خَصائِصُ الأئمَة عليهم السلام ::: 31 ـ 45
(31)
    آثـاره
    للشريف الرضي مؤلفات كثيرة مفعمة بالتحقيق والبحث مع قصر المدة التي تمكن فيها من ذلك الانتاج ، فان عمره كله 47 سنة قضى اكثره في مزاولة وظائف الدولة والقاء دروسه ومحاضراته في مدرسته ( دار العلم ) وقرضه الشعر ، ومحاولاته السياسية ومجاملاته مع الخلفاء والملوك ، فما بقى إلا النزر من ايامه خصوصا بعد اخراج سني الطفولة من تلك القائمة فهاهنا تعرف ان انتاج الشريف لتلك المؤلفات القيمة اعجاز ، وهذا ما وصل الينا من مؤلفاته :
    1 ـ « نهج البلاغة » جمع فيه ما اختاره من خطب أمير المؤمنين (ع) ، وحكمه ، ورسائله ، وأشار إليه في المجازات النبوية ص 40 طبعة مصر (1).
    2 ـ « تلخيص البيان عن مجاز القرآن » قال ابن خلكان فيه : انه نادر في بابه ، وأشار إليه الشريف في المجازات النبوية ص 20 ط مصر وطبع في بغداد سنة 1328.
    3 ـ « المجازات النبوية » من انفس المؤلفات في هذا الشأن طبع أولا سنة 1428 ببغداد وثانيا سنة 1356 في مصر.
    4 ـ « حقائق التأويل في متشابه التنزيل » : وهو تفسيره ذكره في كتابه ـ المجازات النبوية ـ وعبر عنه تارة بحقائق التأويل ، واخرى بالكتاب الكبير في متشابه القرآن. وعبر عنه النجاشي بحقائق التنزيل ، وصاحب عمدة الطالب بكتاب المتشابه في القرآن.
    5 ـ « الزيادات في شعر ابي تمام ».
    6 ـ « اخبار قضاة بغداد ».
    7 ـ « تعليق خلاف الفقهاء ».
    8 ـ « تعليق على الايضاح » لابي علي الفارسي.
1 ـ لقد توالت عليه الشروح منذ عهد قريب من عصر المترجم له بما يربو على السبعين شرحا تجده في الغدير 4/186 ـ 193.

(32)
    9 ـ ما دار بينه وبين الصابي من الرسائل والشعر.
    10 ـ « المختار من شعر أبي إسحاق الصابي ».
    11 ـ « المختار من شعر ابن الحجاج » سماه : « الحسن من شعر الحسين ».
    12 ـ رسائله ثلاث مجلدات ذكر في ( الدرجات الرفيعة ) بعضها ونشرت مجلة العرفان بعضها.
    13 ـ « سيرة والده الطاهر أبي احمد » ألفه سنة 379.
    14 ـ « معاني القرآن ». وهو كتابه الثالث في القرآن.
    15 ـ « الزيادات » في شعر ابن الحجاج المذكور.
    16 ـ « انشراح الصدر » في مختارات من الشعر.
    17 ـ « طيف الخيال ».
    18 ـ ديوان شعر يقع في مجلدين طبع في مصر ولبنان.
    19 ـ « خصائص الائمة » ـ خصائص امير المؤمنين عليه السلام ، وهو الكتاب الذي بين يديك.
    وقد ذكرت هذه الكتب في « رجال النجاشي » /283 و « روضات الجنات » 6/194. و « الغدير » 4/198. و « كشف الظنون » 1/523 ومصادر ترجمة الشريف الرضي.
    وفاة الشريف
    توفي الشريف الرضي بكرة يوم الاحد سادس المحرم سنة 406 ببغداد ، وعمره 47 سنة وولادته كانت سنة 359 ببغداد ، ودفن في دار بالكرخ بخط مسجد الانباريين (1) وحضره الوزير فخر الملك أبو غالب ، وجميع الاشراف والقضاة ، والشهود ، والاعيان ، وصلى عليه الوزير فخر الملك في الدار مع جماعة أمهم أبو عبد الله بن المهلوس العلوي ، ثم دخل الناس أفواجا فصلوا عليه ،
1 ـ ينسب إليهم لكثرة من سكنه منهم.

