خَصائِصُ الأئمَة عليهم السلام ::: 46 ـ 60
(46)
    على الاختصار منها ، والاقتصار على بعضها ، فلو أني نشرت ما طويت منها لرماني الناس بيد واحدة عن قوس واحدة ، وكذلك أنا في أخبار سائر الائمة عليهم السلام.
    روي إن أمير المؤمنين عليا ـ عليه السلام ـ كان جالسا في المسجد إذ دخل عليه رجلان فاختصما إليه ، وكان أحدهما من الخوارج ، فتوجه الحكم إلى الخارجي فحكم عليه أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال له الخارجي : والله ما حكمت بالسوية ولا عدلت في القضية ، وما قضيتك عند الله تعالى بمرضية ، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام وأومأ إليه إخسأ عدو الله ، فاستحال كلبا أسود ، فقال من حضره : فوالله لقد رأينا ثيابه تطاير عنه في الهواء ، وجعل يبصبص لامير المؤمنين عليه السلام ، ودمعت عيناه في وجهه ، ورأينا أمير المؤمنين عليه السلام وقد رق فلحظ السماء ، وحرك شفتيه بكلام ، لم نسمعه فوالله لقد رأيناه وقد عاد إلى حال الانسانية ، وتراجعت ثيابه من الهواء ، حتى سقطت على كتفيه ، فرأيناه وقد خرج من المسجد ، وان رجليه لتضطربان.
    فبهتنا ننظر إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال لنا : ما لكم تنظرون وتعجبون ؟ فقلنا يا أمير المؤمنين : كيف لا نتعجب وقد صنعت ما صنعت.
    فقال : أما تعلمون أن آصف بن برخيا ، وصي سليمان بن داود عليهما السلام قد صنع ما هو قريب من هذا الامر فقص الله جل أسمه قصته حيث


(47)
يقول : ( أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين. قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوى ، أمين. قال الذي عنده علم من الكتاب أنا اتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك. فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ) إلى آخر الآية (1).
    فايما أكرم على الله نبيكم أم سليمان عليهما السلام ؟ فقالوا : بل نبينا عليه السلام أكرم يا أمير المؤمنين قال : فوصي نبيكم أكرم من وصي سليمان وإنما كان عند وصي سليمان عليهما السلام من إسم الله الاعظم حرف واحد ، فسأل الله جل إسمه فخسف له الارض ما بينه وبين سرير بلقيس فتناوله في أقل من طرف العين ، وعندنا من إسم الله الاعظم إثنان وسبعون حرفا ، وحرف عند الله تعالى إستأثر به دون خلقه. فقالوا له يا أمير المؤمنين : فإذا كان هذا عندك فما حاجتك إلى الانصار في قتال معاوية وغيره ، واستنفارك الناس إلى حربه ثانية ؟ فقال : ( بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ) (2) إنما أدعو هؤلاء القوم إلى قتاله لثبوت الحجة ، وكمال المحنة ، ولو أذن لي في إهلاكه لما تأخر ، لكن الله تعالى يمتحن خلقه بما شاء ، قالوا فنهضنا من حوله ونحن نعظم ما أتى به عليه السلام (3).
    الحميري عن أحمد بن محمد ، عن جعفر بن محمد بن عبيد الله ، عن عبد الله بن ميمون ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عن آبائه عليهم السلام ، قال مر أمير المؤمنين عليه السلام في ناس من أصحابه بكربلاء فلما مر بها إغرورقت عيناه بالبكاء ، ثم قال : هذا مناخ ركابهم ، وهذا ملقى رحالهم ، وهاهنا تهراق دماؤهم ، طوبى لك من تربة عليها تهراق دماء الاحبة (4).
1 ـ سورة النمل/39.
2 ـ سورة الانبياء/27.
3 ـ البحار 35/429 ـ 436. باب في أنه عليه السلام عنده علم الكتاب. سفينة البحار 1/23. تفسير الصافي 4/67.
4 ـ وقعة صفين/142.


