المكاسب ـ جلد الثاني ::: 41 ـ 50
(41)
[ المسألة ] العشرون
    [ حرمة اللّهو ]
    اللهو حرام ، على ما يظهر من المبسوط (1) والسرائر (2) والمعتبر (3) والقواعد (4) والذكرى (5) والجعفرية (6) وغيرها ، حيث عللوا لزوم الإتمام في سفر الصيد بكونه محرما من حيث اللهو.

    [ كلمات الفقهاء في حرمة اللّهو ]
    قال في المبسوط : السفر على أربعة أقسام ـ وذكر الواجب والندب ، والمباح ـ ، ثم قال : الرابع سفر المعصية ، وعد من أمثلتها من طلب الصيد للهو والبطر (7) ، ونحوه بعينه عبارة السرائر (8).
    وقال في المعتبر : قال علماؤنا : اللاهي بسفره كالمتنزه بصيده بطرا ،
1 ـ المبسوط 1 : 136.
2 ـ السرائر 1 : 327.
3 ـ المعتبر 2 : 471.
4 ـ القواعد ( الطبعة الجديدة ) 1 : 325.
5 ـ الذكرى : 258.
6 ـ الرسالة الجعفرية ( رسائل المحقق الكركي ) 1 : 123.
7 و 8 ـ تقدم التخريج عنهما.


(42)
لا يترخص ، لنا أن اللهو حرام فالسفر له معصية (1) ، انتهى.
    وقال في القواعد : الخامس من شروط القصر : إباحة السفر ، فلا يرخص العاصي بسفره كتابع الجائر والمتصيد لهوا (2) ، انتهى.
    وقال في المختلف في كتاب المتاجر : حرم الحلبي الرمي عن (3) قوس الجلاهق (4) ، قال : وهذا الاطلاق ليس بجيد ، بل ينبغي تقييده باللهو والبطر (5).
    وقد صرح الحلي ـ في مسألة اللعب بالحمام بغير رهان ـ بحرمته ، وقال : إن اللعب بجميع الأشياء قبيح (6). ورده بعض : بمنع حرمة مطلق اللعب (7).
    وانتصر في الرياض للحلي بأن ما دل على قبح اللعب ، وورد بذمه من الآيات والروايات ، أظهر من أن يخفى ، فإذا ثبت القبح (8) ثبت النهي ، ثم قال : ولولا شذوذه بحيث كاد أن يكون مخالفا للإجماع لكان المصير إلى قوله ليس بذلك البعيد (9) ، انتهى.
    ولا يبعد أن يكون القول بجواز خصوص هذا اللعب ، وشذوذ
1 و 2 ـ تقدم التخريج عنهما.
3 ـ كذا في ( ف ) والمصدر ، وفي سائر النسخ : من.
4 ـ راجع الكافي في الفقه : 282.
5 ـ المختلف 5 : 18.
6 ـ السرائر 2 : 124.
7 ـ راجع المسالك ( الطبعة الحجرية ) 2 : 323 ، والمستند 2 : 636.
8 ـ في ( ش ) والمصدر : القبح والذم.
9 ـ الرياض 2 : 430.


(43)
القول بحرمته مع دعوى كثرة الروايات ، بل الآيات على حرمة مطلق اللهو ، لأجل النص على الجواز فيه في قوله عليه السلام : ( لا بأس بشهادة من يلعب بالحمام ) (1).
    واستدل في الرياض أيضا ـ تبعا للمهذب (2) ـ على حرمة المسابقة بغير المنصوص على (3) جوازه بغير عوض ، بما دل على تحريم اللهو واللعب ، قال : لكونها منه بلا تأمل (4) ، انتهى.
    والأخبار الظاهرة في حرمة اللهو كثيرة جدا.