(33)
وركب فخر الملك في آخر النهار فعزى المرتضى والزمه إلى داره ففعل لانه من جزعه عليه لم يستطع النظر إلى تابوته ومضى إلى مشهد موسى بن جعفر عليه السلام (1).
    واستغرب العلامة النوري عدم صلاة الشيخ المفيد عليه ، وهو شيخ الطائفة وعلم الامة ، قال : إلا ان يكون ذاهبا إلى زيارة الحسين (ع) لانها أيام عاشوراء ، ثم نقل الشريف إلى كربلاء ودفن عند أبيه الطاهر ابي احمد ، نص عليه السيد الداودي في « عمدة الطالب » ص 200 ، والسيد علي خان في الدرجات الرفيعة بترجمة الرضي ، والشيخ الجليل الشيخ يوسف البحراني في « لؤلؤة البحرين ص 197 ، والسيد بحر العلوم في « رجاله » بترجمة السيد المرتضى قال : الظاهر أن قبر السيد علم الهدى ، وقبر أبيه وأخيه في المحل المعروف بابراهيم المجاب الذي هو جد المرتضى ، وابن الامام موسى بن جعفر عليه السلام ، وذكر العلامة الحجة المتتبع السيد حسن الصدر الكاظمي في رسالته « نزهة أهل الحرمين » حاكيا عن مشجرة النسابة العبيد جمال الدين أحمد بن المهنا ، أن قبر إبراهيم المجاب ، خلف قبر الحسين عليه السلام بستة اذرع.
    ويظهر من التاريخ ان قبره كان في القرون الوسطى مشهورا معروفا في الحائر الحسيني المقدس وهذا قريب إلى الاعتبار لان بنى ابراهيم المجاب قطنوا كربلاء وجاوروا الامام السبط عليه السلام فاتخذ بنوه تربته مدفنا لهم وكان من قطن منهم بغداد والبصرة ونقلوا إلى كربلاء بعد موتهم ، وكانت تولية تلك التربة المقدسة بيدهم وما كان يدفن فيها أي أحد إلا باجازة منهم (2)
1 ـ الغدير 4/210. المنتظم 7/283.
2 ـ مصادر ترجمة الشريف الرضي.


(34)
    ضياء الدين السيد فضل الله بن علي بن عبيد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي الفضل عبيد الله بن الحسن بن علي بن محمد بن محمد بن الحسن بن جعفر بن ابراهيم بن جعفر بن الحسن المثنى إبن الامام الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
    كان علامة زمانه ، وعميد أقرانه جمع إلى علو النسب كمال الفضل والحسب ، وكان استاذ أئمة عصره ، ورئيس علماء دهره ، وهو من أساتيذ ابن شهر اشوب ، والشيخ محمد بن الحسن الطوسي والد الخواجه نصير الدين الطوسي ، ومن تلاميذ الشيخ أبي علي ابن شيخ الطائفة الطوسي.
    روى عن الشيخ العلامة أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي. وأبي علي الحداد. والشيخ أبي جعفر النيسابوري. وأبي الفتح بن أبي الفضل الاخشيدي ، وخلق آخرين من الشيعة والسنة كما روى عنه أكثر أهل عصره ، وله تصانيف ووشروح في مختلف المواضيع والبحوث.
    قال أبو سعيد السمعاني الشافعي في كتابه ( الانساب ) : اني لما وصلت إلى كاشان قصدت زيارة السيد أبي الرضا ضياء الدين فلما انتهيت إلى داره ، وقفت على الباب هنيهة أنتظر خروجه فرأيت مكتوبا على طراز الباب هذه الآية المشعرة بطهارته وتقواه : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) فلما إجتمعت به رأيت منه فوق ما كنت أسمعه عنه ، وسمعت