(48)
    وباسناد عن الاصبغ بن نباته ، عن عبد الله بن عباس ، قال : كان رجل على عهد عمر بن الخطاب وله فلاء (1) بناحية اذربيجان قد إستصعبت عليه فمنعت جانبها ، فشكى إليه ما قدنا له وانه كان معاشه منها ، فقال له : إذهب فاستغث بالله عزوجل ، فقال الرجل : ما زال أدعوا وأبتهل إليه وكلما قربت منها حملت علي ، قال : فكتب له رقعة فيها من عمر أمير المؤمنين إلى مردة الجن والشياطين أن يذللوا هذه المواشي له ، قال : فأخذ الرجل الرقعة ومضى فاغتممت لذلك غما شديدا ، فلقيت أمير المؤمنين عليا عليه السلام فأخبرته بما كان ، فقال : والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة ليعودن بالخيبة ، فهدأ ما بي ، وطالت علي سنتي ، وجعلت أرقب كل من جاء من أهل الجبال ، فإذا أنا بالرجل قد وافي وفي جبهته شجة (2) تكاد اليد تدخل فيها ، فلما رأيته بادرت إليه فقلت له : ما وراءك ؟ فقال : اني صرت إلى الموضع ورميت بالرقعة فحمل علي عداد منها فهالني أمرها فلم تكن لي قوة بها ، فجلست فرمحتني احدها في وجهي فقلت : أللهم إكفنيها .. فكلها يشتد علي ، ويريد قتلي ، فانصرفت عني ، فسقطت فجاء أخ لي فحملني ، ولست أعقل ، فلم أزل أتعالج حتى صلحت ، وهذا الاثر في وجهي فجئت لاعلمه يعني عمر.
    فقلت له : صر إليه فاعلمه فلما صار إليه وعنده نفر فأخبره بما كان فزبره ، وقال له : كذبت لم تذهب بكتابي ، قال : فحلف الرجل بالله الذي لا إله الا هو ، وحق صاحب هذا القبر لقد فعل ما أمره به من حمل الكتاب. وأعلمه أنه قد ناله منها ما يرى ، قال : فزبره وأخرجه عنه. فمضيت معه إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فتبسم ثم قال : ألم أقل لك ؟ ثم أقبل على الرجل فقال له : إذا انصرفت فصر إلى الموضع الذي هي فيه وقل : اللهم أني أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة ، وأهل بيته الذين إخترتهم على علم على العالمين ، أللهم فذلل لي
1 ـ الفلا : المهر ، والفرس ـ وفي بعض الروايات : وله مواش.
2 ـ الشجة : وهي الكسر في الرأس خاصة.


(49)
صعوبتها ، وحزانتها ، واكفني شرها ، فانك الكافي ، المعافي ، والغالب القاهر.
    فانصرف الرجل راجعا ، فلما كان من قابل قدم الرجل ومعه جملة قد حملها من أثمانها إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فصار إليه وأنا معه ، فقال : تخبرني أو أخبرك ؟ فقال الرجل بل : تخبرني يا أمير المؤمنين ، قال : كأنك صرت إليها ، فجاءتك ، ولاذت بك خاضعة ذليلة ، فأخذت بنواصيها واحدا بعد آخر فقال الرجل : صدقت يا أمير المؤمنين ، كأنك كنت معي ، فهذا كان ، فتفضل بقبول ما جئتك به.
    فقال : امض راشدا بارك الله لك فيه. وبلغ الخبر عمر فغمه ذلك حتى تبين الغم في وجهه ، وانصرف الرجل وكان يحج كل سنة وقد أنمى الله ماله.
    قال ، وقال أمير المؤمنين عليه السلام : كل من إستصعب عليه شيء من ماله أو أهله أو ولد أو أمر فرعون من الفراعنة ، فليبتهل بهذا الدعاء فإنه يكفى مما يخاف إن شاء الله تعالى ، وبه القوة (1).
    وروي بإسناد أن أمير المؤمنين عليه السلام كان جالسا في مجلسه والناس مجتمعون عليه بالمدينة ، بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله ، حتى وافى رجل من العرب فسلم عليه ، وقال : أنا رجل لي على رسول الله صلى الله عليه وآله وعد ، وقد سألت عن قاضي دينه ، ومنجز وعده ، بعد وفاته فأرشدت إليك. فهل الامر كما قيل لي ؟ فقال أمير المؤمنين : نعم أنا منجز وعده ، وقاضي دينه من بعده ، فما الذي وعدك به ؟ قال : مائة ناقة حمراء ، وقال لي : إذا أنا قبضت فأت قاضي ديني ، وخليفتي من بعدي ، فانه يدفعها إليك وما كذب صلى الله عليه وآله. فإن يكن ما ادعيته حقا فعجل علي بها ـ ولم يكن النبي صلى الله عليه وآله خلفها ولا بعضها ـ فأطرق أمير المؤمنين عليه السلام مليا ، ثم قال يا حسن : قم فنهض إليه فقال له : إذهب فخذ قضيب رسول الله صلى الله عليه وآله الفلاني ، وصر إلى البقيع فأقرع به الصخرة الفلانية ثلاث قرعات ، وانظر ما يخرج منها
1 ـ مهج الدعوات/104.

