافعهم ورعاية مصلحتهم من غير عائد يعود إليه حيث قال : ولكم.
    فهذه وجوه من لطائف ما تشتمل عليه هذه الآية ، وربما ذكر بعضهم وجوها اخرى يعثر عليه المراجع غير أن الآية كلما زدت فيه تدبرا زادتك في تجلياتها بجمالها وغلبتك بهور نورها ـ وكلمة الله هي العليا.
( بحث روائي )
     في تفسير العياشي عن الصادق ( عليه السلام ) : في قوله تعالى الحر بالحر ، قال : لا يقتل الحر بالعبد ولكن يضرب ضربا شديدا ويغرم دية العبد وإن قتل رجل امرأة فأراد أولياء المقتول أن يقتلوه أدوا نصف ديته إلى أولياء الرجل.
    وفي الكافي عن الحلبي عن الصادق ( عليه السلام ) : قال سألته عن قوله الله عزوجل فمن تصدق به فهو كفارة له ، قال : يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما عفي ، وسألته عن قوله عزوجل : فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ، قال : ينبغي للذي له الحق أن لا يعسر أخاه إذا كان قد صالحه على دية وينبغي للذي عليه الحق أن لا يمطل أداه إذا قدر على ما يعطيه ويؤدي إليه بإحسان ، وسئلته عن قول الله عزوجل : فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ، قال : هو الرجل يقبل الدية أو يعفو أو يصالح ثم يعتدي فيقتل كما قال الله عزوجل.
    اقول : والروايات في هذه المعاني كثيرة.

     كانت العرب أوان نزول آية القصاص وقبله تعتقد القصاص بالقتل لكنها ما كانت تحده بحد وإنما يتبع ذلك قوة القبائل وضعفها فربما قتل الرجل بالرجل والمرأة


(435)
بالمرأة فسلك في القتل مسلك التساوي وربما قتل العشرة بالواحد والحر بالعبد والرئيس بالمرؤوس وربما أبادت قبيلة قبيلة اخرى لواحد قتل منها.
    وكانت اليهود تعتقد القصاص كما ورد في الفصل الحادي والعشرين والثاني والعشرين من الخروج والخامس والثلاثين من العدد ، وقد حكاه القرآن حيث قال تعالى : « وكتبنا لهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالانف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص » المائدة ـ 45.
    وكانت النصاري على ما يحكى لا ترى في مورد القتل إلا العفو والدية ، وسائر الشعوب والامم على اختلاف طبقاتهم ما كانت تخلو عن القصاص في القتل في الجملة وإن لم يضبطه ضابط تام حتى القرون الاخيرة.
    والاسلام سلك في ذلك مسلكا وسطا بين الالغاء والاثبات فأثبت القصاص وألغى تعينه بل أجاز العفو والدية ثم عدل القصاص بالمعادلة بين القاتل والمقتول ، فالحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى.
    وقد اعترض على القصاص مطلقا وعلى القصاص بالقتل خاصة بأن القوانين المدنية التي وضعتها الملل الراقية لا ترى جوازها وإجرائها بين البشر اليوم.
    قالوا : إن القتل بالقتل مما يستهجنه الانسان وينفر عنه طبعه ويمنع عنه وجدانه إذا عرض عليه رحمة وخدمة للانسانية ، وقالوا : إذا كان القتل الاول فقدا لفرد فالقتل الثاني فقد على فقد ، وقالوا : إن القتل بالقصاص من القسوة وحب الانتقام ، وهذه صفة يجب أن تزاح عن الناس بالتربية العامة ويؤخذ في القاتل أيضا بعقوبة التربيه ، وذلك إنما يكون بما دون القتل من السجن والاعمال الشاقة ، وقالوا : إن المجرم إنما يكون مجرما إذا كان مريض العقل فالواجب أن يوضع القاتل المجرم في المستشفيات العقلية ويعالج فيها ، وقالوا إن القوانين المدنية تتبع الاجتماع اموجود ، ولما كان الاجتماع غير ثابت على حال واحد كانت القوانين كذلك فلا وجه لثبوت القصاص بين الاجتماع للابد حتى الاجتماعات الراقيه اليوم ، ومن اللازم أن يستفيد الاجتماع من وجود أفرادها ما استيسر ، ومن الممكن أن يعاقب المجرم بما دون القتل مما يعادل القتل من حيث الثمرة والنتيجة كحبس الابد أو حبس مدة سنين وفيه الجمع
الميزان في تفسير القران ـ المجلد الأول ::: فهرس