[ ما يدلّ على الحرمة ] ويدل عليه من الشرع قوله تعالى : ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ) (2).
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ فيما رواه الصدوق ـ : ( من عظم صاحب دنيا (3) وأحبه طمعا في دنياه ، سخط الله عليه ، وكان في درجته مع قارون في التابوت الأسفل من النار ) (4).
وفي النبوي الآخر الوارد في حديث المناهي : ( من مدح سلطانا
1 ـ التذكرة 1 : 582 ، والقواعد 1 : 121 ، والتحرير 1 : 161.
2 ـ هود : 113.
3 ـ في ( ش ) : الدنيا.
4 ـ عقاب الأعمال : 331 ، والوسائل 12 : 131 ، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 14 مع اختلاف.
(52)
جائرا ، أو تخفف و (1) تضعضع له طمعا فيه ، كان قرينه في النار ) (2).
[ وجوب مدح مَن لا يستحقّ المدح لدفع شرّه ] ومقتضى هذه الأدلة حرمة المدح طمعا في الممدوح ، وأما لدفع شره فهو واجب ، وقد ورد في عدة أخبار : ( أن شرار الناس الذين يكرمون اتقاء شرهم ) (3).
1 ـ كذا في ( ن ) والمصدر ، وفي سائر النسخ : أو.
2 ـ الوسائل 12 : 133 ، الباب 43 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأول ، وانظر الفقيه 4 : 11 ( حديث المناهي ).
3 ـ راجع الوسائل 11 : 326 ، الباب 70 من أبواب جهاد النفس ، الحديث 7 و 8 ، والخصال 1 : 14 ، الحديث 49 ، والمستدرك 12 : 77 ، الباب 70 من أبواب جهاد النفس ، الحديث 1 ، 2 ، 4 و 6.
[ حرمة معونة الظالمين في ظلمهم بالأدلّة الأربعة ] معونة الظالمين في ظلمهم حرام بالأدلة الأربعة ، وهو (1) من الكبائر ، فعن كتاب الشيخ ورام بن أبي فراس ، قال : ( قال عليه السلام : من مشى إلى ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج عن الإسلام ).
قال : ( وقال عليه السلام : إذا كان يوم القيامة ينادي مناد : أين الظلمة ، أين أعوان الظلمة ، أين أشباه الظلمة حتى من برى لهم قلما أو لاق لهم دواة ، فيجتمعون في تابوت من حديد ، ثم يرمى بهم في جهنم ) (2).
وفي النبوي صلى الله عليه وآله وسلم : ( من علق سوطا بين يدي سلطان جائر جعلها (3) الله حية طولها سبعون (4) ألف ذراع ، فيسلطها (5) الله عليه
1 ـ في ( ن ) : وهي.
2 ـ تنبيه الخواطر ( مجموعة ورام ) 1 : 62 ، والوسائل 12 : 131 ، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 15 و 16.
3 ـ في عقاب الأعمال : جعله الله.
4 ـ في عقاب الأعمال : ستون.
5 ـ في ( ن ) ، ( خ ) ، ( م ) ، ( ع ) و ( ص ) : فيسلط. وفي الوسائل ونسخة بدل ( ش ) : فيسلطه.
(54)
في نار جهنم خالدا فيها مخلدا ) (1).
[ هل تحرم معونة الظالمين في غير المحرّمات؟ ] وأما معونتهم في غير المحرمات ، فظاهر كثير من الأخبار حرمتها أيضا كبعض ما تقدم ، وقول الصادق عليه السلام ـ في رواية يونس بن يعقوب ـ : ( لا تعنهم على بناء مسجد ) (2) ، وقوله عليه السلام : ( ما احب أني عقدت لهم عقدة ، أو وكيت لهم وكاء وأن لي ما بين لابتيها ، لا (3) ولا مدة بقلم ، إن أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يفرغ الله من الحساب (4) ) (5).
لكن المشهور عدم الحرمة ، حيث قيدوا المعونة المحرمة بكونها في الظلم.
والأقوى التحريم مع عد الشخص من الأعوان ، فإن مجرد إعانتهم على بناء المسجد ليست محرمة ، إلا أنه إذا عد الشخص معمارا للظالم أو بناء له ولو في خصوص المساجد ـ بحيث صار هذا العمل منصبا له في باب السلطان ـ كان محرما.
ويدل على ذلك : جميع ما ورد في ذم أعوان الظلمة (6) ، وقول
1 ـ الوسائل 12 : 131 ، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 14 ، وراجع عقاب الأعمال : 284.
2 ـ الوسائل 12 : 129 ، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 8.
3 ـ لم ترد ( لا ) في ( ن ) ، ( خ ) و ( ع ).
4 ـ في المصدر ونسخة بدل ( ش ) : حتى يحكم الله بين العباد.