(50)
فادفعه إلى هذا الرجل ، وقل له يكتم ما رأى.
    فصار الحسن ـ عليه السلام ـ إلى الموضع ، والقضيب معه ، ففعل ما أمره ، فطلع من الصخرة رأس ناقة بزمامها ، فجذبه الحسن ـ عليه السلام ـ فظهرت الناقة ، ثم ما زال يتبعها ناقة ثم ناقة حتى إنقطع القطار على مائة ، ثم إنضمت الصخرة فدفع النوق إلى الرجل ، وأمره بالكتمان لما رأى. فقال الاعرابي : صدق رسول الله صلى الله عليه وآله ، وصدق أبوك عليه السلام ، هو قاضي دينه ، ومنجز وعده ، والامام من بعده ، رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد (1).
    وروي أن أمير المؤمنين عليه السلام لما أقبل من صفين ، مر في زهاء سبعين رجلا بأرض ليس فيها ماء ، فقالوا له : يا أمير المؤمنين ليس هاهنا ماء ، ونحن نخاف العطش ، قالوا : فمررنا براهب في ذلك الموضع فسألناه هل بقربك ماء فقال : ما من ماء دون الفرات ، فقلنا يا أمير المؤمنين العطش وليس قربنا ماء ، فقال : إن الله تعالى سيسقيكم ، فقام يمشي حتى وقف في مكان ودعا بمساح ، وأمر بذلك المكان ، فكنس ، فأجلى عن صخرة ، فلما انجلى عنها ، قال : إقلبوها مرمناها بكل مرام فلم نستطعها فلما أعيتنا دنا منها فأخذ بجانبها فدحا (2) بها فكأنها كرة ، فرمى بها ، فانجلت عن ماء لم ير أشد بياضا ، ولا أصفى ، ولا أعذب منه ، فتنادى الناس الماء ، فاغترفوا ، وسقوا ، وشربوا ، وجملوا ، ثم أخذ عليه السلام الصخرة فردها مكانها ، ثم تحمل الناس فسار غير بعيد ، فقال : أيكم يعرف مكان هذه العين ؟ فقالوا : كلنا يعرف مكانها ، قال : فانطلقوا حتى تنظروا.
    فانطلق من شاء الله منا فدرنا حتى أعيينا فلم نقدر على شئ فأتينا الراهب
1 ـ حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لامير المؤمنين عليه السلام : أنت قاضي ديني ، ومنجز عدتي. مما أجمعت الائمة على صحته وتوثيقه وقد جاءت بأسانيد شتى صحيحة ، مسند أحمد بن حنبل 1/111 ، بسنده عن علي عليه السلام. الرياض النضرة 2/168. حلية الاولياء 10/211. كنز العمال 6/403. مجمع الزوائد 9/113 ، عن جابر بن عبد الله. فضائل الخمسة 3/57.
2 ـ دحا : دفع. رمى.


(51)
فقلنا له ويحك ألست زعمت أنه ليس قبلك ماء ، ولقد إستثرنا هاهنا ماء ، فشربنا واحتملنا ، قال : فوالله ما استثارها إلا نبي أو وصي نبي ، قلنا : فإن فينا وصي نبينا عليه السلام ، قال : فانطلقوا إليه فقولوا له : ماذا قال له النبي حين حضره الموت ؟ قال : فأتيناه فقلنا له إن هذا الراهب قال : كذا ، وكذا ، قال : فقولوا له إن خبرناك لتنزلن ولتسلمن ، فقلنا له فقال : نعم فأتينا أمير المؤمنين فقلنا قد حلف ليسلمن ، قال : فانطلقوا فاخبروه أن آخر ما قال النبي ، الصلاة ، الصلاة ، إن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ كان واضعا رأسه في حجري فلم يزل يقول : الصلاة ، الصلاة ، حتى قبض.
    قال فقلنا له ذلك فأسلم (1). وفي ذلك يقول السيد بن محمد الحميري من قصيدته البائية المعروفة بالمذهبة :
ولقد سـرى فيمـا يسيـر بليـلة في موكب حتى أتى متبتلا في قائم فـدنا فصـاح به فـأشرف ماثلا هل قرب قائمك الذي بـوأته (5) إلا بغـاية فرسـخين ومـن لنـا فثنى الاعنة نحو وعث (7) فاجتلى قال : إقلبوهـا إنـكم إن تفعـلوا بعد العشاء مغامرا (2) فـي موكب ألـقى قواعـده بـقاع مجـدب (3) كـالنسر فوق شظية من مرقب (4) ماء يصاب فقال : مـا من مشرب بالـماء بين نقـاوقي سبـسب (6) بيضاء تبـرق كالـلجين المـذهب تـرووا ولا تـروون إن لـم تقلب

