الى

الخامس والعشرون من المحرّم ذكرى شهادة سيّد الساجدين الإمام زين العابدين (عليه السلام)

تمرّ علينا اليوم (25 محرّم الحرام) ذكرى استشهاد رابع أئمّة أهل البيت، الإمام زين العابدين علي بن الحسين السجّاد(عليه السلام)، حين دسّ إليه الخليفةُ الأمويّ الوليد بن عبد الملك السمَّ عام 95هـ.

كان الإمامُ يتمتّع بشعبيّةٍ هائلة، فقد تحدّث الناسُ عن علمه وفقهه وعبادته، وعجّت الأنديّةُ بالتحدّث عن صبره وسائر مَلَكاته، وقد احتلّ قلوبَ الناس وعواطفهم فكان السعيدُ مَنْ يحظى برؤيته، والأسعدُ مَنْ يتشرّف بمقابلته والاستماع إلى حديثه، وقد شقّ ذلك على الأمويّين وأقضّ مضاجعهم، فكان من أعظم الحاقدين عليه الوليدُ بنُ عبد الملك.

فقد روى الزهريّ أنّه قال: لا راحة لي وعليّ بن الحسين موجودٌ في دار الدنيا، وأجمع رأي هذا الخبيث الدنس على اغتيال الإمام حينما آلَ إليه المُلكُ والسلطان، فبعث سمّاً قاتلاً إلى عامله على يثرب وأمرَه أن يدسَّه للإمام،‏ ونفّذ عاملُه ذلك وقد تفاعل السمّ في بدن الإمام، فأخذ يُعاني أشدّ الآلام وأقساها، وبقي حفنةً من الأيّام على فراش المرض يبثّ شكواه إلى اللّه تعالى، ويدعو لنفسه بالمغفرة والرضوان، وقد تزاحم الناسُ على عيادته وهو (عليه السلام) يحمد اللّه ويُثني عليه أحسن الثناء، على ما رزقه من الشهادة على يد شرّ البريّة.


وبعد أن فاضت روحُه الطاهرة جهّزَ الإمامُ أبو جعفر الباقر جثمان أبيه فغسّل جسده الطاهر، وقد رأى الناسُ مواضعَ سجودِه كأنّها مَبَارِكُ الإبل من كثرة سجوده للّه تعالى، ونظروا إلى عاتقه كأنّه مَبارِكُ الإبل فسألوا الباقر عن ذلك فقال: إنّه من أَثَر الجراب الذي كان يحمله على عاتقه، ويضع فيه الطعام ويوزّعه على الفقراء والمحرومين‏ ليلاً، وبعد الفراغ من غسله أدرَجَه في أكفانه وصلّى عليه الصلاةَ المكتوبة.

أُجرِي للإمام تشييعٌ حافلٌ لم تشهد يثربُ له نظيراً، فقد شيّعه البرّ والفاجر والتفّت الجماهيرُ حول النعش العظيم، والِهِين جازِعِين في بكاءٍ وخشوعٍ وإحساسٍ عميقٍ بالخسارة الكبرى، فقد فقدوا بموته الخير الكثير وفقدوا تلك الروحانيّة التي لم يُخلَقْ لها مثيل، لقد انعقدت الألسنُ وطاشت العقولُ بموت الإمام، فازدحم أهالي يثرب على الجثمان المقدّس.

وجي‏ء بالجثمان الطاهر وسط هالةٍ من التكبير والتحميد إلى بقيع الغرقد، فحفروا له قبراً بجوار قبر عمّه الزكيّ الإمام الحسن سيّد شباب أهل الجنة وريحانة رسول اللّه(صلّى الله عليه وآله)، وأنزل الإمامُ الباقر(عليه السلام) جثمان أبيه فواراه في مقرّه الأخير، وقد وارى معه العلمَ والبِرَّ والتقوى ووارى معه روحانيّة الأنبياء والمتّقين.

لتُختتَمَ حياةُ الإمام زين العابدين(عليه السلام) التي قضى معظمها صائماً نهاره قائماً ليله، وفي نفس الوقت كانت تلاحقه ذكرياتُ كربلاء وما جرى على أبيه وعلى آل البيت من النكبات والخطوب، وكان كلّما نظر إلى عمّاته وأخواته تذكّر فرارهنّ يوم الطفّ من خيمةٍ إلى خيمة، ومنادي القوم ينادي: أحرقوا بيوت الظالمين، فيحزن أشدّ الحزن وأقساه، ومن الطبيعيّ أنّ لذلك أثراً وضعيّاً على صحّته التي أذابتها وأذبلتها هذه المآسي.
تعليقات القراء
لايوجد تعليقات لعرضها
إضافة تعليق
الإسم:
الدولة:
البريد الإلكتروني:
إضافة تعليق ..: