المكاسب ـ جلد الثاني ::: 121 ـ 130
(121)
المسألة الثامنة والعشرون
    [ تفسير الهجر والدليل على حرمته ]
    الهجر ـ بالضم ـ وهو الفحش من القول وما استقبح التصريح به منه ، ففي صحيحة أبي عبيدة : ( البذاء من الجفاء ، والجفاء في النار ) (1).
    وفي النبوي : ( إن الله حرم الجنة على كل فحاش بذئ قليل الحياء ، لا يبالي بما قال ولا ما قيل فيه ) (2).
    وفي رواية سماعة : ( إياك أن تكون فحاشا ) (3).
    وفي النبوي : ( إن من أشر (4) عباد الله من يكره مجالسته لفحشه ) (5).
    وفي رواية : ( من علامات شرك الشيطان الذي لا شك (6) فيه :
1 ـ الوسائل 11 : 330 ، الباب 72 من أبواب جهاد النفس ، الحديث 3.
2 ـ الوسائل 11 : 329 ، الباب 72 من أبواب جهاد النفس ، الحديث 2.
3 ـ الوسائل 11 : 328 ، الباب 71 من أبواب جهاد النفس ، الحديث 7.
4 ـ كذا في ( ف ) ، ( م ) والمصدر ، وفي سائر النسخ : شر.
5 ـ الوسائل 11 : 328 ، الباب 71 من أبواب جهاد النفس ، الحديث 8.
6 ـ في المصدر ونسخة بدل ( ش ) : لا يشك.


(122)
أن يكون فحاشا لا يبالي بما قال ولا ما قيل فيه ) (1). إلى غير ذلك من الأخبار (2).
    هذا آخر ما تيسر تحريره من المكاسب المحرمة.
1 ـ الوسائل 11 : 327 ، الباب 71 من أبواب جهاد النفس ، الحديث الأول.
2 ـ الوسائل 11 : 327 ، الباب 71 من أبواب جهاد النفس ، الأحاديث 3 و 4 وغيرهما.


(123)
النوع الخامس
مما يحرم التكسب به (1)

1 ـ العنوان زيادة منا.

(124)

(125)
النوع الخامس (1)
مما يحرم التكسب به
    [ حرمة التكسّب بالواجبات ]
    ما يجب على الإنسان فعله عينا أو كفاية تعبدا أو توصلا على المشهور كما في المسالك (2) ، بل عن مجمع البرهان : كأن دليله الإجماع (3).
    والظاهر أن نسبته إلى الشهرة في المسالك ، في مقابل قول السيد (4) المخالف في وجوب تجهيز الميت على غير الولي ، لا في حرمة أخذ الاجرة على تقدير الوجوب عليه.
    وفي جامع المقاصد : الاجماع على عدم جواز أخذ الاجرة على تعليم صيغة النكاح ، أو إلقائها على المتعاقدين (5) ، انتهى.
1 ـ كذا في ( ص ) ، وفي سائر النسخ : الخامس.
2 ـ المسالك 3 : 130.
3 ـ مجمع الفائدة 8 : 89.
4 ـ لم نقف عليه في ما بأيدينا من كتب السيد ورسائله ، نعم حكاه عنه الشهيد في الدروس 3 : 172.
5 ـ جامع المقاصد 4 : 37 ، ولم يذكر إلا إلقاء الصيغة على المتعاقدين.


(126)
    وكأن لمثل هذا ونحوه (1) ذكر في الرياض : أن على هذا الحكم الاجماع في كلام جماعة ، وهو الحجة (2) ، انتهى.

    [ تحديد موضوع المسألة ]
    واعلم أن موضوع هذه المسألة : ما إذا كان للواجب (3) على العامل منفعة تعود إلى من يبذل بإزائه المال ، كما لو كان كفائيا وأراد سقوطه منه فاستأجر غيره ، أو كان عينيا على العامل ورجع نفع (4) منه إلى باذل المال ، كالقضاء للمدعي إذا وجب عينا.
    وبعبارة اخرى : مورد الكلام ما لو فرض مستحبا لجاز الاستئجار عليه ، لأن الكلام في كون مجرد الوجوب على الشخص مانعا عن أخذه (5) الاجرة عليه ، فمثل فعل الشخص صلاة الظهر عن نفسه لا يجوز أخذ الاجرة عليه ، لا لوجوبها ، بل لعدم وصول عوض المال إلى باذله ، فإن النافلة أيضا كذلك.

    [ فساد الاستدلال على الحرمة بمنافاة الاستئجار للإخلاص ]
    ومن هنا يعلم فساد الاستدلال على هذا المطلب بمنافاة ذلك للإخلاص في العمل (6) ، لانتقاضه طردا وعكسا بالمندوب والواجب التوصلي.
    وقد يرد ذلك (7) بأن تضاعف الوجوب بسبب الإجارة يؤكد
1 ـ في ( م ) : أو نحوه.
2 ـ الرياض 1 : 505.
3 ـ كذا في ( ف ) و ( ن ) ، وفي سائر النسخ : الواجب.
4 ـ كذا في ( ف ) ، وفي سائر النسخ : نفعه.
5 ـ كذا في ( ف ) ، وفي سائر النسخ : أخذ.
6 ـ استدل عليه السيد الطباطبائي في الرياض 1 : 505.
7 ـ رده السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4 : 92.


(127)
الإخلاص.
    وفيه ـ مضافا إلى اقتضاء ذلك ، الفرق بين الإجارة والجعالة ، حيث إن الجعالة لا توجب العمل على العامل ـ (1) أنه إن اريد أن تضاعف الوجوب يؤكد اشتراط الاخلاص ، فلا ريب أن الوجوب الحاصل بالإجارة توصلي لا يشترط في حصول ما وجب به قصد القربة ، مع أن غرض المستدل منافاة قصد أخذ المال لتحقق الاخلاص في العمل ، لا لاعتباره في وجوبه.
    وإن اريد أنه يؤكد تحقق الاخلاص من العامل ، فهو مخالف للواقع قطعا ، لأن ما لا يترتب عليه أجر دنيوي أخلص مما يترتب عليه ذلك بحكم الوجدان.
    هذا ، مع أن الوجوب الناشيء من الإجارة إنما يتعلق بالوفاء بعقد الإجارة ، ومقتضى الاخلاص المعتبر في ترتب الثواب على موافقة هذا الأمر ـ ولو لم (2) يعتبر في سقوطه ـ هو إتيان الفعل من حيث استحقاق المستأجر له (3) بإزاء ماله ، فهذا المعنى ينافي وجوب إتيان العبادة لأجل استحقاقه تعالى إياه ، ولذا لو لم يكن هذا العقد واجب الوفاء ـ كما في الجعالة ـ لم يمكن قصد الإخلاص مع قصد استحقاق العوض ، فلا إخلاص هنا حتى يؤكده وجوب الوفاء بعد الإيجاب بالإجارة ، فالمانع حقيقة هو عدم القدرة على إيجاد الفعل الصحيح بإزاء العوض ،
1 ـ لم يرد قوله ( مضافا ـ إلى ـ العامل ) في ( ف ).
2 ـ في ( ف ) : وإن لم.
3 ـ في ( م ) : المستأجر به ، وفي الهامش : المستأجر له.


(128)
سواء كانت المعاوضة لازمة أم جائزة.

    [ القربة في العبادات المستأجرة ]
    وأما تأتي القربة في العبادات المستأجرة ، فلأن الإجارة إنما تقع على الفعل المأتي به تقربا إلى الله ، نيابة عن فلان.
    توضيحه : أن الشخص يجعل نفسه نائبا عن فلان في العمل متقربا إلى الله ، فالمنوب عنه يتقرب إليه تعالى بعمل نائبه وتقربه ، وهذا الجعل في نفسه مستحب ، لأنه إحسان إلى المنوب عنه وإيصال نفع إليه ، وقد يستأجر الشخص عليه فيصير واجبا بالإجارة وجوبا توصليا لا يعتبر فيه التقرب.
    فالأجير إنما يجعل نفسه ـ لأجل استحقاق الاجرة ـ نائبا عن الغير في إتيان العمل الفلاني تقربا إلى الله ، فالاجرة في مقابل النيابة في العمل المتقرب به إلى الله التي مرجع نفعها إلى المنوب عنه ، وهذا بخلاف ما نحن فيه ، لأن الاجرة هنا في مقابل العمل تقربا إلى الله لأن العمل بهذا الوجه لا يرجع نفعه إلا إلى العامل ، لأن المفروض أنه يمتثل ما وجب على نفسه ، بل في مقابل نفس العمل ، فهو يستحق نفس العمل ، والمفروض أن الإخلاص إتيان العمل لخصوص أمر الله تعالى (1) ، والتقرب يقع للعامل دون الباذل ، ووقوعه للعامل يتوقف على أن لا يقصد بالعبادة سوى امتثال أمر الله تعالى.
    فإن قلت : يمكن للأجير أن يأتي بالفعل مخلصا لله تعالى ، بحيث لا يكون للإجارة دخل في إتيانه فيستحق الاجرة ، فالإجارة غير مانعة
1 ـ شطب في ( ف ) على عبارة ( لأن العمل ـ إلى ـ تعالى ) ، وكتب عليها في ( ن ) ، ( خ ) ، ( م ) ، ( ع ) و ( ش ) : نسخة.