1 ـ مجمع الزوائد 9/293 عن أبي رافع. الارشاد/176. أعلام الورى/176.
2 ـ في اكثر الروايات هكذا : ( بعد العشاء بكربلا في موكب ).
3 ـ المتبتل : الراهب. القائم : الصومعة. القاعدة : الاساس. الجدار. الجدب : ضد الخصب.
4 ـ الماثل : المنتصب ، وشبه الراهب بالنسر لطول عمره. والشظية : قطعة من الجبل. المرقب : المكان العالي.
5 ـ بوأ : أقام ، حل.
6 ـ النقى : قطعة من الرمل ، تنقاد محدوبة. والقى : الصحراء الواسعة. والسبسب القفرة.
7 ـ الوعث : الرمل الذي لا يسلك فيه.


(52)
فاعصو صبوا في قلعها فتمنعت حتـى إذا أعيتهـم أهـوى لها فكأنها كرة بـكف حـزور (2) فسقـاهم من تحتهـا متسلسـلا حتى إذا شربـوا جميعـا ردها ذاك ابن فاطمة الوصي ومن يقل منهم تمنع صعبة لم تركب (1) كفـو متى ترد المغـالب تغلب عبل الذراع دحـابها في ملعب عذبا يـزيد على الالذ الاعذب ومضى فخلت مكانها لم يقرب في فضله وفعـاله لا يكـذب
    يعني فاطمة بنت أسد امه رضي الله عنها. وفي هذه القصيدة يذكر رد الشمس على أمير المؤمنين عليه السلام ، وسيرد ذكره فيما بعد بمشية الله ، وذلك قوله :
ردت عليه الشمس لما فاته حتى تبلج نورها في وقتها وعليه قد حبست ببابل مرة إلا لاحمـد أولـه ولحبسها وقت الصلاة وقد دنت للمغرب للعصر ثم هوت هوي الكوكب اخرى وما حبست لخلق معرب ولردها تأويل أمر معجب (3)
    وحدث أبو نعيم الفضل بن دكين ، قال : حدثنا محمد بن سليمان الاصبهاني ، قال : حدثني يونس ، عن أم حكيم بنت عمرو (4) قالت : خرجت ، وأنا أشتهي أن أسمع كلام علي بن أبي طالب عليه السلام ، فدنوت منه وفي الناس رقة ، وهو يخطب على المنبر ، حتى سمعت كلامه ، فقال رجل : يا أمير المؤمنين إستغفر لخالد بن عرفطة ، فإنه قد مات بأرض تيماء (5) فلم يرد عليه ، فقال : الثانية
1 ـ إعصوصب إجتمع ، وتعاضد.
2 ـ الحزور : الغلام المترعرع.
3 ـ أعلام الورى/177. والقصيدة 112 بيتا شرحها السيد المرتضى علم الهدى وطبع بمصر عام 1313 وأول القصيدة قوله :
هلا وقفت على المكان المعشب بين الطويـلع فاللوى من كبكب
    4 ـ ام حكيم بنت عمرو بن سفيان الخولية ... كانت من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام. جامع الرواة 2/455. تنقيح المقال 3/70. رجال الطوسي/66.
5 ـ تيماء : بليد في أطراف الشام ، بين الشام ووادي القرى على طريق حاج الشام ودمشق.