(35)
منه جملة من الاحاديث ، وكتبت عنه مقاطيع من شعره ، ومن جملة أشعاره التي كتبها لي بخطه الشريف هذه الابيات :
هل لك يا مغرور من زاجر امس تقضى وغد لـم يجئ فذلك العـمر كـذا ينقضي أو حاجز عن جهلك الغـامر واليوم يمضي لمحة البـاصر ما أشبـه المـاضي بالغـابر
    ترجم له في :
    أعيان الشيعة 42/296. أمل الآمل 2/217. الانساب/ورقة 181. تنقيح المقال 2/13. الدرجات الرفيعة/506. روضات الجنات 5/365. تأسيس الشيعة/181. ريحانة الادب 4/9. فوائد الرضوية/354. الكنى والالقاب 2/435. مجالس المؤمنين 1/526. مستدرك الوسائل 3/493. منتهى المقال/242. هدية الاحباب/190. جامع الرواة 2/9. راهنماي دانشوران 1/373 هدية العارفين 1/821. الغدير 4/186. الثقات العيون/217. الذريعة 9 ق 2/352. رياض العلماء 4/364.


(36)
    كنت ـ حفظ الله عليك دينك ، وقوى في عليي ولاء العترة الطاهرة يقينك ـ سألتني أن أصنف لك كتابا يشتمل على خصائص أخبار الائمة « الاثنى عشر صلوات الله عليهم ، وبركاته ، وحنانه ، وتحياته » على ترتيب ايامهم وتدريج طبقاتهم ، ذاكرا أوقات مواليدهم ، ومدد أعمارهم ، وتواريخ وفاتهم ، ومواضع قبورهم ، وأسامي أمهاتهم ، ومختصرا من فضل زياراتهم ، ثم موردا طرفا من جوابات المسائل التي سئلوا عنها ، واستخرجت أقاويلهم فيها ، ولمعا من أسرار أحاديثهم ، وظواهر وبواطن أعلامهم ، ونبذا من الاحتجاج في النص عليهم ، وحقيقة البرهان في الاشارة إليهم ، موضحا من ذلك ما يزيد به الولي المخلص إخلاصا في موالاتهم ، وصفاء عقد في محبتهم ، ويصدع عن عين عدوهم العمى ، ويكشف عن قلبه الغمى ، حتى يستشف أنوارهم فيسعوا إليها ، ويستوضح أعلامهم فيتتبعها ، ويقتفيها سالكا في جميع ذلك طريق الاختصار ، ومائلا عن جانب الاكثار ، لان مناقب موالينا الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين ، لا تحصى بالعدد ، ولا تقف عند حد ، ولا يجري بها إلى أمد ، فإني أعتقد أن جميع أعداد هؤلاء الغرر الذين هم قواعد الاسلام ، ومصابيح الظلام ، والذين خفض الله الخلق عن منازلهم ، وقصر الالسن والايدي عن تناولهم ، وميز بين العالم وبينهم ، وأماط (1) العيب والعار عنهم ، بين مغموس القلب في الجهالة ،
1 ـ أماط : أذهب ، أزال.