5 ـ الوسائل 12 : 129 ، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 6.
6 ـ راجع الوسائل 12 : 127 ، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به.
(55)
أبي عبد الله عليه السلام ـ في رواية الكاهلي ـ : ( من سود اسمه في ديوان ولد سابع (1) حشره الله يوم القيامة خنزيرا ) (2).
وقوله عليه السلام : ( ما اقترب عبد من سلطان جائر (3) إلا تباعد من الله ) (4).
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( إياكم وأبواب السلطان وحواشيها فإن أقربكم من أبواب السلطان وحواشيها أبعدكم عن الله تعالى ) (5).
[ حكم العمل للظالم في المباحات إذا لم يعدّ من أعوانه ] [ ظهور بعض الأخبار في التحريم ] وأما العمل له في المباحات لاجرة أو تبرعا ، من غير أن يعد معينا له في ذلك ، فضلا من أن يعد من أعوانه ، فالأولى عدم الحرمة ، للأصل وعدم الدليل عدا ظاهر بعض الأخبار ، مثل رواية ابن أبي يعفور ، قال : ( كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه رجل من أصحابنا (6) فقال له : جعلت فداك (7) ، ربما أصاب الرجل منا الضيق والشدة فيدعى إلى البناء يبنيه ، أو النهر يكريه ، أو المسناة يصلحها ، فما تقول في ذلك؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام : ما احب أني عقدت
1 ـ مقلوب ( عباس ).
2 ـ الوسائل 12 : 130 ، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 9.
3 ـ لم ترد ( جائر ) في ( ن ) ، ( خ ) ، ( م ) و ( ع ) ، ووردت في ( ص ) في الهامش.
4 ـ الوسائل 12 : 130 ، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 12.
5 ـ الوسائل 12 : 130 ، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 13.
6 ـ لم ترد ( من أصحابنا ) في ( خ ) ، ( م ) ، ( ن ) ، ( ع ) و ( ص ).
7 ـ لم ترد ( جعلت فداك ) في ( خ ) ، ( م ) ، ( ن ) ، ( ع ) و ( ص ).
(56)
لهم عقدة أو وكيت لهم وكاء وأن لي ما بين لابتيها ... إلى آخر ما تقدم (1) ).
ورواية محمد بن عذافر عن أبيه ، قال : ( قال لي أبو عبد الله عليه السلام : يا عذافر بلغني أنك تعامل أبا أيوب وأبا الربيع ، فما حالك إذا نودي بك في أعوان الظلمة؟ قال : فوجم (2) أبي ، فقال له (3) أبو عبد الله عليه السلام ـ لما رأى ما أصابه ـ : أي عذافر إنما خوفتك بما خوفني الله عزوجل به. قال محمد : فقدم أبي فما زال مغموما مكروبا حتى مات ) (4).
ورواية صفوان بن مهران الجمال ، قال : ( دخلت على أبي الحسن الأول (5) عليه السلام ، فقال لي : يا صفوان كل شيء منك حسن جميل ما خلا شيئا واحدا ، فقلت : جعلت فداك ، أي شئ؟ قال عليه السلام : إكراؤك جمالك من هذا الرجل ـ يعني هارون (6) ـ ، قلت : والله ما أكريته أشرا ولا بطرا ولا لصيد (7) ولا للهو (8) ، ولكن أكريته لهذا الطريق ـ يعني طريق مكة ـ ولا أتولاه بنفسي ولكن أبعث معه غلماني.
1 ـ في الصفحة 54.
2 ـ في ( خ ) ، ( م ) ، ( ع ) و ( ص ) : ففزع.
3 ـ لم ترد ( له ) في ( ن ) ، ( خ ) ، ( م ) و ( ع ).
4 ـ الوسائل 12 : 128 ، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 3.
5 ـ لم ترد ( الأول ) في ( خ ) ، ( م ) و ( ع ).
6 ـ في ( ش ) زيادة : الرشيد.
7 ـ في الوسائل : للصيد.
8 ـ في ( ع ) و ( ص ) : ولا لهو.
(57)
فقال لي : يا صفوان ، أيقع كراؤك عليهم؟ قلت : نعم ، جعلت فداك. قال : أتحب بقاءهم حتى يخرج كراؤك؟ قلت : نعم. قال : من (1) أحب بقاءهم فهو منهم ، ومن كان منهم كان وروده إلى النار.
قال صفوان : فذهبت وبعت (2) جمالي عن آخرها ، فبلغ ذلك إلى (3) هارون ، فدعاني فقال لي : يا صفوان ، بلغني أنك بعت جمالك؟ قلت : نعم. قال : ولم؟ قلت : أنا شيخ كبير ، وأن الغلمان لا يقومون (4) بالأعمال. فقال : هيهات هيهات ، إني لأعلم من أشار عليك بهذا (5) ، إنما أشار عليك (6) بهذا موسى بن جعفر. قلت : ما لي (7) ولموسى بن جعفر. قال : دع هذا عنك ، والله لولا (8) حسن صحبتك لقتلتك ) (9).