(53)
فلم يرد عليه ، ثم قال : الثالثة ، فالتفت إليه فقال : أيها الناعي خالد بن عرفطة كذبت ، والله ما مات ، ولا يموت حتى يدخل من هذا الباب ، يحمل راية ضلالة ، قالت : فرأيت خالد بن عرفطة (1) يحمل راية معاوية حتى نزل نخيلة وأدخلها من باب الفيل (2).
    وبإسناد عن الاصبغ بن نباتة ، قال : كنت مع أمير المؤمنين عليه السلام بصفين فبايعه تسعة وتسعون رجلا ثم قال : أين تمام المائة ؟ فقد عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وآله إنه يبايعني في هذا اليوم مائة رجل ، فقال فجاء رجل عليه قباء صوف متقلد سيفين ، فقال : هلم يدك ابايعك فقال : على ما تبايعني ؟ قال : على بذل مهجة نفسي دونك ، قال : ومن أنت ؟ قال : اويس القرني فبايعه ، فلم يزل يقاتل بين يديه حتى قتل فوجد في الرجالة مقتولا (3).
1 ـ خالد بن عرفطة بن أبرهة بن سنان الليثي توفي بالكوفة سنة 60/61 إستخلفه سعد بن أبي وقاص على الكوفة من قبل معاوية. أسد الغابة 2/87. الاصابة 1/409. الاستيعاب 1/413.
2 ـ أعلام الورى/175 وفيه : وهذا الخبر مستفيض في أهل العلم بالآثار من أهل الكوفة.
3 ـ سفينة البحار 1/53. رجال الطوسي/35. اعلام الورى/170. تأسيس الشيعة/357. جامع الرواة 1/110.


(54)
    وبإسناد مرفوع إلى إبن ميثم التمار ، قال : سمعت أبي يقول : دعاني أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ يوما فقال لي يا ميثم كيف أنت إذا دعاك دعي بني امية عبيد الله بن زياد إلى البرائة مني ؟ قلت : إذا والله أصبر ، وذاك في الله قليل ، قال : يا ميثم إذا تكون معي في درجتي.
    وكان ميثم يمر بعريف (1) قومه فيقول : يا فلان كأني بك قد دعاك دعي بني امية وابن دعيها فيطلبني منك ، فتقول هو بمكة ، فيقول : لا أدري ما تقول ، ولا بدلك أن تأتي به. فتخرج إلى القادسية فتقيم بها أياما ، فإذا قدمت عليك ذهبت بي إليه حتى يقتلني على باب دار عمرو بن حريث (2) ، فإذا كان اليوم الثالث إبتدر من منخري دم عبيط.
    قال : وكان ميثم يمر في السبخة بنخلة فيضرب بيده عليها ، ويقول : يا نخلة ما غذيت إلا لي ، وكان يقول لعمرو بن حريث : إذا جاورتك فأحسن جواري ، فكان عمرو يرى أنه يشتري عنده دارا أو ضيعة له بجنب ضيعته فكان عمرو يقول : سأفعل ، فأرسل الطاغية عبيد الله بن زياد إلى غريف ميثم يطلبه منه فأخبره أنه بمكة فقال له : إن لم تأتني به لاقتلنك فأجله أجلا وخرج العريف إلى القادسية
1 ـ العريف : العالم بالشّئ. من يعرف أصحابه. القيم بأمر القوم.
2 ـ أبو سعيد عمرو بن حريث بن عمرو بن عثمان المخزومي القرشي مات بالكوفة سنة 85. ولي إمرة الكوفة لزياد ثم لابنه عبيد الله. الاصابة ت 5810. اسد الغابة 4/97. الكامل في التاريخ 2/249.