(129)
عن (1) قصد الإخلاص.
    قلت : الكلام في أن مورد الإجارة لا بد أن (2) يكون عملا قابلا لأن يوفى به بعقد (3) الإجارة ، ويؤتى به لأجل استحقاق المستأجر إياه ومن باب تسليم مال الغير إليه ، وما كان من قبيل العبادة غير قابل لذلك.
    فإن قلت : يمكن أن يكون غاية الفعل التقرب ، والمقصود من إتيان هذا الفعل المتقرب به استحقاق الاجرة ، كما يؤتى بالفعل تقربا إلى الله ويقصد منه حصول المطالب الدنيوية ، كأداء الدين وسعة الرزق وغيرهما من الحاجات الدنيوية.
    قلت : فرق بين الغرض الدنيوي المطلوب من الخالق الذي يتقرب إليه بالعمل ، وبين الغرض الحاصل من غيره وهو استحقاق الاجرة ، فإن طلب الحاجة (4) من الله تعالى سبحانه ولو كانت دنيوية محبوب عند الله ، فلا يقدح في العبادة ، بل ربما يؤكدها (5).
    وكيف كان ، فذلك الاستدلال حسن في بعض موارد المسألة وهو الواجب التعبدي في الجملة ، إلا أن مقتضاه جواز أخذ الاجرة في
1 ـ كذا في ( ف ) ، وفي غيرها : من.
2 ـ في ( ص ) : وأن.
3 ـ في ( ص ) : عقد.
4 ـ كتب في ( ش ) على عبارة : ( فإن طلب الحاجة ) : نسخة.
5 ـ لم ترد عبارة ( فإن طلب الحاجة ـ إلى ـ يؤكدها ) في ( ف ) ، وكتب عليها في ( ن ) ، ( خ ) ، ( م ) و ( ع ) : نسخة.


(130)
التوصليات ، وعدم جوازه في المندوبات التعبدية ، فليس مطردا ولا منعكسا.

    [ استدلال بعض الأساطين على الحرمة وتوضيحه ]
    نعم ، قد استدل على المطلب بعض الأساطين في شرحه على القواعد بوجوه ، أقواها : أن التنافي بين صفة الوجوب والتملك ذاتي ، لأن المملوك والمستحق (1) لا يملك ولا يستحق ثانيا (2).
    توضيحه : أن الذي يقابل المال لا بد أن يكون كنفس المال مما يملكه المؤجر حتى يملكه المستأجر (3) في مقابل تمليكه المال إياه ، فإذا فرض العمل واجبا لله ليس للمكلف تركه ، فيصير نظير العمل المملوك للغير ، ألا ترى أنه إذا آجر نفسه لدفن الميت لشخص لم يجز له أن يؤجر نفسه ثانيا من شخص آخر لذلك العمل ، وليس إلا لأن الفعل صار مستحقا للأول ومملوكا له ، فلا معنى لتمليكه ثانيا للآخر مع فرض بقائه على ملك الأول ، وهذا المعنى موجود فيما أوجبه الله تعالى ، خصوصا فيما يرجع إلى حقوق الغير ، حيث إن حاصل الإيجاب هنا جعل الغير مستحقا لذلك العمل من هذا العامل ، كأحكام تجهيز الميت التي جعل الشارع الميت مستحقا لها على الحي ، فلا يستحقها غيره ثانيا.

    [ المناقشة في الاستدلال ]
    هذا ، ولكن الإنصاف أن هذا الوجه أيضا لا يخلو عن الخدشة ، لإمكان منع المنافاة بين الوجوب الذي هو طلب الشارع الفعل ، وبين
1 ـ كذا في ( ش ) والمصدر ، وفي سائر النسخ : المملوك المستحق.
2 ـ شرح القواعد ( مخطوط ) : الورقة 27.
3 ـ في ( ف ) : للمستأجر.
المكاسب ـ جلد الثاني ::: فهرس