(37)
ومطروف العين بالضلالة ، لا يفيق من سكرة الهوى ، فيتبين الطريقة المثلى ، وبين عالم بفضلهم ، خابر بطيب فرعهم ، وأصلهم ، يكتم معرفته معاندة ، ويغالط نفسه مكايدة ، ترجيبا (1) لغرس قد غرسه ، وتوطيدا لبناء قد أسسه ، وتنفيقا قد قامت له ، وائتجارا (2) لجماعة قد إلتفت عليه.
    وكل ذلك طلبا لحطام هذه الدنيا ، الوبيل مرتعها ، الممر مشربها ، المنغص نعيمها ، وسرورها ، المظلم ضياؤها ونورها ، الصائرة بأهلها إلى أخشن المصارع ، بعد ألين المضاجع ، والناقلة لهم إلى أفزع المنازل ، بعد أمن المعاقل ، على قرب من المعاد ، وعدم من الزاد ، ثم تتقلب بهم إلى حيث « تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا ، وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيداً » (3).
    فعاقني عن إجابتك ـ إلى ملتمسك ـ مالا يزال يعوق من نوائب الزمان ، ومعارضات الايام إلى ان أنهضني إلى ذلك اتفا اتفق لي فاستثار حميتي ، وقوى نيتي ، واستخرج نشاطي وقدح زنادي ، وذلك أن بعض الرؤساء ـ ممن غرضه القدح في صفاتي ، والغمز لقناتي ، والتغطية على مناقبي ، والدلالة على مثلبة ـ إن كانت لي ـ لقيني ، وأنا متوجه عشية عرفة من سنة ثلاث وثمانين هجرية ، إلى مشهد مولانا أبي الحسن موسى بن جعفر ، وأبي جعفر محمد بن علي بن موسى عليهما السلام ، للتعريف هناك ، فسألني عن متوجهي فذكرت له إلى أين مقصدي ، فقال لي : متى كان ذلك ؟ يعني ان جمهور الموسويين جارون على منهاج واحد في القول بالوقف ، والبرائة ممن قال بالقطع ، وهو عارف بان الامامة مذهبي ، وعليها عقدي ومعتقدي ، وإنما أراد التنكيت لي ، والطعن على ديني ، فأجبته في الحال بما إقتضاه كلامه ، واستدعاه خطابه ، وعدت وقد قوى عزمي ، على عمل هذا الكتاب إعلانا
1 ـ الترجيب : يدل على دعم شيء بشيء وتقويته. المقاييس 2/495.
2 ـ في الاصل : اتجرارا. وفي المطبوعة : استجرارا. والصواب ما اثبتناه.
3 ـ سورة آل عمران/30.


(38)
لمذهبي ، وكشفا عن مغيبي ، وردا على العدو الذي يتطلب عيبي ، ويروم ذمي وقصبي ، وأنا بعون الله مبتدئ بما ذكرته على الترتيب الذي شرطته ، والله المنقذ من الضلال ، والهادي إلى سبيل الرشاد. وهو تعالى حسبنا ونعم الوكيل ، نعم المولى ونعم النصير.


(39)
    ولد عليه السلام بمكة في البيت الحرام لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب ، بعد عام الفيل بثلاثين سنة ، وامه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف ، وهو اول هاشمي في الاسلام ، ولده هاشمي مرتين ولا نعلم مولود ولد في الكعبة غيره (1).
    وقبض عليه السلام قتيلا بالكوفة ، ليلة الجمعة لتسع ليال بقين من شهر رمضان ، سنة أربعين من الهجرة ، وله يومئذ ثلاث وستون سنة على الرواية الصحيحة ، وكان بقاؤه مع رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثا وثلاثين سنة ، وكونه بعده حجة الله في أرضه ثلاثين سنة ، ونقش خاتمه ـ وهو عقيق أحمر ـ الله الملك وعلي عبده ، ويقال : الملك لله (2).
    واختلف الناس في موضع قبره ، فقال قوم في رحبة القضاء ، وقال قوم : في دار الامارة ، وقال قوم : حمل إلى المدينة ، والصحيح الذي لا شك فيه ، ولا لبس عليه انه عليه السلام بالغري (3) من نجف الكوفة ، ومما يدل على ذلك أن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام ، زاره في هذا الموضع لما أشخصه المنصور إليه.
1 ـ الغدير 6/22 ـ ولادة علي عليه السلام في الكعبة ـ.
2 ـ مناقب ابن شهر اشوب 3/301.
3 ـ أعلام الورى/202. الارشاد/19. فرحة الغري في تعيين قبر امير المؤمنين عليه السلام في النجف.