(55)
ينتظر ميثما ، فلما قدم ميثم أخذ بيده فأتى به عبيد الله بن زياد ، فلما أدخله عليه ، قال له : ميثم ، قال : نعم ، قال : إبرأ من أبي تراب. قال : لا أعرف أبا تراب قال : إبرأ من علي بن أبي طالب قال : فان لم أفعل ؟ قال : إذا والله أقتلك. قال : أما انه قد كان يقال لي إنك ستقتلني ، وتصلبني على باب عمرو بن حريث ، فإذا كان اليوم الثالث إبتدر من منخري دم عبيط.
    قال : فأمر بصلبه على باب عمرو بن حريث ، فقال للناس : سلوني ، سلوني ـ وهو مصلوب ـ قبل أن أموت ، فوالله لاحدثنكم ببعض ما يكون من الفتنء فلما سأله الناس وحدثهم أتاه رسول من إبن زياد ـ لعنه الله ـ فألجمه بلجام من شريط ، فهو أول من ألجم بلجام وهو مصلوب ، ثم أنفذ إليه من وجأ جوفه حتى مات فكانت هذه من دلائل أمير المؤمنين عليه السلام (1).
    وبإسناد عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عن أبيه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال : أوصاني رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال يا علي : إذا أنا مت فاغسلني من بئري مرتين بسبع قرب فإذا فرغت من مهادي فضع سمعك على فمي ، ثم اعقل ما أقول لك ، قال : ففعلت ما أمرني به صلى الله عليه وآله فحدثني بما هو كائن إلى يوم القيامة (2).
    وبإسناد أن أمير المؤمنين عليه السلام ، كان يقول : ما من رجل من قريش جرت عليه المواسي إلا وقد نزلت فيه آية أو إثنتان تقوده إلى الجنة ، أو تسوقه إلى نار ، وما من آية نزلت في بر أو بحر أو في سهل أو جبل إلا وقد عرفت حين نزلت ، فيم انزلت ، ولو ثنيت لي وسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الانجيل بإنجيلهم ، وبين أهل الزبور بزبورهم ، وبين أهل القرآن بقرآنهم (3).
1 ـ الارشاد/171. أعلام الورى/172. سفينة البحار 2/523. غزوات أمير المؤمنين (ع)/46.
2 ـ البحار 22/514. بصائر الدرجات/81. رسالة في تغسيل النبي صلى الله عليه وآله بسبع قرب للشيخ عبد الله بن الحاج صالح بن جمعة اسماهيجي المتوفى 1135 هـ.
3 ـ من الاحاديث الثابتة أن أمير المؤمنين عليه السلام أعلم الصحابة على الاطلاق. كنز العمال 1/228. طبقات ابن سعد 2 ق 2/101. تهذيب التهذيب 7/337. الغدير 3/95. كفاية الطالب/207 حلية الاولياء 1/67. الاستيعاب 2/463.


(56)
    روى محمد بن الحسين بن سعيد ، عن أحمد بن عبد الله ، عن الحسين ابن المختار ، عن أبي بصير عن عبد الواحد ابن المختار الانصاري ، عن أبي المقدام الثقفي ، قال لي جويرية بن مسهر (1) : قطعنا مع أمير المؤمنين عليه السلام جسر الصراة (2) ، في وقت العصر ، فقال : إن هذه أرض معذبة لا ينبغي لنبي ولا وصي أن يصلي فيها ، فمن أراد منكم أن يصلي فليصل ، قال : فتفرق الناس يصلون يمنة ويسرة ، وقلت أنا لاقلدن هذا الرجل ديني ، ولا اصلي حتى يصلي.
    قال : فسرنا وجعلت الشمس تستقل ، قال : وجعل يدخلني من ذلك أمر عظيم ، حتى وجبت الشمس وقطعت الارض. قال ، فقال يا جويرية : أذن فقلت تقول لي أذن وقد غابت الشمس ؟ قال : فأذنت ، ثم قال لي : أقم فأقمت ، فلما قلت : قد قامت الصلاة ، رأيت شفتيه تتحركان ، وسمعت كلاما كأنه كلام العبرانية ، قال : فرجعت الشمس حتى صارت في مثل وقتها في العصر ، فصلى فلما انصرف هوت إلى مكانها واشتبكت النجوم (3).
1 ـ جويرية بن مسهر العبدي الكوفي ... من أصحاب علي عليه السلام ، وكان الامام يحبه حبا شديدا قال له يوما : يا جويرية ليقتلنك العتل الزنيم ، وليقطعن يدك ورجلك ثم إنه ليصلبنك ، ثم مضى دهر حتى ولي زياد بن أبيه في أيام معاوية فقطع يده ورجله ثم صلبه.
تنقيح المقال 1/238. رجال الطوسي/37. رجال إبن داود/67. أعيان الشيعة 17/195.
2 ـ معجم البلدان 3/399.
3 ـ تنقيح المقال 1/239.