    [ الأخبار الدالّة على حرمة اللّهو ]
    منها : ما تقدم من قوله (5) في رواية تحف العقول : ( وما يكون منه وفيه الفساد محضا ، ولا يكون منه ولا فيه (6) شيء من وجوه الصلاح ، فحرام تعليمه وتعلمه والعمل به وأخذ الاجرة عليه ) (7).
    ومنها : ما تقدم من رواية الأعمش ، حيث عد في الكبائر الاشتغال بالملاهي التي تصد عن ذكر الله كالغناء وضرب الأوتار (8) ،
1 ـ الوسائل 13 : 349 ، الباب 3 من أبواب السبق ، الحديث 3.
2 ـ لم يتعرض القاضي للاستدلال في المهذب ، نعم تعرض له الحلي في المهذب البارع 3 : 82.
3 ـ في ( ن ) بدل ( على ) : ( وعدم ).
4 ـ الرياض 2 : 41.
5 ـ لم ترد ( من قوله ) في ( ف ).
6 ـ كذا في ( ش ) ، وفي ( م ) : وفي ، وفي غيرهما : وفيه.
7 ـ تحف العقول : 335 ـ 336 ، وراجع المكاسب 1 : 11.
8 ـ الوسائل 11 : 262 ، الباب 46 من أبواب جهاد النفس ، الحديث 36 ، وراجع المكاسب 1 : 290.


(44)
فإن الملاهي جمع ( الملهى ) مصدرا ، أو ( الملهي ) (1) وصفا ، لا ( الملهاة ) آلة ، لأنه لا يناسب التمثيل بالغناء.
    ونحوها ـ في عد الاشتغال بالملاهي من الكبائر ـ رواية العيون الواردة في الكبائر (2) ، وهي حسنة كالصحيحة بل صحيحة.
    ومنها : ما تقدم في روايات القمار في قوله عليه السلام : ( كل ما ألهى عن ذكر الله فهو الميسر ) (3).
    ومنها : قوله عليه السلام في جواب من خرج في السفر يطلب (4) الصيد بالبزاة والصقور : ( إنما خرج في لهو ، لا يقصر ) (5).
    ومنها : ما تقدم في رواية الغناء في حديث الرضا عليه السلام في جواب من سأله عن السماع ، فقال (6) : ( إن لأهل الحجاز فيه رأيا وهو في حيز اللهو ) (7).
1 ـ في ( خ ) و ( ع ) : والملهى. ووردت العبارة في ( ف ) هكذا : جمع ( الملهى ) مصدرا ، أو ( الملهى ) و ( الملهى ) وصفا.
2 ـ عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 127 ، ذيل الحديث الأول ، والوسائل 11 : 261 ، الباب 46 من أبواب جهاد النفس ، الحديث 33.
3 ـ الوسائل 12 : 235 ، الباب 100 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 15 ، وراجع المكاسب 1 : 373.
4 ـ في ( ف ) و ( ن ) : لطلب.
5 ـ الوسائل 5 : 511 ، الباب 9 من أبواب صلاة المسافر ، الحديث الأول.
6 ـ في ما عدا ( ف ) زيادة : قال.
7 ـ الوسائل 12 : 229 ، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 19 ، وراجع المكاسب 1 : 289.


(45)
    وقوله عليه السلام ـ في رد من زعم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رخص في أن يقال : جئناكم جئناكم (1) ... الخ ـ : ( كذبوا ، إن الله يقول : ( لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا ... ) إلى آخر الآيتين ) (2).
    ومنها : ما دل على أن اللهو من الباطل (3) بضميمة ما يظهر منه حرمة الباطل ، كما تقدم في روايات الغناء (4).
    ففي بعض الروايات : ( كل لهو المؤمن من الباطل (5) ما خلا ثلاثة : المسابقة ، وملاعبة الرجل أهله ... الخ ) (6).
    وفي رواية علي بن جعفر عليه السلام ، عن أخيه ، قال : ( سألته عن اللعب بالأربعة عشر وشبهها ، قال : لا نستحب (7) شيئا من اللعب غير الرهان والرمي ) (8).
1 ـ في ( خ ) ، ( م ) ، ( ع ) و ( ص ) : حياكم حياكم.
2 ـ الوسائل 12 : 228 ، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 15 ، وتقدم في المكاسب 1 : 288 ، والآيتان من سورة الأنبياء : 17 ـ 18.
3 ـ كرواية عبد الأعلى وغيرها المؤمى إليها في أول البحث عن الغناء ، راجع المكاسب 1 : 288 ـ 290.
4 ـ راجع المكاسب 1 : 288 ـ 289.
5 ـ في ( ف ) و ( خ ) ونسخة بدل ( ع ) و ( ش ) : باطل.
6 ـ الوسائل 13 : 347 ، الباب الأول من أبواب السبق ، الحديث 5 ، وفيه : كل لهو المؤمن باطل إلا في ثلاث : في تأديبه الفرس ، ورميه عن قوسه ، وملاعبته امرأته.
7 ـ في ( ف ) و ( ص ) : لا تستحب.
8 ـ مسائل علي بن جعفر : 162 ، الحديث 252 ، والوسائل 12 : 235 ، الباب 100 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 14 ، وتقدم في المكاسب 1 : 383.