(40)
    روي عن الصادق عليه السلام عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله إنه قال : من زار عليا بعد وفاته فله الجنة (1).
    وقال الصادق عليه السلام : إن أبواب السماء لتفتح عند دعاء الزائر لامير المؤمنين عليه السلام.
    وقال عليه السلام : من ترك زيارة امير المؤمنين عليه السلام لم ينظر الله تعالى إليه ، ألا تزورون من تزوره الملائكة والنبيون عليهم السلام ، إن امير المؤمنين عليه السلام أفضل من كل الائمة ، وله مثل ثواب أعمالهم ، وعلى قدر أعمالهم فضلوا (2).
1 ـ كامل الزيارات/38.
2 ـ المصدر السابق بسنده عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى العطار ، عن حمدان بن سليمان النيشابوري ، عن عبد الله بن محمد اليماني ، عن منيع بن الحجاج ، عن يونس عن أبي وهب البصري عن أبي عبد الله الصادق.


(41)
    مما يدل على ذلك أن الشيعة جماعة كثيرة لا يحصرهم العدد ، ولا يشتمل عليهم بلد ، وقد طبقوا البلدان ، وملؤا الاقطار ، وساروا شرقا وغربا وانتشروا برا وبحرا ، على اختلاف أوطانهم ، وتباعد ديارهم ، وتفاوت هممهم ، وأهوائهم ، وتباين أقاويلهم وآرائهم ، وانتفاء الاسباب الموجبة للشك ، والوقوف في خبرهم ، وفيهم مع ذلك عدد كثير ، وجم غفير ، من أهل بيت النبي عليه السلام ، وذريه وأصحابه ومواليه ، ينقلون نقلا متصلا متواترا ان النبي صلى الله عليه وآله ، قد إستخلف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، على امته بعد وفاته ، ونص عليه ، وفرض طاعته في أمر الدين كله ، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فعل ذلك ظاهرا مكشوفا ، فوجب قبول هذا الخبر علما ويقينا.
    فإن قال قائل : إنهم إنما كثروا الآن ، وان اولهم كان قليلا ، وسلفهم كان يسيرا مغمورا ، قيل له : ما الفضل بينك وبين من احتج عليك بمثله من الملحدين ، وسائر المخالفين ؟ فقال : إن آيات النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، لا تصح لان عدد المسلمين الناقلين لها كان قليلا في الاول ، وإنما كثر الآن فلا تجد بينهما فصلا.


(42)
    فمن ذلك ما رواه نقلة الآثار أن حسان بن ثابت الانصاري (1) إستأذن النبي عليه السلام ، يوم الغدير بعد فراغه من المقام أن يقول شعرا في ذلك ، فأذن له فأنشأ يقول :
ينـاديهم يوم الغدير نبيهم فقال : فمن مولاكم ووليكم اِلهك مولانـا ، وانت ولينا فقال له : قم يا علي فإنني فمـن كنت مولاه فهذا وليه هنـاك دعا اللهم وال وليه بخـم وأسمع بـالرسول مناديا فقالوا : ولم يبدوا هناك التعاديا ولم تر منـا في المقالة عاصيا رضيتك من بعدي إماما وهاديا فكونوا له أنصار صدق مواليا وكن للذي عـادى عليا معاديا
    فقال له النبي صلى الله عليه وآله : لا تزال يا حسان مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك (2).
    واتفق حملة الاخبار على نقل شعر قيس بن عبادة (3) وهو ينشده بين يدي
1 ـ ابو الوليد حسان بن ثابت بن المنذر المتوفى 54/55 عاش ستين سنة في الجاهلية وستين في الاسلام.
2 ـ الغدير 2/39 ـ 34.
3 ـ سيد الخزرج قيس بن سعد بن عبادة بن دليم الانصاري مات في آخر خلافة معاوية وقيل سنة 59/60.