(57)
    وفي حديث آخر :
    عن جويرية بن مسهرا أنه قال : فلما إنقضت صلاتنا سمعت الشمس وهي تنحط ولها صرير كصرير رحى البزر ، حتى غابت وأنارت النجوم ، قال : فقلت : أنا أشهد أنك وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال يا جويرية : أما سمعت الله يقول : ( فسبح باسم ربك العظيم ) ؟ فقلت بلى ، فقال : اني سألت ربي باسمه العظيم ، فردها علي (1).
    حدثني أبو محمد ، هارون بن موسى بن أحمد المعروف بالتلعكبري ، قال : حدثنا أبو الحسن ، محمد بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن عيسى بن المنصور ، قال : حدثنا أبو موسى ، عيسى بن أحمد بن عيسى بن المنصور ، قال : حدثني أبو محمد ، الحسن بن علي ، عن أبيه علي بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن موسى ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن إبيه الحسين بن علي ، عليهم السلام والصلاة ، قال : حدثني قنبر مولى علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال : كنت مع أمير المؤمنين عليه السلام على شاطئ الفرات ، فنزع قميصه ، ونزل إلى الماء فجاءت موجة ، فأخذت القميص. فخرج أمير المؤمنين عليه السلام فلم يجد القميص فاغتم لذلك ، فإذا بهاتف يهتف ، يا أبا الحسن انظر عن يمينك وخذ ما ترى ، فإذا منديل عن يمينه ، وفيه قميص مطوي ، فأخذه ولبسه فسقط من جيبه رقعة فيها مكتوب :
     بسم الله الرحمن الرحيم ، هدية من الله العزيز الحكيم إلى علي بن أبي طالب ، هذا قميص هارون بن عمران ، كذلك وأورثناها قوما آخرين (2).
1 ـ جامع الرواة 1/169. سفينة البحار 1/57.
وحديث رد الشمس لامير المؤمنين عليه السلام من القضايا الثابتة أخرجه جمع من الحفاظ الاثبات بأسانيد جمة صحح جمع من مهرة الفن بعضها ، وحكم آخرون بحسن آخر ، وشدد جمع منهم النكير على من غمز فيه وضعفه ، وأفردها بالتأليف وجمعوا فيه طرقها وأسانيدها. الغدير 3/141 ـ 126.
2 ـ البحار 42/122 الطبعة الجديدة. تنقيح المقال 2/29 ـ باب القاف. جامع الرواة 2/24.


(58)
    وبإسناد مرفوع إلى عمرو بن المنهال ، قال : بينا نحن ذات يوم جلوسا مع أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ في رحبة القصر ، إذ زلزلت الارض فضربها أمير المؤمنين بيده وقال لها : ما لك فوالله لو كنت هي لانبأتني أخبارك ، وإني الذى تحدثه الارض بأخبارها أو رجل مني (1).
     وبإسناد مرفوع إلى الاصبغ بن نباتة ، قال : جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال يا أمير المؤمنين قد زاد الفرات ، والساعة نغرق ، قال : لن تغرقوا ، ثم جاءه آخر فقال يا أمير المؤمنين : قد فاض الفرات والساعة نغرق ، فقال : لن تغرقوا ، ثم دعا ببغلة رسول الله صلى الله عليه وآله فركبها وأخذ بيده قضيبا ثم سار حتى إنتهى إلى شاطي الفرات ، فنزل فضرب الفرات ضربة فنقص خمسة اذرع ، وقال. بعضهم : عشرة أشبار (2).
    فقال الاصبغ سمعت عليا عليه السلام يومئذ يقول : لو ضربت الفرات ضربة ومشيت ما بقي فيه قطرة.
     وبإسناد مرفوع قال ، قال إبن الكواء لامير المؤمنين : أين كنت حيث ذكر الله تعالى نبيه وأبا بكر فقال : ( ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ) (3) ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ويلك يا ابن الكواء كنت على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد طرح علي ريطته (4) فأقبلت قريش مع كل رجل منهم هراوة فيها شوكها ، فلم يبصروا رسول الله حيث خرج ، فأقبلوا علي يضربونني بما في أيديهم حتى تنفط (5) جسدي وصار مثل البيض ، ثم انطلقوا بي يريدون قتلي ، فقال بعضهم : لا تقتلوه الليلة ولكن أخروه واطلبوا
1 ـ سفينة البحار 1/555 وفيه : أنها كانت على عهد أبي بكر.
2 ـ الارشاد 1/348 ألباب الثالث فصل 77 وفيه : رواه نقلة الآثار واشتهر في أهل الكوفة لاستفاضته بينهم.
3 ـ سورة التوبة/40.
4 ـ الريطة : كل ثوب يشبه الملحفة.
5 ـ تنفط الجسم. قرح أو تجمع فيه بين الجلد واللحم ماء بسبب العمل.