وما ورد في تفسير الركون إلى الظالم : من أن الرجل يأتي السلطان فيحب بقاءه إلى أن يدخل يده في كيسه فيعطيه (10) ، وغير ذلك مما ظاهره وجوب التجنب عنهم.
1 ـ في ( ص ) : فمن.
2 ـ في ( ش ) والوسائل : فبعت.
3 ـ لم ترد ( إلى ) في ( ن ) ، ( خ ) ، ( م ) و ( ع ).
4 ـ في الوسائل ونسخة بدل ( ص ) و ( ش ) : لا يفون.
5 ـ عبارة : ( إني لأعلم من أشار إليك بهذا ) من ( ش ) والمصدر.
6 ـ كذا في ( ش ) والمصدر ، وفي سائر النسخ : إليك.
7 ـ في ( خ ) : فمالي.
8 ـ في ( ص ) والوسائل : فوالله لولا ، وفي ( خ ) ، ( ن ) ، ( م ) و ( ع ) : فلولا.
9 ـ الوسائل 12 : 131 ، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 17.
10 ـ راجع الوسائل 12 : 133 ، الباب 44 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأول.
(58)
ومن هنا لما قيل لبعض : إني رجل أخيط للسلطان ثيابه ، فهل تراني بذلك داخلا في أعوان الظلمة؟ قال له : المعين من يبيعك الإبر والخيوط ، وأما أنت فمن (1) الظلمة أنفسهم (2).
وفي رواية سليمان الجعفري ـ المروية عن تفسير العياشي ـ : ( أن الدخول في أعمالهم ، والعون لهم ، والسعي في حوائجهم عديل الكفر ، والنظر إليهم على العمد من الكبائر التي يستحق (3) بها النار ) (4).
[ مناقشة ظهور الأخبار في التحريم ] لكن الإنصاف : أن شيئا مما ذكر لا ينهض دليلا لتحريم العمل لهم على غير جهة المعونة.
أما الرواية الاولى (5) ، فلأن التعبير فيها ـ في الجواب بقوله : ( ما احب ) ـ ظاهر في الكراهة.
وأما قوله عليه السلام : ( إن أعوان الظلمة ... الخ ) ، فهو من باب التنبيه على أن القرب إلى الظلمة والمخالطة معهم مرجوح ، وإلا فليس من يعمل لهم الأعمال المذكورة في السؤال ـ خصوصا مرة أو مرتين ، خصوصا مع الاضطرار ـ معدودا من أعوانهم.
1 ـ في ( ن ) ، ( خ ) ، ( م ) و ( ع ) : من.
2 ـ حكاه الشيخ البهائي في الأربعين حديثا : 239.
3 ـ كذا في ( ن ) والوسائل ، وفي سائر النسخ : تستحق.
4 ـ الوسائل 12 : 138 ، الباب 45 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 12. وانظر تفسير العياشي 1 : 238 ، الحديث 110.
5 ـ لم ترد ( الاولى ) في ( خ ) ، ( م ) ، ( ع ) و ( ص ) ، ووردت في ( ن ) تصحيحا.
(59)
وكذلك يقال في رواية عذافر ، مع احتمال أن تكون (1) معاملة عذافر مع أبي أيوب وأبي الربيع على وجه يكون معدودا من أعوانهم وعمالهم.
وأما رواية صفوان ، فالظاهر منها أن نفس المعاملة معهم ليست محرمة ، بل من حيث محبة بقائهم وإن لم تكن معهم معاملة ، ولا يخفى على الفطن العارف بأساليب الكلام أن قوله عليه السلام : ( ومن أحب بقاءهم كان منهم ) لا يراد به من أحبهم مثل محبة صفوان بقاءهم حتى يخرج كراؤه ، بل هذا من باب المبالغة في الاجتناب عن مخالطتهم حتى لا يفضي ذلك إلى صيرورتهم من أعوانهم ، وأن يشرب القلب حبهم ، لأن القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها.
[ أقسام العمل لظَلَمة وتعيين المحرّم منها ] وقد تبين مما ذكرنا : أن المحرم من العمل للظلمة قسمان :
أحدهما ـ الإعانة لهم على الظلم.
والثاني ـ ما يعد معه (2) من أعوانهم ، والمنسوبين إليهم ، بأن يقال : هذا خياط السلطان ، وهذا معماره.
وأما ما عدا ذلك فلا دليل معتبر على تحريمه.
1 ـ كذا في ( ص ) ، وفي سائر النسخ : يكون.
2 ـ في ( ش ) : معهم.