(43)
أمير المؤمنين عليه السلام ، بعد رجوعه من البصرة في قصيدته التي أولها :
قلت لما بغـى العـدو علينـا حسـبنـا ربنـا الــذي فتح حسبنـا ربنـا ونـعم الوكيـل البصرة بالامس والحديث طويل
    إلى أن بلغ فيها إلى قوله :
وعـلي إمـامـا وإمــام يوم قال النبي من كنت مولاه إنمـا قاله النبي على الامة لسوانـا أتى بـه التنزيـل فهـذا مولاه خطب جـليل حتـم ما فيه قال وقيل (1)
    وهذان الشاعران (2) صحابيان شهدا بالامامة لامير المؤمنين عليه السلام شهادة من حضر هذا المشهد ، وعرف المصدر والمورد.
    ثم هذا الكميت بن زيد الاسدي (3) وهو غير مشكوك في فصاحته ، ومعرفته بالعربية يقول :
ويوم الدوح دوح غدير خم ولكن الرجال تـبايعوهـا أبـان له الولايـة لو اطيعا فلم أر مثلها خطرا منيعا (4)
    وهذا السيد بن محمد بن الحميري (5) وليس بدون في الفصاحة ، ولا بمتأخر في البلاغة يقول من قصيدة :
قالوا لـه لو شئت أعلمتنا فقـام في خم النبي الذي فقال مـأمورا وفـي كفه من كنـت مولاه فهذا له لى مـن الغايـة والـمفزعُ كان بمـا قيل لـه يصـدع كفـه علـي لهـم تلـمـع مولى فلم يرضوا ولم يقنعوا

1 ـ الغدير 2/67.
2 ـ حسان بن ثابت ، وقيس بن سعد بن عبادة.
3 ـ ابو المستهل الكميت بن زيد بن خنيس الاسدي المقتول 126 من كبار شعراء العربية ،
4 ـ ديوان الهاشميات/18.
5 ـ ابو هاشم اسماعيل بن محمد بن يزيد بن وداع الحميري الملقب بالسيد والمتوفي 173.


(44)
    وعلى ذكر هذه الابيات فإني مورد حديثا طريفا سمعته في معناه وهو متعلق بها ... حكي أن زيد (1) بن موسى بن جعفر بن محمد عليهم السلام ، رأى رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام كأنه جالس مع أمير المؤمنين عليه السلام ، في موضع عال شبيه بالمسناة ، وعليها مراق ، فإذا منشد ينشد قصيدة السيد بن محمد الحميري هذه ، واولها :
لام عمرو باللوى مربع طامسة أعلامه بلقع (2)

1 ـ هذه الحكاية عن زيد غير معروفة بين أهل الاثر ، والمعروف ما ذكره المجلسي في البحار باب مدائح الصادق عليه السلام المجلد 47/328 بما لفظه : وجدت في تأليفات بعض أصحابنا أنه روي بإسناده عن سهل بن ذبيان قال : دخلت على الامام علي بن موسى الرضا عليهم السلام في بعض الايام قبل أن يدخل أحد من الناس فقال لي : مرحبا بك يا ابن ذبيان ، الساعة أراد رسولنا أن يأتيك لتحضر عندنا.
    فقلت : لماذا يا ابن رسول الله ؟ فقال : لمنام رأيته البارحة وقد أزعجني وأقلقني ، فقلت : خيرا يكون إن شاء الله تعالى ، فقال يا ابن ذبيان : رأيت كأني نصب لي سلم فيه مائة مرقاة ، فصعدت إلى أعلاه : فقلت يا مولاي : اهنيك بطول العمر ، وربما تعيش مائة سنة لكل مرقاة سنة ، فقال عليه السلام : ما شاء الله كان. ثم قال : فلما صعدت رأيت كأني دخلت في قبة خضراء ، يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها ، ورأيت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالسا فيها ، وإلى يمينه وشماله غلامان حسنان ، يشرق النور من وجههما ، ورأيت إمراة بهية الخلقة ، وبين يديه شخصا بهي الخلقة جالسا عنده ، ورأيت رجلا واقفا وهو يقرأ : لام عمرو باللوى مربع .. فلما رآني النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : مرحبا بك يا ولدي يا علي بن موسى الرضا ، سلم على أبيك وأمك فاطمة ، وعلى أبويك الحسن ، والحسين عليهم السلام ، فسلمت ، قال : وسلم على شاعرنا ومادحنا السيد إسماعيل الحميري ، فسلمت وجلست ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : عد إلى ما كنا فيه ، فلما أنشده لام عمرو .. الخ بكى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولما قال : ووجهه كالشمس إذ تطلع ... بكى النبي ومن معه ، ولما بلغ إلى قوله : قالوا له لو شئت أعلمتنا .. قال : وأشار بيده إلى علي وقال : آلهي أنت الشاهد اني قد أعلمتهم أن الغاية والمفزع علي بن أبي طالب.
    ولما فرغ من القصيدة إلتفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلي ، وقال : يا علي بن موسى إحفظ هذه القصيدة ، ومر شيعتنا بحفظها ، واعلمهم أن من حفظها وأدمن قراءتها ضمنت له على الله الجنة ، قال الرضا عليه السلام : ولم يزل يكررها حتى حفظتها منه ، والقصيدة هذه ثم ذكرها برمتها.
    هذا المنام جاء بكامله في كتاب مجالس المؤمنين 2/502. منتهى المقال/142. تنقيح المقال 1/142. أعيان الشيعة 13/170. الغدير 2/222. أخبار السيد الحميري/35.
    2 ـ الغدير 2/219. اخبار السيد الحميري/31. الاغاني 7/240. وقد شرح هذه العينية جمع من اعلام الطائفة كما خمسها جمع من العلماء والادباء.