(46)
    إلى غير ذلك مما يقف عليه المتتبع.
    ويؤيده أن حرمة اللعب بآلات اللهو الظاهر أنه من حيث اللهو ، لا من حيث خصوص الآلة.
    ففي رواية سماعة : ( قال أبو عبد الله عليه السلام : لما مات آدم شمت به إبليس وقابيل ، فاجتمعا في الأرض فجعل إبليس وقابيل المعازف والملاهي شماتة بآدم على نبينا وآله وعليه السلام ، فكل ما كان في الأرض من هذا الضرب الذي يتلذذ به الناس فإنما هو من ذلك (1) ) (2) فإن فيه إشارة إلى أن المناط هو مطلق التلهي والتلذذ.
    ويؤيده ما تقدم (3) من أن المشهور حرمة المسابقة على ما عدا المنصوص بغير عوض ، فإن الظاهر أنه لا وجه له عدا كونه لهوا وإن لم يصرحوا بذلك عدا القليل منهم ، كما تقدم (4).
    نعم ، صرح العلامة في التذكرة بحرمة المسابقة على جميع الملاعب كما تقدم نقل كلامه في مسألة القمار (5).
1 ـ في ( خ ) ، ( م ) ، ( ع ) و ( ص ) بدل ( فإنما هو من ذلك ) ما يلي : ( من الزفن والمزمار والكوبات والكبرات ) ، وفي هامش ( ن ) بعد كلمة ( الكبرات ) : فإنما هو من ذلك ـ صح ، والظاهر أن ما ورد في هذه النسخ مأخوذ من رواية اخرى وردت ذيل هذا الحديث في الوسائل.
2 ـ الوسائل 12 : 233 ، الباب 100 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 5.
3 ـ راجع المكاسب 1 : 380.
4 ـ راجع المكاسب 1 : 383.
5 ـ التذكرة 2 : 354 ، وراجع المكاسب 1 : 381.


(47)
    [ معاني اللّهو وتعيين المحرّم منها ]
    هذا ، ولكن الإشكال في معنى اللهو ، فإنه إن اريد به مطلق اللعب كما يظهر من الصحاح (1) والقاموس (2) ، فالظاهر أن القول بحرمته شاذ مخالف للمشهور والسيرة ، فإن اللعب هي (3) الحركة لا لغرض عقلائي (4) ، و (5) لا خلاف ظاهرا في عدم حرمته على الاطلاق.
    نعم ، لو خص اللهو بما يكون عن (6) بطر ـ وفسر بشدة الفرح ـ كان الأقوى تحريمه ، ويدخل في ذلك الرقص والتصفيق ، والضرب بالطشت بدل الدف ، وكل ما يفيد فائدة آلات اللهو.
    ولو جعل مطلق الحركات التي لا يتعلق بها غرض عقلائي (7) مع انبعاثها عن القوى الشهوية ، ففي حرمته تردد.
    واعلم أن هنا عنوانين آخرين : ( اللعب ) و ( اللغو ).