(59)
محمدا ، قال : فأوثقوني بالحديد وجعلوني في بيت واستوثقوا مني ، ومن الباب بقفل فبينا أنا كذلك إذ سمعت صوتا من جانب البيت يقول : يا علي فسكن الوجع الذي كنت أجده ، وذهب الورم الذي كان في جسدي ، ثم سمعت صوتا آخر يقول : يا علي فإذا الحديد الذي في رجلي قد تقطع ، ثم سمعت صوتا آخر يقول : يا علي ، فإذا الباب قد تساقط ما عليه ، وفتح فقمت وخرجت ، وقد كانوا جاؤا بعجوز كمهاء (1) لا تبصر ولا تنام تحرس الباب فخرجت عليها فإذا هي لا تعقل من النوم (2).
    وبإسناد عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله ، جعفر بن محمد عليه السلام ، قال : لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خاصم أمير المؤمنين عليه السلام بعض الصحابة في حق له ذهب به ، وجرى بينهما فيه كلام فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : بمن ترضى ليكون بيني وبينك حكما ؟ قال : إختر. قال : أترضى برسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبينك ؟ قال : وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد دفناه ؟ قال : ألست تعرفه إن رأيته ؟ قال : نعم. فانطلق به إلى مسجد قباء فإذا هما برسول الله صلى الله عليه وآله ، فاختصما إليه فقضى لامير المؤمنين عليه السلام ، فرجع الرجل مصفرا لونه ، فلقى بعض أصحابه وقال : مالك ؟ فأخبره الخبر ، فقال : أما عرفت سحر بني هاشم (3).
1 ـ كمه : عمى أو صار أعشى ، وبصره إعترته ظلمة.
2 ـ البحار 36/43. الارشاد ومبيت علي عليه السلام على فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، من القضايا الثابتة المتسالم عليها لدى الفريقين. اسد الغابة 4/25. نور الابصار/77. كنوز الحقائق/31. مستدرك الصحيحين 3/4. مسند أحمد 1/348. مجمع الزوائد 9/119. فضائل الخمسة 2/345.
3 ـ سفينة البحار 1/605.


(60)
    وبإسناد مرفوع إلى جندب بن عبد الله البجلي ، قال : دخلني يوم النهروان شك ، فاعتزلت ، وذلك أني رأيت القوم أصحاب البرانس ، وراياتهم المصاحف حتى هممت أن أتحول إليهم فبينا أنا مقيم متحير إذ أقبل أمير المؤمنين عليه السلام ، حتى جلس إلي ، فبينا نحن كذلك إذ جاء فارس يركض فقال يا أمير المؤمنين : ما يقعدك وقد عبر القوم ؟ قال : أنت رأيتهم ؟ قال : نعم. قال : والله ما عبروا ولا يعبرون أبدا فقلت في نفسي : ألله أكبر كفى بالمرء شاهدا على نفسه ، والله لئن كانوا عبروا لاقاتلنه قتالا لا ألوى فيه جهدا ، ولئن لم يعبروا لاقاتلن أهل النهروان قتالا يعلم الله به أني غضبت له. ثم لم ألبث أن جاء فارس آخر يركض ويلمع بسوطه ، فلما إنتهى إليه قال : يا أمير المؤمنين ، ما جئت حتى عبروا كلهم ، وهذه نواصي خيلهم قد أقبلت. فقال أمير المؤمنين عليه السلام : صدق الله ورسوله ، وكذبت ما عبروا ولن يعبروا ، ثم نادى في الخيل فركبوا وركب أصحابه وسار نحوهم. وسرت ويدي على قائم سيفي ، وأنا أقول : أول ما أرى فارسا قد طلع منهم أعلو عليا بالسيف للذي دخلني من الغيظ عليه.
    فلما انتهى إلى النهر إذا القوم كلهم وراء النهر لم يعبر منهم أحد ، فالتفت إلي ثم وضع يده على صدري ، ثم قال : يا جندب أشككت ؟ كيف رأيت ؟ قلت يا أمير المؤمنين : أعوذ بالله من الشك ، وأعوذ بالله من سخط الله ، وسخط رسوله ، و سخط أمير المؤمنين ، قال : يا جندب ما أعمل إلا بعلم الله وعلم رسوله ، فأصابت
خَصائِصُ الأئمَة عليهم السلام ::: فهرس