(45)
    حتى إنتهى إلى قوله :
قالوا له لو شئت أعلمتنا إلـى من الغـاية والمفزع
    قال : فنظر رسول الله إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليهما ، وتبسم ثم قال : أولم أعلمهم ؟ أولم أعلمهم ؟ أولم أعلمهم ؟ ثلاثا ، ثم قال لزيد : إنك تعيش بعدد كل مرقاة رقيتها سنة واحدة ، قال : فعددت المراقي فكانت نيفا وتسعين مرقاة ، فعاش زيد نيفا وتسعين سنة.
    وهو الملقب بزيد النار ، وانما سمي بذلك لانه لما غلب على البصرة أحرق نفرا من أهلها ، وأسواقا كثيرة منها (1).
    وما اشد إستحساني لجواب كان بعض المتقدمين من الشيعة يجيب به من سأله عن قعود أمير المؤمنين عليه السلام ، وتركه طلب الامر ، ودعاء الناس إلى نفسه ، وهو أنه كان يقول : أمير المؤمنين عليه السلام كان في هذا الامر فريضة ، من فرائض الله تعالى أداها نبي الله صلى الله عليه وآله إلى قومه ، مثل الصلاة ، والصوم ، والزكاة ، والحج ، وليس على الفرائض أن تدعوهم إلى أنفسها ، وتحثهم على طلبها ، وإنما عليهم أن يجيبوها ، ويسارعوا إليها ، وكان أمير المؤمنين عليه السلام في هذا الامر أعذر من هارون لان موسى عليه السلام لما ذهب إلى الميقات ، قال لهارون : « اخلفني في قومي واصلح ولا تتبع سبيل المفسدين » (2). (2). فجعله رقيبا عليهم وزعيما لهم ، وأن نبي الله تعالى صلى الله عليه وآله نصب عليا عليه السلام لهذه الامة علما ، ودعاهم إليه وحضهم عليه ، فعلي عليه السلام في عذر من لزوم بيته ، وإرخاء ستره ، والناس في حرج حتى يخرجوه من مكمنه ، ويستثيروه من مربضه ، ويضعوه في الموضع الذي وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه وآله.
1 ـ تنقيح المقال 1/471. مقاتل الطالبيين/534. جمهرة انساب العرب/64. الاعلام 3/102.
2 ـ سورة الاعراف/142.
خَصائِصُ الأئمَة عليهم السلام ::: فهرس