    [ معنى اللّعب وبيان حكمه ]
    أما اللعب ، فقد عرفت أن ظاهر بعض ترادفهما (8) ، ولكن مقتضى (9)
1 ـ صحاح اللغة 6 : 2487 ، مادة : ( لها ).
2 ـ القاموس المحيط 4 : 388 ، مادة : ( لها ).
3 ـ في غير ( ش ) : وهي.
4 ـ في ( خ ) ، ( م ) ، ( ع ) و ( ص ) : عقلاني ، وفي ( ف ) ، ( ن ) ، ( خ ) ، ( م ) و ( ع ) زيادة : لعب.
5 ـ ( الواو ) مشطوب عليها في ( ص ).
6 ـ في غير ( ف ) : من.
7 ـ في ( خ ) ، ( م ) ، ( ع ) ، و ( ص ) : عقلاني.
8 ـ كما تقدم عن الصحاح والقاموس.
9 ـ في ( خ ) : يقتضي ، وفي ( ن ) ، ( م ) ، ( ع ) و ( ص ) : يقضي.


(48)
تعاطفهما في غير موضع من الكتاب العزيز (1) تغايرهما. ولعلهما من قبيل الفقير والمسكين (2) إذا اجتمعا افترقا ، وإذا افترقا اجتمعا. ولعل اللعب يشمل مثل حركات الأطفال الغير المنبعثة عن القوى الشهوية. واللهو ما تلتذ به النفس ، وينبعث عن القوى الشهوية.
    وقد ذكر غير واحد أن قوله تعالى : ( إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة ) (3) الآية ، بيان ملاذ الدنيا على ترتيب تدرجه في العمر ، وقد جعلوا لكل واحد منها ثمان سنين (4).
    وكيف كان ، فلم أجد من أفتى بحرمة اللعب عدا الحلي على ما عرفت من كلامه (5) ، ولعله يريد اللهو ، وإلا فالأقوى الكراهة.

    [ معنى اللغو وبيان حكمه ]
    وأما اللغو ، فإن جعل مرادف اللهو ـ كما يظهر من بعض الأخبار ـ كان في حكمه.
    ففي رواية محمد بن أبي عباد المتقدمة (6) عن أبي الحسن الرضا عليه السلام : ( أن السماع في حيز اللهو والباطل ، أما سمعت قول الله
1 ـ كما في سورة الأنعام : 32 ، والعنكبوت : 64 ، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم : 36 ، والحديد : 20 وغيرها.
2 ـ من هنا إلى أول بحث النميمة ساقط من ( ف ).
3 ـ الحديد : 20.
4 ـ لم نعثر عليه بعينه ، انظر تفسير الصافي 5 : 137 ، والتفسير الكبير 30 : 233 ، ذيل الآية المذكورة.
5 ـ في الصفحة 42.
6 ـ تقدمت في المكاسب 1 : 289.


(49)
تعالى : ( وإذا مروا باللغو مروا كراما ) (1) (2).
    ونحوها رواية أبي أيوب (3) ، حيث أراد باللغو الغناء مستشهدا بالآية.
    وإن اريد به مطلق الحركات اللاغية ، فالأقوى فيها الكراهة.
    وفي رواية أبي خالد الكابلي ، عن سيد الساجدين ، تفسير الذنوب التي تهتك العصم ب‍ : شرب الخمر ، واللعب بالقمار ، وتعاطي ما يضحك الناس من اللغو والمزاح ، وذكر عيوب الناس (4).
    وفي وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذر رضي الله عنه : ( إن الرجل ليتكلم بالكلمة فيضحك الناس فيهوي ما بين السماء والأرض ) (5).
1 ـ الفرقان : 72.
2 ـ الوسائل 12 : 229 ، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 19.
3 ـ الوسائل 12 : 236 ، الباب 101 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 2.
4 ـ الوسائل 11 : 520 ، الباب 41 من أبواب الأمر والنهي ، الحديث 8.
5 ـ الوسائل 8 : 577 ، الباب 140 من أبواب أحكام العشرة ، الحديث 4 ، وفيه : ( إن الرجل ليتكلم بالكلمة في المجلس ليضحكهم بها فيهوي في جهنم ما بين السماء والأرض ).
المكاسب ـ جلد الثاني ::: فهرس